«باب اللوق»، أحد أحياء وسَط القاهرة، فهو يبلُغ من العُمر حوالي 700 عامًا، يحتضِن ملامح شوارع وسَط البلد جيدًا، تتفرَع منهُ أشهر الشوارع وتعود إليه. ولكن هل تعرف ما هي حكاية «باب اللوق»، أو حكاية إسم «باب اللوق»، فمِن المؤكد أنّ الذين يمرون الآن بباب اللوق لا يعرفون حكايتهُ ولا سر تسميتُه، ورُبمّا يتسائلون: «لماذا يبقى هذا الإسم الغريب؟».
يقول الكاتب، عباس الطرابيلي، في مُقدمة حكاياتِه عن الحي: «بدايةً أعترف أنني وجدت كثيرًا من المعلومات عن هذا الباب في الكُتب المشهورة مثل؛ خطط المقريزي، خطط علي باشا مُبارك «التوفيقية» وفي صُبح الأعشى، وفي كتاب رشدي سعيد عن النيل، وأيضًا في كتاب أسماء ومسميات من مصر القاهره، لصاحِبه المؤلف، محمد كمال السيد محمد».
ويستكمِل الحكاية عن كيفية تحَول مسار الحي كاملاً، بعد أنّ انحسَرَ مجرى نهر النيل، واتجه غربًا أكثر من مرة بدايةً من القرنين؛ السادس والسابع الهجري، قبل أنّ يستقر عند مجراه الحالي المعروف عند المنطقة المحصورة من مصر العتيقة إلى روض الفرج إذ عندّما انحسرَ النيل غربًا ظهرت الأرض التي نعرفها الآن بإسم «جاردن سيتي، قصر العيني، المنيرة، وميدان التحرير»، بالإضافة إلى باب اللوق.
كانت مياه النيل تغمُر أرض اللوق أيام الفيضان، ثُم تنحسِر عنها فتتركها لينّة لا تحتاج إلى «حرث» تمامًا مثل أراضي الصعيد، والتي كانت توصَف بـ «الحياض»، حيثُ تغمرها مياه الفيضان شهور الصيف ثُم تنحسر عنها المياه، فتُصبح أرضًا طيّبة وصالحة تمامًا للزراعة، وهيّ ما كُنا نسميها الزراعة الشتويّة، قبل إلغاء نظام رى الحياض وتحويلها إلى نظام للرى الدائم بعد السد العالي.
«المصري لايت» تستعرِض معكُم حكاية حي «باب اللوق»، وفقًا لمّا رواه الكاتب، عباس الطرابيلي، في كتابِه «شوارع لها تاريخ»، وكتاب وصف مصر، ومخطوطات المقريزي التاريخيّة:
«باب اللوق».. حكاية إسم عُمره 700 عامًا
تعدّدت أسباب تسمية «باب اللوق» بهذا، فيقول الرأي الأول أنّ الأرض كانت ليّنة، أو كمّا وصفَت، كانت «تُلاَق لوقًا»، أيّ تُبذَر فيها البذور، ويُضغط عليها بألواح خشبيّة حتى تغوص البذور داخل الأرض، التى لم تكُن بحاجه إلى الرى حتى تمام نضج النبات بسبب المياه التي تشبعت بها التربة خلال شهور الغمر طوال الصيف.
وهُناك رأى آخر يقول سببًا آخر لهذه التسمية، فاللوق أو «اللّق» هي الأرض المُرتفعة. ويظهر هذا من رسالة الخليفة الأموي، عبد الملك بن مروان، إلى واليه بالعراق، الحجاج بن يوسف الثقفي، عندّما أمره ألا تترُك «لقا» ولا خقًا إلا زرعتُه. والخق هو الغدير إذا جفّ، أو ما انخفضَ من الأرض.
تاريخ حي «باب اللوق»
كانت تمتَد أرض اللوق قديمًا من ميدان عابدين الحالي شرقًا إلى المجرى الحالي للنيل غربًا، ومن حي المنيرة جنوبًا إلى شارع فؤاد «26 يوليو» حاليًا. كان هذا في القرنين السادس والسابع الهجريين، أيّ الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين.
وفي عام 1241، أنشأ السلطان الأيوبي، نجم الدين أيوب، قنطرة عند باب «الخلق» ليعبُر عليها من القلعة إلى الميدان الذي أنشأهُ في «اللوق»، وأنشأ بهِ مكان يُدعى «منظرة» وهي مكان جميل كان يجلس عليه الحاكم لكي يتمتّع بالمناظر الحلوة.
وقد أنشأ الصالح أيوب، ميدان باب اللوق، ليلعب بهِ وفرسانه لعبة «الأكرة»، وهي عبارة عن رياضة وفروسية يمارسها الفارس وهو فوق ظهور الخيل، فيمّا يحاول إسقاط الكرة بعد ضربها بالمضرب في الأكر «الحُفر». وكان لهذا الميدان سور وباب لدخول الفُرسان واللاعبين والجمهور.
إلغاء ميدان «باب اللوق»
وبعدّ انتهاء الدولة الأيوبية ونشأة دولة المماليك، ألغى الظاهر بيبرس البندقداري ميدان اللوق الذي أنشأه الصالح نجم الدين أيوب، ولكنهُ أنشأ ميدانًا آخر بالقرب منه، موقعه الآن ميدان التحرير والجُزء الشمالي من حي جاردن سيتي، أيّ منطقة عمر مكرم وقصر الدوبارة والسفارتين الأمريكية والبريطانية.
وظلّ هذا الميدان قائمًا لمزوالة أعمال الفروسية والرماية، حتى جاءَ السلطان العادل كتبغا بعد ولاية الناصر محمد، فخافَ على نفسه من الخروج من القلعة لمُشاهرة أعمال الفروسية في باب اللوق، ولأنّهُ ككُل المماليك كان عاشقًا للفروسية، فأنشأ ميدانًا للفروسية لكّي يكون قريبًا من القلعة وفي حمَاها، تحديدًا جنوب بركة الفيل.
إعادة «باب اللوق» مرةً أخرى
ولم تذهب ذكرى باب اللوق أدراج الرياح، فعندّما عادَ الناصر محمد بن قلاوون إلى السلطة للمرة الثالثة، ألغى الميدان الذي أنشأه بيبرس وأنشأ مكانُه بُستانًا تُزرع فيها الفواكه والزهور التي جلب بذورها من الشام. وكانَ هذا البُستان يمتد غربًا ليصل إلى شاطئ النيل.
واستمرت هذه المنطقة مشهورة ببستانها، طوال حكم الناصر محمد وباقي سلاطين المماليك البحرية، ثُم أخذت تتدهور ويلحَق بها الخراب حتى أصبحت بركًا ومستنقعات، وإنّ بقيت فيها بعض المزارع، واستمر التدهور فيها إلى القرن الماضي، عندّما نقلت مدابغ القاهرة إليها من موقعها الأول في جهة حوش الشرقاوي وسوق العصر، جنوب ميدان باب الخلق. وسببَ نقلها من باب الخلق هو تضرُر الناس من روائح القاذورات المتخلفة عن عملية الدباغة بعد الذبح فتم نقل المدابغ إلى «اللوق».
وعندّما أنشأ الخديوي إسماعيل نظارة «وزارة» الأشغال العمومية عام 1864، لتُصبح أداة لتنسيق سياستُه الحضرية، المُهمة التي اختار لها علي باشا مُبارك ليُنفذها. وقت قرر نقل المدابغ من اللوق إلى جوار الفسطاط، مكانها حاليًا، وربمّا لو دققَ المارة في شارع شريف، سيشاهدوا لافتة الشارع تحت اسم «المدابغ سابقًا».
تخطيط حي «باب اللوق» وحكاية أهم الشوارع
وتم تخطيط المنطقة كُلها إلى شوارع مُستقيمة ومُتقاطعة، وظلّ اسم باب اللوق هو إسم المنطقة، ومن أشهر شوارعها، شارع البُستان، الذي أنشأه السلطان الناصر محمد المملوكي، وهو الشارع الذي يحمل الآن اسم «محمد عبد السلام عارف»، أحد قادة الثورة العراقية، وكانَ يجب أنّ يستمر اسم البستان لمّا لهُ من تاريخ.
شارع البُستان.. عبد السلام عارف حاليًا
وفي شارع البستان، كانَ يقع قصر البستان الذي سكنَ فيه الأمير فؤاد قبل أنّ يُصبح سُلطانًا على مصر ثُم ملكًا عليها، وهو القصر الذي أصبح مقرًا لجامعة الدول العربية قبل أنّ تنتقل إلى مبناها الحالي المواجه للمقر التاريخي لوزارة الخارجية. ثُم تم هدم القصر بعد أنّ أصبح مقرًا للجمعيات العلمية، وتحولَ هذا القصر الآن إلى جراج مُتعدد الأدوار على ناصية الشارع. أيّ ذهبَ القصر بعد أنّ ذهب البستان، ولكن «العامة» رغم اللافتات المُثبتة على نواصيه، مازالوا يطلقون عليه اسم شارع البستان وقله منهم الذين يعرفون الشارع بإسم عبد السلام عارف.
شارع الفلكي.. صاحب التقويم الفلكي
من ميدان باب اللوق تتفرع عدة شوارع، كُلٍ منها صفحة من تاريخ القاهرة، فالشوارع هيّ تاريخ الأمة، ومن أشهر هذه الشوارع؛ شارع الفلكي، فمن هو؟، وماذا كانت عظمتُه حتى أطلقوا اسمه على واحد من أطول شوارع باب اللوق؟.
«الفلكي» هو محمود الفلكي باشا، والذي ولدَ عام 1815 بقرية الحصَة بمديرية الغربية، اهتمَ أهوه بتربيتهُ فأدخله المدرسة التي أنشأها محمد علي في الإسكندرية وعمره أقل من 10 سنوات، أيّ في عام 1824، ونجحَ الصبيّ محمود حتى ترقى إلى رُتبة أمين ثُم انتقلَ إلى مدرسة «المهندسخانة» بالقاهرة، فسبقَ أقرانُه وتخرجَ منها.
ولأنّه كان من أوائل الناجحين، تم تعيينه أستاذًا مساعدًا للعلوم الرياضية، ونالَ رتبة الملازم، وكان من تلاميذه علي مبارك. كمّا تعلم الفرنسية فترجم بعض الكتب الفرنسية في الرياضيات، وتعمقَ في دراسة علوم الفلك على يد كِبار علماء فرنسا، ثُم قام بتدريسها لتلاميذ «المهندسخانة».
كمّا ابتكر محمود الفلكي علم التقاويم السنوية، فوضع تقويمًا عام 1264 هجرية، قارنَ فيه بين التواريخ الهجرية والميلادية والقبطية، وبين مواقع الشمس والقمر، لتلكَ السنة، ومُنذ ذلك الوقت عُرف التقويم بإسم «التقويم الفلكي»، فطوال سنواتنا الدراسية عرفنا التقويم الفلكي، وحفظناه عن ظهر قلب، دون أنّ نعرف من هو الفلكي؟.
والمعلومة التي قد لا يعرفها الكثيرون، أنّ في فترةٍ ما، أطلقوا اسم الفلكي على ميدان باب اللوق كاملاً، ثُم عادوا واكتفوا بإسمه على أطول شارع يخرج من الميدان، ويمتد حتى يصل إلى قُرب مدرسة «كلية» دار العلوم القديمة في المنيرة.
شارع شريف.. أبو الدستور وجد الملكة نازلي
إذا أردت أنّ تشتري قميص وبنطلون، سيُرشدك البعض لتذهَب إلى شارع شريف، أشهر شوارع وسط البلد، فهو شارع تُجاري سُميَ على إسم أبو الدستور، شريف باشا، وجد الملكة نازلي.
هل هى صدفة أنّ يتصل شارع شريف باشا- وهو أبو الدستور في مصر- بشارع فؤاد الأول الذي صدرَ في عهده دستور 1923. أم هى صلة نسب، لأنّ شريف باشا هو جد الملكة نازلي، الزوجة الثانية للملك فؤاد، وأم ابنه فاروق الذي تولى مُلك مصر بعد وفاته.
يبدأ شارع شريف من باب اللوق، ويتقاطع مع شارع صبري أبو علم، ثُم رشدي، ثُم قصر النيل، وأخيرًا شارع عدلي، وذلك قبل أنّ يصل لنهايتُه عند شارع فؤاد الأول، 26 يوليو حاليًا. وكان اسم الشارع سابقًا، شارع المدابغ، قبل أنّ يتم نقلها إلى جوار الفسطاط.
وعن نسَب شريف باشا، فهو ابن محمد شريف أفندي، الجركسي الأصل، حيثُ عملَ قاضيًا لقضاة مصر، فيما ولدَ شريف باشا بالقاهرة نوفمبر 1826، وتلقى تعليمُه الأولى في مصر، ثُم سافرَ للالتحاق بالمدرسة العسكرية في فرنسا. والتحق بعد تخرجُه في خدمة الجيش الفرنسي، وعندّما عاد إلى مصر عملَ مع سليمان باشا الفرنساوي، وظلّ محمد شريف يترقى في سلك الجندية حتى وصلَ إلى رتبة «الفريق» في عهد الوالي سعيد باشا.
ترقى شريف باشا في المناصب بعدها، إلى أن تولى رئاسة وزارتي الداخلية والخارجية، حيثُ وضعَ أسس الحياة النيابية في مصر، وأنشأ مجلسًا نيابيًا يُشرف على الأمور المصريّة، ولكن الخديوي توفيق أعترضَ على ذلك، فاستقَال شريف باشا من الوزارة في أغسطس 1879.
تركَ شريف باشا وقتها المناصب وانضمَ إلى صفوف الجبهة الوطنية، فأصبحَ صديقًا للعرابيين في ثورتهم، ولذلك عندّما نجح العرابيون في إسقاط وزارة رياض باشا، استدعى الخديوي توفيق، شريف باشا لتشكيل الحكومة، بناءً على طلب العرابيين، فوضع شريف باشا شرطًا أساسيًا لتولي المنصب، قائلاً: «منع استمرار تدخُل العسكريين في شئون السياسة».
حدثَ شقاق بعد ذلك بين شريف باشا والعرابيين، ولكن تم استدعاءه مرة أخرى في محاولة لإنقاذ الأمور، ولكن لم تنجح المحاولة فاحتلت بريطانيا مصر، ورفضَ شريف باشا مطلب الإنجليز بإخلاء السودان من القوات المصرية، ثُم استقال في يناير 1884 حتى لا يُنفذ مطالب الإنجليز، خوفًا على الحدود المصرية الجنوبية، قائلاً: «لو تركنا السودان، فإنّ السودان سيترُكنا».
في عام 1884 ايضًا، توفى شريف باشا عن عُمر يُناهز 72 عامًا، بعد أنّ عانى من رفض أفكاره الإصلاحية، ومن بعدها لم تحاول ثورة يوليو تغيير اسم شارع شريف، وسطّ هوجة تغيير الأسماء، اعترافًا بفضل هذا الرجُل.
شارع سليمان باشا الفرنساوي.. الكولونيل سيف
جاءَ إلى مصر ضابطًا فرنسيًا مغمورًا، ولكنهُ عاد إلى فرنسا بعد 40 عامًا وهو أمير يحمل رُتبة اللواء، بعد أنّ أنشأ جيش مصر الحديث أيام محمد علي، وخاضَ كُل حروب مصر بجوار القائد إبراهيم في الشام والأناضول. قال عنهُ محمد علي: «لقد خرجَ سليمان من صلبي، وكأنُه أحد أبنائي»، فكان يرُد عليه سليمان، قائلاً: «أحببت في حياتي، 3 رجال هُم أبي ونابليون ومحمد علي».
ولدَ الكولونيل سيف على أطراف مدينة ليون الفرنسية، عام 1787، ولأنّهُ كان مغرمًا بالعسكرية، التحقَ وعمره 17 عامًا بالبحرية الفرنسية ليصبح ضابطًا فيما بعد، وجُنديًا في جيش نابليون حتى انسحب من موسكو.
حاولَ الكولونيل سيف أنّ يلتحق بالجيش الفارسي، وفيمّا كان يستمر في رحلته إلى فارس، مرّ بمصر 1819 والتقى بواليها، محمد علي باشا، والذي أُعجب به وأسند إليه تكوين جيش مصري على الأسس الأوربية الحديثة. ولأنّهُ أوربي مسيحي رفضه الجنود ولكن شجاعتهُ غفرت لهُ.؟
اعتمدَ «سيف» على الأسلوب الفرنسي في إعداد الجيش، وقد اختار محمد علي أسوان لتكون مقرًا لأول مدرسة حربية في مصر، حتى تكون بعيدة عن دسائس القاهرة.
أسلمَ الكولونيل سيف فيمّا بعد، واختارَ لهُ محمد علي اسمًا عربيًا وهو «سُليمان»، كمّا منحهُ لقب «بك»، وزوجه من إحدى بنات أسرته، والتي أنجب منها ولدًا بعد ذلك. و3 بنات؛ نازلي وأسماء وزهرة.
توفىَ سليمان الفرنساوي في مارس 1860، ودُفنَ في مصر القديمة، تحديدًا في المنطقة التي يُعرفّها الناس بإسم «الفرنساوي»، حيثُ يرقُد جُثمان سليمان في شارع عمرو بن العاص، تحت قبة خشبيّة عليها سور من حديد، ثُم مسجد مُتهدّم يحمل اسمه ثُم شارع يحمل نفس الإسم وإنّ كان شارعًا صغيرًا مُقارنةً بشارع سليمان بباق اللوق.
شارع نوبار باشا.. أكفأ موظف في القرن العشرين
يبدأ شارع نوبار من باب اللوق، أول شارع شريف جنوب وزارة الأوقاف عندّ تقاطعُه مع البستان، ثُم يتقاطع نوبار مع شوارع؛ الشيخ ريحان، مجلس الشعب، إسماعيل أباظة، إلى أنّ ينتهي عندّ دار الهلال.
وليس غريبًا أنّ يحتل اسم نوبار شارع الدواوين، هو الإسم الأول للوزارات، وهذا يدُل على أهمية الرجُل الذي أصبح أكفأ موظف في القرن الماضي كُله. بدليل أن أحدًا لم يُفكر في تغيير اسم شارع نوبار، رغم إنّه لم يكُن مصريًا، بلّ أرمنيًا من أرمينيا السوفينية السابقة.
اختلفت الآراء حول نوبار باشا، منهم من قال إنه أحد الذين باعوا مصر للأجانب، بلّ كان يُنفذ سياستهُم لحلب البقرة الحلوب، حتى انتهت مصر إلى الوقوع في خية الديون، وبالتالي الإحتلال البريطاني.
ومنهم من وصفَهُ بأنه أول من نادى بشعار «مصر للمصريين»، وأنه كان مصلحًا دستوريًا، وأنه كان وراء إلغاء السخرة، وتنظيم المحاكم في مصر حتى أخضع الأجانب المقميمن فيها للقضاء.
عاش وعملَ مع 7 حكام مصريين، أولهم محمد علي باشا الكبير، ثُم ابراهيم باشا، والوالي عباس الأول، وأخيرًا عباس حلمي الثاني. أيّ هو رجل عاش تاريخ مصر الحديثة منذ النهضة الكبرى على يد محمد علي.
اسمُه نوبار نوبريان، أرمني الأصل تُركي مسيحي، ولدَ في إحدى قرى أرمينيا السوفيتية، يناير 1825، وهاجر إلى أزمير مع أسرته، والتحق والده في خدمة محمد علي باشا، كمّا تم تعيين شقيق نوبار سكرتيرًا خاصًا ومُترجمًا لمحمد علي.
وصلَ نوبار إلى مصر عام 1842، وكان عمرُه وقتها 17 عامًا، وتدّرج في العمل مُترجمًا في ديوان محمد علي، ثُم أصبح سكرتيرًا خاصًا لولي العهد، ابراهيم باشا، فمديرًا للسكة الحديد والجمارك. إلى أنّ أصبح رئيسًا لنظّار مصر. وزراء مصر.
بدأ نجم نوبار في الصعود إلى المناصب العُليا في عهد الخديوي إسماعيل، تحديدًا عندّما استدعاه الخديوي ليكون أول رئيس وزراء في تاريخ مصر الحديثة، عام 1878.
يقول عنهُ الكاتب، نبيل زكي، إنّه كان أكفأ موظف مصري طوال عهود هؤلاء الحكام السبعة، وإنّه خاض معركة الإمتيازات الأجنبية التعسفية التي فُرضت على مصر بسبب تخبط سياستها المالية، كمّا كان من رجال الإصلاح القضائي. وهو صاحب فكرة «المحكمة المختلطة» .
لم يكُن نوبار باشا قائد ثورة أو زعيمًا وطنيًا شعبيًا، ولكنهُ كان من الأقطاب الذين حاولوا نقل الحضارة الأوربية لمصر. إلى أنّ توفي في فرنسا 1899، بعد أنّ غادر مصر وقدم استقالته من الوزارة. وربمّا لهذا السبب تم اختيار هذا الشارع الذي يحمل اسم نوبار إلى الآن في قلب القاهرة، وتحديدًا منطقة الوزارات.
شارع رُشدي باشا .. من سوق حمير إلى ساحة
إذا كُنّا نروي حكايات باب اللوق والشوارع الخارجة منهُ والداخلة إليه، فيجب أن نسرِد حكاية شارع رشدي، السياسي الذي كان رئيسًا لوزراء مصر بين الحرب العالمية الأولى، واندلاع ثورة الشعب سنة 1919.
وقبل أنّ يحمل هذا الشارع اسم، حسين باشا رشدي، كان ساحة للحمير ، كمّا قال علي باشا مُبارك في الخطط التوفيقية، إذ كان يُنصب فيها سوق كُل يوم بعد صلاة العصر تُباع فيه الحمير، ثُم تحول إلى شارع الساحة، إلى أنّ تغير اسم الشارع ليُخلّد ذكرى السياسي رشدي باشا.
يبدأ شارع رشدي من شارع عبد العزيز، عندّ محلات عمر أفندي ثُم شارع الجمهورية، ويمتد إلى أنّ يتقاطع مع شارعي محمد فريد وجواد حسني، إلى أنّ يصل لشارع شريف أمام المبنى القديم لجريدة الأهرام في شارع مظلوم باشا.
حسين رشدي هو ابن محمود حمدي باشا، فكان والده محافظًا للقاهرة ثُم وكيلاً للداخلية، وتعلم حسين رشدي في السوربون وحصلَ منها على شهادة الحقوق، وعادَ ليفتتح مكتبًا للمحاماة ونال شهرة طيبة ثُم عمل مفتشًا للغات. ثُم قاضيًا في المحاكم المختلطة إلى أن أصبح وزيرًا للمالية في حكومة بطرس باشا غالي.
تدّرج رشدي في المناصب حتى أصبح رئيسًا للوزراء، في إبريل 1914، وشهدَت مصر عدد من المواقف الوطنية لحسين رشدي باشا، فهو الذي قدم مذكرة للإنجليز، يُطالب فيها «إيجاد جنسية مستقلة للمصريين»، إلا أنّ بريطانيا ردت في يوليو 1917 بأنّ هذا الطلب سيكون محل الاعتبار بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.
وبعد تصريح 28 فبراير 1922، عُينَ رئيسًا للجنة الدستور، ثُم أصبحَ رئيسًا لمجلس الشيوخ عام 1926، وتوفي بعدها بعامين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى