-الكتاب: اقتصاديات الفساد في مصر- كيف جرى إفساد مصر والمصريين (1974 – 2010)
-المؤلف: عبد الخالق فاروق
-الناشر: مكتبة الشروق الدولية, القاهرة
-عدد الصفحات: 375
-الطبعة: الأولى 2011-الكتاب: اقتصاديات الفساد في مصر- كيف جرى إفساد مصر والمصريين (1974 – 2010)
-المؤلف: عبد الخالق فاروق
-الناشر: مكتبة الشروق الدولية, القاهرة
-عدد الصفحات: 375
-الطبعة: الأولى 2011
الحديث عن الفساد في مصر، ظل أسير المسوح الميدانية، وتقديرات هنا وهناك، ولكن هذا الكتاب، يتناول الفساد في مصر، من خلال تفكيك مكوناته، والمجالات التي مورس فيها، منطلقًًا من بدء الاهتمام العالمي بقضية الفساد، وإنشاء منظمة الشفافية الدولية، واهتمام كل من البنك والصندوق الدوليين، ثم شيوع اهتمام الباحثين بظاهرة الفساد.
ويذكر المؤلف في الصفحات الأولى التعريفات المختلفة للفساد، إلا أنه يذكر أن دراسة عالم الاقتصاد النمساوي "فردريك شنيدر" عام 1998، والتي شملت 76 دولة، من بينها مصر، أشارت إلى أن حجم الاقتصاد الخفي في مصر بلغ نسبة 65% من الناتج المحلي الإجمالي، لتتجاوز مصر بذلك المعدلات السائدة عالميًا ما بين 15%-35%.
كما يؤكد أن الفساد في مصر تم خلال فترة الدراسة بشكل ممنهج، ولم يكن عفويًا، بدءا من اختراق المؤسسات التشريعية، عبر مرشحين فاسدين، من خلال ترشيحات الحزب الحاكم، ومرورًا بإفساد السلطة القضائية من خلال إدخال نحو ثلاثة آلاف ضابط شرطة إلى سلك القضاء على مدار ربع قرن، وانتهاء بإفساد الجهات الرقابية.
ويصف عبد الخالق فاروق مسؤولين سابقين في عهد مبارك بأوصاف تنم عن ثقته فيما يوجهه لهم من اتهامات بالضلوع في عملية الفساد، مثل:
"وقد تم ذلك بدعم ومساندة الرئيس شخصيًا، ورئيس وزرائه ورجل الحكم الطويل وطباخ البيع والعمولات د. عاطف عبيد وبقية الوزراء تقريبًا" ص129.
"وهكذا بدا واضحًا أن هناك مخططًا جهنميًا لنقل ملكية الشركة الضخمة إلى ممتلكات الإمبراطور الجديد الذي يتولى الإنفاق على الحزب، وما هو أبعد من الحزب، على البيت الرئاسي وساكنيه..!! ص 139.
"ولنتأمل نتائج أعمال شركتي المحمول من واقع الميزانية الختامية لأعمالهما طوال السنوات الثلاث، والتي نجحت قوى الفساد في وزارة المعلومات والاتصالات (أحمد نظيف وطارق كامل وغيرهما) ص 182.
مجالات وتقديرات الفساد
يذكر فاروق مجالات خمسة تعتبرها منظمة الشفافية الدولية، من أكثر المجالات لممارسة الفساد في الدول النامية، هي: المشتريات الحكومية، وتقسيم وبيع الأراضي والعقارات، ونظم الجباية الضريبية والجمركية، والتعيينات الحكومية، وإدارات الحكم المحلي بالمحافظات.
ولكن الحالة المصرية فاقت هذا التوصيف، إذ يذكر المؤلف أن هذه المجالات وصلت إلى ستة عشر مجالا هي (المقاولات وتخصيص الأراضي، وعمولات التسليح، والاتصالات، والخصخصة، والبنوك، وتوظيف الأموال، وتجارة المخدرات، وتجارة العملة، والدعارة، ونظم الاستيراد، ومشروعات المعونة الأميركية، والصحافة، وعلاوة الولاء بالجيش والشرطة، والدروس الخصوصية، ومجالات الخدمة الصحية، والبورصة، وسوق التأمين).
ويظهر الكتاب أن الفساد في مصر مارسه الكبار والصغار، أو الأغنياء والفقراء، وعددّ أمثلة وتقديرات رقمية لفساد الكبار، منها: إجمالي ثمن الأراضي الضائع في الأراضي المخصصة من قبل وزارة الإسكان لصالح كبار رجال الأعمال نحو 136.1 مليار جنيه، عمولات السماسرة ورجال المصارف والمخلصين الجمركيين تقدر بنحو ثلاثمائة مليون جنيه في المتوسط سنويًا، 750 مليون جنيه في مجالات الاتجار في ديون مصر، حصل 94 عميلا لبنوك القطاع العام على أكثر من نصف حجم القروض والائتمان من هذه البنوك حتى 30/6/2006، أي أكثر من 125 مليار جنيه، تم بيع 194 شركة لقطاع الأعمال العام بأقل من نصف ثمنها.
وذهب إلى دهاليز الفساد والرشاوى وإهدار المال العام نحو مائة مليار جنيه، وتقدر تجارة المخدرات بنحو عشرة مليارات–15 مليار جنيه سنويًا، وأن من يعملون في هذه التجارة يقدر عددهم نحو 150 ألف شخص، وعمولات شراء السلاح قدرت بنحو 1.5 مليار– 3.5 مليارات جنيه، قدر الإهدار بالمال العام بصفقات تصدير الغاز بنحو خمسة مليارات دولار سنويًا.
وبعد الإشارة إلى مجالات الفساد في الـ16 مجالًا السابقة، يصل المؤلف إلى أن تقدير حجم تدفقات الاقتصاد الخفي والأموال السوداء في مصر تتراوح ما بين 57 مليار جنيه وسبعين مليار جنيه سنويًا على مدار العقد الماضي وحده.
وبذلك تكون أقل التقديرات هي أن ما يقارب خمسمائة مليار جنيه لم تدرج في الحسابات القومية ومصفوفة الدخل القومي، على مدار العقد الماضي، وهي أموال لا يتم سداد ضرائب عنها فضلا عما تسببه من أضرار بالاقتصاد القومي، وشيوع ثقافة الفساد.
أما تقديرات فساد الصغار أو الفقراء في مصر، فقد قدرها فاروق وفق مجالاتها المختلفة، ومن بينها: الدروس الخصوصية بنحو 18 مليار جنيه سنويًا، مليارا جنيه-أربعة مليارات جنيه حجم الاقتصاد الخفي داخل قطاع الأمن والعدالة، كما قدرت أموال الاقتصاد الخفي في مجال الخدمات الصحية بنحو مليار جنيه سنويًا، وتتمتع الإدارة المحلية بنحو 25 مليار جنيه حصيلة الصناديق الخاصة يتم توزيعها على كافة مستويات الإدارة المحلية من خلال خطيئة الصناديق الخاصة، التي لا تخضع في معظمها لرقابة الجهاز المركزي، وتعد هذه الصناديق الباب الواسع لممارسة الفساد في الإدارة المحلية، وقدرت أموال الدعارة والقمار بنحو 2.5 مليار جنيه سنويًا.
نماذج بارزة للفساد
الكتاب يضم بين دفتيه نماذج صارخة للفساد وإهدار المال العام على مدار فترة الدراسة، ويغوص في الجوانب التاريخية لممارسة الفساد، سواء للأشخاص أو الشركات، ودائم الاستشهاد بالعقود، والقراءات القانونية، كما يرصد عمليات تحايل الحكومات المتعاقبة خلال فترة الدراسة لتمرير بعض المخالفات القانونية وممارسات الفساد، كما حدث في شركة أجريوم. وفيما يلي نعرض لأبرز نماذج الفساد وإهدار المال العام.
• أجريوم مصر: 25 مليون دولار هو حجم الرشاوى التي دفعتها أجريوم الكندية لمسؤولين بارزين بحكومة أحمد نظيف، وقد أعلنت الشركة عن تلويحها بالكشف عن أسماء هؤلاء المسؤولين عندما فشلت جهودها في إقامة مشروعها على أرض محافظة دمياط، بسبب موقف المجتمع المدني هناك، ولا يتوقف فساد المشروع على مجرد دفع الرشوة، ولكن يمتد ليشمل حجم الالتزامات التي قبلتها حكومة مصر في عقدها مع الشركة الكندية، من إمداد الغاز الطبيعي بثمن بخس، واستخدام مياه النيل في عمليات التبريد من جانب، واعتبار النيل أحد مصارف مخلفات المصنع من جانب آخر، مما يترتب عليه القضاء على الحياة الزراعية والطبيعية بالمحافظة، حيث إن منتجات المشروع قاصرة على الأسمدة النتروجينية واليوريا.
فضلا عن الفساد في الجوانب القانونية في تكوين الشركة، وتخارج الجانب المصري بصورة تسمح بسيطرة الشركة الكندية على صناعة القرار، وعلى الرغم من أنها صناعة ملوثة فقد قبل الجانب المصري أن يكون من حق الشركة الكندية تصدير 75% من إنتاجها للخارج.
• فساد قطاع الاتصالات: يشير الكتاب إلى وجود عمليات فساد كبيرة في إدارة قطاع الاتصالات بدءًا من تخريب الشركة المصرية للاتصالات، ووضعها تحت إدارة القطاع الخاص عبر رئيس مجلس إدارتها الذي كان يعمل في إحدى شركات الهاتف المحمول الخاصة، وإظهار حجم الديون المشكوك فيها والمعدومة بأكبر من حجمها، ومرورًا بتميز شركتي الهاتف المحمول بوضع احتكاري للسوق لفترة طويلة، ومحاولات إقناع القيادة السياسية بأن دخول الشركة المصرية للاتصالات بإنشاء شركة ثالثة غير اقتصادي.
ولكن فجأة قبلت الحكومة بيع رخصة الشركة الثالثة لشركة عربية، وهو ما أضاع على الدولة فرصة كبيرة من حيث الجوانب الاقتصادية والأمنية، إذ لا يعقل أن يكون قطاع مهم مثل الاتصالات بكامله في خدمة الهواتف المحمولة خاضعا للقطاع الخاص.
والأغرب هو دخول الشركة المصرية للاتصالات –تملك فيها الدولة 80% من أسهمها– بتملك ربع أسهم شركة فودافون، مع تنازلها عن حق هذه الأسهم في مجلس الإدارة.
• التلاعب بالسياسات المالية: يرصد الكتاب مجموعة من الملاحظات على السياسات المالية المتبعة في عهد مبارك، ودورها في الانحياز لرجال الأعمال، وتحميل الفقراء بأعباء إضافية، فيبدأ بما تم من إعادة هيكلة الموازنة العامة للدولة، لتظهر في صورة غير حقيقية، من تفاقم للعجز، بعد إظهار الدعم على غير حقيقته وتضخيم المبالغ المخصصة له، من خلال ما سمي الدعم الضمني، الذي يفترض أن المواد البترولية المباعة في السوق المصري، يجب تقديرها بالأسعار العالمية، ثم تحمل الموازنة بفارق السعر المحلي والدولي كدعم مقدم من الحكومة.
"
عمليات الضم والتفكيك التي حدثت في شركات التأمين كان الغرض منها إعادة بيع هذه الأصول العقارية للشركات
"
والأمر الثاني ما تم من تعديلات على قانون الضرائب وسمح بعمليات تهرب كبيرة لرجال الأعمال، وتسويتهم بأصحاب الدخول الصغيرة من المشروعات الصغيرة والمتوسطة، لتكون طريقة التعامل هي الضريبة الموحدة، فضلا عن التحليل الذي ساقه الكتاب لدافعي ضرائب الدخل، وتبين منه أن الموظفين هم من أكبر دافعي الضرائب في مصر، وليس رجال الأعمال.
• فساد قطاع التأمين: تعددت صور الفساد في قطاع التأمين، والتي سرد منها المؤلف مسألة ضم شركات التأمين في شركة قابضة، وعمليات ضم قسري لنحو أربع شركات في شركة واحدة، والفصل بين نشاطي التأمين على الحياة والممتلكات عن بعضهما بعضًا في شركات مستقلة، ثم تجريد شركات التأمين من أصولها العقارية وإنشاء كيان جديد لإدارة هذه الأصول العقارية، لتكون لديها محفظة استثمارية بنحو 22 مليار جنيه.
وفي إطار الشركة القابضة التي أنشئت عام 2006، فقد حصل أعضاء مجلس إدارتها على أرباح سنوية قدرت بنحو 26.5 مليون جنيه عام 2007/2008، وكان نصيب كل عضو 2.4 مليون جنيه، فضلا عما يتقاضونه شهريًا تحت بند رواتب بمتوسط 750 ألف جنيه للفرد، ويرى المؤلف أن عمليات الضم والتفكيك التي حدثت الغرض منها إعادة بيع هذه الأصول العقارية، وبذلك تكون تمت عملية تخلص من الأصول الرأسمالية لشركات التأمين.
لجنة قومية عليا
في ختام الكتاب يطرح المؤلف عبد الخالق فاروق إنشاء لجنة وطنية عليا لمقاومة الفساد ونهب مصر، تضم في عضويتها مجموعة من القانونيين والإعلاميين والاقتصاديين، بعيدًا عن انتماءاتهم السياسية والفكرية، ليعكفوا على دراسة ملفات الفساد من أجل حماية المال العام.
وقد حدد بعض الأسماء على سبيل المثال واقترح أن يُضم إليهم من يصلح للقيام بهذه المهمة. كما وضع في نهاية الكتاب مجموعة من الملاحق لعقود شابها الفساد للأراضي التي حصل عليها رجال الأعمال، وكذلك بعض القضايا التي اتهم فيها رجال أعمال بممارسة الفساد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى