أكرم القصاص : 30 سنة فى 30 يوم لحكم مبارك لمصر (1)
ننشر 30 عاماً فى 30 يوماً.. كيف حكم مبارك مصر.. عام على لطفى؟.
استمرار الارتباك وتعيين كمال حسن على رئيسًا للوزراء لشهور
◄ تعيين الدكتور على لطفى رئيساً للوزراء فى الطائرة.. والاتجاه نحو اقتصاد السوق
نتائج الانتخابات التى جرت عام 1984 أصابت الحزب الوطنى بارتباك، انتزع الوفد بتحالفه مع الإخوان ربع عدد مقاعد المجلس الشعب ثم جاءت انتخابات 1987 لتكون الإعلان الأوضح والأقوى لوجود «الإخوان المسلمين» فى الساحة السياسية، ومولد شعار «الإسلام هو الحل»، الذى رفعه التحالف الإسلامى مع حزبى العمل والأحرار، وكانت بداية لعلاقة بين نظام مبارك وجماعة الإخوان المسلمين، والتيار الإسلامى عموما، وهى علاقة لم تكن أبدا فى خطوط مستقيمة.
كانت انتخابات 1987 هى أول انتخابات يرفع فيها الإخوان شعار «الإسلام هو الحل»، وكان شعارا يجمع بين الغموض والعاطفية التى تشد الشارع المصرى المتدين بطبعه. كما أنها كانت مؤشرا آخر على عدم ثقة المواطنين وأغلبيتهم فى بنيان الحياة السياسية، ولا فى الحزب الوطنى الذى لم يروا فيه تغيرا من عهد السادات إلى عهد مبارك.
انتهت السنوات الأولى لمبارك ولم يبد أن لديه النية فى التخلص من أصحاب المصالح فى الحزب الوطنى. وكانت انتخابات 1984 كاشفة عن رغبات المواطنين فى تجربة انتخابية حقيقية، وكانت نسبة المشاركة إلى حد ما مرتفعة، وكانت عودة حزب الوفد بحكم قضائى عام 1984 قبل 3 أشهر من الانتخابات رافقته حملة ومؤتمرات حضرها فؤاد باشا سراج الدين فى محافظات مختلفة.
لم يكن التيار الإسلامى الذى نجح فى انتخابات 1984 وبعدها 1987، مركزا فى الإخوان، لكن كان يتضمن أنواعا مختلفة من أعضاء التيار الإسلامى ممن بدأوا عملهم فى البرلمان، وأيضا فى الشارع والاقتصاد وتجارة العملة. وتزامن كل هذا مع ظهور شركات توظيف الأموال التى كانت وجها آخر من وجوه التيار الإسلامى فى المجتمع. لأن الاقتصاد كان لايزال مرتبكا من تأثيرات وتداعيات نظام السادات، وقد تسلم حسنى مبارك تركة اقتصادية ثقيلة من الرئيس الأسبق أنور السادات، كان الاقتصاد المصرى مرهقا بالديون والتضخم الاقتصادى، وكما يشير الدكتور جلال أمين فى دراسته المهمة: «ماذا فعل مبارك بتركة السادات؟».. ترك السادات عبئاً ثقيلاً من الديون الخارجية، وتضخما اقتصاديا مرتفعا، واقتصادا هشا استهلاكيا.
بدا مبارك عهده بشهر عسل قصير، ودعا لمؤتمر اقتصادى موسع حضره كل الاقتصاديين من جميع الاتجاهات الاقتصادية.. وأمام المؤتمر الاقتصادى فى 13 فبراير 1982 افتتحه مبارك بخطاب قال فيه: «دعوت إلى انعقاد هذا المؤتمر الذى يضم خيرة العقول الاقتصادية فى مصر لكى تتفاعل الآراء وتتنافس فى سبيل خدمة المصلحة القومية، فلا حجر على رأى و لا قيد على مشورة.. والهدف هو تحقيق المصالح المشروعة للفرد والجماعة»، اجتمع خبراء من كل التيارات والمشارب وأصدروا توصيات، وكان عقد المؤتمر ودعوة الاقتصاديين المحسوبين على المعارضة فى حد ذاته خطوة تدعو للتفاؤل، لكن الدكتور جلال أمين كتب يقول: «الذى حدث هو أنه بعد أن استمع الحكام إلى نصائح خبراء الاقتصاد، وتسلموا بحوثهم وتوصياتهم، وجّه النظام خالص الشكر للخبراء، وتم تسريحهم جميعًا على وعد بأن لجانًا سوف يجرى تشكيلها لتحويل هذه التوصيات إلى قرارات قابلة للتنفيذ. ثم لم نسمع قط أن مثل هذه اللجان قد تم تشكيلها أو أن هؤلاء الخبراء قد استدعوا مرة أخرى للاجتماع».
سنوات ونسيت التوصيات والتقارير للمؤتمر وتداخلت عوامل كثيرة سياسية مع اقتصادية، فقد كان فوز التيار الإسلامى بالانتخابات متزامنا مع انتشار أفكار الإسلام السياسى والإسلام السلفى والسعودى بوجه خاص، وهو أمر بدأ مع السبعينيات وتضاعف فى الثمانينيات. وكانت تحويلات المصريين فى الخارج تشكل قطاعا مهما من الدخل القومى. وكانت البطالة تدفع آلاف المصريين لقبول عقود عمل مناسبة أو غير مناسبة هربا من البطالة.
فى هذه الفترة بعد الوفاة المفاجئة للدكتور فؤاد محيى الدين رئيس الوزراء فى مكتبه فى 5 يونيو 1984 تولى المشير كمال حسن على، أحد قادة حرب أكتوبر ورئيس المخابرات العامة، رئاسة الوزراء لفترة قصيرة من يونيو 1984 حتى 4 سبتمبر 1985، واستقال لأسباب صحية، وتم تعيين الدكتور على لطفى رئيسا للوزراء منذ عام 1985. وتم تكليف الدكتور على لطفى برئاسة الحكومة فى 4 سبتمبر 1985 حتى 9 نوفمبر 1986، وقد تم تكليف الدكتور لطفى من الرئيس مبارك بتشكيل الحكومة وهو فى الطائرة متجها إلى الولايات المتحدة الأمريكية وروى هو نفسه أنه تلقى تليفونا طلب منه العودة، وكانت أول وزارة فى تاريخ مصر تشكل فى الطائرة، وكان على لطفى قد تولى وزارة المالية فى حكومة الدكتور مصطفى خليل.
فى عام 1984 تولى أحمد رشدى وزارة الداخلية ووضع خطة أمنية تمثلت فى حربه ضد تجار المخدرات، وفرض الانضباط فى الشارع مع حسن معاملة المواطنين فى الأقسام والمراكز، واستمر رشدى فى عمله حتى انفجرت أحداث الأمن المركزى فى 25 فبراير 1986 بعد انتشار شائعة فى المعسكرات بمد خدمة تجنيد الأمن المركزى إلى أربع سنوات.
انفجرت معسكرات الأمن المركزى فى الهرم وخرج الجنود وحرقوا قسم شرطة الهرم وتدخل الجيش وأصدرت الحكومة بيانا أعلنت فيه السيطرة على الأحداث، لكن معسكرات الأمن المركزى فى الهايكستب والقليوبية وأسيوط خرجت لتواصل الانتفاضة التى كشفت عن حجم الغضب داخل معسكرات الأمن المركزى، والإذلال الذى يتعرض له المجندون، استمرت أحداث الأمن المركزى لليوم التالى، ونزل الجيش وجرت اشتباكات بين قوات الجيش وجنود الأمن المركزى فى المعسكرات المتمردة. وتقدم اللواء أحمد رشدى باستقالته إلى رئيس الجمهورية وقبلها، وترددت شائعات عن أن اختراق الأمن المركزى كان مقصودا وأن الشائعات نشرها تجار المخدرات وأعوانهم داخل النظام ممن واجههم أحمد رشدى بحربه على المخدرات.
فاجأت انتفاضة جنود الأمن المركزى الحكومة والأحزاب والنظام كله، انطلقت من معسكرين للأمن المركزى، أولهما على الطريق بين القاهرة والفيوم، والثانى على الطريق بين القاهرة الإسكندرية. بدأ ثمانية آلاف جندى مظاهرات احتجاجية بعد أن ترددت بينهم شائعة مد فترة التجنيد الإجبارى من ثلاث إلى أربع سنوات، وتخفيض رواتب الجنود لسداد ديون مصر.
وتطورت الأحداث وامتدت إلى ستة معسكرات مختلفة فى القاهرة، والجيزة، والقليوبية، وسوهاج، وأسيوط، والإسماعيلية. كان هناك حوالى 300 و400 آلف جندى، معظمهم من أبناء معدمى الفلاحين الفقراء الذين يحول تجنيدهم إلى وزارة الداخلية لقضاء تجنيدهم الإجبارى بها. وكان يتم اختيارهم من الأميين المحملين بأمراض مختلفة. وتنظر لهم وزارة الداخلية على أنهم يد عاملة رخيصة، أو «عمالة معدومة الأجر»، كانت تتراوح رواتبهم بين 4 و6 جنيهات. وقد ارتبطت نشأة الأمن المركزى بمحاولات مواجهة المظاهرات بعد هزيمة يونيو، لكن تم التوسع فى الأمن المركزى، الذى فشل فى مواجهة انتفاضة 17 و18 يناير 1977 التى عرفت بانتفاضة الخبز.
وكشف اللواء أحمد رشدى، وزير الداخلية الأسبق فى حوار تليفزيونى، تفاصيل ما حدث ليلية انقلاب عساكر الأمن المركزى وتركه للوزارة، كانت قد أثيرت أشاعة بزيادة مدة العمل لعساكر الأمن المركزى لمدة عام، ووصلتنى الشائعة قبلها وأبلغت مساعد الوزير وطلبت منه الاجتماع بالضباط والعساكر وإعلان كذب ما تردد من شائعات وبعدها بأيام، وكنت فى منزلى فوجئت باتصال من مكتبى يخبرنى بأن عساكر الأمن المركزى متذمرين وخرجوا فى الجيزة عند ترعة الزمر، فتوجهت إلى هناك سريعا ووجدت مدير الأمن ومحافظ الجيزة وقتها يقفون بعيدا، سلمت عليهم وتركتهم ودخلت وسط العساكر المتذمرين وحاولت أن أوضح لهم الحقيقة وأستمع لمطالبهم وكدت أموت.
لكنى خرجت سالما من المعسكر بعد تهدئة العساكر، وعدت لمكتبى فى الثانية عشرة ليلا ففوجت بالسيد على لطفى رئيس الوزراء يتصل بى ويطلب منى إصدار بيان حول الأحداث، فقلت له: لا يجوز أن أصدر بيانا ليلا فلننتظر للصباح، فرفض، فقلت له لن أصدر بيانا، وافعلوا ما تشاءون، وعدت لمنزلى وفوجئت ببيان صادر فى الإذاعة بجميع المحطات حول ما حدث واستمع له عساكر الأمن المركزى فى المعسكرات، فعادوا مرة أخرى لتذمرهم وخرجوا فى الصباح مرة ثانية فاتصل بى مرة أخرى على لطفى رئيس الوزارء، وقال لى: ماذا ستفعل؟ قلت له: لن أستطيع أن أجعل عساكر أمن مركزى تتصدى لعساكر أمن مركزى، وطلبت منه نزول الجيش، وبالفعل حدث وتوجهت للرئيس مبارك ومعى استقالتى، وتقدمت بها، وقبلها الرئيس لأن الأحداث كانت تستلزم ذلك.
ولم يكن هناك تفسير لتكليف الدكتور على لطفى أو سبب لإقالة حكومته. وبدا الاقتصاد مرتبكا بالرغم من المؤتمر الاقتصادى، وكان الدكتور على لطفى قد أعلن فى أكثر من موضع عن ضرورة أن تتخلص الدولة من القطاع العام، وأنه ليس من دور الدولة أن تشوى السمك أو تبيع البقالة، وكان هناك ارتباك فى الأجور والأسعار، وكان هناك حديث عن زيادة الإنتاجية وقال على لطفى: كنت أرفض أن أكون رئيسا لحكومة يكون من ضمن مهامها شوى الفراخ وقلى السمك، ولا أطالب أن تنسحب الدولة ولكنى أطالبها بأن يتغير دورها، فالحكومة بجانب مسؤوليتها عن التعليم والمياه والكهرباء ليس من مسؤوليتها أن تنتج ولكن أن تراقب السوق لمنع الغش التجارى وتحمى المستهلك وتراقب الودائع فى البنوك.
وظلت أوضاع الاقتصاد مرتبكة، البطالة تتزايد والهجرة إلى الخارج مستمرة، والتردد بين اقتصاد موجه واقتصاد رأسمالى ظاهرة، وبدأت الهجمات على القطاع العام واستمرار تدخل الدولة فى الاقتصاد. وانعكس كل هذا فى الإعلام الحكومى والحزبى. وترك الدكتور على لطفى الحكومة ليتولى الدكتور عاطف صدقى أطول حكومة فى عهد مبارك.