مضى الملازم أسامة الصادق 28 يوما سائرا على قدميه في صحراء سيناء بين السابع من يونيو (حزيران) 1967 وهو التاريخ الذي قرر فيه قائد وحدته الانسحاب من ميدان المعركة، والرابع من تموز (يوليو) وهو موعد وصوله إلى الضفة الشرقية لقناة السويس.
وخلال هذه الرحلة المضنية رأى بعينيه، حسبما أكد في مقابلة مع وكالة فرانس برس، "أسرى مصريين يسحلون مربوطين إلى دبابات إسرائيلية".
كان أسامة الصادق آنذاك ضابطا شابا تخرج منذ بضعة شهور في الكلية الحربية في القاهرة في الثالثة والعشرين من عمره، لكن مشاهد أسرى الحرب الذين "مشت فوقهم الدبابات الإسرائيلية" لا تزال ماثلة في ذهنه بعد أربعين عاما على الحرب التي هزم فيها الجيش المصري أمام إسرائيل.
ومع أن أسامة الصادق الذي عاد وشارك في حرب 1973 قبل أن يتقاعد العام 1984 عانى شأنه شأن المصريين كافة "مرارة الهزيمة" إلا أنه يأسف لأن "الصورة الشائعة في الإعلام عن حرب 1967 مبتسرة والصحافة تقول فقط أن الجيش (المصري) ترك سلاحه وانسحب ومات كثيرون من جنوده".
ويؤكد أنه حارب وقاوم مع خمسة من أفراد وحدته قبل وأثناء الانسحاب وأنه شاهد "على بطولات فردية عديدة".
ويقول الصادق الذي قرر أن يضع شهادته في كتاب فضل أن يصدره في الذكرى الأربعين لحرب 1967 أنه لا يملك دليلا على ما يقول غير أنه مستعد للإسهام في جمع البراهين. ويتابع "وزير الخارجية (المصري) أحمد أبو الغيط يقول إنه لا بد من أدلة قبل الحديث في موضوع تعذيب وقتل الأسرى المصريين وأنا على استعداد أن أذهب معه إلى المواقع التي شهدت فيها بنفسي هذه الجرائم لنفتش ونرى ونجمع البراهين".
وكانت قضية مقتل أسرى مصريين على يد الجيش الإسرائيلي في حرب 1967 قد أثيرت مجددا في آذار (مارس) الماضي بعدما بث التلفزيون الإسرائيلي العام شريطا وثائقيا وردت فيه معلومات عن تصفية 250 أسير حرب من الجنود المصريين على يد وحدة عسكرية كان يقودها وزير البنى التحتية الإسرائيلي الحالي بنيامين بن اليعازر.
ونفى بن اليعازر والعديد من المسؤولين الإسرائيليين قطعيا هذه المعلومات التي أثارت غضبا شعبيا كبيرا في مصر أعقبه انتقادات لوزارة الخارجية المصرية بالتقصير في متابعة هذه القضية.
ورد أبو الغيط في تصريحات لوسائل الإعلام المصرية أكثر من مرة مؤكدا أنه طلب رسميا من إسرائيل التحقيق في هذه المعلومات وأن الأمر في حاجة إلى إعداد ملف قانوني يتضمن أدلة وبراهين.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحق رابين قد أقر خلال لقاء مع الرئيس المصري حسني مبارك العام 1995 بمسؤولية بلاده عن مقتل أسرى حرب مصريين.
ويروي أسامة الصادق أنه أثناء رحلة العودة التي قام بها مع خمسة جنود من منطقة تمركز وحدته في منطقة أبو عجيلة (عند الحدود مع إسرائيل في المحور الأوسط لسيناء) إلى قناة السويس كانوا يتوقفون أكثر من مرة في الطريق بحثا عن واحة نخيل للاستراحة وعن آبار مياه ليشربوا منها.
ويؤكد أنه أثناء توقفهم في إحدى مناطق النخيل ليلا "سمعنا صوتا يئن ويطلب ماء (...) توجهنا نحوه فوجدنا جنديا قال لنا بصوت خافت قبل أن يفارق الحياة أنهم كانوا 13 أسيرا دهسهم الإسرائيليون بدبابة ورحلوا".
ويتابع "عند حلول الصباح قررنا أن ندفن الجندي لكننا فوجئنا بوجود 12 جثة لجنود مصريين مربوطي الأيدي من الخلف وقد تهتكت أجسادهم بعدما دهستهم الدبابات الإسرائيلية". ويضيف الضابط المصري السابق "عندما بدأنا عملية الدفن فوجئنا بأن جثثهم ممزقة أشلاء وقطعا صغيرة تحت ملابسهم فكنا نكومها ونضعها في الرمال".
ويحكي الرجل قصة أخرى صادفته هو وجنوده أثناء رحلة العودة التي ساعدهم خلالها العديد من البدو سكان سيناء.
ويقول "كنا نستريح تحت من أشجار النخيل ورأينا دبابة إسرائيلية على بعد مائة متر وانبطحنا أرضا للاختباء ورأينا أربعة جنود مصريين مقيدين بسلك من الصلب إلى الدبابة ثم نزل الجنود الإسرائيليون وفكوا الأسلاك التي كانت تربطهم بالدبابة وأمروهم بالانبطاح أرضا وأخذوا يركلونهم بأحذيتهم على وجوههم".
ويقول أسامة الصادق إن كل هذه المشاهد لا تزال تؤرقه عندما تحل ذكرى حرب 1967 كل عام لكنه قرر أن يكتب شهادته "ليعرف الأبناء والأحفاد أن جيل 1967 كان جيلا شجاعا ولم يسلم سلاحه".
المصدر
https://www.aleqt.com/2009/05/01/article_95106.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى