الصوت والصورة: فضائح «عصافير» الإعلام في ثورة يناير
محمد فتحي يونس يكتب: قبيل سنوات وقعت مشادة ساخنة تليفونيا بين المعارض أيمن نور وأحمد موسي مدير تحرير الأهرام في إحدي فقرات برنامج القاهرة اليوم، أنهاها نور بسؤال غاضب:" انت بتقبض مرتبك منين يا أحمد؟! ثم أغلق الخط.
كان نور يلمح إلي أن موسي علي علاقة وثيقة بالأمن، للدرجة التي يحتمل معها أن يتقاضي منه راتبا،
لكن الشكوك التي أثارها متابعون علي مدي سنوات حول دور الاختراق الأمني للصحافة أكدتها وثائق "ويكيليكس" المصرية الخاصة بأمن الدولة فعددت أسماء صحفيين وإعلاميين عملاء للجهاز وإن اختلفت أشكال العمالة ما بين جمع المعلومات إلي الانتقام من المعارضين إلي أغراض أخري.
تقول أوراق التاريخ إن الأمن السياسي وهو البنية الأولي لجهاز أمن الدولة الحالي، أنشئ عام 1913 بقيادة سليم زكي حكمدار القاهرة، وتكون من ضباط البوليس المصري بعيدا عن نفوذ الداخلية ويتبع السرايا مباشرة قائد البوليس الملكي لتعزيز نفوذها وتنفيذ مهام غامضة تحافظ علي مخالبها، ركز الجهاز في مراحل بعينها علي مناهضي الاحتلال، وفي أحيان أخري علي مناهضي الحكومة، لكنه ظل علي ولائه للملك علي الدوام، لكن أبرز المفارقات أن أحد مسميات الجهاز تاريخيا كان " القلم المخصوص"..
في الصحافة تتكاثر الأقلام المخصوصة، وهم أذرع الأجهزة الأمنية المطيعة، وبالتالي "سواتر" إضافية لحماية النظام، تروج لوجهة نظره، أو تجمع المعلومات أو تنقض علي المعارضة بالتلويث، حتي إذا انهار كانوا أول من يقفز من السفينة، للبحث عن سيد قادم.
تبدأ رحلة تجنيد صحفي المباحث من تفاصيل بسيطة، أهمها قدرة الأمن علي التحكم في كم ونوع معلومات الحوادث الكبري، وعندما يقل أداء صحفي الحوادث مثلا عن المتوقع، تبدأ رحلة العقاب بحرمانه من قصص مهمة، يراها منشورة في الصحف المنافسة صباحا فيتعرض لتقريع رؤسائه، في صحيفة مستقلة مثلا كان جزاء صحفي في جريدة خاصة اعتاد التركيز علي قضايا التعذيب، حرمانه من صور المشتبه به في تفجيرات القديسين، رغم توزيعها علي بقية الصحف.. ومع وجود قسم للصحافة في أمن الدولة و تخصيص ضابط لكل مؤسسة، بات الاتصال بالأمن وسيلة للترقي، واقتناص المناصب الكبري، وتفتح أمام الصحفي الأمني آفاقا في برامج التوك شو لأنه قادر بصلاته الأمنية علي الحصول علي تصريحات للتصوير، والانفراد بقضايا حساسة، خاصة ما يتعلق بمراجعات الجماعات الإسلامية، أو زيارة رموزها، بل تورط بعضهم في صفقات كبري بين الأمن ومؤسسات خليجية تخص عوائد بيع كتب المراجعات..
في عهد مبارك اتسع مفهوم القلم المخصوص، من مجرد الترويج لوجهة نظر الداخلية أو النظام إلي "المعارضة"علي مقاس الحكومة، فيهاجم المعارض رئيس الحكومة، أو بعض الوزراء باستثناء وزير الداخلية، ثم يقدم خدماته في ملفات معينة، يهاجم مثلا البرادعي وسعد الدين إبراهيم وأيمن باعتبارهم ممثلين لأمريكا، فيما يلوث طلعت السادات، وتتزامن جرعات الهجوم مع لحظات حرجة، كدفاع لجنة برلمانية أوروبية عن نور أو هجوم إبراهيم علي النظام المصري في صحيفة غربية أو إعلان البرادعي عزمه المشاركة في التغيير.
ومن بين الوثائق التي عثر عليها في مقر أمن الدولة بمدينة نصر، واحدة تقول إن الجهاز سيطلب من مجلة قومية (أكتوبر) وصحيفة قومية (روزا ليوسف)، وصحيفة خاصة الهجوم علي نعمان جمعة رئيس حزب الوفد الأسبق والمرشح السابق للرئاسة لأنه هاجم جمال مبارك في لقاء تليفزيوني تم منتجته وأزيل الهجوم، لكن وزير الإعلام أبلغ الأجهزة الأمنية بما حدث.
وبعد الثورة بأيام تسربت مكالمة تليفونية لرئيس تحرير موقع إليكتروني شهير يتحدث مع نجل رجل أعمال هارب تسبب في قتل أكثر من 1300 مصري يعترف له فيها بأنه مع النظام ويتصل بأمن الدولة لو تضايق أحدهم مما يكتب في موقعه، ويهاجم رجال النظام من رجال محسوبين علي النظام أيضا" أي يضرب ويلاقي بحسب كلماته.
ملحوظة :/*/ (مش يقصد خالد صلاح الراجل ) الكدب خيبة …/*/
وفي مكاتب الصحف الخليجية، كان للقلم المخصوص ممثلوه، اشتري مثلا مدير أحد المكاتب كتابا للقيادي الأصولي سيد إمام الشريف بعشرات الألوف من الجنيهات عبر وسيط آخر في وقت كان الكتاب مباعا لصحيفتين أخريين سبقتاه في نشر الحلقات، وعلي مدي سنوات اعتاد الترويج للحزب الحاكم وأمانة السياسات أملا في الوصول إلي عضويتها، واعتمد الترويج علي آليتين هما صنع الخبر، والإطار الإعلامين، فبحسب الأولي مثلا ينقل علي لسان مصادر مجهلة يقول إنها في الحزب الحاكم تشيد بقيادة جمال مبارك للحزب، أما الثانية فهي تلوين الأخبار، فخبر عن عزم البرادعي التغيير، يكتب كالآتي:" البرادعي خارج سباق الرئاسة لموانع دستورية"، في حين تفرد الأسطر لمحامين من قبل سمير الششتاوي، يهاجم المعارضة، ويحصل الرجل علي عضوية الحزب لكن الحزب ورئيسه ونوابه يذهبون إلي الجحيم، فلا يجد ممثل القلم المخصوص بدا من الكتابة عن الثورة.. علي مستوي الترويج لوجهة نظر النظام في الإعلام الحكومي كان الدفاع فجا ومستفزا برأي كثيرين، بل وقال بعض المراقبين إن نبرة الإعلام الحكومي كانت من أهم الأسباب المباشرة للثورة.
تهكم مثلا عبد الله كمال قبيل اشتعال الأحداث في 25 يناير علي الثوار فكتب علي تويتر "هي الثورة بكرة الساعة كام؟!"، وقبلها نفي تمامًا التشابه بين مصر وتونس من حيث الظروف وأشخاص القادة، ثم بالغ في السخرية ممن حرقوا أنفسهم أمام مجلس الشعب، موغلاً في التركيز علي الظروف الأسرية لهم، وبعد فترة من الصمت تبني خطاب المؤامرة باعتبار الثوار مخربين يريدون إثارة الفوضي في مصر، قبيل أن يستسلم قليلاً بعد تنازلات الرئيس السابق بنفي التوريث وإعلان عدم الترشيح وتعيين نائب، ويؤكد أن تلك الخطوات كافية للإصلاح، لكن بعد انهيار سلطة مبارك قال إن هناك شرعية ثورية جديدة، بعد أن سقط الفاسدون، وفي اجتماعه مع رئيس الوزراء المصري حرض الجيش علي تعقب من يكتب قوائم العار لأنه برأيه يثير فتنة.
محاولة الالتصاق بالسلطة الجديدة كرَّرها بقية رؤساء تحرير الصحف القومية، بالهجوم علي مبارك وعصره ومحاولة نفاق الجيش،
فوصف محمد علي إبراهيم مبارك بأنه الوهم الكبير بعد ساعات من الهجوم علي الثوار واعتباره خالد سعيد "شهيد البانجو". في مقال كان عنوانه:" آه يابلد.. وقفة احتجاجية..من أجل حشاش"،قال فيه: "إذا كانت الداخلية قد رأفت بالقتيل ولم تشأ أن تظهر سجله المخزي حرصًا علي حرمة الأموات".. وقال ياسر رزق إن الثورة مجرد مؤامرة بقيادة أجانب إيرانيين وأفغان، ثم أعلن بعدها بأيام أن مرحلة التطهير بدأت، محتفيا بشباب التحرير.
في التليفزيون كانت الفجاجة لا تقل عن الصحف برأي كثيرين،
فقال مثلا خيري رمضان في اليوم الأول للثورة:" العالم العربي بيتلعب فيه.. النهارده كان عيد الشرطة مش عايزين ندنس هذا اليوم .. إيه اللي حصل .. بعد الساعة تلاتة حصلت تغييرات حقيقية..
ثم يسنده تامر أمين قائلا: "فجأة حصل دخول شخصيات مختلفة، البداية كانت الصلوات الجماعية دي.. مين اللي دخل وبدأ المسألة يبقي فيه اشتباك مع الشرطة"
ثم يواصل خيري رمضان مشككا في الثوار قائلا:"كنا فرحانين الصبح .. بداية حلوة لهذا الشعب الجميل .. دخلت أجندات خاصة .. المسألة فيها لعب أكثر مما تتخيلوا". ثم تحدثا عن الفوضي القادمة، والدعوات الانقلابية، والإشارات القادمة من أفغانستان ومانيلا".
والغريب أنه بعد نجاح الثورة "قرأ تامر أمين الفاتحة للشهداء وتحدث عن فساد النظام السابق، وبالمثل خيري.
لكن الثورة أيضا شهدت آليات للتحول التدريجي في المواقف، فظهرت أسماء مثل لميس الحديدي وزوجها عمرو أديب وشقيقه عماد الدين أديب وعمرو الليثي، تبنوا مقولة التغيير ومدحوا في مرحلة ما من الثورة الشباب الثائر، لكنهم أبدوا توجسهم من أن الموجودين الآن في ميدان التحرير ليس الشباب لكن تيارات دينية لها أجندات خارجية، وهو منطق يكاد يتطابق مع خطاب عمر سليمان نائب الرئيس السابق، خاصة أنهم دعوا الثائرين لترك الميدان.
عائلة أديب
ولجأ هؤلاء المستقلون الوهميون بحسب خبراء إلي حيلة احترام الكبير وضرورة تكريم الأب، والخروج الآمن له، لكن دعواتهم لم تجد صدي يذكر لأن عائلة أديب تورطت في فترة سابقة في مساندة النظام السابق،
سجل عماد مذكرات مبارك، وأعلن شقيقه أكثر من مرة أن الرئيس هو من يحميه في مصر، في حين أدارت لميس حملة الحزب الوطني في الانتخابات، وكانت النتيجة وضعهم جميعًا في قوائم العار وتعرَّض عمرو لمحاولة الفتك به عندما زار التحرير، ولم يشفع له هجومه المباشر علي مبارك ليلة التنحي واعتبار عصره عصر الذل والمهانة، فسجل نشطاء حلقات سابقة له تمدح مبارك.
ولجأ آخرون إلي حيل أكثر ذكاء معلنين أن الضغوط كانت أكبر منهم، ولا داعي لتخوينهم واعتبارهم من الأعداء، مع الوعد ببداية جديدة مهنية بعيدة عن التحيز،
ومن هؤلاء عبد اللطيف المناوي رئيس قطاع الأخبار الذي طالب بتبني التليفزيون المصري استراتيجية أقرب لما تفعله ال«بي بي سي"، رغم أن المناوي نفسه كان يسبق عمر سليمان في الهجوم علي المتظاهرين، فقال لفظ الأجندات أولا ثم أمن نائب الرئيس علي كلامه، وأصبحت كلمته المفضلة حتي الإطاحة بالرئيس.. تباهي النظام السابق كثيرا بعبارة ثبت أنها أكذوبة، كان يكررأنه العهد الذي لم يكسر فيه قلم، مرت السنوات وتبين أنه كان يقصد : لم يكسر قلما مخصوصا، ربما إلا من شق عصا الطاعة.
نشر في صوت الأمة يوم 13 - 03 – 2011
http://www.masress.com/soutelomma/8414
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى