حسنى مبارك
مايو 11, 2011
تفاصيل من داخل قصر المخلوع
تفاصيل من داخل قصر المخلوع
قضي 14 عاماً داخل رئاسة الجمهورية، عرف كل كبيرة وصغيرة حتي قيل له »لقد عرفت أكثر مما ينبغي.. التحق بالرئاسة عام 1974، وشاءت الأقدار أن يقوم الرئيس السادات بإصدار قرار تعيين له منفرداً، وأصدر مبارك في 1988 قراراً بنقله إلي وزارة الحكم المحلي. وظل 23 عاماً صامتاً، لا يتكلم ولا يعرف أحد عنه شيئاً، لم يشأ أن يبوح بأسرار الرئاسة ولا حتي السر الأكبر في حياته وهو »قصة« الظلم الصارخة التي تعرض لها.
إنه اللواء محمد نبيل أبوزيد الذي شغل منصب وكيل وزارة برئاسة الجمهورية وتواطأ ضده اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية السابق بأوامر من زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية، بل وقامت جهات »سيادية« رفيعة بالتحقيق معه فيما ينسب إليه في وشاية للرئيس.
في الحوار الذي اختص به »الوفد« فجر اللواء أبوزيد مفاجآت من العيار الثقيل تكشف للمصريين كيفية صناعة القرار في أكبر مؤسسة علي أرض مصر.. وإلي نص الحوار:
- كيف التحقت برئاسة الجمهورية؟
- بعد أن وصلت لمرحلة متقدمة في جهاز الشرطة وتعلمت الخصال الجيدة من رؤسائي آنذاك وأردت أن أكون حراً ثم تم ترشيحي للعمل بمؤسسة الرئاسة.
- من الذي رشحك؟
- المغفور له حسن كامل رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق، وذلك بموافقة من الرئيس السادات، حيث إن عائلة السادات وأولاده كانوا يشاركونني هواية الصيد التي برعت فيها وحصلت علي بطولات الجمهورية لدرجة أن أحد مساعدي السادات طلب مني أن »أُهزم« ولو لمرة واحدة لصالح أحد أبنائه.
- وما أول عمل لك في الرئاسة؟
- كنت في مكتب رئيس الديوان حسن كامل، وذات مرة حدثت »لخبطة« في إحدي سفريات السادات للخارج، فطلبوا مني تنظيم شئون السفر وشئون أخري واستطعت اكتساب احترام رؤسائي وزملائي داخل قصر الرئاسة.
- هل التقيت السادات؟
- السادات كان يعرف كل واحد منا كويس جداً ويعطي لكل واحد حقه، وكان دائماً يسألنا عن مشاكلنا، فيتم حلها بسرعة، وقد وضعني السادات أمام الأمر الواقع عندما قام بإصدار قرار تعييني داخل الرئاسة بدلاً من الانتداب وحمل القرار رقم 405 لسنة 76 بنقلي من هيئة الشرطة لوظيفة مدنية داخل رئاسة الجمهورية.
- وهل السادات كان يحب أن يسأل عن أحوال البلاد؟
- نعم.. ولم يكن يستمع للوشايات لدرجة أن أحد الأشخاص »وشي« بي عنده، وعندما تكشفت له الأمور قال لـ»الواشي«: اتق الله وبلاش تحط البنزين علي النار.
- كنت أحد الأسباب المباشرة والخفية لمبادرة السادات بزيارة إسرائيل.. فما الذي حدث آنذاك؟
- في عام 1976 كنت في رحلة خارج مصر وتحديداً في فرنسا، وفوجئت بأن مدير الفندق الذي أنزل به استدعاني بعد ما عرف أنني من رئاسة الجمهورية المصرية من خلال جواز سفري الدبلوماسي، ووجدت عنده أحد الأشخاص اتضح بعد ذلك أنه يهودي لكن يجيد اللغة العربية، وعاش في مصر في العشرينيات، وكان علي صلة وثيقة برئيس وزراء إسرائيل »مناحم بيجن«، وتحدثنا عن مصر والسلام في الشرق الأوسط، وأبلغني رسالة أنقلها للسادات برغم أنه يعرف أنني لست من المكلفين بهذا الشأن، وفعلاً قدمت تقريراً بهذا اللقاء للمخابرات العامة وآخر لرئاسة الجمهورية، وعرفت بعد ذلك من أحد الضباط بجهة سيادية أنه تمت دراسة التقرير بشكل جيد وتم استكمال الاتصال بمدير مكتب بيجن، وحدثت مبادرة زيارة السادات لإسرائيل بعد ذلك.
- تولي الرئيس مبارك في 1981.. أين كان موقعك؟
- اقتربت أكثر وكان حوله بطانة كويسة.
- زي مين؟
- عبدالوهاب سعيد زكي سكرتير الرئيس الخاص وكان علي خلق عالٍ جداً ومن عائلة محترمة، والرئيس مبارك كان يثق فيه ويستمع إلي كلامه علي طول الخط، ولم يسع الرجل إلا في الخير، ويتحد في ذلك مع نور الدين فرغلي أمين الرئاسة - شفاه الله - وكان مرافقاً للرئيس دائماً.. وأيضاً كان في ذلك الوقت جمال عبدالعزيز وعزالدين مختار أمين عام الرئاسة ولازم تعرف أن الرئيس في ذلك الوقت حتي عام 1986 كان ممتازاً، حتي وزراء تلك الفترة امتازوا بهذه الصفات لأن »رب البيت كويس«.. وكل حاجة اتعملت صح كانت أيضاً في تلك الفترة.
- هل هناك شواهد لذلك؟
- لا أخفيك سراً أن أحد الضباط بالقصر الجمهوري قام بتعنيف علاء مبارك لأنه تجرأ وركب إحدي السيارات المخصصة للرئاسة، وعندما علم الرئيس بذلك أثني علي الضابط لما فعله.
- وما الخطأ في قيادة علاء لسيارة الرئاسة؟
- الضابط كان ملتزماً وأيضاً الرئيس ولا يصح أن يفعل ذلك من المال العام.. ولك أن تعلم أن الرئيس مبارك كان رجلاً مثالياً إلي عام 1986، إلي أن ابتلاه الله ببطانة غير صالحة أمثال حسين سالم.
- في خطابه الأول قال مبارك إنه يكره الظلم والتعدي علي المال العام.. فما الذي حدث؟
- الرئيس عنده بطانة سوء استطاعوا التأثير عليه بل وصل بهم الحال إلي أن خوفوه من الشعب وخوفوه من كل الناس.
- وما سبب ظهور هذه البطانة؟
- وقتها كان يوجد شخص اسمه حسين سالم داخل في صفقات أسلحة وخلافه والصحف العالمية تناولت هذا الرجل بالنقد، ودفع حب الاستطلاع الرئيس إلي التعرف علي هذا الرجل وأذكر أنه قال لأحد مقربيه »مين الراجل ده؟« فقيل له: يا ريس بس أقعد معاه خمس دقائق وجلس حسين سالم مع مبارك في عام 1986 ومنذ ذلك التاريخ توطدت العلاقة بينهما.
- نستطيع أن نقسم حكم مبارك إلي ما قبل 86 وبعد 86.. فماذا كانت عادات الرئيس قبل 86؟
- الرئيس كان له نظام غريب يشتغل من الساعة 7 صباحاً إلي الواحدة ظهراً، ثم يتريض برياضته المعروفة »الإسكواش« ثم يتناول الغداء وفي العاشرة إلا ربع مساء يذهب إلي النوم، ولم يكن يسهر مع أحد إلا صديقه اللواء طيار حسام البشاري - رحمه الله - وهو من أصدقائه القلائل، وكان عنده طاقة شغل وامتاز بالصراحة وأخذ من السادات أن الاتصالات الخارجية مفيدة جداً لمصر وهذا يبرر سفره المتكرر.
- هل صحيح أن طعام الرئاسة يأتي من الخارج؟
- الرئيس السادات ومبارك بحكم عملي معهما وطنيان ولا يسمحان بالكلام ده، لكن الأطعمة كانت تأتي من الخارج لبعض الوزراء المعروفين بالاسم.
- هل يمتاز مبارك بالعند؟
- ده طبعه »الفظيع« ويحب يمشي رأيه، وصفة أخري لا يحب أن يعرف أحد أنه غلط، لكن برغم ذلك كان بيسمع كويس جداً من كل من حوله ومن لم يستطع مقابلته يحادثه تليفونياً حتي يقف علي الرأي السليم.
البطانة السوء كيف تغلغلت إلي الرئيس؟
- عندما بدأت الدائرة تضيق عليه لم يبق له مستشارين كويسين بخلاف السادات الذي كان يأخذ جميع فئات المجتمع مستشارين له، وحتي عبدالناصر، كنت تجد أكثر من باب للوصول إليه، فتجد باب عبدالحكيم عامر، أو باب صلاح نصر بغض النظر في اختلافنا علي هؤلاء الأشخاص، وفي عام 86 كان الباب الوحيد المؤدي للرئيس مبارك هو باب حسين سالم لدرجة أن باب أسامة الباز أصبح مغلقاً، وذلك عندما قابل الباز زوجتي في إحدي المناسبات وقال لها بالحرف: »زوجك مظلوم بس مش عارفين نعمله حاجة«.
- كيف بدأت رحلة الظلم مع الرئيس مبارك؟
- بدأت منذ عام 1988 بسبب وشاية حسين سالم للرئيس لكن يجب أن تعرف أنه في عام 2006 تعرضت لأبشع ظلم وقع علي، وذلك عندما استشهد ابني المقدم عبدالخالق أبوزيد علي يد جماعة من الإرهابيين كان في طريقه للقبض عليهم، وذلك بعد أن اتصل به اللواء حبيب العادلي وقال له باللفظ »أنزل يا عبدالخالق هات رقاب العيال دي.. شكلنا بقي وحش قوي«، وكان العادلي يقصد الإرهابيين في سيناء، ونزل ابني الشهيد واصطاد الإرهابيين، ونظراً لأن العملية غير مؤمنة جوياً، أصيب ابني برصاصة غادرة.. وودعته مصر بأكملها وهو ما أطفأ نار الغضب لدي والدته، وإلي الآن عملية عبدالخالق تدرس في كلية الشرطة بما فيها من إيجابيات وسلبيات.. وشاءت الأقدار أن يتم تكريم اسم ابني من رئاسة الجمهورية إلا أن زكريا عزمي وحبيب العادلي تواطآ ضدي حتي لا أحضر حفل التكريم خشية من مقابلتي للرئيس.
- ماذا صدر منهما؟
- بدلاً من إعلامي بموعد حضور التكريم أرسلا إلي زوجة ابني وحفيدتي مريم لتأخذا وسام الجمهورية، وبذلك فوتوا علي فرصة حضور تكريم ابني حتي لا التقي الرئيس وأوضح موقفي مما فعله معي حسين سالم.. ووصل الأمر بزكريا عزمي أن يرسل لي صورة حفيدتي مريم مع الرئيس ليغيظني.
- وهل كان الرئيس موافقاً علي ذلك؟
- نعم وافق شخصياً حتي لا أقابله وجهاً لوجه وإلا فلماذا قبل أن تحضر حفيدتي »مريم« وتأخذ وسام الشهيد ورفض حضوري علماً بأن اللواء حسام البشاري قد توسط لديه وقال له: »لقد ظلمت أولاد عبدالخالق« فرد عليه الرئيس »هو اللي ظلم أولاده«.
شش
- وماذا كان يقصد مبارك بهذا الكلام؟
- يقصد ما قاله حسين سالم عندما أبلغ الرئيس ذات مرة أني أتاجر في السلاح مع الشيخ زايد حاكم دولة الإمارات، وذلك بسبب صداقتي بهذا الرجل الذي جمعتني به هوايتي في الصيد وطلبني شخصياً لأصطاد معه في باكستان، ولظروف عمل كلفني به الرئيس اعتذرت عن عدم السفر.
وفوجئت بخميس الرميثي وهو مدير مكتب الشيخ زايد يخبرني بأن الشيخ زايد يدعوني للعشاء معه في الإمارات فاعتذرت بسبب انشغالي، لكن الشيخ زايد »كبرت في دماغه« وأصر علي مقابلتي، وسافرت إليه وقربني منه وأقنعته بالحضور إلي مصر للصيد في مرسي مطروح، وكنت أهدف من وراء ذلك إلي أن يقوم الشيخ زايد بإنهاء القطيعة التي فرضتها اتفاقية كامب ديفيد وفعلاً أخبرت الرئاسة بذلك، وحضر زايد إلي القاهرة واجتمع بالرئيس وتشاورا في أمور المنطقة، وهذا ألب علي الوشاه، ومنهم حسين سالم الذي كان صديقاً للشيخ راشد الملعي حاكم إمارة »أم القوين« واستطاع حسين سالم أن يشي بي عند مبارك وحاول تشويه صورتي عند الرئيس وذلك عندما ذهب إليه حسين سالم في الإسماعيلية في استراحة الفرسان الرئاسية وسهر معه حتي منتصف الليل وكان من العادات التي يحبها مبارك في حسين سالم أنه عندما كان يذهب إليه كان بدون سائق وده كان »بيبسط« الرئيس مبارك.. وبعد تلك الوشاية انقلب علي الرئيس للدرجة التي وصلت بزكريا عزمي إنه يقول باللفظ »انت عملت إيه الرئيس هايج عليك من امبارح« قلت له: »ما عرفش« فأخذني بعيداً عن مكتبه خشية أن يكون المكتب مراقباً بالتسجيلات وقال لي »مش حسين سالم برضه؟! الله يكون في عونك وللعلم حسين سالم بدأ حياته موظفاً إدارياً في سفارة مصر بالعراق وخدم مع السفير أمين هويدي، وبعد ذلك استطاع أن يدخله هويدي المخابرات وتم استثناؤه من ظروف صحية لأنه كان »أعور« وبعد ذلك ترك المخابرات من وظيفة إدارية وانطلق في عالم البيزنس.
- ولماذا قربه الرئيس منه؟
- اقرأ الفضايح التي تقال هذه الأيام، مثل صفقات السلاح والبترول وتصدير الغاز لإسرائيل ولك أن تعرف أن أحد الوزراء المهمين جداً كان شغال عنده.
- كل هذه الصلاحيات لحسين سالم بدون منصب رسمي؟
- ولا أي منصب علي الإطلاق فهو بجانب ذلك كان يعين الوزراء وله الكلمة الأولي في بعض المواقف وكان ممنوعاً من دخول أمريكا بسبب صفقات السلاح فكيف كان يجلس مع الرئيس في المؤتمرات التي كان يحضرها رئيس أمريكا كلينتون ومن بعده جورج بوش فبأي صفة كان يستقبل ملكة إسبانيا.