تبقى الحقيقة الغائبة في الدستور الجديد، هي أنه تجاوز العديد من سلبيات دستور 1971 وتحديداً فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية وتقليص صلاحيات الرئيس والحريات والحقوق.
محمد عبدالله …القاهرة- الأناضول
في خضم المعركة الجارية في الشارع السياسي المصري حول الدستور الجديد وطريقة إخراجه التي يصفها البعض بأنها لم تعني بتحقيق التوافق المجتمعي حوله، تبقى الحقيقة الغائبة في تحليل محتوى الدستور الذي يجري الاستفتاء الشعبي عليه منتصف الشهر الجاري، هي أنه تجاوز العديد من سلبيات دستور 1971 الذي ظل معمولاً به حتى تنحي الرئيس حسني مبارك في 11 فبراير 2011، وتحديداً فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية وتقليص صلاحيات الرئيس والحريات والحقوق.
فمن الناحية الاقتصادية، تضمن مشروع الدستور الجديد النص لأول مرة على الحد أدنى للأجور والمعاشات والحد الأقصى في أجهزة الدولة، ونزع الملكية مقابل تعويض "عادل ويدفع مقدما"، وذكرت بالنص في مادة التزام الدولة بحماية المدخرات "أموال التأمينات والمعاشات".
وبالنظر إلى نص المواد تفصيليا، فقد عالج مشروع الدستور السلبيات الاقتصادية في الدستور السابق حيث نصت المادة (14) من المسودة على حماية حقوق المستهلك وألزمت الدولة بضمان حد أدنى للمعاشات بينما كان المادة في دستور 71 تضمن الحد الدنى للأجور وحدها وأضافت المادة شرط أن يكفل حياة كريمة لكل مواطن، كما أكدت على وضع وحد أقصى للأجور في أجهزة الدولة لا يستثنى منه إلا بناء على قانون.
المادة (24) اتفقت مع المادة (34) في دستور 71 التي أجازت نزع الملكية مقابل تعويض لكنها نصت على أن يكون "عادلا ويُدفع مقدما".
المادة (28): أكدت التزام الدولة بحماية المدخرات وذكرت بالنص أموال التأمينات والمعاشات والتي لم تنص عليها مادة 39 من دستور71.
أما بشأن تقليص صلاحيات الرئيس، منع الرئيس من الترشح لأكثر من مدتين، واختصر مدة الحكم الواحدة من 6 سنوات إلى 4 سنوات، كما منع من أن يشغل منصبا حزبيا طوال فترة حكمه فيما لم ينص الدستور القديم على ذلك. والرئيس بات ملزما بتقديم بيان بذمته المالية عند توليه المنصب وعند تركه وكل عام طوال فترة وجوده في الحكم ونص لأول مرة على أن يعرض هذا البيان على البرلمان.
وكان دستور 71 يعطي الرئيس الحق في مدد أخرى ولا يشترط عدم شغله لمنصب حزبي خلال فترة رئاسته.
وخففت المادة (135) في الدستور الجديد من الشروط في دستور 71 والتي عدلها مبارك واعتبرها الكثيرون تعجيزية للترشح لمنصب الرئيس ونصت المادة الجديدة على أنه: "يشترط لقبول الترشح لرئاسة الجمهورية أن يزكى المترشح عشرون عضوا على الأقل من الأعضاء المنتخبين في مجلسي النواب والشورى، أو أن يؤيده ما لا يقل عن عشرين ألف مواطن، ممن لهم حق الانتخاب، في عشر محافظات على الأقل؛ وبحد أدنى ألف مؤيد من كل محافظة منها. ولا يجوز في جميع الأحوال أن يكون التأييد لأكثر من مرشح. وينظم القانون ذلك.
وكانت المادة (78) من دستور 71 تشترط أن يحصل المتقدم للترشيح على تأييد مائتين وخمسين عضوا على الأقل من الأعضاء المنتخبين لمجلسي الشعب والشورى والمجالس الشعبية المحلية للمحافظات، على ألا يقل عدد المؤيدين عن خمسة وستين من أعضاء مجلس الشعب وخمسة وعشرين من أعضاء مجلس الشورى، وعشرة أعضاء من كل مجلس شعبي محلى للمحافظة من أربع عشرة محافظة على الأقل.
وألزمت المادة (138) من الدستور الجديد رئيس الجمهورية بتقديم إقرار ذمة مالية، عند توليه المنصب وعند تركه وفى نهاية كل عام؛ يعرض على مجلس النواب (الشعب سابقا). وإذا تلقى بالذات أو بالواسطة هدايا نقدية أو عينية؛ بسبب المنصب أو بمناسبته، تؤول ملكيتها إلى الخزانة العامة للدولة. وكل ذلك على النحو الذى ينظمه القانون.
وسحبت المادة (139) من الدستور الجديد صلاحية رئيس الجمهورية في اختيار رئيس الوزراء بمفرده وفقا للمادة (141) من دستور 71، واشترطت حصول رئيس الوزراء الذى يختاره رئيس الجمهورية على ثقة مجلس النواب، فإذا لم تحصل الحكومة على الثقة خلال ثلاثين يوما يكلف رئيس الجمهورية رئيسا آخر لمجلس الوزراء من الحزب الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب؛ فإذا لم تحصل حكومته على الثقة خلال مدة مماثلة، يختار مجلس النواب رئيسا لمجلس الوزراء.
وفيما يخص صلاحية الرئيس اشترطت المادة 146 على رئيس الجمهورية موافقة مجلس الدفاع الوطني ذات الأغلبية العسكرية وموافقة مجلس النواب بأغلبية عدد الأعضاء قبل إعلان الحرب، فيما اكتفى دستور 71 بأن يقرر الرئيس الحرب ثم يعرض القرار على البرلمان.
وعن حريات المواطنين، فإن المادة (35) في الدستور الجديد عدلت مادة (41) من دستور 71 وأكدت أنه لا تقييد لحرية المواطن بأي قيد إلا بأمر قضائي وحذفت اختصاص النيابة التى أعطاها دستور 71 حق تقييد حرية المواطن مع القضاء.
وأوجبت المادة الجديدة تبليغ كل من تقيد حريته بأسباب ذلك كتابة خلال اثنتي عشرة ساعة، وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته؛ وألا يجرى التحقيق معه إلا في حضور محاميه؛ فإن لم يكن ندب له محام. ولكل من تقيد حريته، ولغيره، حق التظلم أمام القضاء من ذلك الإجراء والفصل فيه خلال أسبوع، وإلا وجب الإفراج حتما.
وتحذر المادة (36) من الدستور الجديد من يخالف شروط حجز المواطن المحتجز اللائقة إنسانيا وصحيا، والخاضعة للإشراف القضائي بأنه بذلك يرتكب جريمة يُعاقب عليها وفقا للقانون.
كما ألزمت المادة (39) من الدستور الجديد جهات التحقيقات والشرطة باحترام حرمة المنازل وأوجبت تنبيه من في المنازل قبل دخولها أو تفتيشها.
ونصت المادة (50) من الدستور الجديد على حق المواطنين في التظاهر السلمي وكفلت للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية، غير حاملين سلاحا، ويكون ذلك بناء على إخطار ينظمه القانون. وكفلت حرية الاجتماعات الخاصة دون إخطار، ولم تجز لرجال الأمن حضورها أو التنصت عليها.
ونصت المادة (55) على أن تكفل الدولة سلامة الاستفتاءات والانتخابات وحيدتها ونزاهتها. وجعلت تدخل أجهزتها بالتأثير على نتيجتها جريمة يعاقب عليها القانون.
المادة (58) أكدت حق كل مواطن في التعليم "عالي الجودة"، وفتحت الباب أمام إمكانية جعل التعليم إلزاميا في مراحل ما بعد التعليم الأساسي بينما كانت المادة (18) من دستور 71 تجعله إلزاميا في مرحلة التعليم الأساسي وحدها.
المادة (59): نصت على أن الجامعات والمجامع العلمية واللغوية ومراكز البحث العلمي مستقلة، وتخصص لها الدولة نسبة كافية من الناتج القومي.
بجانب ما تضمنته المادة 16 في دستور 71 من جعل التربية الدينية إلزامية جاءت المادة (60) بالدستور الجديد لتجعل اللغة العربية مادة أساسية في مراحل التعليم المختلفة بكل المؤسسات التعليمية. ونصت على أن التربية الدينية والتاريخ الوطني مادتان أساسيتان في التعليم قبل الجامعي بكل أنواعه. وتلتزم الجامعات بتدريس القيم والأخلاق اللازمة للتخصصات العلمية المختلفة.
وألزمت المادة (61) من الدستور الجديد الدولة بمدة عشر سنوات من تاريخ العمل بالدستور بتنفيذ خطة شاملة للقضاء على الأمية وتجفيف منابعها لكافة الأعمار، من الذكور والإناث . بينما كانت المادة (21 ) من دستور 71 تنص على أن محو الأمية واجب وطني ولا تلتزم بتوقيت.
أنهت المادة (87) من الدستور الجديد أسطورة أن مجلس الشعب "سيد قراره "حيث كان له الحكم النهائي في قبول الطعن على عضوية أعضاءه وفقا للمادة 93 من دستور 71 لتعطى الحق لمحكمة النقض بالفصل في صحة عضوية أعضاء المجلسين، وتقدم إليها الطعون خلال مدة لا تجاوز ثلاثين يوما من تاريخ إعلان النتيجة النهائية للانتخاب، وتفصل في الطعن خلال ستين يوما من تاريخ وروده إليها. وفى حالة الحكم ببطلان العضوية، تبطل من تاريخ إبلاغ المجلس بالحكم.
ومنعت المادة (198) من الدستور الجديد محاكمة مدنى أمام القضاء العسكري وهو ما كانت القوى السياسية تطالب به مبارك قبل تنحيه حيث تم محاكمة معارضين خاصة من الإسلاميين عسكريا واستثنت المادة الجرائم التى تضر بالقوات المسلحة فيجوز محاكمة مدنيين في هذه الحالة.
ومن بين المواد المستحدثة التى حملت مزايا جديدة جاءت المادة (4) من الدستور التى ضمنت استقلال الأزهر الشريف وجعلته يختص دون غيره بالقيام علي كافة شئونه.
كما كفلت المادة (49) حرية إصدار الصحف وتملكها، بجميع أنواعها، بمجرد الإخطار لكل شخص مصري طبيعي أو اعتباري. وينظم القانون إنشاء محطات البث الإذاعي والتليفزيوني ووسائط الإعلام الرقمي وغيرها.
وبعد أن كان مجلس الشورى يواجه تساؤلات حول جدواه أعطت المادة (131) من الدستور الجديد مجلس الشوري دورا مهما يعطيه الحق في ممارسة اختصاصات مجلس النواب التشريعية عند حله؛ ونصت على عرض القوانين التي يقرها مجلس الشوري خلال مدة الحل علي مجلس النواب (الشعب)، فور انعقاده، لتقرير ما يراه بشأنها. وعند غياب المجلسين، إذا طرأ ما يستوجب الإسراع باتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، أجازت لرئيس الجمهورية أن يصدر قرارات لها قوة القانون، تعرض علي مجلس النواب ومجلس الشوري - بحسب الأحوال- خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انعقادهما.
وأنهت المادة (173) من الدستور الجديد وضع النائب العام الذى كان يجعله في منصبه طوال بقاءه في الخدمة ونصت على أن "يتولى النيابة العامة نائب عام يعين بقرار من رئيس الجمهورية، بناء علي اختيار مجلس القضاء الأعلى، من بين نواب رئيس محكمة النقض والرؤساء بالاستئناف والنواب العامين المساعدين، وذلك لمدة أربع سنوات، أو للمدة الباقية حتي بلوغه سن التقاعد أيهما أقرب، ولمرة واحدة طوال مدة عمله".
ومنعت المادة (232) من الدستور الجديد قيادات الحزب الوطني الحاكم السابق المنحل من ممارسة العمل السياسي والترشح للانتخابات الرئاسية والتشريعية لمدة عشر سنوات من تاريخ العمل بالدستور. ويقصد بالقيادات كل من كان عضوا بالأمانة العامة للحزب أو بلجنة السياسات أو بالمكتب السياسي أو كان عضوا بمجلس الشعب أو الشورى في الفصلين التشريعيين السابقين على ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني.
وبالرغم من هذه المميزات في الدستور الجديد تبقى بعض المواد التي تلقى انتقادات حولها مثل مادة 219 المعنية بتفسير معنى "مبادئ الشريعة"، ولكن حالة الصراع السياسي والإعلامي حول الدستور الجديد غالباً ما تبرز هذه السلبيات والانتقادات وتضعها في بؤرة الرأي العام، ما قد يؤثر على التقييم الموضوعي للدستور المصري الجديد


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى