من Ahmed Albahrawy في 11 سبتمبر، 2011، الساعة 11:44 مساءً
أربعة عشر يوما متنقلا فوق تراب مصر الذي افتقدته كثيراً ، لا اذكر أنني بت ليلتين متتاليتين في نفس المكان ، أستنشق هواء الشارع ، أشم رائحة مصر ، مصر بطيبتها وشراستها ، بعنفوانها وانكسارها ، تحدثت إلى قليلٍ من النشطاء ، وقليلٍ من العسكر ، وكثيرٍ من الناس ؛ "علىٌّ" الذي لا أظنه تجاوز العاشرة وأمه الطيبة ، سائقوا "التاكسي" ، الباعة الجائلون ، الجالسون على المقاهي ، كلهم متفائلٌ قّلِق ، يفقه ما لا يفقهه النخبة وإن وصلت به درجات القلق إلى حد التشاؤم !
لا أحد في مصر الآن ينقصه الوعي الحقيقي اللهم إلا الساسة والمتفيهقون !
في الحادي عشر من فبراير الماضي ، خرج الشعب على قلب رجل واحد ، استطاع أن يلفظ خبثه ، وقال كلمته ، فاهتز الكلُّ وانبهروا وارتبكوا ، اهتز مبارك وتخلى عن منصبه مكرهاً ، واهتزت أوروبا وأمريكا وتغزلت في الثورة والثوار ، حتى الدول العربية القريبة اهتزت وارتبكت ، واهتز السحرة والكهان ، فهرب من هرب ، وتوارى من توارى ، واهتز الثوار أنفسهم وارتبكوا وذاقوا حلاوة النصر الكاذب فانصرفوا من الميادين ، واهتز المجلس العسكري فأدَّى التحية للشهداء ، وحين أخطأ العسكر قليلاً سارعوا إلى التوسل برصيدهم الذي ما زال يسمح في قلوب المصريين الطيبين، حرصاً على إرضاء هذا الشعب الذي حين يثور لا يبقي ولا يذر .
أما وقد راحت السكرةُ وجاءت الفكرة ، استجمع السحرة أدوات سحرهم ، ونظم الكهان سجعاً يليق بالمرحلة الجديدة ، ومن نافلة القول أن أقول أن أمريكا وإسرائيل وأوربا والدول القريبة مازالت تحاول إعادة الأمور إلى مجاريها التي اعتادت أن تصب في تيار مصالحها ، ولكن ما يعنيني هنا هو السيناريوهات الساكنة عقول من التقيت عما حدث للمجلس العسكري حين جاءته الفكرة :
السيناريو الأول : أن المجلس آمن بالثورة وصدَّق بها ، ولم ينتظر أن يأذن له فرعون ، أو يخشى بطش سحرته أو كهانه القريبين والبعيدين ، ولكنه لم يتفقه في الدين بعد ، " مابيعرفش يسوق" كما قال لي أحدهم ، فأصبحت حوادث سيره تزداد يوماً بعد يوم ، فاستعان بصديقٍ كان إما أمن دولة سابق ، أو دبلوماسي رضع من ثدي نظام مبارك ، أو حزبيٍّ من أحزاب الفشلة ، أو إسلاميٍّ تنقصه الرؤية ، فانحرف المسار وصرنا إلى ما صرنا إليه ، والنية الحستة لا تصلح العمل الفاسد.
السيناريو الثاني : أن المجلس آمن بالثورة وصدَّق بها ، لكن الخلاف هنا في مفهوم الثورة ، فالمجلس كان وما يزال يفهم الثورة بأنها ضد توريث جمال وعصابته ، وقد تم هذا ، وانفض الثوار يوم أن أعلن التنحي فرحين متنادين بإخلاء الميادين ، ومن هنا ظهرت قاعدة أن من يطالب بأكثر من هذا هو ليس من الثوار الأطهار الشرفاء الذين نزلوا في يناير ، لم يكن في حساب العسكر محاكمة مبارك ، كيف وقد شكره بيانهم الثاني على إخلاصة وتفانيه ، ولم يكن لهم قِبَلٌ بمواجهة الضغوط الخارجية والداخلية ، ولهذا فهم يحاربون بإخلاص لانجاح الثورة كما يعتقدون ، ومن يعتقد خلاف هذا فليس منهم ، ووجب محاكمته ونفيه وصلبه ومن ناصره ، دون أن يهتز لهم رمش .
السيناريو الثالث: وهو نقيض الأول على الإطلاق فالمجلس كان منافقاً بامتياز ، أظهر الإيمان وأبطن الكفر ، وابتدأ منذ أن أعلن شهادة الإيمان بالثورة محاولة إجهاضها من داخلها ، يقول لي أحدهم لاتنس أن نفس الخطاب الذي أدي التحية للشهداء شكر مبارك على دوره الوطني الرائع ، ثم دعا لاستفتاء لا منطق له على مواد لم يكن من بينها على الإطلاق ماهو إسلامٌ أو كفر ، ولا أعلم حتى الآن من ألقى المادة الثانية على الطاولة لأول مرة ، وجاءت نتيجة الاستفتاء : نعم للدين ، وفي رواية نعم للمجلس العسكري ، وفي قول آخر نعم للاستقرار وللأغلبية الصامتة الذين انتحل صفتهم فيما بعد أبناء مبارك !
ثم أجج الفرقة مرة أخرى بين فكرتي الانتخابات أو الدستور ، وصدقني لا أعلم ماهو الفرق الجوهري بينهما ، في الحالتين اللجنة منتخبة من الشعب – في الحالة الأولى سينتخب الناس أعضاء المجلسين والذين سوف يقومون باختيار أعضاء اللجنة بالنيابة عن الشعب ، وفي الحالة الثانية الانتخاب سيكون مباشراً للجنة - وفي الحالتين سيطرح الدستور على الشعب مرة أخرى للاستفتاء عليه .
ربما لأصحاب الدستور أولاً منطقٌ وجيهٌ ، إذ أن الانتخابات يجب أن تتم وفقاً لنظامٍ مسبق ، ماذا لو جاء الدستور الجديد بدولة برلمانية ! أو رأى أنه لا حاجة لمجلس الشورى !
المهم ، أنه توالت محاولات التفرقة ، فالقوى الوطنية تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ، والإسلاميون أنفسهم - أعلم يقينا - أن توحيدهم دونه خرط القتاد ، أقصد السلفيين والإخوان والجماعة الإسلامية والجهاد كهيئات وأفراد .
وبعد التفرقة ، استخدمت الفزاعات المعلبة ، تخوين النشطاء – 6 ابريل مثالاً - ، استدعاء الثوار والإعلاميين إلى النيابة العسكرية أو الأمن الوطنى ، والإشارات الموحية باستخدام جمعة الإسلاميين 29 يوليو ، واحتمال وجود تنظيم القاعدة في سيناء ، ومحاولات تطبيق الشريعة في البحيرة دون قانون ، تصريحات هنا وهناك تذكرني – مع اختلاف المصطلحات – بما حدث بين 1952 و 1954 ، وحينها يتحقق الهدف وباي باي يا ثورة .
هذه هي السيناريوهات الثلاثة في الشأن العام كما رواها لي من التقيتهم ، وأرى أن ما يحدث مزيج من الثلاثة معاً ، مع الأخذ في الاعتبارات إشارات كثير ممن التقيت إلى حياد العسكر المنحاز دائماً ضد الثورة منذ موقعة الجمل الشهيرة وحتى ضرب المستشار الخضيرى ، وسحل أحد آباء الشهداء أمام محكمة مبارك ، مروراً بما حدث في العباسية ورمضان .... والتي يمكن تفسيرها على أي سيناريو شئت .
ولنا في الشأن الخاص كلام آخر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى