آخر المواضيع

آخر الأخبار

08‏/06‏/2012

في الانتخابات الرئاسية: إن لم يكن «العزل» فمرسي هو الحل

تامر وجيه
فور تلقي صدمة نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، دخل الناس في متاهة اختيارات الجولة الثانية. وفي أوساط القوى المحسوبة على الثورة تتعدد الاقتراحات وتتقاطع، بين الداعين إلى تكوين مجلس رئاسي مدني يشق مجرى جديدا للصراع خارج «الإطار الضيق لديمقراطية الصندوق»، والمطالبين بعزل الفريق أحمد شفيق وإعادة الانتخابات باثني عشر مرشحا فقط، والمحبذين للمقاطعة أو إبطال الأصوات، والمكتفين بالدعوة إلى انتخاب مرشح جماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي بوصفه، كما يقول البعض، «أهون الشرَّيْن».
 
كان اندلاع المظاهرات في أعقاب الأحكام بالبراءة على ابني مبارك ومساعدي العادلي الستة قد فتح الباب لعودة الثورة إلى الميادين بعد أن ظلت حبيسة المجال السياسي الانتخابي على مدى أسابيع طوال. وفي هذا السياق، ارتفعت شعبية الاقتراحات الأكثر «جذرية» مثل «المجلس الرئاسي المدني»، بينما ظهرت بدائل مثل انتخاب «مرسي» في أعين الكثيرين كخيارات رجعية تكشف خضوعـ«نا» غير المبرر – نحن الثوريين – للمسار الانتخابي الذي يفرضه علينا المجلس الأعلى للقوات المسلحة بما يحقق مصالحه ومصالح «الثورة المضادة».
أظن أنه يتوجب علي أن أصارح رفاقي وأصدقائي المنتمين إلى معسكر الثورة بأني أعتقد أن الوضع الراهن للصراع السياسي والطبقي ربما يفرض علينا انتخاب الدكتور محمد مرسي كأحسن البدائل الممكنة لدحر الثورة المضادة. وسأحاول هنا أن أشرح الأسباب التي تدعوني إلى هذا التقدير.
 
الحركة
دارت انتخابات الجولة الأولى بين ثلاثة تيارات رئيسية هي: تيار الإسلام السياسي، تيار الثورة المضادة/ الدولة العميقة/ الفلول، وتيار الثورة. لكن المفارقة أن هذه التيارات الثلاثة مثلها خمسة أشخاص هم محمد مرسي، أحمد شفيق، عمرو موسى، حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح.
وقد أظهرت نتائج الانتخابات أن هذا التعدد غير المبرر موضوعيا بين المرشحين قد أتى في غير صالح قوى الثورة. فبينما أفلت مرسي من تفتيت الأصوات بينه وبين أبو الفتوح، وبينما نجح شفيق في أن يجذب معظم أصوات قوى الاستقرار والثورة المضادة بعيدا عن موسى، فإن توزيع الأصوات بين صباحي وأبو الفتوح أدى إلى خروجهما معا من السباق. وهنا أصبحت هناك حقيقة واقعة هي أن قوى الثورة حصدت أعلى الأصوات، لكنها لم تنجح في أن تترجم هذا إلى تصعيد لأحد مرشحيها إلى الجولة الثانية.
يرى البعض أن هذا وضع تسببت فيه قوى الثورة وعليها بالتالي أن تدفع ثمنه، على الأقل من زاوية الالتزام الأخلاقي بنتائج منافسة قررت تلك القوى أن تشارك فيها. لكني أعتقد أن هذه الرؤية القانونية/ الأخلاقية للأزمة التي نمر بها تتسم بضيق الأفق. ذلك أن الثورات – بالتعريف – تُنشئ سياقا جديدا يكسر القواعد السابقة عليها ويضع اختيار الشعب الثائر فوق كل التزام سابق. السؤال إذن ليس «هل من الأخلاقي أو القانوني تجاوز نتائج الانتخابات؟»، بل «هل الجماهير الثائرة مهيأة لتجاوز العملية الانتخابية إلى الآفاق الأرحب لديمقراطية الشارع أم لا؟»
الإجابة على هذا السؤال الثاني تبدأ من قراءة حركة الجماهير ووعيها واستعداداتها النضالية. فهل يمكن ترجمة المفارقة بين أكثرية الأصوات التي حصل عليها مرشحو الثورة وخروجهم رغم ذلك من السباق إلى حركة شارع واسعة قادرة على فرض مسار آخر غير إكمال الانتخابات؟
اندلاع المظاهرات الغاضبة احتجاجا على براءات محاكمة مبارك يعطي مؤشرا إيجابيا في هذا الصدد. فها هي الناس تنتفض غاضبة لتملأ الميادين مطالبة، من ضمن ما تطالب، بتطبيق قانون العزل. فمن المنطقي إذن أن نتوقع أن هذا التيار الشعبي الغاضب والمصدوم من نتائج الانتخابات في مقدوره أن يكون أساسا جيدا لحركة جماهيرية طاغية قادرة – إن استمرت واتسعت – على إعادة تأسيس قواعد اللعبة في المجال السياسي.
لكن رغم أن تلك الحركة الصاعدة تعطينا أملا في تغيير موازين الصراع، إلا أني أعتقد أن الأمر ليس سهلا، وقد ينتهي إلى الفشل. ذلك أن مظاهرات الميادين الآن لا تمثل إجماعا شعبيا كما كان الحال في الأيام الأولى لثورة الخامس والعشرين من يناير. فهناك قطاع واسع من الجماهير الشعبية، خاصة في أوساط البرجوازية الصغيرة المتأخرة، يطلب الاستقرار أكثر من أي شيء آخر، ومن ثم يعتبر أي تعطيل للعملية الانتخابية عملا عدائيا وغير مسؤول.
كذلك، فإن قيادات الحركة الجماهيرية الموضوع على عاتقها تعبئة الشارع ليست منسجمة أوموحدة. فبين هذه القوى من يدعو إلى مجلس رئاسي مدني، وبينها من يدعو إلى العزل، وبينها من يراوح في مكانه، وهكذا. هذا ناهيك عن افتقارها إلى شكل تنظيمي متماسك ومغروس في أوساط الجماهير يمكنه أن يمارس أدوار التعبئة والتحريض والتنظيم.
 
العزل
ولكن برغم صعوبة تعبئة الجناح الأكثر ثورية من الجماهير، وبرغم ضيق الوقت، إلا أني اعتقد أن خوض محاولة «تغيير قواعد اللعبة» أمر يستحق المحاولة. وهنا أقول إني أرى أن مطلب تطبيق قانون العزل، ومن ثم إعادة الانتخابات، هو أكثر المطالب صحة من الناحية التكتيكية، وذلك على خلاف مطالب مثل «المجلس الرئاسي المدني» أو ‌»إبطال الأصوات».
فميزة هذا المطلب هي أنه يطعن في العملية الانتخابية من داخل قواعدها ولا ينقلب عليها، ومن ثم فهو يبدو أكثر قبولا لدى الجناح الأكثر ثورية في الحركة الجماهيرية الذي وصلت درجة «ثوريته» إلى حد المطالبة باستكمال الثورة وعزل الفلول، ولكنها لم تصل بعد إلى حد تجاوز الديمقراطية البرجوازية بالكامل.
ميزة أخرى في هذا المطلب هو أنه قادر على تحييد الإخوان المسلمين وجذب قطاع من جمهورهم. فالإخوان، نظرا لطبيعتهم الإصلاحية وميولهم غير الصدامية، يرون أن شعار المجلس الرئاسي المدني خط أحمر غير مقبول من حيث أنه ينقلب على المسار الانتخابي ويضع مرشحهم على قدم المساواة مع مرشحين آخرين حصلوا على أعداد من الأصوات أقل منه بكثير. لكنهم في المقابل لا يستطيعون رفض مطلب عزل شفيق الذي لا يخرج، ظاهريا، على «قواعد اللعبة» ويحقق بعض مصالحهم التكتيكية.
 
مرسي
لكن الوقت ضيق كما أشرت. والاحتمال الأقرب هو ألا تستطيع حركة الشارع أن تفرض عزل شفيق. هنا أرى من العدمية السياسية ألا نقول بوضوح أن الموقف الوحيد الذي يحسن من شروط الثورة هو التصويت لمرسي. فإن فُرض علينا إكمال الانتخابات، فلا مفر من أن نتبنى الخيار الذي يؤدي إلى إقصاء الفلول وإنزال الهزيمة بالثورة المضادة.
هنا نأتي إلى نقطة جوهرية في السجال الدائر، وهي تلك المتعلقة بالمقارنة بين مرسي وشفيق. إذ يميل كثير من الثوريين إلى الاعتقاد أن الاثنين متساويان في خطرهما على الثورة، من حيث أن الأول يمثل خطر «الفاشية الدينية» والثاني يمثل خطر «الفاشية العسكرية».
لا أرى في هذا الكلام أي وجه للصحة. فالإخوان المسلمون تنظيم محافظ يغذي عند أعضائه أفكارا رجعية بشأن المرأة والأقباط والحريات الشخصية؛ والإخوان المسلمون تنظيم غير ثوري ينظر إلى تعبئة الجماهير بحذر وتشكك؛ والإخوان المسلمون تنظيم مهادن يريد أن يحقق الإصلاح من خلال إجراء مواءمات مع النظام القائم. كل هذا صحيح، لكنه لا يبرر أبدا القول إن جماعة الإخوان جماعة فاشية تسعى إلى خلق دولة دينية في مصر.
الحقيقة أن الإخوان أقرب إلى أحزاب الطبقة الوسطى والبرجوازية الصغيرة المحافظة في الغرب، تلك الأحزاب التي تعلو النبرة الأخلاقية لديها وترتبط مطالبها الإصلاحية بمواقف رجعية في القضايا الثقافية والاجتماعية، لكنها كذلك تقبل تماما بـ«قواعد اللعبة» الديمقراطية ولا تفكر في الخروج على الآليات الإصلاحية المهادنة في التغيير.
الفارق المهم بين الإخوان وأحزاب الغرب الشبيهة هي أن الجماعة عاشت معظم عمرها في ظل ديكتاتورية تنتمي إلى العالم الثالث، وهو ما عنى أنها ظلت طويلا في وضع المعارضة المضطهدة والمهمشة، مما أعطاها فرصة أكبر لترويج الأوهام بين الجماهير حول راديكالية مواقفها و«الخير الذي تحمله لمصر».
أن نساوي بين تنظيم كهذا – شارك في الأيام الأولى للثورة بتردد ثم حاول تحقيق مشروعه الإصلاحي/المحافظ من خلال إجراء مواءمات مع الدولة العميقة – وبين الممثلين الرسميين للثورة المضادة لهو العبث بعينه. فهؤلاء المترددون الباحثون عن أي سبيل للمهادنة يريدون فقط أن يحصلوا على مكان تحت شمس الدولة العميقة. لكن تناقضات الثورة أجبرتهم على البحث عن طريق وسط بين إرضاء جماهيرهم وإرضاء العسكر مما أفضى إلى فتح باب صراع، كان سيأتي عاجلا أو آجلا، بينهم وبين القوى المسيطرة على جهاز الدولة.
في هذا السياق لا مفر من التأييد النقدي للإخوان في صراعهم مع الثورة المضادة. ذلك أن انتصار الثورة المضادة في الانتخابات الرئاسية سيكون مؤشرا على «شعبية» النظام السابق، بما يعنيه هذا من دفعة معنوية هائلة للفلول وجهاز الشرطة وشبكات الفساد، وبما يعنيه كذلك من وقوع مؤسسة الرئاسة في يد الدولة العميقة لتصبح واجهة لتلك الأخيرة في معركتها ضد الثورة.
أما فوز مرشح الإخوان، فهو سيعطي الثورة مساحة أخرى للمقاومة، ليس لأن الإخوان قوة ثورية، ولكن لأن طبيعة صراعهم مع العسكر، على أساس من كسبهم لشرعية شعبية بالانتخابات، ستفرض عملية إضعاف لمؤسسات الدولة العميقة حتى بالرغم من أن الإخوان سيحاولون، مرة أخرى، الوصول إلى تفاهمات ومواءمات.
إن تأييد مرسي بشكل نقدي، مع بناء مرتكز سياسي مستقل للقوى الثورية، هو ضرورة تفرضها مقتضيات اللحظة إن لم ننجح في إزاحة شفيق عن السباق الانتخابي. نحن ببساطة إزاء تحالف تكتيكي تفرضه علينا معركة ضد خطر داهم على الثورة. فإن انتصرنا على الثورة المضادة في هذه الموقعة، وهو أمر ممكن، لن نألو جهدا بدءا من اليوم التالي في معارضة الرئيس المنتخب محمد مرسي لكشف تعارض مشروعه مع مصالح الجماهير الطامحة إلى توفير الخبز واقتناص الحرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى

ADDS'(9)

ADDS'(3)

 


-

اخر الموضوعات

مدونة افتكاسات سينمائية .. قفشات افيهات لاشهر الافلام

مدونة افتكاسات للصور ... مجموعة هائلة من اجمل الصور فى جميع المجالات

مدونة افتكاسات خواطر مرسومة.. اقتباسات لاهم الشعراء فى الوطن العربى والعالم

مدونة لوحات زيتية ..لاشهر اللوحات الزيتية لاشهر رسامى العالم مجموعة هائلة من اللوحات

من نحن

author ‏مدونة اخبارية تهتم بالتوثيق لثورة 25 يناير.الحقيقة.مازلت اسعى لنقلها كاملة بلا نقصان .اخطئ لكنى منحاز لها .لايعنينى سلفى ولا مسلم ولا اخوان يعنينى الانسان،
المزيد عني →

أنقر لمتابعتنا

تسوق من كمبيوتر شاك المعادى