آية سمير- إنجي خليفة
عيونهم ثابته كعيون السمك لا تتحرك، لا يؤذون أحدا علي الرغم من أنهم تأذوا كثيرا..، متواجدين في وسط القاهرة تماما إلا أنهم بعيدون عنها..
متراصون في مكان كئيب بشكل لا يوصف، لا يمكن أن تصل الابتسامات لهم، لن أقصد مكانهم لمناسبة اجتماعية، ولن أقصده للضحك، لن أقصده للقاء أحدهم ولكن ربما لتوديعه.. ، إنهم مضطرون للبقاء داخل"مشرحة زينهم" حيث الباب الخلفي لمصلحة الطب الشرعي، فتطأ أقدام المسئولين الرخام، وتنكفئ أوجه الأموات على التراب !
أيا كانت البدايات أوصلتنا النهاية إلى ما نحن عليه الآن، الدماء في كل مكان والقتلى من كل الأطراف، فلا خاسر أو رابح في الموت، ولا يمكن أن نترك مجالا لانتشار الأقاويل..؛ فقد انتشر على الشبكات الإجتماعية عقب فض إعتصامي رابعة العدوية والنهضة مجموعة من تصاريح الوفاة التي خرجت ولا يوجد فيها سبب للوفاة وأحيانا مكتوب أمامها "انتحار"..
ما الذي يجعل واحدا من المتظاهرين يموت "منتحراُ"..وهل مات "موتةَ طبيعية" في نفس الوقت الذي تم نقل فض الإعتصامات فيه على الهواء ؟! العديد من الأسئلة للإجابة عليها بدأنا من النهاية..
المدخل إلى المشرحة يمكنك تمييزه من على بُعد عدة أمتار بسبب رائحتهم التي خرجت إلى أول الشارع لتعلن عن "حالة طوارئ" على الجميع؛ المشرحة لا تستطيع استيعاب أكثر من 100 جثمان، فتم إلقاء البقية على الأرض والشوارع الجانبية حتى تبرع "أهل الخير" بثلاثة ثلاجات في شكل عربات كبيرة في الأوقات العادية يتم حفظ الأطعمة والبضائع فيها-، "اثنتان" من شركة ألبان وعصائر شهيرة والثالثة تكلف بها "جزار"..وذلك بشهادة الأهالي حول مصلحة الطب الشرعي..
يوضح "باسم" - وهو أحد السكان المتواجدين بجوار المشرحة - :" أنا أسكن هنا بالجوار وكنت معهم منذ أول يوم أساعد أو احضر ثلج لنضعه على الجثث التي تواجدت على الأرض، لقد تحسن الوضع الآن كثيرا عمّا سبق"
وأضاف "مصطفى": " لقد حدثت العديد من المشكلات في البداية نظرا للضغط الكبير في الأعداد وعدم قدرة المشرحة على استيعابه، حتى أن الأطباء لم يكونوا يُشرحون الجثث كما يجب، فقمنا بالتشاجر معهم حتى يُشرحوا – بما يرضي الله- ويقوموا بكتابة سبب الوفاة الحقيقي"..
ترددت أنباء أنه في بداية فض اعتصامي رابعة والنهضة أن الضغط كان شديدا على المشرحة وهذا حقيقي وثابت، لكن المشكوك في حقيقته هو: "هل أدى ذلك بالأطباء لان يقوموا بكتابة أي سبب دون تشريح واف حتى يقوم الأهالي باستلام ذويهم ودفنهم وبالتالي تخفيف العبء على أطباء المشرحة المعدودين"؟!..
تقول شهادة الأهالي أن ذلك قد حدث، بالإضافة لشهادة "مريم – 22 عاما " التي عندما ذهبت إلى المشرحة مع ذويها يوم الخميس-15 اغسطس- وهو التالي لفض الاعتصام للبحث عن جثة أحد أقاربها، لم يستلموه إلا بعد أن تشاجروا مع الأطباء ليكتبوا لهم أن السبب: طلق ناري..؛ وتعليقا على أن الكشوفات والتصاريح التي تواجدت عقب ذلك امام الجميع كُتب فيها علناً ان معظم حالات الوفاة "طلق ناري"، أضافت،" من الطبيعي أن يقوموا الآن بتصحيح خطأهم بعد أن بدأ يُذاع وعلم الناس ما يفعلون"؛..
وعلى الرغم من أن "مريم" وذويها في النهاية استلموا جثة قريبهم بسبب وفاة "طلق ناري"، إلا أنهم ليسوا وحدهم من قالوا ذلك، وقد إختلفت الأسباب والشكاوى التي قالها الأهالي المتواجدين حول "زينهم" إلا انها إنحصرت في أن جهتين هما من منعا إصدار التصاريح لهم ، "أقسام الشرطة و المستشفيات"
يظل السؤال..ما هو الإجراء القانوني الذي كان يجب إتباعه في هذه الحالة خاصة بعد أن تضاربت تصريحات الأهالي حول ما حدث معهم..،
يُجيب على ذلك نائب مأمور قسم الأزبكية، مقدم "هشام شرباص" الذي قال،" عندما تأتي إلينا حالة وفاة يُشتبه في وفاتها بطريقة جنائية يجب تحويلها إلى الطب الشرعي على الفور، لكي يتم تشريح الجثة والتعرف على سبب الوفاة الحقيقي ثم يتم إخطارنا بالتقرير النهائي وبعد ذلك إصدار تصريح بدفن الجثة..،"
وأضاف مأمور القسم ذاته عميد"إيهاب فوزي:"إنه في بعض الأوقات يرفض الأهالي أن يتم تحويل ذويهم للطب الشرعي والتشريح، لذلك تقوم النيابة بجعلهم يكتبون إقرارا يخلون فيه مسئولية النيابة بأنهم لا يريدون التشريح ، ومن ثم يتم تحويلهم إلى مفتش الصحة إذ إنه أحيانا يكون من بين إصابات الموتى التي يطالب ذوي الأهالي بها حالات واضحة، كطلق ناري في الرأس..فهذا بالتأكيد أدى للوفاة ، ويتم التحويل إلى مفتش الصحة كل بحسب المكان التابع له.. ثم إخراج تصريح الدفن بدون تشريح – بناءا على طلب الأهالي-"..
حتى الآن يبدو كل شيء طبيعيا إلا أن مفتشة صحة الأزبكية، دكتورة "نيفين أنطون" نفت أنه تم تحويل حالة واحدة لها من القسم ،مؤكدة أنه أثناء الطوارىء يتم تحويل كل الجثث إلى مشرحة زينهم..، و "ربما حدث ذلك في مكتب صحة آخر" !
من أكثر الحالات تأثيرا، حالة "مريم محمد" التي يقول قريبها:" كانت مريم ترصد ما يحدث من خلال الكاميرا الخاصة بها وفجأة أصيبت بطلق ناري دخل من العنق وخرج من أسفل الكتف، نقلناها في البداية إلى إحدى المستشفيات الخاصة بمصر الجديدة لكن الطبيب رفض إخراجها قبل أن تحول على المشرحة .. لم نستطع إيقاف ذلك وننتظر الآن خروجها من المشرحة بعد أن كُتب لها وفاة بسبب "طلق ناري".
أما من قال من الأهالي أن ذهابهم إلى المستشفيات الحكومية والخاصة هو ما كان سببا في تأخير استلام جثامين ذويهم وأنهم قاموا بمنع إصدار تصاريح وفاة لهم ،فيرد الدكتور "محمد عبد العظيم" كبير أطباء الطوارئ في مستشفى الحسين الجامعي قائلا:
" الحالات التي تأتي إلينا في الطواىء إما ان تكون متوفاة بالأصل أو مصابين، في حالة أن تكون متوفاة وهناك اشتباه جنائي تقوم المستشفى بإصدار تقرير مبدأي عن الحالة لكنه في الغالب لا يُعترف به ثم يتم تحويل الحالة إلى المشرحة لتحديد سبب الوفاة، وفي حالة أن يكون مصابا وتمت الوفاة في المستشفي فيكون لدينا تقرير كامل عن حالة المريض ووفاته ، لكن ذلك لا يحول دون تحويله إلى المشرحة مادام هناك شبهه جنائية حول وفاته..،
أما عن تصاريح الوفاة نفسها فلا تُصدر المستشفى تصاريح من أي نوع ، و بالفعل أحيانا لا يريد ذوي القتلى أن يتم تشريح أقربائهم و يطالبوا باستلامهم لكننا نرفض ذلك بشكل قاطع ونقوم بتحويلهم على الطب الشرعي ..ومن هناك يمكن أن يكتبوا إقراراً على أنفسهم ويتم كتابة "أي سبب للوفاة"..بدون تشريح "!
لا يمكن إثبات أن التصريحات التي خرجت للدفن سواء كانت "انتحار أو لأي سبب آخر " تقع مسئوليتها كاملة على الأقسام والمشرحة، حيث أننا لم نستطيع رصد حالة واحده من الأشخاص الذين استلموا ذويهم ليلة فض الإعتصام أو اليوم الذي أعقبة وتم كتابة سبب الوفاة فيه "انتحار" ولا يمكننا القول أن المشرحة لم تقم بالتشريح الكامل للجثامين وأرادت إخراجهم لأي سبب أثناء الضغط الهائل عليها ..
أما رغبة الأهالي في استلام ذويهم دون تشريح فتم رصده من خلال إحدى الحالات التي تواجدت أمام المشرحة وأكد أحد أقربائها أنهم من "الصعيد"..و"إكرام الميت دفنه ، لذلك لا نريد تشريحها وإنما دفنها فقط "، كما عثرنا على عدة إقرارات كتبها الأهالي على أنفسهم بعدم رغبتهم الخاصة في التشريح ..
وأكد ذلك الناشط الحقوقي في المركز المصري للشؤون الاجتماعية "محمد عادل"، بقوله انه :" على الرغم من عدم ورود أي معلومات اليه بخصوص تصاريح كُتب فيها أن السبب "انتحار" بشكل يجعله ينفي وجودها، إلا أنه كانت هناك حالات استثنائية مثل "مسجد الإيمان" الذي كان يحتوي على 250 جثة تم استخراج تصاريح دفنها من خلال مفتش الصحة، والذي ذكر سبب الوفاة عن طريق مناظرة الجثمان أي "فحصه"وليس تشريحه"..
وعن هذه الحالات الاستثنائية ، أشار لان هناك أهالي ترفض تشريح ذويهم بالفعل وفي هذة الحالة يتم كتابة إقرار والإكتفاء بسب الوفاة الصادرعن المناظرة فقط."
حاولنا العثور على بعض التصاريح الأخرى التي كُتب فيها "انتحار"، وخلال ذلك تحدثنا مع "أحمد زين" ، صاحب سيارة موتى تابعة لمسجد "الكرامة" القريب من المشرحة، والذي قال:"إنه من ضمن الموتى الذين قام بحملهم كان هناك حالة واحدة كُتب في تصريحها ان سبب الوفاة "انتحار"، وأنه رأى التصريح بنفسه لكنه لا يعرف التفاصيل"!
لا يوجد حتى هذا الوقت إحصائيات رسمية تم رصدها لعدد الجثامين التي دخلت أو خرجت من مشرحة زينهم خلال الأحداث الأخيرة، لا أحد يعرف ما هو عدد المجهولين الذين لم يعرفوا يوما أن نهايتهم ستكون في ثلاجة من أموال "أهل الخير"..؛ اما قضية تصاريح الدفن وسبب الوفاة "إنتحار..طبيعي ..طلق ناري".. فلن يسألهم عنها "التراب".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى