كان محمد عبد الوهاب يتساءل: كيف يحتفل الناس بخسارة عام آخر من حياتهم بإقامة عيد ميلاد كل عام؟ هذا العام قررت أن أسمح لنفسى به، فهذه أول مناسبة من هذا النوع بعد الثورة، وكان هدفى الأول من وراء دعوة نحو خمسين صديقاً هو تكريم فريقى فى إعداد برنامج «آخر كلام»، وهو فريق خرج من رحم الثورة بمتوسط عمر لا يتجاوز الخامسة والعشرين.
كان هذا فى مايو، ومن مايو حتى سبتمبر لم تتح لى فرصة إلا قبل ثلاثة أيام كى أفتح بعض الهدايا المنمقة التى أمطرنى بها أصدقائى. ورغم حجة الانشغال فى العمل إلى هذا الحد فإنهم جميعاً يستحقون اعتذاراً واجباً عن هذا التأخر غير المهذب حتى إذا كان معظمهم قد وضعنى فى مأزق محير عندما لم يترك دليلاً مع الهدية يرشدنى إلى شخصه.
أحد هؤلاء الذين يبدو أنهم يعرفوننى جيداً ترك لى كتاباً باللغة الإنجليزية يمكن ترجمة عنوانه بطريقة قرن - أوسطية إلى «الكتاب الأسد فى لغة الجسد» للكاتبين نفسيهما اللذين سبق لهما تأليف كتاب «رائع»، من نوع تلك الكتب التى تقرؤها فى الحمام وتستفيد منها كثيراً، عنوانه «لماذا يعجز الرجل عن الاستماع وتعجز المرأة عن قراءة الخريطة؟».
كنت قد انتهيت من أكثر من نصف هذا الكتاب الجديد قبل أن أبدأ فى جنى ثمار قراءته لدى عبورى قناة السويس فى طريقى إلى بقعتى المفضلة فى دهب، حيث لا شىء كثيراً يحدث، لا شىء سوى الهدوء والسحر والجمال وحب الوطن. دون كثير من الإدراك وجدت عينىَّ تركزان على تفاصيل لا نلقى إليها بالاً فى معظم الأحيان. تحولت رحلتى مع «عزيزة» - وهذا اسم رفيقة الدرب، سيارتى - إلى رحلة فى قراءة الوجوه والعيون والحواجب والأذرع والأكف والأصابع والأرجل والأقدام وغيرها من تفاصيل الجسد.
مثقلاً لاأزال بمحاولات مستميتة لتفسير حقيقة اتجاه إصبع اللواء الفنجرى، ودرجة انحناءة «قصة شعر» عصام شرف، وتوتر طبقة صوت اللواء عيسوى، تتجه عيناى الآن من عدسة قناص حائر يبحث عن هدف نحو مختلف التفاصيل فى هؤلاء الجنود وأفراد الأمن من الجيش ومن الشرطة، ومن معهم فى أزياء مدنية، لدى الحواجز المنتشرة على الطريق.
ماذا أحاول أن أقرأ؟ أقرأ انتظاراً يشوبه ملل فى عينى هذا الجندى الذى لفحته الشمس فوق دبابة على رأس الممر المؤدى إلى نفق الشهيد أحمد حمدى. يقرأ هو فى نوع سيارتى أسئلة بلا نهاية. أقرأ إقبالاً لطيفاً مبالغاً فيه من ضابط الشرطة لدى مدخل النفق ربما يعنى من وجهة نظر هذا الكتاب توتراً نفسياً. يقرأ هو فى نظارتى الشمسية التى تعمدت ألا أخلعها إلا إذا كانت لذلك ضرورة أنه لم تكن لذلك ضرورة. أقرأ فى عيون جنود الجيش الذين يقفون الآن على الحواجز المنتشرة على الطريق بدلاً من الشرطة أدباً فطرياً وقبساً من حياء الريف. يقرأون هم فى عينى تأهباً صادقاً رغم جفوة الأسابيع الماضية: «صباح الفل يا رجالة».
أقرأ هذا كله وغيره وأنا أتمنى لو كان لدى الرجل فى وقت كهذا جانب من عقل المرأة، فلقد أثبتت الأبحاث العلمية أن لدى المرأة نحو خمس عشرة منطقة فى المخ تستطيع غربلة لغة الجسد بينما لا يوجد لدى الرجل إلا نحو خمس مناطق لا غير. ورغم ذلك سيكون من بين من يتطلع إلى الحكم من يعد بفرض المزيد من القيود على النساء على أساس فهمه لأنهن «ناقصات عقل ودين».
استقيموا يرحمكم الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى