السيسي وشباب الثورة وحسين سالم الهارب
كتب- محمد الخولي وحسام حمدي:
كل مَن تولَّى المسؤولية منذ ثورة 25 يناير حتى الآن يتحدَّث، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، عن التصالح مع رجال أعمال نظام مبارك، هؤلاء المتهمون بالفساد والاستيلاء على المال العام، بطرق غير شرعية، سواء الهاربين إلى الخارج أو المقيمين فى الداخل، رغم أن المحكمة برَّأتهم لأسباب لا تعفيهم من مسؤولية الاستيلاء على المال العام، بل إن أحدهم، وهو زكريا عزمى، أقام دعوى أمام محكمة القضاء الإدارى يطالب فيها برصيد إجازاته لدى الدولة، كونه كان موظفًا عموميًّا بها، وآخر هو أحمد عز، تقدَّم بأوراق ترشُّحه لمجلس النواب، وثالث هو حسين سالم، الذى خرج فى الإعلام فى الفترة الأخيرة متقمصًا دور المظلوم، وتقدَّم بطلب إلى مجلس الوزراء للتصالح مع الدول، مقابل التنازل عن 57% من ثروته التى تقدر بثمانية مليارات جنيه فى الداخل والخارج.
وهناك غيرهم الكثيرون الذين كانوا سببًا مباشرًا فى الثورة على نظام مبارك، غير أنهم يحاولون العودة من جديد، عبر أموالهم التى كانت سببًا فى قيام ثورة 25 يناير، بينما عدد كبير ممن تصدّروا المشهد فى ثورة يناير هم الآن خلف السجون بتهم عديدة، لكن التهمة المشتركة بينهم هى التظاهر دون تصريح.
استعادة الأموال المُهرّبة تفتح باب العودة
المجلس العسكرى أدخل تعديلات على قانون حوافز الاستثمار تجيز التصالح.. وحكومة الإخوان أضافت مادة للتصالح مع المستثمرين عن طريق وكلاء لهم.. وحكومة محلب أعدَّت قانونًا للتصالح مع رجال الأعمال الهاربين منذ سقوط حسنى مبارك من على كرسى الرئاسة.. وهناك حديث دائم عن التصالح مع رموز نظامه
يعلو الحديث فترة ثم ينخفض فترة أخرى، وفى كل مرة تكون الحجة واحدة، حتى تتمكَّن الدولة من استعادة الأموال المهربة، واستعادة الأموال من رجال الأعمال الموجودين داخل البلاد بدلًا من حبسهم بلا فائدة، والتأكيد أن ذلك سيمنح الاقتصاد دفعة قوية.
فى الفترة الأخيرة، يبدو أن هناك اتجاهًا جديًّا لإتمام تلك المصالحة، سواء مع رجال الأعمال الهاربين فى الخارج أو هؤلاء فى الداخل.
قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة -الجهة المسؤولة عن مراجعة القوانين قبل التصديق عليها من رئاسة الجمهورية- وافق قبل أيام على مشروع قرار بقانون بإنشاء وتنظيم اللجنة القومية لاسترداد الأموال والأصول والموجودات بالخارج، والخاص بإنشاء لجنة قومية برئاسة النائب العام، تكون مهمتها استرداد الأموال الموجودة بالخارج والمتحصلة من أى فعل يعاقب عليه بموجب قانون العقوبات أو أى من النصوص العقابية فى قوانين أخرى، وهو القانون الذى أرسلته إلى القسم حكومة المهندس إبراهيم محلب، وتنص مادته السادسة على أن «تتولّى اللجنة دون غيرها تلقّى طلبات الصلح المقدمة من المتهمين المدرجين على قوائم التجميد بالخارج أو وكلائهم الخاصين فى أى مرحلة كانت عليها الدعوى الجنائية، والنظر فى تلك الطلبات، ويترتب على قبول طلب التصالح انقضاء الدعوى الجنائية أو وقف تنفيذ العقوبات المحكوم بها، بحسب الأحوال عن الجرائم محل الطلب على النحو المحدد فى المادة 18 مكرر (ب) من قانون الإجراءات الجنائية». وهى المادة التى تعنى صراحة نيّة الدولة التصالح مع رجال الأعمال الهاربين فى الخارج وانقضاء الدعاوى الجنائية ضدهم فور إتمام المصالحة.
أما بخصوص التصالح مع رجال الأعمال الموجودين بالداخل، فهناك قانون ضمانات وحوافز الاستثمار 8 لسنة 1997، الذى أدخل عليه المجلس العسكرى، الحاكم للبلاد بعد ثورة 25 يناير، تعديلات، ثم جاءت حكومة الإخوان بعد ذلك وأدخلت عليه تعديلات جديدة، المجلس العسكرى أصدر مرسومًا بقانون رقم 4 لسنة 2012 بتعديل بعض أحكام قانون ضمانات وحوافز الاستثمار، وتمت إضافة مادتين جديدتين إلى القانون برقمَى 7 مكرر و66 مكرر.
المادة «7» مكرر تنص على أنه «يجوز التصالح مع المستثمر فى الجرائم المنصوص عليها فى الباب الرابع من الكتاب الثانى من قانون العقوبات التى ترتكب منه بصفته أو بشخصه أو التى اشترك فى ارتكابها، وذلك فى نطاق مباشرة الأنشطة المنصوص عليها فى هذا القانون وفى أية حالة تكون عليها الدعوى الجنائية قبل صدور الحكم البات فيها. ويشترط للتصالح أن يرد المستثمر كافة الأموال أو المنقولات أو الأراضى أو العقارات محل الجريمة أو ما يعادل قيمتها السوقية وقت ارتكاب الجريمة إذا استحال ردّها العينى، على أن يتم تحديد القيمة السوقية بمعرفة لجنة من الخبراء يصدر بتشكيلها قرار من وزير العدل، وفى حالة صدور حكم نهائى غير بات بإدانة المستثمر يشترط للتصالح، بالإضافة إلى ما سبق إتمام وفائه بكامل العقوبات المالية المقضى بها.
عز وسالم والمغربي.. أول القائمة
حسين سالم ورشيد أحمد رشيد وبطرس غالى الهاربون فى الخارج.. وأحمد عز والمغربى وجرانة ونظيف فى الداخل
تقريبًا كل الأسماء اللامعة التى ظهرت فى عهد حسنى مبارك، تم اتهامها بالفساد المالى، وأمرت الأموال العامة، بالتحفظ على أموالهم سواء الموجودة بالداخل أو الخارج، وتقريبًا القضية المعروفة بـ«هدايا الأهرام»، كان متهمًا فيها 26 من رجال نظام مبارك، وتم التصالح معهم تقريبًا وانقضاء الدعوى الجنائية عليهم.
ومن هؤلاء: رشيد محمد رشيد، رجل أعمال ووزير الصناعة والتجارة الأسبق، الذى تصالح مع الدولة فى مايو 2013، وتم رفع اسمه من قوائم الترقب، بعد قرار النائب العام فى فبراير 2011 منع سفره، وتجميد أرصدته فى البنوك، وفى يوليو 2011 أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكمًا غيابيًّا على وزير التجارة والصناعة السابق، رشيد محمد رشيد، بالسجن خمس سنوات، بعد إدانته بتهمة إهدار المال العام، وغرَّمته المحكمة مليونَى جنيه مصرى، وأمرت بأن يدفع مبلغًا مماثلًا إلى خزانة الدولة على سبيل التعويض، وفى سبتمبر 2011 قضت محكمة جنايات القاهرة بالسجن المشدد لمدة 15 سنة غيابيًّا على رشيد، وتغريمه مبلغ مليار و414 مليون جنيه لإهداره ٦٦٠ مليون جنيه من أموال الدولة، ورغم كل هذه الإدانات فإن الدولة تصالحت معه.
ويعتبر المثل الأشهر فى مسألة التصالح، رجل الأعمال الهارب حسين سالم، الذى أعلن محاميه عن رغبته فى التصالح مع الدولة، لكن الأزمة الآن حول ما سيدفعه الرجل لخزينة الدولة، وحسين سالم كان متهمًا فى قضايا عديدة منذ الثورة، وجميعها يتعلق بالفساد المالى والتربح بغير وجه حق، واستغلال علاقاته بالمخلوع مبارك ونجلَيه، للتربح من أموال الدولة.
هناك أيضًا أحمد عز، الذى يعد واحدًا من أهم رجال أعمال نظام مبارك، خصوصًا بعد خطوته «الجريئة» بإعلانه الترشُّح للانتخابات البرلمانية، وكان مُصرًّا على الترشح حتى استبعدته اللجنة العليا للانتخابات.
ووزير المالية الأسبق، بطرس غالى، واحد من هؤلاء الذين تسعى الدولة للتصالح معهم، وهو هارب ومتهم فى القضية المعروفة بـ«اللوحات المعدنية»، مع أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق، وحبيب العادلى وزير الداخلية الأسبق، ومتهم أيضًا فى القضية المعروفة إعلاميًّا بـ«هدايا الأهرام»، والتى اتهم فيها 26 شخصًا من ضمنهم غالى، وتم تغريم 25 متهمًا منهم بغرامات مالية تم تسديدها للجهات المعنية، وبقى وزير المالية الأسبق الذى لم يقم بسداد ما حصل عليه، والذى بلغت جملتها مليونًا ونصف مليون جنيه.
هناك أيضًا كثير من رجال الأعمال الذين تسعى الدولة بجدية للتصالح معهم، وتهيئة المجال العام لذلك، مثل أحمد نظيف، وحبيب العادلى، وزهير جرانة، وأحمد المغربى، وإبراهيم سليمان، وغيرهم من رجال الأعمال الذين ظهروا وشغلوا مناصب فى نهاية عهد نظام مبارك.
إرادة سياسية غائبة أم بحث عن «تكييف قانونى»؟
فى ظل هذه الحالة من الإعداد للتصالح مع رجال الأعمال، ورموز نظام مبارك، تتجاهل الدولة المطالب الكثيرة بالإفراج عن الشباب المحبوسين، خصوصًا هؤلاء المحبوسين فى قضايا تتعلق بالتظاهر، وتم حبسهم وفقًا لقانون التظاهر الذى يرفضه عدد من القوى السياسية والأحزاب.
ويرى خالد علِى، المحامى والحقوقى، أن الدولة يمكن أن تضع التكييف القانونى اللازم للإفراج عن هؤلاء الشباب، مثلما حدث مع الصحفى الأسترالى الذى كان متهمًا فى القضية المعروفة إعلاميًّا بـ«خلية الماريوت»، لكن وفقًا لعلِى فإنه لا توجد إرادة سياسية للدولة للإفراج عن هؤلاء الشباب المحبوسين. مدير مؤسسة مركز النديم لعلاج وإعادة تأهيل ضحايا العنف والتعذيب بالسجون، عايدة سيف الدولة، ترى أن موعد الإفراج عن المحبوسين على ذمة قضايا التظاهر، حسب وعود الرئيس، يُسأل عنه الرئيس نفسه، وشددت على أن الإفراج عن الشباب المحبوسين قرار سياسى، وعدم تنفيذ وعود الرئيس أيضًا قرار سياسى، وقالت سيف الدولة إن «الدولة تسعى بجدية للإفراج عن رجالها».
ومن جهته، قال عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، محمد زارع، إن «الرئيس وعد أكثر من مرة بالإفراج عن الشباب المحبوسين على ذمة قضايا التظاهر، وللأسف لا يتم تنفيذ الوعود، وهو ما يعنى أن الجهات المسؤولة فى الدولة لا تريد تنفيذ تلك الوعود»، لافتًا إلى أن هناك طلبة من بين المحبوسين، وأضاف زارع «أتصور أن هناك جهات معينة هى التى تعرقل تنفيذ تلك الوعود».
قانونيون: التصالح مع الفاسدين عليه انتظار مجلس النواب
أستاذ القانون العام، عادل عامر، قال إنه بعد تعديل قانون الإجراءات الجنائية الأخير، تم السماح بالتصالح مع المتهمين فى قضايا الإهدار والفساد المالى، مضيفًا «قانونيًّا أصبح من حق الدولة التصالح معهم، لكن بشروط أن يتم توريد كل الأموال التى تم الاستيلاء عليها»، مؤكدًا أن القانون ينص على أن تقوم الدولة بتحديد المبلغ المدفوع للتصالح، وتابع «الدولة هى التى تحدد النسبة»، مضيفًا أن «مجلس الوزراء هو الوحيد المختص بالمصالحة، فيقوم المجلس بالإجراءات كاملة، وبعد ذلك تتم توريد المبالغ إلى وزارة المالية».
المحامى حمدى الأسيوطى، قال إنه «قانونًا يجوز التصالح مع رجال الأعمال الذين اتهموا فى قضايا فساد مالى واستيلاء على أموال عامة، مثل حسين سالم»، مشيرًا إلى أنه حدث تعديل سنة 2006 على قانون العقوبات يسمح بالتصالح فى جرائم الأموال العامة، وتابع «أعتقد أن عرض حسين سالم يجوز من الناحية القانونية»، مضيفًا «إذا عُدّل قانون العقوبات وأُضيفت الجرائم السياسية بالطبع سيحاكم سياسيًّا»، مؤكدًا أن ميوعة القرار السياسى أدت إلى المشهد الحالى، وهو أن المتهم بفساد مالى يساوم على دفع 57% من ثروته، موضحًا «القانون هو الذى يحدد النسبة التى تعود إلى الدولة للتصالح، والدولة ممثلة فى السلطة القضائية، وهى التى تحدد قيمة التصالح».
بدوره قال المحامى أسعد هيكل، إنه «فى سنة 2012 فى أثناء فترة حكم الإخوان، عرض حسين سالم عن طريق محاميه دفع 75% من إجمالى قيمة ثروته مقابل التصالح»، وتابع «هذا الأمر فى نظرى مرفوض، وطلبنا منه أنه يقوم بإرجاع كامل قيمة الثروة»، مشيرًا إلى أن الدولة ممثلة فى المخابرات هى التى تمتلك ثروة حسين سالم كاملة، باعترافه هو شخصيًّا فى مداخلة مع إحدى القنوات المصرية، وبموجب هذا الاعتراف الصادر منه تصبح الدولة المصرية لها الحق فى استرداد كامل الثروة، مؤكدًا أن «أى اتفاق من أى جهاز قضائى، خارج هذا الإطار يصبح اتفاقًا باطلًا، خصوصًا أيضًا أن الدستور المصرى فى المادة 221 نص على أن المختص فى وضع تشريع العدالة الانتقالية هو مجلس النواب، وجزء من العدالة الانتقالية والمحاسبة مخصص للثروات التى نهبها مبارك وأفراد عصابته، واسترداد الدولة لكل ثرواتها التى تم نهبها».
هيكل أكد أن «القوانين التى وضعتها جماعة الإخوان كانت قوانين وليدة صفقة بين الجماعة وبين أفراد عصابة مبارك، على حد قوله، صفقة تسوية مالية وسياسية، وأيضًا قضائية، ومن ضمن هذه القوانين القانون رقم 4 من سنة 2012، بتعديل بعض أحكام قانون الاستثمار، فبموجب هذا التعديل سهَّلت جماعة الإخوان وساعدت أفراد عصابة مبارك على الاحتفاظ بالثروات التى نهبوها، سواء كانت أراضى أو أموالًا سائلة مهربة فى الخارج، حيث نص هذا القانون على جواز التصالح مع أفراد مبارك مقابل دفع قيمة الأموال التى استولوا عليه وقت وقوع الجريمة، مقابل حفظ الجريمة، مثل رشيد وغالى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى