ذهبت لمقابلة عمال شركة أسمنت طرة- البالغ عددهم 900 عامل مثبتين بها، بخلاف 1200 عامل تابعين لشركات توريد العمالة- المعتصمين بمكان عملهم في يوم 29-3-2015، بينما تعتصم اللجنة النقابية في مكتب العضو المنتدب بالشركة برونو كاريه، داخل إدارة الشركة بالقطامية قبلهم بثلاثة أيام، وما زالوا مستمرين في اعتصامهم حتى الآن.
وجاء الاعتصام على أثر عرض العضو المنتدب للشركة، على النقابة أن تكون الأرباح عن العام المنقضي 3 أشهر عن الأجر الأساسي لكل عامل فقط، وهو ما يعادل 4 ملايين جنيه فقط، وكان العمال قصد حصلوا في العام الماضي على مبلغ 23.5 مليون جنيه نسبتهم في الأرباح.
وقد رفع العمال مطالبهم، وهي: إعادة تشغيل الشركة بكامل طاقتها- محاسبة المسؤولين المتسببين في تخسير الشركة وإيقاف أفرانها وطواحينها- تنفيذ اتفاقية العمال الجماعية التي تم توقيعها بين إدارة الشركة والنقابة بحضور القوى العاملة.
عبر العمال عن غضبهم من عدم تحرك أي من المسؤولين لحل مشكلتهم، حتى الحكومة والتي استدعى رئيس وزرائها يوم 9 أبريل الاتحاد العام لنقابات عمال مصر (الأصفر)، الذي تنتمي إليه نقابة العاملين بالشركة، وخرج رئيس الاتحاد ليذكر ضمن إنجازاته في مقابلته لرئيس الوزراء، أنه توصل إلى حل مشكلات عمال الأسمنت وعمال الصناعات الغذائية، ولكن يكتشف العمال أن هذا الكلام عارٍ تمامًا من الصحة. فلم يتوصل العمال لأي حل مع إدارة الشركة، بل إن الإدارة تُصعد في تعسفها ضد العمال؛ فقد أصدرت إدارة الشركة قرارًا بإجازة لكل العمال 15 يومًا، يوم الأحد 12 أبريل يخصم من رصيد إجازاتهم، وذلك في محاولة منها لفض الاعتصام من دون تحقيق مطالب العمال. حتى لجنة تقصي الحقائق لدراسة ما يحدث من تخسير متعمد للشركة، برئاسة وزيرة القوى العاملة ناهد العشري، التي تم تشكيلها من قبل رئيس الوزراء لم تتحرك حتى الآن. وهنا يسأل العمال: ماذا تنتظر الحكومة؟
وهو السؤال نفسه الذي سأله رئيس النقابة العامة للبناء والأخشاب عبد المنعم الجمل، ولكن بطريقة قد تفهمها الحكومة وتساءل الجمل: إلى متى صمت المسؤولين والغضب يملأ صدور العاملين؟ قائلًا: "نخشى من أن تخرج الأمور عن السيطرة".
جلست وسط الكثير من العمال وكل منهم يحكي جزءًا من قصته مع المعاناة بعد خصخصة الشركة منذ أكثر من عشر سنوات وحتى الآن، حتى إن بعضهم قد فتح ميزانية الشركة عن العام الحالي وبدأ يشير إلى ما يرى أنه يعد تخسيرًا متعمدًا من قبل إدارة الشركة.
فبدأ عضو اللجنة النقابية شعبان عزت، كلامه بـ "أريد أن أوجه سؤالًا لكل المسؤولين، كيف تتحول شركة كانت أرباحها في أول عام بعد خصخصتها عام 2005 مليارًا و108 ملايين جنيه، إلى شركة تبلغ خسائرها هذا العام 14 مليون جنيه؟ وكيف نستطيع أن نفهم أن الثلاث شركات التابعة لشركة "إيطالي شمنت"، اثنتان منها (حلوان للأسمنت والسويس للأسمنت)، تحققان 818 مليون جنيه أرباحًا، بينما تحقق الشركة الثالثة (أسمنت طرة) خسائر؟ وكيف يحصل مدير الشركة الخاسرة سند مراد، على لقب أحسن مدير بشركات المجموعة؟".
أسمنت طرة.. تاريخ من التخسير والتخريب الممنهج
تحدث محمد رمزي رئيس اللجنة النقابية لعمال شركة أسمنت طرة، فقال: "إن الدولة لا تدافع عن حقوقها في الشركة، قد كانت أرباح الشركة في عام 2005، عقب الخصخصة مباشرة مليارًا و108 ملايين جنيه، وفي عام 2011، كانت الأرباح 434 مليون جنيه، ثم أصبحت في عام 2012 (220 مليونًا)، ثم في عام 2013 كانت الأرباح 130 مليون جنيه، ووصلت في عام 2014 إلى مبلغ 75 مليون جنيه فقط، وفي خلال العام الحالي تبلغ خسائر الشركة 14.5 مليون جنيه، وذلك بعد أن قامت شركة "إيطالي شمنت" بإغلاق الأفران من 1-7، كل هذا ويوجد للشركة القابضة للصناعات المعدنية 3 ممثلين في مجلس الإدارة يعتمدون الميزانية السنوية لم نسمع مرة واحدة أن أحدًا منهم قد سأل: لماذا تنخفض الأرباح؟ حتي بعد الخسائر لم يسأل أحدهم عن سبب الخسائر، لماذا؟".
ويستطرد رمزي: "في الوقت الذي حققت فيه شركة أسمنت طرة خسائر؛ فإن إجمالي مكاسب مجموعة شركات "إيطالي شمنت" في الميزانية المجمعة (حلوان- السويس- القطامية- المنيا) 800 مليون جنيه".
ويستطرد رمزي: "في الوقت الذي حققت فيه شركة أسمنت طرة خسائر؛ فإن إجمالي مكاسب مجموعة شركات "إيطالي شمنت" في الميزانية المجمعة (حلوان- السويس- القطامية- المنيا) 800 مليون جنيه".
وهذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها عمال شركة أسمنت طرة عن التخسير المتعمد للشركة، بل إنهم قد تقدموا بشكاويهم لكل الجهات رئيس الوزراء، وزير الاستثمار، وزير التجارة، وزير القوى العاملة...، آخرها بلاغ للنائب العام رقم 21295 في 18-10-204، تقدمت به اللجنة النقابية للعاملين حول الإهدار للمال العام؛ حيث إن الدولة تمتلك 33% في الشركة 18.7% للشركة القابضة للصناعات المعدنية والممثلة بـ 3 أعضاء في مجلس إدارة الشركة و15% لصالح بنوك وشركات تأمين مصرية.
ذكروا فيها أيضًا بأن هذه الخسائر هي خسائر متعمدة من قبل إدارة الشركة، ودللوا على قولهم ذلك بكون إدارة الشركة، قد قامت بإيقاف تشغيل فرن 7، والذي كان يعمل بطاقة إنتاجية قدرها 600 ألف طن سنويًا، وإيقاف فرن 5 بطاقة إنتاجية قدرها 150 ألف طن سنويًا، وقد كان هذا الإنتاج بقيمة سوقية 500 مليون جنيه، بصافي ربح 150 جنيهًا سنويًا.
كما قامت إدارة الشركة بإيقاف عدد 8 طواحين أسمنت بطاقة إنتاجية 1.8 مليون طن سنويًا، وإيقاف مصنع الأكياس بطاقة إنتاجية 60 مليون شكارة سنويًا.
كما أشار عمال الشركة في بلاغهم السابق ذكره أنه قد تم صرف معونة فنية للأجانب منذ شراء الشركة حتي وقت تقديم البلاغ، 225 مليون جنيه دون وجه حق، وقد ذكر محمود، أحد أعضاء مجلس إدارة النقابة، بأنه قد ورد في ميزانية الشركة للعام 2014، 8 ملايين جنيه معونة فنية، ويتساءل: كيف يتم صرف هذا المبلغ للمعونة الفنية لشركة خاسرة؟
كما جاء في البلاغ للنائب العام الذي تقدمت به النقابة أنه يتم صرف مبلغ 120 ألف دولار سنويًا للإقامة لكل فرد من الأجانب سنويًا.
هذا وقد أشار بلاغ عمال الشركة للنائب العام إلى خسائر أخرى بخلاف الأموال والأراضي، مثل القضاء على شركة كانت تنتج أسمنت رتبة 42 أعلى نسبة صلابة في صناعة الأسمنت في مصر، وأن هذا المنتج استخدم في المشروعات القومية مثل: مترو الأنفاق، وكوبري الفردان، وكوبري السلام، وميناء دمياط. كما أنه قد تم إلغاء العلامة التجارية الخاصة بالشركة، وهي "الأهرامات".
وتحدث العمال عن أن الشركة كانت تقوم بتصنيع 7 أصناف للأسمنت، ضمنها أسمنت "آبار"، والذي كان يباع الطن منه بـ 8 آلاف جنيه، وكان يستخدم في آبار البترول، وأن هذا النوع من الأسمنت لم يعد يصنع في مصر الآن، وكذلك أسمنت C water، وهو نوع من الأسمنت المضاد للأكسدة، وكان يستخدم في الطرق والكبارى، وفي المياه، والصرف الصحي، وفي واجهات المباني في المناطق الساحلية.
يوميات الاعتصام... والصراع ما بين العمال والإدارة
وعندما سألت العمال: كيف ذلك؟ أتوا لي بأحد مهندسي الصيانة المسؤولين عن الفرن؛ فقال: "هذا الفرن يعمل على حرق المادة الخام التي تصبح مادة "الكليكر"، التي يتم تصنيع كل أنواع الأسمنت منها، وأن درجة حرارة الفرن أثناء عملية الحرق تصل إلى 1400 درجة مئوية، وأن إيقافه فجأة وبه المادة الخام يؤدي إلى حصول (موزه) للفرن- الموزه هو تقوس في حديد الفرن فيصبح على شكل صباع الموز- كما أن الطوب الحراري المبطن للفرن سوف يتم تدميره. وأنه لكي نطفئ الفرن بشكل آمن لا بد من إخلائه من المادة الخام بداخله أولًا، ثم يتم تشغيل المراوح لمدة 12 ساعة على الأقل قبل إطفائه".
ويكمل أحد الفنيين المسؤولين عن الفرن فيقول: "من بداية الاعتصام وإحنا محافظين على الفرن شغال، وفجأة يوم الأحد الموافق 5-4-2015؛ فوجئنا نحن الفنيين والمهندسين القائمين على تشغيل الفرن بأن السيستم الذي نتابع من خلاله تشغيل الفرن قد توقف فجأة".
وقد قام عدد من العمال بالفعل بتحرير محضر رقم 2034 بقسم المعادي بتاريخ 5-4-2015 يتهمون فيه إدارة الشركة بالتوقيف الخاطئ للفرن.
وقد حاول المهندسون والفنيون إنقاذ الموقف عن طريق الإبقاء على تشغيل السيستم عن طريق الديزل والمواتير المساعدة حتى يخرجوا منه المادة الخام.
وقد ذكر العمال أن هناك ثلاثة أفران كانت تعمل بكامل طاقتها تم إيقافها بالطريقة نفسها، حتى لا يمكن تشغيلها مرة أخرى، وهي فرن1، 5، 7 (فرن 5 كان يعمل بالطريقة الرطبة). والآن 827 عاملًا كانوا يعملون في 4 مصانع، الآن يعملون في مصنع واحد، بخلاف عمالة شركات توريد العمال، فماذا لو دمروا الفرن الوحيد المتبقي؟
كما ذكر العمال أن مصنع الأكياس كان ينتج الشكائر الورقية التي يتم فيها تعبئة الأسمنت بتكلفة 9 قروش للشيكارة، وتم نقل هذا المصنع لشركة "أسمنت السويس"، ويتم شراء الشيكارة منه الآن بسعر 280 قرشًا للشيكارة الواحدة.
وذكر محمود الصحفي، أنه يوجد بميزانية الشركة عن عام 2014، سداد مبلغ 58 مليون جنيه لمصنع الأكياس، كما أنه ضمن المدفوعات 228 مليون جنيه ثمن المادة الخام كليكر، في الوقت الذي لا يعمل فيه سوى فرن واحد وهو فرن 8، والذي ينتج 970 ألف طن فقط في العام؛ فأين بقية المادة الخام التي تم شراؤها بكل هذا المبلغ، ويسأل الصحفي: "هل يعقل أن تكون المصروفات الإدارية لشركة قدرت خسائرها بـ 14 مليون جنيه هي 68 مليون جنيه في السنة، وكيف لشركة خاسرة أن تصبح أرباحها المرحلة 262 مليون جنيه بعد أن كانت 252 مليون جنيه في العام الماضي؟".
وللتخسير والتخريب واللعب في الميزانية طرق كثيرة، منها الواقعة التي حكى عنها أحد المسؤولين عن مخازن شركة "أسمنت طرة" بأنه في خلال شهر نوفمبر الماضي وحده أتى إليّ بون صرف بضائع من المخزن بقيمة 27 مليون جنيه، ودخلت ضمن المصروفات، ولكنها بقيت بداخل المصنع كأمانات، وبهذا الشكل تكون الإدارة قد حققت هدفها في تخسير الشركة هذا المبلغ، وفي الوقت نفسه تستفيد من بيع هذه المنتجات كلوطات فيما بعد.
وتحدث العمال عن بعض طرق التخسير اليومية التي تمارسها الإدارة، مثل فرن 9 الذي تقوم الإدارة كل فترة بعمل "عَمْرة" له، وكأنها تنوي تشغيله، ولكنها لا تشغله. اللودر أرسلته الإدارة للتوكيل بقاله 10 سنين، ولا يقومون بشراء قطع الغيار التي تلزم لإصلاحه، بذلك تدفع له أرضية في التوكيل بشكل يومي، وفي الوقت نفسه يتم تأجير لودرات للشغل. كذلك قامت بإيقاف الأتوبيسات اللي كانت تنقل العمال وتقوم بتأجير ميكروباصات لنقل العمال. مصنع 2 بعد إيقافه باعته لوط بـ 4 ملايين جنيه، وهو كان يساوي 20 مليونًا.
وبالسؤال: كيف لمستثمر أن يوقف شركة كانت تدخل له ربحًا، حتى لو كانت بها نسبة مال عام، فأجابني أحد العمال: "قبل الثورة كانت الشركات الثلاث تعمل بكامل طاقتها؛ حيث إن كل شركة كانت تنتج 15 ألف طن يوميًا، أما الآن بعد أن قل الطلب على الأسمنت ودخول شركات جديدة؛ فقد أصبح كل المطلوب من المجموعة كلها هو 20 طنًا يوميًا؛ فمن الأفضل لها أن تقسمها ما بين الشركتين المملوكتين بالكامل لها، وذلك لكون كل جنيه أرباح لهاتين الشركتين فهو لها بالكامل، أما جنيه الأرباح في شركة "أسمنت طرة"؛ فهي لا بد أن تدفع للحكومة منه 35 قرشًا، لذلك قررت تخريب وإيقاف شركة "أسمنت طرة" لصالح الشركتين الأخريين".
وأكمل عامل آخر: "هذا بخلاف الأراضي المقامة عليها الشركة، والتي تحاول شركة "إيطالي شمنت" الاستيلاء عليها، ضمنها 168 فدانًا على كورنيش النيل مباشرة".
وقد تعودنا من أصحاب الأعمال أنهم في إضرابهم عن العمل يخسرون الشركة ويتقدمون ببلاغات ضدهم، ويقومون برفع الدعاوى القضائية لمطالبتهم بتعويضات عن هذه الخسائر، وفي حالتنا هذه فقد وجه العمال لإدارة الشركة تخسير الشركة؛ فقد ذكر أحد العمال: "قبل ما يوقف الفرن الأخير إحنا كنا بننتج 5 آلاف طن يوميًا، سعر الطن 600 جنيه، يعني الإدارة تسببت في خسائر يومية للشركة قدرها 3 ملايين جنيه، منذ يوم 5-4-2015 حتى اليوم".
وتحدث عامل آخر: "إحنا بنشجع الاستثمار، بس لو كان الاستثمار هيجور على حق العامل بالشكل ده، إحنا مش عاوزينه. الاستثمار المفروض ييجي ينفع البلد، يقلل البطالة، إنما الاستثمار اللي جاي يقفل المصانع ويزود البطالة ما لوش لازمة. السيسي بيقول انزلوا الشغل 6 الصبح، هو فين الشغل ده وأنتم سايبينهم يقفلوا المصانع والشركات".
هذا هو صوت العمال المثبتين بالشركة، ولكن لا صوت هناك يدافع عن حقوق عمال شركات توريد العمالة المقدرين بمرة ونصف عدد المثبتين، المعرضين لفقد عملهم، خصوصًا بعد أن قررت إدارة الشركة إيقاف عملهم منذ يوم الأحد الموافق 12 أبريل، بالإضافة إلى انتهاك حقوقهم على مدار سنوات، سواء من قبل إدارة أسمنت طرة، أو من قبل شركات توريد العمال، أو من قبل زملائهم المثبتين أنفسهم، الذين كانوا يتعاملون مع مطالبهم بالمساواة دائمًا على أنها سوف تنتقص من حقوقهم، وقد قابلت أحدهم في اعتصام عمال أسمنت طرة، وقال: "أنا باشتغل سواق في الشركة لمدة 18 سنة لدى المقاول، ولما أدوني جواب تجديد الرخصة لقيت أنه مؤمن علي فقط منذ 1-1-2013، وأنا باشتغل في شركة توريد العمالة من سنة 2001، أنا دلوقتي عمري 47 سنة هروح أدور على شغل فين؟"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى