كشف موقع «ميدل إيست آي» عن تعرض عدد من الأمراء والوزراء، ورجال الأعمال البارزين ممن جرى اعتقالهم في المملكة العربية السعودية، في خلال الأيام الأخيرة، إلى عمليات تعذيب. وزاد أن بعض هؤلاء قد تعرض للضرب المبرح، والتعذيب الشديد خلال اعتقالهم، أو في خلال عملية استجوابهم، على نحو تطلّب نقلهم إلى المستشفى لتلقي العلاج، في بعض الحالات، مشيراً إلى أسئلة مصيرية عن السعودية في عهد محمد بن سلمان.
ولفت الموقع البريطاني، نقلاً عن مصادر في الديوان الملكي السعودي، إلى أن نطاق حملة «التطهير» و«القمع» التي شهدتها المملكة العربية السعودية يتسع يوماً بعد يوم، بحيث يتجاوز بكثير عدد المعتقلين الذين أقرت بهم سلطات المملكة مع وصول العدد إلى 500، وحوالي 1000 شخص مشتبه فيهم، وهم الآن قيد التحقيق والاستجواب، مشيراً إلى أنه تم الإفراج، ليلة الأربعاء المنصرم، عن سبعة أمراء، قبل أن يتم نقلهم من فندق «ريتز كارلتون» إلى قصر الملك، فيما لا يزال الأمير محمد بن نايف قابعاً قيد الإقامة الجبرية، بعد تجميد أصوله (المالية)، إضافة إلى اعتقال أبناء الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز، وتجميد أصولهم أيضاً، وأبرزهم الأمير بندر بن سلطان، السفير السعودي السابق في واشنطن، والمتورط بتقاضي رشى وعمولات في قضية «صفقة اليمامة» تقدر بنحو 30 مليون دولار، والذي لا يعرف مصيره حتى الآن.
وفي التفاصيل، أوضح تقرير «ميدل إيست آي»، الذي أعده ديفيد هيرست، أن بعض الوجوه، والشخصيات «الرفيعة» والمعتقلة، ضمن الحملة التي دشنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تحت شعار «مكافحة الفساد»، قد تعرضوا لـ«أكثر الممارسات وحشية»، وقد عانوا على إثرها جروح مختلفة، تعد دلالات على «أساليب التعذيب التقليدية» التي مورست بحقهم. ومع ذلك، لفت هيرست إلى أنه لا يعتلي وجوه هؤلاء أي علامات أو جراح، يمكن أن تدل على ما تعرضوا إليه من ممارسات. كذلك، كشف الكاتب عن عمليات تعذيب مورست بحق بعض المعتقلين من أجل الإفصاح عن أرقام حساباتهم المصرفية. وبحسب المعلومات التي حصل عليها الكاتب، فقد صدرت أوامر من بن سلمان بتجميد كافة الحسابات المصرفية الخاصة في المملكة، كما تجاوز عدد الأرصدة المجمدة، والأشخاص الممنوعين من السفر عدد الذين تم اعتقالهم، بأضعاف.في الثقافة البدوية، يعد الهجوم على أبناء العمومة أمراً «لا يُنسى» و«لا يُغتفر»
إلى ذلك، أضاف هيرست أن حملة الاعتقالات الأخيرة، والتي أعقبت حملة سابقة استهدفت عدداً من رجال الدين، والمفكرين، والاقتصاديين، وشخصيات عامة أخرى، تثير موجة من الذعر داخل المملكة العربية السعودية، وخاصة في أوساط الشخصيات المحسوبة على نظام الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، والذي توفي عام 2015، إذ يخشى كثيرون من أن يكون «الهدف الرئيسي» من الحملة إبعاد المنافسين والخصوم (المحتملين) لبن سلمان سواء من داخل أو من خارج أسرة آل سعود، قبل أن يخلف والده، البالغ من العمر 81 عاماً، على سدة العرش.
ففي الوقت الراهن، يتم استهداف أبناء أربعة رجالات أساسيين في أسرة آل سعود، والذين شكلوا صميم الأسرة الحاكمة على مدى أربعة عقود خلت، والمقصود بهم أبناء الملكين الراحلين: فهد وعبد الله، إلى جانب أبناء الأميرين الراحلين: سلطان ونايف، وذلك في سياق «هجمة غير مسبوقة على مكانة وثروة أركان وأعمدة بيت الحكم السعودي»، بمن فيهم «الشخصيات الثلاث الأكثر أهمية في الجناح السديري الحاكم» طوال العقود الأربعة الماضية، ليبقى الأمير السديري الآخر، أحمد بن عبد العزيز، مهمشاً بدوره. ووفق ما أفاد به أحد المحللين لـ«ميدل إيست آي»، فإن ولي العهد السعودي، ومن خلال ضربه لأسس الوحدة في الأسرة الحاكمة، إضافة إلى استهدافه لكبار رجال أعمال المملكة، أسوة برجال الدين المستقلين، وبعض الشخصيات العامة، إنما «يشهر أسلحته ضد الركائز التقليدية للدولة السعودية».
بدوره، أوضح مصدر مطلع في الرياض للموقع، أن «المملكة العربية السعودية، حتى الآن، توسلت الفوضى كسياسة في محيطها القريب، سواء في العراق وسوريا أو اليمن»، كما عكفت على «توظيف نظرية الفوضى في الداخل أيضاً»، مشدداً على أن أحداً لا يمكنه التيقن بما سوف يحدث بعد ذلك. ثم قال: «إن استقرار المملكة العربية السعودية قد قام على ثلاثة دعائم أساسية: وحدة أسرة آل سعود، الطابع الإسلامي للدولة، و(تشجيع) ازدهار مجتمع الأعمال المحلي شديد الولاء (للدولة). (اليوم) عبر ضرب هذه (المرتكزات) الثلاث في آن واحد، يصبح خطر غرق المملكة في الرمال مرتفعاً جداً».
كذلك، شدد هيرست على أن حملة الاعتقالات في السعودية، التي لم يتوقع أحد أن تطال أمراء بارزين في الأسرة الحاكمة، تعد سابقة في تاريخ المملكة، لا سيما وأنها تمخضت عن تهشيم وضعضعة وحدة أسرة آل سعود. ففي الحالة الأكثر شبهاً لما نعاينه اليوم داخل المملكة العربية السعودية، كان انقلاب الأمير فيصل على الملك سعود في العام 1964، إلا أن الملك السعودي، والذي تقرر نفيه حينها، لم يتعرض للإذلال أو الإهانة، حتى أن الأمير فيصل بنفسه كان في وداعه عند المطار، وذلك خلافاً لتدابير بن سلمان الذي تعهد بمحاسبة المتورطين بقضايا فساد، أياً كان شأنهم، أمراء أو وزراء.
واستغرق هيرست في شرح تبعات هجوم بن سلمان على أبناء عمومته من الأمراء، وعلى الوجوه البارزة في قطاع الأعمال. ففي الثقافة البدوية، يعد الهجوم على أبناء العمومة أمراً «لا يُنسى» و«لا يُغتفر»، كما أن «الإهانة العلنية» و«تجميد الأصول» العائدة لأمراء سعوديين، من قبل بن سلمان، يعد «طعنة لشرفهم»، ويعرض الأخير لانتقام قد يقدم عليه أحد أفراد عائلاتهم، ممن بقي على قيد الحياة.
أما الهجمة على كبار رجال الأعمال، من أمثال بكر بن لادن، صاحب أكبر شركة مقاولات في المملكة، فإنها لا شك «تنطوي على مخاطر شبيهة» أيضاً، وذلك بالنظر إلى ما يترتب عليها من عدم دفع رواتب وأجور العاملين في شركة بن لادن، بما يعنيه ذلك من احتمالات إقحام قطاع المقاولات داخل المملكة في حالة من الفوضى، على غرار ما حصل غداة إفلاس شركة «سعودي أوجيه».
وأردف هيرست بالقول إنه «يتعين على العديد من المحيطين ببن سلمان أن يسألوا أنفسهم كم لديهم من الوقت قبل أن ينقلب الأمير عليهم».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى