آخر المواضيع

آخر الأخبار
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات تخص الثورة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات تخص الثورة. إظهار كافة الرسائل

28‏/01‏/2012

يناير 28, 2012

لماذا اختارت "التايم" المتظاهر شخصية العام 2011 ؟

29

استحق " المتظاهر The Protester" لقب شخصية عام 2011 الذي منحته له مجلة " التايم" ، إذ اعتبرته فاعلا رئيسيا وموجها للتاريخ الإنسانى، لاسيما على خلفية الثورات التي شهدتها المنطقة العربية ، فضلا عن الاحتجاجات التي امتدت إلى بقاع أخرى في العالم. لقد احتفت التايم بـ" المتظاهر" لتصف ملامحه وأسباب صعوده للمشهد العالمي ليكون موجها للربيع العربي الذي أسقط نظما سياسية ظن البعض أنها عصية على التغيير.

وحددت مجلة التايم ملامح المتظاهر في عام 2011 ، واعتبرتها وراء نجاحه في التغيير في بقاع مختلفة من العالم ، ومن أبرزها:

1 - تجاوز الانتماء السياسي، إذ أن المتظاهر في عام 2011 كان مجردا من الانتماءات السياسية أو الأيديولوجية التي تحد منه، أو ترك مرجعياته جانبا، وانضوى تحت لواء واحد مع آلاف قد لا يشبهونه تماما بغرض تغيير الوضع السائد، فمتظاهر 2011 لم يسجن نفسه في حسابات ومساومات الأحزاب السياسية.

2 -غياب الزعامة ، فلم ينتظر المتظاهر أن يتحقق التغيير على أيدي الحكام أو النخبة ، إذ أحدث التغيير بنفسه من القاعدة، ولم يعد للزعامة المعنى التقليدي نفسه القديم، إذ تحرك الشارع بدون قيادة ليسقط أنظمة ظلت تحتمي بأدوات قمعية.

3 -عودة قوة الشارع، فمتظاهر 2011 عالج  قلقا تملك كثيرين مع غياب قوة الشوارع، خاصة خلال التسعينيات وأول عقود الألفية الجديدة، فقد كان صوت الشارع فى الأغلب ضائعا لا يحدث الكثير، لذا جاء المتظاهر ليغير حركة التاريخ ، مثلما حدث مع حركة الحقوق المدنية فى الستينيات، وفى سبعينيات إيران والبرتغال، لكنه حقق ما هو أكبر من ذلك، فهو يختلف عن هذه العينة من المتظاهرين، فلا يناصر قضية مجردة.

4 -عابر للقوميات، أن تأثير المتظاهر تخطى الحدود الجغرافية والثقافية ليحدث فورة إقليمية وعالمية. هو الأقرب شبها بأرباب الثورة الفرنسية منتصف القرن التاسع عشر، عندما بعثوا بإشارات التغيير إلى باقي أوروبا، فكان تحولا تاريخيا كبيرا. ولقد كان أول ظهور للمتظاهر في شوارع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قبل أن ينتقل إلى مدن أوروبا و ووال ستريت الأمريكية، مرورا بإسرائيل، وانتهاء بموسكو ونيودلهى. حقق متظاهر 2011 أكبر نجاح لنظرية " قطع الدومينو".

5 - شعارات شبه موحدة، (خاصة فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية، والمساواة، ومجابهة الفساد) ، إذ اتبع المتظاهر تقريبا نفس تكتيكات الحشد والاعتراض، وكأن مظالم أهل الجنوب والشمال فجأة أصبحت واحدة رغم أنهم في الولايات المتحدة وأوروبا لديهم أدوات أكثر سلاسة لتغيير النظم السياسية والحكومات.

6 - كسر دائرة الخوف، إذ أن المتظاهر كان يعلم أن القتل والتعذيب في انتظاره ، لكن ذلك لم يزده إلا اصرارا على الخروج إلى الشارع لكسر دائرة الخوف ، ففي حين أن أهل تونس ومصر مثلا خرجوا إلى الميادين، مدركين أن انتهاكا وقتلا مؤكدا في الانتظار، وهو ما كان ولا يزال يجرى في سوريا واليمن.

7 - تكنولوجيا الضغط، فقد اعتمد متظاهر 2011 على أدوات التكنولوجيا فى التوجيه وإطلاع العالم الخارجي على ما يجرى فى بلاده، عبر استخدام شبكات التواصل الإجتماعي، والهواتف الذكية فى إدانة الأنظمة التي انتفض ضدها وتوثيق تضحياته وجرائم غيره.

8 -تبادل الخبرات الاحتجاجية ، أنه اعتمد على عولمة تجربته وتبادل الخبرات، ونصائح مواجهة  قوات الأمن، وسحب الغاز المزيل للدموع. كان لهذه الوسائل أيضا الفضل في عولمة تجربة مدن التظاهر الفاضلة باحتلال ميادين وشوارع، وفرض نظم للدخول والخروج والتعامل بداخلها، وبالطبع إقامة مستشفى ميداني لإسعاف من سقط، وخطوط لإمداد الأغطية والطعام و خلافه، أو ما وصفه تقرير " تايم" التاريخي " بالـ Communal Resistance. لكن تطور أدوات المتظاهرين لم تقص الوسائل التقليدية من الاجتماع وجها لوجه، والتنسيق المباشر، والارتحال من مكان إلى آخر، قاصدين قلب الثورة في ووال ستريت، وميدان اللؤلؤة، والتحرير وغيرها.

9 - سلمية ثورية، فكلما صعدت قوات الأمن من بطشها ضد المتظاهر ، توافد على ميادينه الثورية المزيد والمزيد من المشاركين، بعضهم يرفع صوته بشكل سلمي لأول مرة. وعندما تخلى المتظاهر عن السلمية، كما حدث فى حالة الغاضبين البريطانيين، خسر تعاطف مجتمعه، حتى و إن كانت مظالمه تستحق سرعة الفصل. لم تكن الشعارات فقط موحدة، وتنتقل من قطر إلى آخر، لكن متظاهر 2011 استعان بإرث الأدبيات الثورية، مثل خطب مارتن لوثر كينج.

ثانيا: مقارنات روسية – عربية

قبل التقرير الذى قدمته مجلة " تايم" احتفاء بالمتظاهر على نحو أربعين صفحة، جاءت مقالة الشهير فريد زكريا، عاقدا مقارنة بين الحالة الروسية وانتفاضة أهالي موسكو وما حولها ضد سنوات جديدة من حكم فلاديمير بوتين، وبعض جوانب التجربة العربية وربيعها.

فالهم الأساسي الذي دفع متظاهر الشرق الأوسط إلى الميادين دفع نظيره الروسي أيضا إلى الخروج. الإحساس نفسه بضياع الحقوق وإبعاده خارج المعادلة السياسية والاقتصادية لهذه البلاد.

صحيح أن السنوات التي تلت خروجه في موسكو وعواصم العرب شهدت نموا اقتصاديا سجلته التقارير المحلية والدولية، لكنه لم ينل منه الكثير. وفى أحيان، لم ينل شيئا أبدا، لاستشراء الفساد بين القيادة السياسية والنخب المرتبطة بها.

لكن هذا النمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي خلق في الحالتين ( الروسية والعربية) طبقة من الشباب المتعلم تكنولوجيا والمطلع على مجريات الأمور في العالم الخارجي، فكانت المقارنة وكان الغضب. قد يكون، والعهدة على زكريا، الوطن العربي أكثر قوة بتنوع ونضوج مجتمعه المدني، مقارنة بروسيا التي بدأ المجتمع المدني يحدث فارقا فيها.

روسيا أيضا تشبه في بعض خصائصها نموذج الخليج العربي وإيران. فبفضل موارد وفيرة  ومتنوعة بين البترول وغيره، تمكنت الدولة الروسية من تفعيل سياسة تمزج بين الترغيب بالرشوة والترهيب قمعا، فكانت محاولات المتظاهر متواضعة التأثير حتى الآن.

لكن، وفقا لنبوءة زكريا، إذا تحقق احتمال انخفاض أسعار البترول عالميا، فستفقد الدولة الروسية إحدى الأدوات التي تضمن لها البقاء.وقد يجد المجتمع المدني هناك فرصته ليحدث تحولا تاريخيا، كما تتوقع نهاية مقال زكريا. وحتى يتحقق هذا في روسيا،  فإن هناك ما حققه المتظاهر في أقطار أخرى ويستحق التقييم.

ثالثا: نقطة ضعف المتظاهر؟

مجلة تايم حذرت من أن متظاهر2011 يعانى بعض المشكلات. فهو في الأغلب متعلم، مطلع، وغير مسيس.وفى ذلك سر نجاح ما نجح من الثورات واستمرار غيرها. ولو كان قام بها السياسيون باعتباراتهم واستعدادهم للمساومة والإذعان للحاكم، لفشلت الثورات.

لكن نقطة القوة، بعد تمام أولى أهداف الثورة، كانت نقطة ضعف كما حدث في مصر. فغياب الرؤية السياسية الموحدة للثوار ترك البلاد فريسة للخلافات. اللافت أن الحركات الإسلامية (التي وقفت بعيدا عن الثورة في صراعها الأول) قطفت ما زرعه متظاهر الميادين، عبر صناديق أول انتخابات برلمانية نزيهة.

لكن هناك رأيا به من الصواب الكثير، يقول إنه ما دام دخل التيار الإسلامي المعترك الديمقراطي، وسط بداية للتعددية الحزبية الحق، فسيكون عليه التوجه وسطا، والتزام الاعتدال، فالعلاقة تغيرت وللأبد بين الحاكم والمحكوم. يبدو أن نهاية التاريخ لم تحل بعد. المتظاهر فتح فصلا جديدا، والبقية تأتى.. هكذا، تتوقع التايم.

يسرا الشرقاوي
تعريف الكاتب:
صحفية بالأهرام

10‏/07‏/2011

يوليو 10, 2011

وائل قنديل : الثورة لا تزال طائرة مخطوفة

124

ما جرى فى ميدان التحرير مساء أمس الأول كان تجربة عملية على حرق الثورة، وقد كان مشهد إضرام النيران فى مخيمات المعتصمين بالميدان بالغ الدلالة والإيجاز فيما يتم مع الثورة الآن.


وإذا كان المرابطون فى الميدان قد أظهروا نبلا وبسالة فى مقاومة القطعان السائبة التى هاجمتهم، فإن المشهد يظل حافلا بالعديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام الحائرة.
لقد كان الحديث عن الدفع بأعداد من البلطجية على كل لسان، من وسائل إعلام إلى مصادر أمنية رسمية، وحتى حكومة عصام شرف والمجلس العسكرى، بل أن سيناريوهات الهجوم والانقضاض باتت معروفة منذ مأساة 28 يونيو الدامى، وعلى الرغم من ذلك وجد البلطجية الطريق سالكة إلى ميدان التحرير، بل ومفروشة بالإهمال والتقصير والاسترخاء، ولا أريد أن أقول التواطؤ ممن يفترض أن وظيفتهم فى الحياة هى حفظ الأمن والتصدى لميليشيات الإجرام المنظمة.


والمفاجئ فى الأمر أن البيانات الصادرة عن وزارة الداخلية تتحدث عن فلول تحركها عصابات منظمة للإجهاز على ما تبقى من مساحات ثقة بين الثوار والشرطة، وعلى الرغم من ذلك يتحرك البلطجية بمنتهى الحرية والأريحية ليضربوا ويحرقوا هنا وهناك دون أن يردعهم أحد.


ولا معنى لذلك إلا أن من بيدهم الأمر يبدون وكأنهم يقفون على مسافة واحدة من المتظاهرين والثوار من جانب، وعصابات الفلول والبلطجية التابعة للقوى المضادة للثورة من جانب آخر، ومن ثم يصبح مفهوما ذلك الغضب المشتعل فى الصدور والتشكك فى أن ثمة تواطؤا وترحيبا بعمليات إنهاك الثورة وتشويه الثوار بوصمهم بالبلطجة.


ولو أمعنت النظر فيما تسكبه بعض الأقلام المتسخة من سخائم ضد ميدان التحرير والمرابطين فيه ستدرك أن الثورة فعلا فى خطر، كونها واقعة بين خطرين يتربصان بها، الأول: تصاعد هجمات البلطجية المسلحين، مقترنا بتكثيف القصف من قبل الخلايا، التى كانت نائمة من إعلام النظام الساقط، التى استيقظت وشمرت عن سواعدها الآن لتشويه صورة الثوار والمتظاهرين واعتبار ميدان التحرير ــ قبلة الثورة ــ مصدرا للشرور والأخطار على البلد.


أما الخطر الثانى فهو تلك الحالة من الصمت المريب والاكتفاء بالفرجة من جانب أولئك الذين استمدوا شرعية حكمهم للبلاد من ميادين الثورة وهم يرون قطعان الوحوش تنهش فى لحم الثورة الحى وتعقر المتظاهرين فى سمعتهم ووطنيتهم ونقائهم، حتى بلغ الأمر ببعضهم حد التشكيك فى استشهاد الشهداء.. ولعل التعامل الرسمى مع قضية الشهداء والمصابين ما يؤكد أنهم ضجوا بهذه الثورة بعد أن نالوا مرادهم منها.


ولذلك كله تصبح مليونية الجمعة 8 يوليو بمثابة النداء الأخير على القوى السياسية بجميع أطيافها، وقطاعات الشعب المصرى بمختلف فئاته وطبقاته لإنقاذ الثورة من مخططات وأدها وسيناريوهات إجهاضها.


إن الحل سيبقى دائما فى الميدان، وها هى ميادين مصر تناديكم مرة أخرى: كونوا أو لا تكونوا.. أنقذوا ثورتكم أولا ثم فكروا فى عدد المقاعد والحصص.
إن الطائرة لا تزال مختطفة فأجلوا حسابات فرص الوصول إلى كابينة القيادة.

يوليو 10, 2011

وائل قنديل : تعددت المنصات والتحرير واحد

121

ساورنى بعض القلق عندما وجدت خطبتين للجمعة عبر منصتين مختلفتين فى ميدان التحرير أمس، وتمنيت لو أن الخطيب واحد والكلام واحد والدعاء واحد، غير ان القلق تبدد مع توحيد الإمام فى الصلاة، وما زأرت به الجموع فور انتهاء الصلاة بشعار «إيد واحدة».


وكان رائعا أن الهدف بدا واحدا فى مليونية الأمس على الرغم من تعدد المنصات وتفاوت الشعارات واللافتات، ومع أن بعضها استبد به الشطط أحيانا، إلا أن المشهد فى مجمله كان جميلا وفاتنا، مع الأخذ فى الاعتبار أن هذه هى المليونية الأولى بعد أسابيع عدة لم تتوحد فيها الجماهير تأثرا بفتنة الدستور أم الانتخابات أولا.


والحقيقة أن الانقسام أريد له أن يكون حاضرا مع الإصرار على فتنة التعديلات الدستورية التى شطرت جماهير الثورة نصفين، ولذا تصبح مليونية الأمس واحدة من اللحظات الفارقة فى مسيرة ثورة المصريين، إذ استعاد الميدان كثيرا من ألق وبهاء بواكير الثورة، وتراصت الصفوف والتحمت الإرادات وتعانقت الأحلام مجددا فى محاولة استنقاد ثورة استبدت بها رياح التباطؤ والتواطؤ والتلعثم وانعدام الرؤية واختفاء القدرة على المبادأة والمبادرة.


إن الجماهير التى ثارت من أجل التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، منحت ثقتها للمجلس العسكرى ولحكومة عصام شرف وتحملت حالة الانفلات الأمنى المتعمدة، وأودعت طموحاتها وأحلامها لدى من يديرون البلد ويحكمونها على مدار خمسة أشهر، وحين تبين أن الأداء لم يكن على قدر الأحلام والتطلعات، وأن المردود لم يكن بمستوى الثمن المدفوع فى إنجاح هذه الثورة (نحو ألف شهيد وآلاف الجرحى والمصابين) كان لابد أن تنعقد الجمعية العمومية للشعب المصرى لكى تضع الذين منحتهم ثقتها أمام مسئولياتهم، بعد أن كشفت الأيام والشهور أن أكثر الرابحين من حالة التواطؤ والارتباك هم فلول القوى المضادة للثورة الذين استفادوا من حالة الرخاوة والاسترخاء فى تنظيم صفوفهم و«تستيف أوراقهم» حتى بدت الثورة برمتها مهددة بأخطار جسام.


ومن ثم كان من الطبيعى أن يعتصم الشعب بميدانه ووحدته واصطفافه مرة أخرى ضد عبث المحاكمات ومهرجان البراءات لمن فسدوا وأفسدوا على مدار سنوات، والأهم من كل ذلك حالة الاستخفاف القاتلة بقضية الشهداء والمصابين ما جعل قطاعات كثيرة من الجماهير تستشعر نوعا من الاستهانة بمشاعرها والاستفزاز لكل عناصر القلق والخوف بداخلها.


ولعل ما جرى بالأمس يكون فرصة لإعادة ضبط المصطلحات وتعريف الأشياء بمعانيها الحقيقية، وإعادة الاعتبار لكلمة «ثورة» بما تشتمل عليه من معانى التطهير والتغيير الكامل، بما يستجيب لمطالب الملايين التى خرجت فى يناير وفبراير حاملة أرواحها على أكفها من أجل الحلم الجمعى بمصر جديدة ونظيفة وعادلة.
وعلى الجميع أن يعى من الآن فصاعدا أن الشعب المصرى هو الجهة السيادية الأولى فى هذا البلد، مع كل الاحترام لكل «السياديين» الآخرين.

09‏/07‏/2011

يوليو 09, 2011

فهمى هويدى : تطهير منقوص

89

وزارة الداخلية مشغولة هذه الأيام بإعداد ما وصف بأنه «حركة تطهير» يفترض أن تؤدى إلى استبعاد 270 لواء شرطة، بينهم أولئك الذين اتهموا بالاشتراك فى قتل الثوار «الشروق 8/7). وهى خطوة مهمة وإن كانت غير كافية، خصوصا أننا لم نفهم لماذا تأخرت مدة خمسة أشهر بعد الثورة.
مع ذلك فإنها تعد قرارا شجاعا يحسب للوزير الحالى اللواء منصور العيسوى، الذى نعرف أنه منذ تسلم منصبه يعمل جاهدا على علاج ذلك الملف الشائك والحساس، وإن بدرجة ملحوظة من الحذر، ربما لكى لا يفلت الزمام من بين يديه.


معلوماتى أن خطواته الحذرة تلك كانت موضع مناقشة مع بعض أعضاء المجلس العسكرى ممن أدركوا أن الأمر يحتاج إلى مزيد من الحسم والحزم. وفى ضوء الآراء التى عبر عنها الوزير فى لقاء عقد قبل عدة أسابيع تمت الموافقة على تنحية وإبعاد بعض القيادات الأمنية، كما أجريت بعض التغييرات فى مواقع البعض الآخر.
لكن التطورات الأخيرة أثبتت أن ما اتخذ من إجراءات لم يكن كافيا، وأن دائرة الحسم والحزم ينبغى أن تتسع لتشمل شرائح أخرى. خصوصا بعدما تبين أن الثغرات الحاصلة فى الساحة الأمنية تشير إلى أن ثمة شيئا ما فى جهاز الشرطة ينبغى أن يعالج، وأن الأصابع الخفية لاتزال تلعب دورها فى إشاعة القلق الراهن.
صحيح أن ثمة كلاما ينبغى أن يقال عن البلطجية وعن سلوك الجمهور الذى ازداد جرأة تحت وطأة معاناته وعن الفراغ الذى تطالب الشرطة بملئه، لكن ذلك لا ينفى أن ثمة اعوجاجا فى وزارة الداخلية ينبغى أن يقوَّم، وأن الثغرة القائمة فى الجهاز يجب أن تسد. ليس فقط لحساسية وأهمية دور الداخلية، ولكن أيضا لأنها كيان معلوم الأركان ومحدد المعالم، بعكس عالم البلطجية أو سلوكيات الناس أو حالة الفراغ المشهود فى المجال العام، إذ هذه كلها دوائر واسعة لا حدود واضحة لها. نعرف أنها موجودة لكن ليس فى الميسور حصر مكوناتها أو التعرف على شخوصها.


لست مع تعميم الاتهام أو تجريح جهاز الشرطة فى مجمله، رغم اقتناعى بأن الممارسات السلبية المنسوبة إلى الجهاز هى أكثر ما أساء إليه وشوَّه صورته. لكننى أزعم أن مشكلتنا مع الداخلية تكمن فى ثلاثة عوامل. الأول فى السياسات التى تعطى الأولوية للحل الأمنى وتعول عليه فى التعاطى مع مختلف الملفات.
العامل الثانى يتمثل فى القيادات الأمنية القابضة على الزمام التى ارتبط ولاؤها ومصالحها بالنظام السابق وتراودها الرغبة فى «تأديب» الجماهير التى تجرأت على الشرطة ومقارها. أما العامل الثالث فهو يكمن فى الثقافة السائدة فى أوساط الشرطة التى تشكلت وترسخت طوال سنوات «الطوارئ»، وهى التى لا تقيم وزنا لا للقانون ولا لكرامات الناس وحرماتهم، وتعتبر أن الإطاحة بكل ذلك وازدراءه أمر طبيعى لا غضاضة فيه ولا حساب عليه.


العامل الأول المتمثل فى التعويل على الحل الأمنى وتجاهل الحل السياسى يعد جريرة النظام السياسى، فى حين أن الداخلية ضحية لها، من حيث إنها تحال إليها ملفات هى من اختصاص أهل السياسة والجهاز الإدارى بالدرجة الأولى. والعامل الثالث المتعلق بالثقافة السائدة فى أوساط الشرطة لا يعالج بقرار وإنما يلعب عنصر الوقت دورا مهما فى تغيير تلك الثقافة، إذا ما التزمت وزارة الداخلية باحترام المواطن والقانون.


يبقى العنصر الثانى المتمثل فى القيادات القابعة فى وزارة الداخلية التى تسير الأمور فيها، وهذه نقطة الضعف التى دعتنى إلى القول فى الأسطر الأولى أن استبعاد ذلك العدد من اللواءات سواء من الخدمة أو بنقلهم إلى مواقع أخرى خطوة مهمة ولكنها ليست كافية، ذلك أن ثمة علامات استفهام كبيرة حول وضع أعضاء المجلس الأعلى للشرطة، الذين ترقوا وجرى المد لهم بعد بلوغهم سن الستين فى عهد الوزير الأسبق حبيب العادلى. هؤلاء المساعدون والمساعدون الأول (عددهم يتراوح بين 17 و25 لواء) هم الذين يتحكمون فى مفاصل الوزارة وأعصابها الحساسة. وثمة لغط كبير حول ارتباطاتهم والمبالغ المالية الهائلة التى يتقاضونها (قيل لى إن أحدهم يتقاضى مكافآت بقيمة 80 ألف جنيه كل أسبوع). ومن المفارقات أن أحد أولئك المساعدين عين عضوا فى مجلس إدارة الجهاز الجديد الذى تشكل لرعاية مصابى الثورة.
إذا صحت المعلومات التى تتردد عن أعضاء المجلس الأعلى للشرطة وما يشاع عن أنه مجلس حبيب العادلى وليس مجلس زمن ما بعد الثورة، فهى تعنى أن العوج فى وزارة الداخلية لايزال بحاجة إلى تقويم، وأن خطوة «التطهير» التى تعد الآن بحاجة إلى خطوات أخرى لا تقل أهمية.

يوليو 09, 2011

هدية أهل الحكم في مصر للثوار: وزير إعلام من الفلول!

85

سليم عزوز

تعودنا على عطاء يوم الخميس، منذ أن أجبرت الثورة حسني مبارك على التنحي، فكلما دعا الداعي الى مليونية في يوم جمعة، تمت رشوة الثوار بتحقيق بعض المطالب والالتفاف على بعضها، ولا تنس أن إقالة عبد اللطيف المناوي رئيس قطاع الأخبار في تلفزيون الريادة الإعلامية كان في هذا اليوم الفضيل.
وبدا المجلس العسكري الحاكم في البلاد متمسكاً به، وهو المتهم بتشويه الثورة، والتشهير بالثوار، واستضافة السفهاء من الفنانين الذين قالوا إن حفلات للجنس الجماعي تقام في 'ميدان التحرير'، وقد غادر صاحبنا الى الشقيقة الكبرى لندن، وقال انه في إجازة قصيرة لن تتجاوز أربعة أيام لكنه بقي هناك، فلا شئ مضمون في مصر، فقد يضطر من يصنعونه على أعينهم تحت ضغط مليونية جديدة لإلقاء القبض عليه، على الرغم من انه هناك من أهل الحكم من ينظر إليه على انه من المحميات الطبيعية بحسب قوانين البيئة!.
كان المناوي مرشحاً لكي يكون وزيراً للإعلام خلفاً لأنس الفقي، لكن عندما اضطر القوم لعزله، ألغوا المنصب، وقيل أنهم عرضوه على عماد أديب وهو واحد من رجالات النظام السابق، لكن يوجد أكثر من ثلاثين وزيراُ في حكومة عصام شرف من الفلول، على الرغم من الزفة التي استقبلت بها باعتبارها حكومة قادمة من 'ميدان التحرير'، وقد أدخل سيادته الغش والتدليس على الناس بتخصيصه غرفة في مجلس الوزراء لمن اصطفاهم وقدمهم للناس على أنهم أولياء أمور الثورة، وقال انه لن يتخذ قراراً إلا بعد العودة إليهم باعتبارهم من أهل الحل والعقد، مع أن الثورة المصرية لم تفرز قيادة لها، ولم تختر من يتحدث باسمها!.
أحد المحافظين الجدد، في ظل حكومة الثورة، متهم بقتل الثوار، وكان يشغل موقع مدير أمن الجيزة، وقد ترقى في ظل الحكومة الحالية ليصبح محافظاً للدقهلية، وقد ظللنا نعيش في كنف محافظين عينهم حسني مبارك لأسابيع، وفي ذات خميس وقبل مليونية بساعات، حدثت حركة المحافظين التي أنتجت هذا المحافظ وغيره ممن ينتمون الى الحزب الحاكم المنحل، وكانوا في مواقعهم يده التي يبطش بها!.


قيل أن عماد أديب زايد على أولي الأمر منا ورفض منصب وزير الإعلام، وأعطاهم درساً في 'أصول الحكم' فهذا منصب مرتبط بالأنظمة الشمولية، وبالإعلام الموجه، ولا يليق بمصر بعد الثورة التي قضت على نظام شمولي أن تبقي على هذه الموقع، وعلى الفور أعلن أهل الحكم انه تم إلغاء منصب وزير الإعلام، وقوبلت هذه الخطوة بارتياح بالغ.
ولأن وزير الإعلام هو في الأصل والفصل وزير للتلفزيون وفقط، فقد تم تعيين أستاذ بكلية الإعلام رئيساً لاتحاد الإذاعة والتلفزيون، برتبة رئيس للشاشة هو سامي الشريف، ربما تبركاً بالاسم، فقد عين مبارك صفوت الشريف وزيراً للإعلام، وأبقى عليه رئيسا لمجلس الشورى، على الرغم من مؤامرات نجله عليه، وربما رأي القوم أن من ابقي مبارك في السلطة ثلاثين عاماً هو وجود من يحمل اسم الشريف بجانبه، فكان اختيار سامي الشريف، مع أن ما بينه وبين الرائد متقاعد صفوت هو تشابه أسماء.

رئيس لبرنامج
أنس الفقي وزير الإعلام السابق، لم يكن رئيساً للتلفزيون وإنما كان رئيساً لبرنامج واحد هو 'البيت بيتك'، الذي عدل اسمه الى 'مصر النهارده'، وهو البرنامج الذي مثل الثورة المضادة، وكان يقوم بتشويه الثورة بجانب البرامج الإخبارية الاخرى التي تقع تحت إشراف 'عب لاتيف مناوي' بحسب النطق الاستشراقي للمذيعة سلمى الشماع، والدتنا التي تتعامل على الرغم من أنها من القواعد من النساء على أنها صغيرة على الحب!.
الشريف فشل وغادر، وهو رجل بركة وطيب، لم يكن مشغولاً سوى بموضع 'قصته' على جبهته، وفي برنامج تلفزيوني بعد مغادرته راعني انه تخلى عنها، وان كان بدا وقتها انه الأقرب الى وجداني، فقد كان يجلس على كنز من الفساد والفشل اسمه التلفزيون المصري، الذي يوجد به أكثر من 40 ألف موظف يكفون لإقامة دولة لها علم ونشيد.
وقد شكلوا مجلسا للأمناء، وعينوا في وقت لاحق، وربما ذات خميس جنرالا رئيساً للمبنى هو طارق المهدي، وعلى أثر هذا استقال حافظ المرازي مذيع 'الجزيرة' السابق من مجلس الأمناء وبقي حمدي قنديل. ومما نشر ولم أتأكد من صحته ان المرازي احتج على وجود شخصية عسكرية في تجمع مدني، وقد أشيع أن المهدي سيتم تعيينه وزيراً للإعلام، لكن أهل الحكم عادوا للتأكيد على أنهم لن يعيدوا هذه الوزارة الملغاة، فليس معقولاً أن تقوم الثورة ضد الشمولية والإعلام الموجه، ثم يبقون هم عليها، ولا تنس أنهم يقدمون أنفسهم على أنهم حماة الثورة، ولولاهم لطاردنا حسني مبارك.. شارع شارع.. دار دار.. زنقة زنقة. من أجمل هتافات الثورة السورية هتاف: شارع شارع .. دار دار.. مش ح نسيبك يا بشار.
وعلى الرغم من أننا لم نشعر بغياب وزير الإعلام، إلا من باب العاطفة الجياشة، وربما تأثر بغيابه عاطفياً السيد رئيس الحكومة، لأنه كان وزيراً للنقل في حكومات سابقة، كان فيها وزير الإعلام له شنة ورنة، وقيمة وسيما، وهو من الوزراء السياديين: الدفاع، والإعلام، والداخلية، والخارجية، وليس من بينها وزارة البيئة المعنية بالاهتمام بالمحميات الطبيعية.
بمرور الوقت، والإصرار على عدم عودة وزارة الإعلام بدأ الجانب العاطفي في الموضوع يتراجع شيئاً فشيئا، ولكن فجأة التقي الدكتور عصام شرف مع أسامة هيكل وأعلن عن ترشيحه وزيراً للإعلام.. وكان هذا يوم الخميس أول أمس، فقد ضرب أهل الحكم (لخمة) هذه المرة، ولم يجدوا ما يقدمونه لمليونية الجمعة 8 يوليو، وكان اختياراً من عقل مثقل بالهموم ولم يعد قادراً على أن يكون على مستوى المسؤولية الثورية.
نحن نظلم الدكتور عصام شرف عندما نقول ان هذا من اختياره، فالرجل يكلف نفسه من البلاء ما لا يطيق، منذ أن أعجبته الدعاية الكاذبة التي تدور حول انه رئيس حكومة قادم من قلب ميدان النضال، فظن انه يترأس حكومة لها صفة الديمومة وليست حكومة تصريف أعمال لا أكثر ولا أقل!


ضرب أكثر من عصفور
من اختار سالف الذكر وزيراً للإعلام استهدف ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فمن ناحية تتم مجاملة حزب 'الوفد' بحقيبة وزارية أخرى بعد ان تمت مجاملة الحزب بحقيبة السياحة، ومن ناحية أخرى فإنهم اختاروا شخصية تحسب على المعارضة شكلاً وهذا مهم في التعامل مع الرأي العام، في حين أنها في الأصل والفصل ليست كذلك وان عينه الدكتور السيد البدوي شحاتة رئيس الحزب رئيساً لتحرير صحيفة 'الوفد'، ففي الواقع إن أداء قناة 'الحياة' التي يملكها المذكور كانت في أيام الثورة، جزءا من الثورة المضادة، وكان أداؤها هو امتداد لأداء التلفزيون الحكومي، وكان عبد اللطيف المناوي هناك والسيدة حرمه رولا خرسا هنا، وعندما بدأت قناتي نجيب ساويرس التحلل من الولاء لأهل الحكم في أيام الثورة، لم تبذل قنوات الحياة أي خطوة في هذا الاتجاه، فرأس المال جبان، كما ورد في الأثر!.
أحزاب المعارضة كانت تفخر في ظل الحكم البائد بأنها جزء من النظام، وهي كانت جزءاً منه حقيقة، وبرحيل فؤاد سراج الدين انتهت المعارضة الجادة للحكم، وشاهدنا كيف منع رئيس 'الوفد' فهمي هويدي من الكتابة في الجريدة لأنه هاجم صفوت الشريف، وكيف صدرت 'الوفد' بمقال مشوه بفعل فاعل للراحل أحمد أبو الفتح لأنه أيضاً حمل انتقاداً لصفوت المذكور.. لم يكن أحد يهاجمه باستمرار إلا العبد لله ولا فخر.
لتقريب الصورة فقد تم فصل منير فخري عبد النور في رئاسة نعمان جمعة للوفد من عضوية الهيئة العليا للحزب، قبل أن يُجبر على إعادته بضغوط من رجال جمال مبارك، وفي فترة العدة، قال منير الذي أصبح وزيراً للسياحة في حكومة الثورة، أنه يفكر في الانضمام للجنة السياسات.. التي كان يترأسها جمال مبارك وهي لجنة داخل الحزب الوطني المنحل، وعندما عاد كان من الذين قادوا الحملة من اجل طرده من الحزب لأن جمعة تمضمض باللبن الحليب وهاجم 'المحروس'.


الهجوم على الثورة
من تم اختياره وزيراً للإعلام في حكومة الثورة، باعتباره منتمياً للمعارضة الوفدية لم يكن من أنصار الثورة، بل كان سباقاً في الهجوم عليها، باعتبار ان يوم 25 يناير هو من الأيام المباركة التي لا يجوز الخروج فيها على الحاكم، لان هذا اليوم هو عيد الشرطة، وبعيداً عن هذا المقال فقد كنت ضيفاً على برنامج لقناة 'الحرة' يقدمه المصري: السيد يوسف، لمناقشة ظاهرة التحول الإعلامي، المرتبطة بالصحافة القومية بعد الثورة، وكان وزير الإعلام المختار حريصاً على التأكيد بدون مناسبة بعدم تصنيف الصحافي واعتبار من يعملون في الصحافة الحزبية معارضين!.
ولم نكن بحاجة الى معياره لنحدد موقفه، ففي الوقت الذي كان فيه النظام يطارد الصحافيين المعارضين: دار دار.. زنقة زنقة، وفي الوقت الذي تم فيه إغلاق جريدة 'الشعب' المعارضة بقرار من النظام وتشريد العاملين فيها حتى الآن، وفي الوقت الذي دخل فيه زملاؤنا مجدي حسين، وصلاح بديوي، وعصام حنفي، ومحمد هلال السجن.. كان صاحبنا مستشاراً لدي احد الوزراء، وكان وزير إعلام الهانم فاروق حسني يفتح له دار الأوبرا ليعقد فيها ندوة شهرية وربما أسبوعية!.
نسيت أن أقول لكم إن هذا هذه الهدية جاءت في يوم خميس سابق على جمعة قررت كل القوى الوطنية المشاركة فيها، بعد جريمة الاعتداء على اسر الشهداء من قبل الشبيحة في يوم الثلاثاء الأسود، وكان واضحاً ان هناك من دفع بهؤلاء من فلول النظام السابق الذين لا يزالون في السلطة، فكان القرار بمليونية الصمود والتصدي لعمليات التباطؤ المشمول بالتواطؤ في محاكمة القتلة والمجرمين والفاسدين، وقد قرأنا مؤخرا عن افراجات عنهم بالجملة.
لقد تمخض الجبل فولد وزيراً للاعلام في يوم الخميس الماضي.. فياما جاب الغراب لأمه.
صحافي من مصر
azouz1966@gmail.com

يوليو 09, 2011

الادارة الامريكية تعيد فتح مصر بالمال والدبلوماسية والاعلام

84

محمد عبد الحكم دياب

أكتب هذه الكلمات ولم تبق إلا ساعات تفصلنا عن مليونية 'الثورة أولا' التي خرجت أمس وأملنا أن تكون قد حققت هدفها في تجديد الثورة وتصحيح مسارها، واستمرارا لما بدأناه الأسبوع الماضي عن عوامل مؤثرة سلبا على الثورة؛ نستكمل بعضه بتناول عوامل خارجية، تخص الدور الأمريكي، كنموذج يجُب أدوار غيره في المنظومة الغربية التابعة. ودون مقدمات فإننا نعيد التذكير بأن السياسة الغربية، وفي طليعتها الأمريكية محكومة بوحدة المصلحة الاستراتيجية؛ ولها أبعاد ثلاثة.. الأول يقوم على السيطرة على مناطق مخزون الطاقة في المنطقة العربية، والثاني يضمن بقاء ووجود الدولة الصهيونية وحماية أمنها، والثالث يمتد ليكبح حركات التحرير والتمرد والثورة بما يعرف بمكافحة الإرهاب، والمنطقة العربية ومحيطها الإسلامي مستهدفة بهذه الحرب حتى لو أبيدت وتم تهجير كل سكانها، ولنا في العراق والصومال والسودان وأفغانستان وباكستان المثل الواضح.
إذن ما يقال عن ازدواج المعايير الأمريكية ليس صحيحا من وجهة نظري على الأقل، فثمة ما يمكن تسميته بأحادية المعيار؛ وهو وحدة المصلحة الاستراتيجية. والإدارة الأمريكية لن تعمل لغير صالح الولايات المتحدة؟ فكل المنظمات والمؤسسات الأمريكية تنشر الثقافة التي تخدم مصالحها، ولا تدعو لمبادئ تعاكسها. فمبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات تتهاوى أمام تلك المصالح، والقضية الفلسطينية الشاهد الأكبر على ذلك منذ الإقدام على جريمة اقتلاع شعب تتحمل فيه الامبراطورية البريطانية المسئولية الأخلاقية والقانونية والتاريخية، وورثتها إمبراطورية أمريكية على نفس المعايير الاستعمارية والعنصرية.
معيارنا أن كل الوعود التي قطعها الغرب على نفسه زمن الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية، ومن بعدهما الوريث الأمريكي؛ كل الوعود التي قطعها لليهود نفذت بكاملها، وزادتها الحروب على المنطقة فوق ما تم الوعد به. أما الوعود المقابلة للعرب منذ حملة نابليون مرورا بمعاهدة سايكس بيكو، وصولا إلى عودة عصر الغزو العسكري مرة أخرى لأفغانستان والعراق، تلك الوعود لم ينفذ منها شيء بل على العكس صار وعد الدولة الفلسطينية، الذي لن يرى النور محصورا في 22' من أرض فلسطين التاريخية. والمصلحة الغربية وضعت بلادنا على قوائم انتظار أحكام الإعدام التي تصدر عن مؤسسات الغرب تباعا، وكلما حل الدور على بلد فتح الأبواب لنهب جديد للثروات وسرقتها من مناطق الوفرة المالية لتمويل الحروب ضد دول الكثرة البشرية، والمصلحة الغربية في حاجة دائمة للمستبدين والقتلة والفاسدين والخونة واللصوص، وكيف تكون مع الثورة إذن؟!.
بعد درس الثورة الإيرانية اعتادت الإدارة الأمريكية ركوب موجة الثورات واستخدام أساليب المراوغة والتدليس، واضطرت لإصدار تصريحات سياسية وإعلامية تأييدا لثورتي تونس ومصر. وأبناء المنطقة على قناعة منذ ما قبل عصر عبد الناصر، وهو الذي كان يستخدم السياسة الأمريكية كبوصلة تهديه إلى سلامة سياسته؛ كان يستيقظ صباحا متابعا الموقف الأمريكي، إن كان ودودا ارتاب فيه، وأيقن أنه مخطئ، أما إذا وجده على طبيعته العدائية فمعناه أن سياسته سليمة، وعليه أن يعززها ويطور منها. والسياسة الأمريكية في سعيها جاهدة لاختراق الثورة؛ بالتمويل والتدريب الزيارات والمنح المقدمة من احتكارات أمريكية وصهيونية مهمتها ترسيخ قواعد التبعية التامة لإرادتها؛ هذه السياسة لا تقبل بأقل من الاندماج في المشروع الصهيو غربي، الذي تتشكل على أساسه المنطقة ويعاد رسمها من جديد.
وبدأ الجهد الإعلامي والصحافي الأمريكي لاحتواء الثورة متزامنا مع إغراءات القروض، والإغداق المالي على منظمات أهلية لها علاقة بالمؤسسات والمنظمات والسياسات الغربية، ولفت نظري تقرير يشعر قارئه بأنه أمام سيناريو لفيلم هابط، وقد نشر على موقع 'ديلي بيست' التابع لمجلة نيوزويك الأمريكية عن 'مدرسة المدونين الثوريين' بوزارة الخارجية الأمريكية، والتقرير حرره بيتر ماكديارميد وجيني إيماج؛ عن اشتراك شاب مصري في دورة تدريبية يتولاها فريق مكون من دبلوماسي كان يعمل مع جورج بوش الابن وعدد من أعضاء حملة أوباما في نيويورك، وذلك في نهاية 2008، قبل بداية اندلاع الثورات العربية بعامين.
ومن باب التشويق ذكر التقرير أن الناشط المصري وهو في طريقه إلى المعهد لم يترك وهو يغادر مطار القاهرة علامة تكشف عن وجهته، وإمعانا في التمويه ذهب إلى مسؤول الأمن طالبا تفتيشه؛ بدعوى أنه على قوائم الترقب، ويسأله الإسراع ليلحق بالطائرة، لكن رجل الأمن لم يفعل. وبعد ثلاثة أيام كان الشاب جالسا في غرفة بمساكن كلية الحقوق بجامعة كولومبيا على أطراف حي مانهاتن بنيويورك مع ثلاثة بدأوا العمل لتوهم ضمن فريق باراك أوباما المعني بوسائط التواصل الألكترونية، وأورد التقرير أسماءهم، وتركزت المناقشات حول إتاحة هذه الوسائط لعامة الناس.
وأشار التقرير إلى أن الكثير كان قد تحقق مما تم الاتفاق عليه في جلسة 2008؛ قبل أسبوع من ثورة 25 يناير، وكان موقع ويكيليكس قد سرب معلومات عن دعم سري لما أسماهم المتمردين المصريين، ونشر وقائع الدورة وأسماء المتحدثين والموضوعات التي تم تناولها. وكان المنظمون قد حرصوا على عدم البوح بشخصية الناشط المصري حماية له من ملاحقة الأمن المصري.
ودعت لهذا الدورة منظمة غير حكومية هي 'ائتلاف حركة الشباب'؛ ومولتها وزارة الخارجية، وانحصرت مهمتها في بيان قوة تأثير وسائط التواصل الالكتروني وكيفية استخدام الرسائل النصية (إس إم إس) كوسيلة لا تحمل أجندة بعينها؛ غير الدعوة للتصدي للقمع والاضطهاد واستخدام العنف.
وأثناء التدريب انقسم المشاركون إلى مجموعتين كل منهما إثني عشر مشاركا من بلاد عدة، واتخذ الشاب المصري مكانه ضمن فريق متنوع ومختلف؛ فيهم كولومبي يقول التقرير انه استطاع تحريك 12 مليون شخص في مسيرة ضخمة ضد حركة مقاومة ماركسية مسلحة معروفة باسم فارس FARC، ومنهم طالب فنزويلي معروف بأنه كان وراء الاحتجاجات المعادية للرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، ومشاركون ليست لهم دوافع سياسية، وضرب مثلا بناشط سريلانكي يكافح مرض الإيدز في بلده، وبمن يعملون ضد الإبادة، وآخرون في شبكة العمل العالمية من أجل بورما، بجانب نشطاء ضد استخدام الأسلحة البيضاء ومقرهم لندن. وكان ضمن البرنامج محاضرة ألقاها المؤسس المشارك لشبكة الفيسبوك عن أصول وطرق التغيير الاجتماعي، وأشار إلى وجود عدد من موظفي وزارة الخارجية بين الحضور؛ أحدهم جيمس غلاسمان السكرتير المساعد لشؤون الدبلوماسية العامة في إدارة جورج بوش الصغير. وكان حلمه عندما التحق بوزارة الخارجية هو المساعدة في تأسيس حركة ضد العنف في أنحاء العالم.
وأفصح غلاسمان عن المخاطر من وراء جلب عضو من حركة 6 إبريل؛ في وقت كانت فيه الإدارة الأمريكية تدعم مبارك وتمنحه المساعدات المالية والعسكرية، وأقر أن الدورة جاءت 'ملائمة للاستراتيجية العامة بخصوص مصر'، وتقوم على تنمية المجتمع المدني وترويج الديمقراطية في الأوساط الشعبية قدر المستطاع، وساعد غلاسمان نشطاء مصريين آخرين، ولم يكن يقلقه معرفة المسؤولين المصريين بما جرى في الاجتماع من عدمه، لكنه غضب حين عرف بمنع ناشط آخر من الصعود إلى الطائرة في مطار القاهرة الدولي.
بعد الدورة التدريبية اتصل الناشط المصري بوزارة الخارجية وبمسؤولين في الكونغرس، ثم واصل لقاءاته بالسفارة الأمريكية بالقاهرة لمناقشة ما تسرب من برقيات ووثائق ويكيليكس عن تفاصيل الدورة. وفي رحلة العودة كان الشاب قلقا مما قد يتعرض له بسبب الرحلة، وعلى الرغم من تفتيشه ومصادرة كراسة دون فيها ملاحظاته عن الدورة لكن لم يقبض عليه، واستمر في نشاطه، وألقت الشرطة القبض عليه عدة مرات، كان آخرها مظاهرة 17 حزيران/ يونيو الماضي.
لم يكن هدف هذه السطور بيان صدق أو كذب ما نشر، بل إعادة إكتشاف أمريكا وهي تتعامل مع ثورة 25 يناير، وجرأتها في تصوير الأمر وكأن الثورة المعجزة صناعة امريكية، بمعنى أنها صنعت عملا قد يقضي على رجالها وعلى من اعتمدت عليهم وحققوا لها ما أرادت، وهذا العمل الإعجازي أضحى سهلا لمجرد أن السلطات الأمريكية عثرت على شاب مصري قبل الالتحاق بالمعهد، وما عليه إلا الإمساك بجهاز تحكم عن بعد (ريموت كونترول) فتتحرك الجماهير لتصنع أكبر وأعظم ثورة عرفها التاريخ؛ بعد عقود من الجهد والمال والسلاح والتآمر والفتنة والإفقار، فحققت ما حققت، وتمكنت من دمج السياسة المصرية بالمشروع الصهيوني، وجعلت من حسني مبارك كنزا استراتيجيا في خدمة دولته، وهذا الشاب المحسوب على الثورة؛ جعل منه الأمريكيون رجلا خارقا (سوبرمان) يحرك الملايين في طول مصر وعرضها، ويقودهم مخدرين كقطيع (حاشا لله) يتحرك بإصابع ساحر تخرج من معهد تابع لوزارة الخارجية الأمريكية.
وقد يجد هذا السيناريو الهابط صدى لدى البعض، فيتناسون أن الثورة فاجأت العالم، وينسون أقوال وتصريحات أوباما وهيلاري كلينتون المؤيدة لحسني مبارك، ولا تخفي السلطات الأمريكية نواياها، ولا تمول أحدا في السر، وصرحت السفيرة الأمريكية الجديدة بالقاهرة بأنهم أنفقوا 40 مليون دولار بمصر منذ قيام الثورة، وأن 600 منظمة مصرية تقدمت بطلبات للحصول على نصيبها من المبلغ، وأعلنت ذلك أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي في الثاني والعشرين من الشهر الماضي، وخلال الجلسة، قالت باترسون إن المعهد القومى الديمقراطى، والمعهد الجمهورى الدولي، يعملان على تشجيع الديمقراطية ودعم وتنمية قدرات منظمات المجتمع المدني المصري، وأضافت أنه تم تخصيص 65 مليون دولار للمساعدات المتعلقة بدعم الديمقراطية في مصر، وهناك 150 مليون دولار أخرى لتشجيع النمو الاقتصادي.
وفي الوقت الذي نفت فيه السفيرة الجديدة وجود شروط على المساعدات، ذكرت جوانب يتم ربط المساعدات بها، ومؤكد عليه في المساعدات الموجهة للصحة والتعليم، مشيرة إلى أن الرقابة على إنفاق المساعدات الاقتصادية في مصر تتم عبر برنامج المراجعة والمحاسبة التابع لمبادرة الشراكة الشرق أوسطية، ومكتب المراجع العام بالقاهرة، والاثنان لهما قواعد وإجراءات صارمة في المراجعة والرقابة. وكل ذلك يتم بمعرفة سلطات البلدين، ومعنى هذا أن السلطات المصرية على علم بهذا ووافقت عليه!
وجاء حديثها مطمئنا أعضاء لجنة العلاقات الخارجية على قوة معاهدة 'السلام' وكأنها سفيرة تل أبيب في مصر، وشددت على أن استمرار المعاهدة 'على رأس أولويات الحكومة الأمريكية في المنطقة'. ويا قلبي لا تحزن!
' كاتب من مصر يقيم في لندن

08‏/07‏/2011

يوليو 08, 2011

وائل قنديل : ثوار أم لصوص موتوسيكلات؟

122

دخلنا الأسبوع الثانى من الجدل المثار حول عمليات السمسرة على دماء شهداء الثورة، بينما فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر وفضيلة مفتى الجمهورية لا حس ولا خبر، أذن من طين والأخرى من عجين، وكأن القضية تخص شعبا آخر ودولة أخرى غير مصر، ربما لم تصل إلى مسامع أفاضلنا أنباء ثورة سلمية بيضاء قام بها المصريون ودفعوا ثمنها نحو ألف شهيد من فتيانها وعدة آلاف من المصابين.


لقد كنا نتصور أن الثورة حررت الأزهر ودار الافتاء من ربقة التبعية للسلطة السياسية الحاكمة، غير أن الأمور تجرى على نحو مغاير لهذا التصور على طول الخط، حيث يكتفى الإمام الأكبر والمفتى بالفرجة على ما يجرى فى بورصة التنازلات عن حقوق الشهداء، ما شجع جهات أخرى لكى تستثمر فى فتاوى الدية.
وإذا سألتهم أين شيخ الأزهر والمفتى مما يجرى يكون الرد أنهما لا يزالان يدرسان الأمر ويبحثان القضية!
إن كل ما يردده سماسرة التنازلات عن الدية الشرعية كاذب وملفق، فمن أين يعترفون بأن التنازلات تكون مقابل مئات الآلاف من الجنيهات كدية للشهيد، بينما نماذج الإقرارات تقول بالحرف «أقر بمحض إرادتى وبدون مقابل مادى بأننى لم أشاهد الضابط (.....) وهو يطلق النار من أعلى مبنى قسم شرطة (....) حيث إن الظلام حالك ولم أستطع أن أميز الضابط عن غيره».


ولا معنى لهذه اللعبة إلا أنها تهدف إلى إفساد القضية من خلال التلاعب فى أقوال المدعين، وليس الحصول على الحق الشرعى، بما يؤكد أن المقصود فى النهاية هو تضليل العدالة.


ولعل ما حدث مع بعض مصابى الثورة فى بنى سويف ما يكشف أن المسألة كلها تجارة وسمسرة، ووفقا لما رواه أحدى أهالى المصابين لى فقد حدث أن مورست ضغوط على بعض المصابين لكى يتنازلوا عن الشق المدنى مقابل مبالغ كبيرة، وتم تسجيل التنازل فى الشهر العقارى، غير أنهم اكتشفوا فى يوم التسجيل أن أوراق التنازل مع محامى الضباط المتهمين، وبها تعديلات وتغييرات غير التى وقعوا عليها، حيث اشتملت على تغيير أقوال الضحايا فى محاضر الاتهام، فتوجهوا إلى مكتب المحامى العام وقاموا بإبطال وإلغاء هذه التنازلات.


وما حدث بعد ذلك هو الجريمة بعينها، حيث قام الضباط المتهمون بتلفيق قضية سرقة موتوسيكل بأثر رجعى لأحد مصابى الثورة بتاريخ اليوم نفسه الذى أصيب فيه 29 يناير، بل وصدر ضده حكم بالحبس لمدة عام، عقابا له على إلغاء التنازل بعد اكتشافه خديعة تغيير الأقوال.


والسؤال هنا: إذا كان هذا الشاب لص موتوسيكلات فما الذى يدفع السيد الضابط لكى يدفع له مبلغا كبيرا مقابل التنازل عن اتهامه له بإصابته بالرصاص؟ وإذا أضفت إلى ذلك أنه ليس فقط مصابا بل شاهد عيان على عملية إطلاق الرصاص على المتظاهرين فإننا نكون أمام مشهد مطابق تماما لما كان يجرى أيام حبيب العادلى.
غير أن الجريمة الأكبر هى الصمت الأقرب للتواطؤ من قبل ممن بيدهم الأمر على إهدار كل القيم الأخلاقية للثورة، بترك قضية الشهداء والمصابين ليلهو بها سماسرة وأفاقون وتجار فتاوى.


ولهذا وغيره قررت مصر أن تعود إلى الميدان اليوم لتحرير الثورة من خاطفيها.

07‏/07‏/2011

يوليو 07, 2011

فهمى هويدى : بلطجية وعفاريت؟

90

حين نقرأ تصريحا على لسان مصدر أمنى رفض ذكر اسمه يقول فيه إن فلول النظام السابق يدفعون ملايين الجنيهات لشراء البلطجية (الشروق 5/7) فإن هذا الكلام ينبغى أن يستوقفنا من أكثر من وجه. فنسبته إلى مصدر بتلك الصفة يعنى أنه ينبغى أن يؤخذ على محمل الجد. رغم أن رفض المصدر ذكر اسمه يثير عدة علامات استفهام حول ما إذا كان دافعه إلى ذلك هو الحذر أم الخوف أم عدم التأكد من دقة المعلومة. الأهم من ذلك أنه حين يصل الأمر إلى دفع ملايين الجنيهات لشراء البلطجية فمعنى ذلك أن الذين يمولون العملية من كبار أثرياء القوم فى النظام السابق، ثم حين يقول الخبر أن فى الأمر «مؤامرة» للوقيعة بين الشرطة والشعب لاستمرار الانفلات الأمنى فتلك معلومة تظل بحاجة إلى تحرير وإثبات.. وإذا صح أن مخططى «المؤامرة» زوروا أوراقا منسوبة إلى وزارة الداخلية تتضمن تقارير عن حركات سياسية قائمة، فذلك يعنى أن تلك الفلول لا تتمتع بقدرات مالية عالية فقط، وإنما لديها أيضا قدرات تنظيمية معتبرة.


ذلك كله يفترض أن الخبر صحيح، وهو ما يمكن أن نرجحه حين لا تصدر الجهات الأمنية المعنية تكذيبا له. ولأن ذلك لم يحدث حتى كتابة هذه السطور على الأقل. فسوف نتعامل معه على ذلك الأساس. يشجعنا على ذلك أن صحيفة «الشروق» كانت قد ذكرت فى عناوين عدد سابق أن «تنظيما سريا يدير بلطجية الثورة المضادة) (3/7)، ونسبت ذلك إلى مصدر أمنى سيادى. ورغم أننى لا أعرف الفرق بين مصدر أمنى فقط ومصدر أمنى سيادى إلا أننى استنتجت أن الأخير أهم وأشد بأسا، ويؤيد الفكرة تقرير لجنة حقوق الإنسان الأخير الذى ذكر أن أحداث مسرح البالون كانت مدبرة.


فى السابق كان يقال لنا إن الأجهزة الأمنية المصرية ترصد «دبَّة النملة». ولا أعرف إن كان ذلك صحيحا أم لا. لكنى أستبعد أن تكون تلك الأجهزة عاجزة الآن عن أن تضبط ذلك التنظيم السرى الذى يدير البلطجية ويمول أنشطتهم بملايين الجنيهات ونحن داخلون على الشهر السادس بعد الثورة. ولأنه يتجاوز «دبَّة النملة» بكثير فإنه ما لم يتم التوصل إلى قيادات ذلك التنظيم وعناصره. فأخشى أن يتشكك الرأى العام فى صحة التصريحات التى تطلقها المصادر المذكورة، الأمنية منها والأمنية السيادية. كما أخشى أن يشيع بين الناس أن ثمة تعمدا فى المبالغة فى حجم البلطجية واستخدامهم كمشجب تعلق عليه الخطايا التى تقع أثناء التظاهرات والاعتصامات.


فى الماضى كان يقال لنا إن الجماهير بخير وإن المتظاهرين أبرياء ومخلصون وحسنو النية لكن المشكلة دائما فى «الفئة المندسة» التى تنشق عنها الأرض فى كل مرة، وتظهر لتخترق التظاهرات وتسعى لتوظيفها لصالح أهدافها الشريرة. وباسم التصدى للأشرار تتم ملاحقة الجميع وقمعهم. وليس سرا أن البلطجية كانوا طول الوقت ذراعا للأجهزة الأمنية التى تطلق فى مواجهة المتظاهرين والمعتصمين حيثما وجدوا. الأمر الذى يعنى أمرين، الأول أن تلك الأجهزة تعرفهم جيدا ومن ثم تعرف كيف تتتبع تلك الذراع وتجهض محاولاتها، والثانى أن البلطجية تربوا فى كنف الداخلية، فعملوا لحسابها فى الماضى ثم أصبحوا فى الوقت الراهن يعملون لحساب «الفلول»، وربما عَنَّ لبعضهم أن يعمل لحسابه الخاص. ولا ينبغى أن يغيب عنا بالتالى فى هذا الصدد نموذج «الشبِّيحة» ــ نظراؤهم فى سوريا ــ الذين لاتزال الأجهزة الأمنية تستخدمهم لقتل المتظاهرين، لكن النظام يتبرأ منهم وتصورهم أبواقه الإعلامية بأنهم إرهابيون متسللون وعصابات هبطت من السماء فجأة، حينما انفجر غضب الناس وخرجوا إلى الشوارع مطالبين بالحرية.


لا أحد يستطيع أن ينكر أن فى مصر بلطجية خرجوا من جحورهم عندما انسحبت الشرطة وانكشف الأمن فى البلد. وبذات القدر فلا أحد يمكن أن يصدق أن الأجهزة الأمنية ومعها الشرطة العسكرية عاجزة عن وضع حد لأنشطتهم. وسنفتح أفواهنا من الدهشة حين يقال لنا إن ثمة تنظيما يحركهم وإن هناك ملايين من الجنيهات تنفق عليهم. وما لم تقدم لنا الرءوس والشخوص التى تحرك وتخطط وتمول تلك الأنشطة، فإننا ينبغى أن نُعْذَر إذا راودتنا الشكوك فى الرواية كلها، ذلك أنه من الصعب إقناعنا بأن البلطجية مثل «العفاريت» حاضرة وغائبة فى نفس الوقت، ولا أريد أن أذهب فى إساءة الظن إلى الحد الذى يطرح احتمال تعمد تلويث سمعة شباب الثورة الغاضب ودمغهم بأنهم بلطجية لتسويغ ملاحقتهم وقمعهم، لاقتناعى بأننا إذا كنا قد تعثرنا فى المسيرة فإننا لم ننتكس بعد إلى هذه الدرجة.

06‏/07‏/2011

يوليو 06, 2011

وائل قنديل : لماذا يصمت شيخ الأزهر والمفتى

123

الذين حرموا على الناس الخروج فى مظاهرات 25 يناير ينشطون الآن ــ وباعترافهم الصريح ــ للتأثير على أهالى شهداء ومصابى الثورة كى يتنازلوا عن القصاص ويقبلوا بالدية، مائة ألف جنيه أو شقة بأثاثها أو نصف مليون، والحجة هى أن الإسلام شرع الدية.


لقد بحّت الأصوات تطالب بالتفريق بين من يقتل فى حادث تصادم أو فى معركة على مقعد بالمقهى وبين من استشهد فى ثورة ناصعة البياض وقف العالم كله فخورا بها، غير أن هؤلاء الذين يفترسون أسر الشهداء بالفتاوى والأحكام لا يعترفون أصلا بأنها كانت ثورة، هم يكرهون كلمة «الثورة» وقد جاهدوا طويلا لإجهاض الدعوة إليها قبل 25 يناير.


وأظن أن الأمر بات فى حاجة ماسة لكى تقوم المؤسسات الدينية الرسمية فى مصر بدورها وتدلى بدلوها فى هذا المجال، فمن غير المعقول أن يترك موضوع بهذه الخطورة لكل من هدب ودب حتى تحول دم الشهداء إلى تجارة، وأستغرب أنه حتى هذه اللحظة يقف فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر وفضيلة مفتى الجمهورية صامتين أمام العبث الحاصل فى هذه القضية.


لقد استمعت إلى تفصيل مهم من الدكتورة سعاد صالح أستاذ الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية مع دينا عبدالرحمن فى برنامج صباح دريم أمس، حيث ردت على الذين يروجون أن معارضى التنازل عن دم الشهداء مقابل الدية هو نوع من الأنانية، حيث فرقت الدكتورة سعاد بين القتل الخطأ الذى يحتمل الدية، وهذا كما أسلفت يكون فى مشاجرات اعتيادية أو حوادث سير، وبين القتل العمد الذى يستوجب القصاص، دفاعا عن حق الفرد وحق المجتمع بأسره.


إن الخطير فى قضية اصطياد أسر الشهداء بإغراء الدية ليس التنازل عن حق الشهيد فقط، بل إن الأمر يتجاوز ذلك ليصل إلى التلاعب فى أوراق القضية وأدلتها، وهذه من شأنه تضليل العدالة، والأخطر من ذلك أنه يؤثر على المواقف القانونية لمن يقاومون الإغراءات ويرفضون المبالغ المعروضة عليهم مقابل التنازل أو تغيير أقوالهم التى سبق لهم الإدلاء بها فى أوراق القضية، وهذا من شأنه أن يجعل الجناة يفلتون من العقاب، وهو ما يهين هذه الثورة ويضربها فى مقتل.


ولعل من أقوى الدلائل على أن المسألة كلها تجارة تهدف لهروب المتهم من العقاب أن صيغة التنازل ذاتها لا تتضمن أسماء المتنازل لصالحهم، ما يعنى أنها ورقة لإفساد جميع قضايا قتل المتظاهرين، إذ تقول صيغة واحدٍ من إقرارات الصلح والتنازل من قبل أحد المصابين فى بنى سويف ما يلى «أقر أنا السيد............
بأنى بموجب هذا قد تصالحت مع المتهمين.............. بشأن إصابتى الحادثة أمام مركز شرطة ببا ولم يعد لى اتهام قبل المتهم المذكور.... علما بأن تحديد الأشخاص المعتدين فى أقوالى بالتحقيقات كانت بناء على مجرد اخبار تناقلها البعض».


وأكرر السؤال: لماذا يسكت المجلس العسكرى وحكومة عصام شرف وشيخ الأزهر ومفتى مصر على ما يجرى فى بورصة الشهداء والمصابين؟

يوليو 06, 2011

فهمى هويدى : ظواهر صوتية أم سياسية؟

91

فى صحف الصباح أن رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف اجتمع لمدة ساعتين مع ممثلين عن ائتلاف لشباب ثورة 25 يناير، وأن ممثلى 18 حزبا سياسيا يضمهم التحالف الديمقراطى من أجل مصر عقدوا اجتماعا للتنسيق بشأن الانتخابات النيابية، وأن 22 حزبا وجهت إليهم الدعوة لمناقشة مبادئ الدستور الجديد. صحيح أن ذلك حدث يوم الاثنين الماضى (4/7) ولكن مثل هذه الأخبار أصبحت متكررة فى الصحافة اليومية، وهى تعبر عن ازدحام الساحة المصرية بالأحزاب والجماعات والائتلافات، التى تقدم نفسها بحسبانها «قوى سياسية» أو ليبرالية أو دينية وكلها بطبيعة الحال معبرة عن أهداف الثورة.
من حيث المبدأ لا أجد فى ذلك الكم من التشكيلات ما يثير القلق والانزعاج. وقد أجد فيها ملمحا إيجابيا يعبر عن الشوق والتنافس فى العمل العام. وهو ما يغير الانطباع الذى ساد طوال السنوات الثلاثين السابقة، حين بدا أن الناس انصرفوا عن السياسة واعتزلوا العمل العام، وقرروا الانسحاب بعدما يئسوا من أن يكون لهم صوت أو رأى. وهذا الذى حدث فى مصر ليس غريبا ولكنه تكرر فى بلدان كثيرة، خصوصا تلك التى خرجت من طور الكبت والقمع إلى فضاء الحرية. يؤيد ذلك ما يحدث الآن فى تونس، حيث تم إشهار 81 حزبا فى حين أن سكان البلد نحو عشرة ملايين نسمة، وحين يتجاوز سكان مصر ثمانين مليونا، فقد لا نستغرب إذا ظهر فيها أكثر من 600 حزب، إذا اعتبرنا ما حدث فى تونس مقياسا.
ذكرت من قبل أن اليابان بعد صدمة الهزيمة فى الحرب العالمية الثانية ظهر فيها ٤٠٠ حزب استمر منها ١٢ فقط فى الوقت الراهن، بينها أربعة فقط لها حضورها المشهود فى الشارع. وهو ما يعنى أن «المصفاة» الديمقراطية بآلياتها الانتخابية المتعارف عليها كفيلة بتحديد الأحزاب الجديرة بالبقاء والاستمرار، وتلك التى ينبغى أن تنسحب لتخلى الساحة لغيرها.
ما يهمنى فى الموضوع أنه يتعين التفرقة بين أعداد الأحزاب وأوزانها. ذلك أن الحزب أو المنظمة أو الائتلاف قد يكتسب شرعية قانونية أو واقعية، من خلال استيفاء متطلبات التأسيس، لكن تلك الشرعية تظل منقوصة ما لم تترجم على الصعيد الاجتماعى. بمعنى ألا تكتفى الجهة بالحضور على الأوراق أو حتى اللافتات وإنما يجب أن يكون لها حضورها المعتبر على الأرض. والمشكلة تنشأ حين يتصور القائمون على تلك التجمعات أن الأوراق واللافتات كفيلة بتحويلها إلى قوة سياسية ناهيك عن أن تصنع منها قيادة سياسية.
فى ظل النظام السابق كان فى مصر أكثر من عشرين حزبا شرعيا على الورق، ولكن هذه الأحزاب حين خاضت الانتخابات فى سنة 2005 لم تحصل على أكثر من عشرة مقاعد، فى حين أن جماعة الإخوان المسلمين التى كانت محظورة آنذاك فازت بـ88 مقعدا رغم التزوير والتدخلات الأمنية. الأمر الذى يدلل على أنه فى التحرك السياسى الجماهيرى فإن القوة تستمد من الحضور فى الشارع وليس فقط باستيفاء الشروط القانونية والحصول على الرخص وإشهار المقار وتعليق اللافتات.
ليس لدى أى تحفظ على تعدد الأحزاب أو التجمعات الأخرى، لكن تحفظى الوحيد ينصب على إصرار أى منها على فرض رأيه على الآخرين. وادعائه أنه الممثل الشرعى الوحيد للشارع أو الثورة أو الجماعة الوطنية المصرية. ذلك أن قبول السلطة بها لا يعنى حماس المجتمع لها كما أن حضور رموزها على شاشات التليفزيون ربما أعطاهم شرعية إعلامية، ولكن ذلك يوفر لتلك الرموز أى شرعية سياسية.
يفاقم المشكلة أن ثورة 25 يناير ليس لها «صاحب» يمكن أن يدعى تمثيلها لأنها ثورة جماهير الشعب المصرى بأسره، وما لم يتح للشعب أن يختار ممثليه من خلال تصويت حر يسمح لنا بأن نعرف الأوزان الحقيقية للكيانات التى يزدحم بها المسرح السياسى. فليس لأحد أن يحتكر تمثيل الثورة أو المجتمع مهما علا صوته أو ثراؤه أو قدرته على الحشد وإثارة الضجيج الإعلامى. وعلى كل صاحب مشروع أو رؤية لأى مجال يتعلق بالمستقبل أن يتواضع قليلا، بحيث يعتبر ما يقدمه لنا بحسبانه مشروعه هو أو رؤية جماعته، وليس مشروع الثورة أو رأى المجتمع.
على الأقل حتى نعرف وزنه الحقيقى، وما إذا كان مجرد ظاهرة صوتية تتردد فى الفضاء، أم ظاهرة سياسية ومجتمعية لها جذورها الممتدة فى أرض الواقع. خصوصا أن الثورة لم تتخلص من تزوير السلطة لإرادة المجتمع لتستبدلها بتزوير النخبة لتلك الإرادة.

05‏/07‏/2011

يوليو 05, 2011

فهمى هويدى : محاربة الكفار أم محاربة الفقر؟

92

هل يمكن تطبيق الشريعة فى دولة مدنية ديمقراطية؟ لست صاحب السؤال الذى أدهشنى استدعاؤه كما صدمتنى الإجابة التى قدمت له.

(1)

إليك عيَّنة من الإجابة مقتبسة من النص المنشور: لا بالتأكيد. لا يمكن تطبيق الشريعة فى دولة ديمقراطية، وألاَّ سوف تفقد طبيعتها الديمقراطية. فالشريعة الإسلامية لا تتعامل بشكل متساو فى الحقوق والواجبات بين الذكر والانثى (للذكر فى الميراث حظ الانثيين). وكذلك تفرق بين المواطنين على أساس الدين (تطالب غير المسلم بدفع جزية).. والأمثلة كثيرة للغاية لا مجال لحصرها. أما المواءمات التى يقوم بها البعض لإيجاد تماس بين العوالم الراهنة من ناحية وبين الشريعة من ناحية ثانية، فهى محاولات تدعو للغثيان من قلة حيلتها.
إن محاولات تطبيق الشريعة فى زماننا تعانى من اشكاليات عدة، أولاها: الانتقائية. فعلى سبيل المثال الرجم أداة عقابية تعود لعصور مضت فلا داعى للحديث عنه. قطع يد السارق يعد تشويها لجسد الإنسان مما يتعارض مع حقوق الإنسان فلا داعى لتطبيقه. تنادى الشريعة بقتال المشركين. بالطبع مستحيل قتال المشركين فى عالم اليوم، فلا داعى لأن نتطرق إليه.. (إلى جانب ذلك) فثمة فجوة هائلة بين الواقع السياسى والاجتماعى الراهن وبين المرجعيات الحكومية لأولئك المطالبين بتطبيق الشريعة. فما رأى الشرع فى إقامة علاقات ومشروعات مع كفار الصين أو كفار الهند على سبيل المثال؟.
الخلاصة: إن كل التطبيقات الاجتماعية الحاكمة فى ظل الشريعة هى قواعد تاريخية تنتمى لعصور سحيقة لا مجال لتطبيقها اليوم، وتتناقض مع مبادئ المواطنة والعدالة فى الحرية بمفاهيم زماننا.

(2)

لا أجد جديدا فى هذا الكلام، فكتب غلاة المستشرقين تحفل بمثله. لكن حز فى نفسى أمران أولهما أن الذى نقله مثقف متميز وأديب واعد هو الأستاذ خالد الخميسى (صحيفة «الشروق» عدد 26/6) والثانى أن الكاتب ذكر فى حديثه عن الدولة المدنية أنه درس العلوم السياسية واطلع على مختلف الموسوعات السياسية ولم يجد لهذا المصطلح أثرا، وهو ما دفعنى إلى التساؤل: لماذا يا ترى لم يفكر صاحبنا فى أن يقرأ ولو كتابا واحدا فى الإسلام بدلا من أن يقرأ عنه. ذلك أنه لو فعلها لما ورط نفسه فى ترديد تلك المعلومات المنقوصة والشائهة.
ربما عرف مثلا أن الأصل هو المساواة بين الرجل والمرأة حيث بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، بنص القرآن وربما عرف ان مضاعفة نصيب الرجل فى الإرث مقارنا بنصيب المرأة ليس قاعدة مطلقة. ولكن النصيب يختلف باختلاف المركز القانونى لكل منهما. فحالات مضاعفة النصيب لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، فى حين أن ثمة حالات تتساوى فيها أنصبة الرجل والمرأة. وحالات أخرى تحصل المرأة على نصيب يزيد على ما يستحقه الرجل. ربما عرف أيضا أن مسألة الجزية تقليد قديم سابق على الإسلام، وإنها فرضت على غير المسلمين، لأنهم حينذاك لم يكونوا يشتركون فى الدفاع عن ديارهم، وكان المسلمون هم الذين كانوا يتولون هذه المهمة ويموتون نيابة عنهم. والاتفاق قائم على أنهم إذا انخرطوا فى سلك الجندية واشتركوا فى الدفاع عن وطنهم فإن الجزية تسقط. وللعلم فإن قيمة الجزية التى تعد أقرب إلى ما نسميه فى مصطلحات زماننا بأنها «بدل جهادية». أقل من قيمة الزكاة التى يتعين أن يدفعها المسلم إلى بيت المال.
ربما عرف كذلك أن تطبيق الحدود له شروط تكاد تكون مستحيلة وتعجيزية (كما فى الزنى مثلا). وفى حالة السرقة، فإن تمام الوفرة لكل شخص شرط لتطبيق الحد، علما بأن بعض فقهائنا يذهبون إلى أن الحدود التى كانت ضمن آخر مانزل فى الإسلام. هى للردع والزجر بأكثر منها للتطبيق. أما حكاية الأمر بقتال المشركين هكذا دون أى مبرر. فهى من قبيل الانطباعات الكاريكاتورية الرائجة فى بعض الكتابات الاستشراقية، ذلك أن ثمة أمرا صريحا فى القرآن يمنع العدوان على الآخرين وتجنب القتال إلا فى حالة الدفاع عن النفس. وفى غير ذلك. فالأصل فى العلاقة مع الآخرين بمن فيهم الكفار والمشركون هو «البر والقسط» بنص القرآن. ولو أن صاحبنا قرأ شيئا فى التاريخ الإسلامى لعرف أن النبى عليه الصلاة والسلام امتدح «حلف الفضول» الذى عقده كفار قريش للدفاع عن الضعفاء، وقال إنه لو أدركه للحق به وانضم إليه. وليته قبل أن يخوض فى تفاصيل الأحكام فتح كتابا فى الفقه ليدرك القاعدة التى تقول بأن الأصل فى العبادات هو الاتباع وان الأصل فى المعاملة هو الابتداع. ولربما قرأ شيئا عن تغير الأحكام بتغير الأمكنة والأزمنة والأحوال، وغير ذلك من آيات عبقرية وحيوية الفقه الأصولى.
لست فى مقام الرد على ما ذكره الكاتب، لكننى فقط أردت أن انبه إلى الأخطاء المعرفية التى وقع فيها، حين أطلق أحكاما فى موضوع لم يعتن بدراسته فوقع فيما أساء إليه.

(3)

مثل هذه الكتابات من تداعيات حالة الاستقطاب الخطر الحاصل فى مصر الآن، الذى جعل الانتماء إلى الإسلام موضوعا للخلاف. ذلك أنك ربما لاحظت أن النص الذى نحن بصدده لا يتحدث عن شيطنة المسلمين كما هو الشائع. وإنما هو ينطلق من تقبيح شريعة الإسلام، التى اعتبرها مناقضة لمبادئ المواطنة والحرية والعدالة.
خطورة الكلام تكمن فى أنه يوجه إلى مجتمع يشكل المسلمون 94٪ من أهله. بمعنى أنه يتحدى ويحرج مشاعر الأغلبية الساحقة من المؤمنين، ويشترط لإقامة الدولة الديمقراطية تنازلهم عن جزء من ديانتهم بحجة أن الشريعة باتت منتهية الصلاحية وضارة بصحة المجتمع. كأن عليهم أن يختاروا بين الشريعة وبين الديمقراطية.
حين يصبح الأمر كذلك فينبغى ألا نستغرب إذا تعمقت الفجوة بين المتدينين وغيرهم من العلمانيين خاصة، كما لا ينبغى ألا يفاجئنا شعور البعض وترويجهم لمقولة أن هؤلاء مناهضون للإسلام ورافضون لتعاليمه. وحين يشيع ذلك الانطباع فلابد أن يكون له تأثيره السلبى على الوفاق الوطنى والسلام الاجتماعى. وإذا اضفنا إلى ذلك أن مصر مقبلة على انتخابات نيابية وبلدية ورئاسية، فإن ضرره الفادح سيكون من نصيب كل الواقفين فى المربع العلمانى بغير تمييز.
إن السؤال الأهم الذى يطرحه استدعاء موضوع الشريعة والطعن فيها ينصب على مدى الملاءمة والجدوى فى فتح هذا الملف فى الوقت الراهن. إذ إنه يفترض أن الإسلاميين فازوا بالأغلبية فى الانتخابات، وانهم تسلموا السلطة فى مصر وشرعوا فى الإعداد لتطبيق الشريعة.
إن شئت فقل اننا بصدد إعادة إنتاج لفكرة الفزاعة، التى يراد بها التخويف من شبح مزعوم، الأمر الذى يستنفر المجتمع ويصرفه عن مشاكله الحالية لينشغل عنها بمحاذير المستقبل وظنونه. بالتالى لا يصبح السؤال عندنا هو كيف نستنهض قوى المجتمع بمختلف مكوناته واتجاهاته للدفاع عن الحرية والديمقراطية والعدل الاجتماعى، وانما تطرح علينا اسئلة أخرى مغايرة من قبيل هل نطبق الحدود أم لا، ما وضع الجزية، وهل تعلن الحرب على الكفار فى الكرة الأرضية بدلا من أن نضيع وقتنا فى محاربة الفقر؟

(4)

أدرى أن الجماعات التى تنتسب إلى الإسلام وترفع رايته أصبح لها حضورها بصوتها المرتفع فى الساحة المصرية، وإن ما كان محظورا منها أو محبوسا فى ظل النظام السابق استرد حريته وصار طليقا بعد الثورة. وهو ما يطرح عدة أسئلة منها مثلا: لماذا لا يتم «تطبيع» العلاقات مع تلك الجماعات، الأمر الذى يبقى على الخلاف معها كما هو، ولكن يقيم تلك العلاقات على أساس من الاحترام الذى يستبعد التسفيه والازدراء، بما يسمح بالتوافق حول قضايا الساعة وأولويات المرحلة ولماذا لا نتعامل مع تلك الجماعات كما يتعامل المجتمع الأمريكى مع اليمين المسيحى فى الولايات المتحدة، وهو القطاع الذى يعج بالأطياف والتنويعات التى تتجاوز فى عددها ما نشهده فى الساحة المصرية. ذلك أنهم هناك يتعاملون مع اليمين الدينى بثقة ورصانة واحترام، فى حين أن البعض عندنا لا يكف عن لطم الخدود وشق الجيوب كلما صادفوا شيئا لا يعجبهم فى ممارسات الجماعات الإسلامية.
بين يدى كتاب صدر بالفرنسية حول المنظمات الإنجيلية، فى الولايات المتحدة ألفه البروفيسور مختار بن بركة الباحث الفرنسى من أصل تونسى، وترجمه إلى العربية الأستاذ أحمد الشيخ الذى اختار لها عنوانا هو: المسيحية هى الحل. ليس فقط لأنه يأتى مقابلا لشعار الإسلام هو الحل، ولكن أيضا لأن تلك قناعة الجماعات الدينية فى الولايات المتحدة، وقد ذكر المؤلف أن الرئيس الأسبق رونالد ريجان رفع فى حملته الانتخابية (عام 1980) شعار الإنجيل هو الحل. كما ذكر أنه قبل الثورة الإسلامية فى إيران عام 1979 كانت الجماعات الأصولية المسيحية أعلنت عام 1976 عام الإنجيلية فى أمريكا. ومما قاله بيلى جراهام الداعية الإنجيلى الأشهر فى هذا الصدد: «الإنجيل يقرر بأن علينا أن نقود البلاد وإذا لم تحكم أنت أو أحكم أنا (من الإنجيليين) فإن الملحدين والعلمانيين سوف يحكموننا. ولذلك ينبغى علينا أن نسيطر على كل جوانب الحياة».
من النقاط المهمة التى أبرزها الكتاب ما يلى:
إن فى الولايات المتحدة 66 مجموعة منظمة تنتمى إلى اليمين المسيحى هدفها الأساسى هو العمل على الوصول إلى السلطة وإعادة تنصير أو تمسيح أمريكا. وقد أصبحت تلك الجماعات خلال العشرين سنة الأخيرة أهم وأقوى حركة شعبية وقوى سياسية فى الولايات المتحدة، ولها تمثيلها المشهود فى الحزب الجمهورى وفى مجلسى النواب والشيوخ.
إن هذه المجموعات لا تعترف بالفصل بين الدين والسياسية، فهى تدافع حقا عن الأخلاق الدينية وتعارض الاجهاض والشذوذ الجنسى، لكن لها دورها فى اشعال الثورات فى دول الاتحاد السوفيتى السابق. وفى ملاحقة النفوذ الفرنسى فى غرب أفريقيا، وتمثل سندا كبيرا لإسرائيل كما تعد ورقة ضغط قوية لصالحها فى الولايات المتحدة.
إنها تقسم العالم إلى معسكرين، أحدهما يمثل قوى الخير التى تتربع الولايات المتحدة على قمتها، والثانية قوى الشر التى كانت الشيوعية رمزا لها فى الماضى، وقد احتل ما سمى بالإرهاب الإسلامى مكانتها الآن. (لاحظ أنها نفس فكرة «الفسطاطين» التى طالما تحدثت عنها بيانات تنظيم القاعدة).
إنها احتفت بأحداث 11 سبتمبر التى اعتبرها اثنان من زعمائهم جيرى فالويل وبات ربورتسون عقابا الهيا لبلد مذنب بابتعاده عن دينه وتفلته الأخلاقى، ووصله بين السياسة والقوانين وبين القيم المسيحية التقليدية. وعلى شاشة التليفزيون قال بات ربورتسون يوم 13 سبتمبر «إن الله سمح لاعداء أمريكا أن يلحقوا بنا ما قد نستحقه».
إذا كانت جماعات اليمين الدينى فى الولايات المتحدة تضع السياسات وترجح كفة المتنافسين على الرئاسة، فإنها فى إسرائيل تحكم وتهيمن على الكنيست وتتمدد داخل الجيش، وتنفذ خطط الاستيطان واقتلاع الفلسطينيين. ومن ثم فلا وجه للمقارنة بينها وبين دور وممارسات اليمين الدينى فى مصر والعالم العربى.
إننا نستأسد على بعضنا البعض، ونتسابق على الإقصاء والتشويه واصطياد النقائص والزلات، لكن حصيلتنا صفر على صعيد التوافق والتلاقى والتنافس على خدمة الناس ومحبة الوطن.

03‏/07‏/2011

يوليو 03, 2011

فهمى هويدى : مفاجأة: خبران ساران

94

وسط الغيوم التى تتكاثر فى الأفق مثيرةً درجات متفاوتة من البلبلة والإحباط، حملت إلينا الصحف أمس (2/7) خبرين مفرحين أعادا إلينا بعضا من شعاع الأمل المحاصر. الخبر الأول أن رئاسة محكمة النقض ورئاسة مجلس القضاء الأعلى انتقلت إلى المستشار حسام الغريانى، أحد أكبر رموز الدعوة إلى استقلال القضاء. وهو ما يسوغ لنا أن نقول إن ذلك المرفق الجليل سيشهد فى وجوده عهدا جديدا مبشِّرا بالثقة والأمل. فالرجل يناضل بصلابة منذ ربع قرن ضد تغول السلطة وبطشها. إذ كان المقرر العام لأول مؤتمر للعدالة عقد فى عام 1986. وفى عام 1990 كان له دوره فى وضع مشروع قانون السلطة القضائية. وحين أحيل اثنان من المستشارين إلى الصلاحية لاتهامهما بالحديث عن تزوير الانتخابات البرلمانية عام 2005، فقد كان المستشار الغريانى واحدا من الذين أعلنوا عن أول اعتصام فى تاريخهم (استمر شهرا) تضامنا مع زميليهم. كما أنه كان صاحب فكرة أول وقفة احتجاجية تمت بين قضاة الإسكندرية للمطالبة باستقلال القضاء.


يذكر زملاء المستشار الغريانى أنه فى عام 2005 كان يرأس دائرة محكمة النقض الجنائى ومعه المستشاران هشام البسطويسى ومحمود مكى، وتلقت الدائرة طعنا فى انتخابات دائرة الزيتون التى نجح فيها رئيس الديوان السابق الدكتور زكريا عزمى. وكان الطعن متعلقا بالنائب الذى نجح معه مرشحا عن العمال، وقد استند مقدمه إلى أسباب عدة كان من بينها أن الذين أشرفوا على الانتخابات فى الدائرة لم يكونوا من القضاة ولكنهم كانوا من موظفى وزارة العدل. وقد ارتأى المستشار الغريانى وزميلاه أن ذلك السبب كاف لإبطال الانتخابات فى الدائرة، الأمر الذى كان يعنى تلقائيا إبطال إعلان نجاح الدكتور زكريا عزمى. وإذ أصدروا حكما بذلك وأرسلوه إلى رئيس محكمة النقض المستشار حمدى خليفة ليتولى توجيهه إلى مجلس الشعب، فإن الرجل وجد نفسه فى موقف حرج، وأراد تأجيل القرار والتسويف فى تنفيذه. فأشَّر على الصفحة التى تضمنت الحكم مطالبا رئيس الدائرة التى أصدرته بالنظر فى أسباب البطلان الأخرى الواردة فى الطعن. وهو ما أثار غضب المستشار الغريانى إذ اعتبر الملاحظة تدخلا فى الحكم، فألغى الورقة التى عليها تأشيرة رئيس النقض واستبدلها بأخرى، وأصدر حكما شديد اللهجة اعتبر فيه أن التأشيرة بمثابة إتلاف لنسخة الحكم، وجريمة تشكل تدخلا فى عمل القضاء. وهو ما أسكت المستشار خليفة ولم يستطع له ردا.


الخبر السار الآخر أن الجمعية العمومية لنقابة المهندسين التى فرضت عليها الحراسة منذ 16 عاما اجتمعت يوم الجمعة 1/7 لأول مرة منذ ذلك الوقت. وكانت آخر انتخابات أجرتها النقابة قد تمت فى عام 91، الأمر الذى يعنى أنها لم تشهد أى انتخابات منذ ذلك الحين وحتى الآن، ويعنى أيضا أن عشرين دفعة من المهندسين تخرجت خلال تلك الفترة، دون أن يكون لها أية صلة بالعمل النقابى فى واحدة من أهم النقابات فى مصر. كما يعنى حرمان 465 ألف مهندس مسجل فى النقابة من الإسهام فى عمل نقابى أو عمل عام.
فى الاجتماع قررت الجمعية العمومية التى رأسها الدكتور مصطفى الرفاعى وزير الصناعة الأسبق إنهاء الحراسة القضائية على النقابة، وفتح باب الترشيح لانتخابات مجلسها يوم 15 يوليو الحالى، وإجراء الانتخابات فى 15 سبتمبر. كما قررت الجمعية العمومية إرسال وفد يمثل النقابة لزيارة ثلاث من دول حوض وادى النيل لمتابعة ملف المياه الذى غابت عنه طوال سنوات وضعها تحت الحراسة رغم ما لأعضائها من صلات وخبرات عريضة بالموضوع.


طوال السنوات السابقة كانت الشرطة تحاصر مبنى النقابة وظل الأمن يمنع أعضاءها من عقد الجمعية العمومية. لذلك كان غياب الشرطة ومخبرى الأمن من أهم الملاحظات على ما جرى يوم الجمعة، كما كان حضور وزير الرى الدكتور حسين العطفى إشارة إلى تضامن الحكومة مع مطلب المهندسين. إلا أن ما ينبغى أن يسجل للناشطين فى النقابة أنهم طوال 16 سنة لم يكفوا عن محاولة رفع الحراسة بالطرق القانونية، وظلت معركتهم مع السلطة تدور سلميا فى ساحة القضاء والمحاكم.
اعتبرتُ الخبرين مفرحين لأنهما يشكلان تطورا إيجابيا على أرض الواقع وفى قلب المجتمع، الأمر الذى يجعلهما شيئا استثنائيا وسط انشغال الجميع بالسلطة وانتخابات الرئاسة والعراك على شاشات التليفزيون. أدرى أن نقابات المهن الطبية انضمت إلى الساعين إلى تنشيط دورها وإجراء انتخابات جديدة لمجالسها. وذلك بدوره مما يستحق الحفاوة لأن النظام الجديد الذى نحلم به لن تقوم له قائمة إلا إذا حدث تطور يعيد إلى المجتمع عافيته ويرد إليه الروح التى ازهقها النظام السابق، حين خرب البلد وقعد على تلها. إن أى لبنة حقيقية تقام على الأرض أنفع وأبرك من ألف «حوار» مما تعدون.

02‏/07‏/2011

يوليو 02, 2011

فهمى هويدى : سياسة اللامعنى

93

فى اليوم الذى أدى فيه السفير محمد العرابى اليمين الدستورية ليتسلم منصبه وزيرا للخارجية، نشرت الأهرام (يوم 26/6) تصريحات قال فيها إنه سيعتمد فى مهمته على الدبلوماسية الناعمة التى ترتكز على رصيد مصر التاريخى والثقافى، وإن الرسالة الأساسية للوزارة فى رأيه هى رعاية المصريين فى الخارج وتحسين علاقات مصر مع جميع دول العالم. وهو كلام أصابنى بالإحباط حين وقعت عليه لأننى خرجت منه بما يفيد أن الوزير الجديد ليس لديه ما يقوله. فالحديث عن القوة الناعمة (على فرض أنها موجودة وإن كنت أشك كثيرا فى ذلك) يقول به كل أحد، ويستطيع أن يتحدث به بضمير مستريح أى وزير فى أى دولة آسيوية أو أفريقية أو غربية. ثم إن حكاية تحسين العلاقات مع العالم والاهتمام بالمصريين المهاجرين ليس فيها أى إضافة معلوماتية تذكر. كأنه أراد أن يقول لنا إن وزارة الخارجية ستؤدى وظيفتها كوزارة للخارجية أو أن وزارة الصحة ستعتنى بصحة المواطنين!.


قارنت كلام الوزير الجديد بسلفه الدكتور نبيل العربى فوجدتها مقارنة بين المعنى واللامعنى. فقد تحدث الدكتور نبيل حين تسلم الوزارة عن أربعة محاور للسياسة الخارجية هى: العمل على تطبيع العلاقات مع إيران ــ فتح معبر رفح ــ التعامل مع واشنطن من موقع الند ــ عدم الانصياع للتهديدات الإسرائيلية ومطالبتها بالوفاء بالتزاماتها فى اتفاقية كامب ديفيد، التى ذكر أنها قابلة للمراجعة والتعديل. وهى رؤية إذا وضعتها إلى جانب حكاية القوة الناعمة وتحسين العلاقات مع دول العالم، فلن تحتاج إلى جهد لكى تعرف أين يكمن المعنى وفى أى جانب يتجسد اللامعنى.


حتى أكون أكثر دقة، فإننى لا أعرف ما إذا كان كلام الدكتور نبيل العربى تعبيرا عن رأيه الشخصى أو أنه رأى المجلس العسكرى أو أنه كان استلهاما لروح ثورة 25 يناير. لكن الذى لاشك فيه أن ما قاله الرجل لقى ترحيبا وحفاوة من الجماعة الوطنية المصرية، وأعاد الثقة فى سياسة مصر الخارجية. بل إنه أنعش العالم العربى بأسره الذى اعتبره إشارة إلى أن مصر الحقيقية ــ بعزتها وكبريائها ــ أطلت برأسها أخيرا بعد طول غياب.


لا أخفى أننى من البداية لم أكن متعاطفا مع السيد محمد العرابى لسببين أولهما أنه قضى أربع سنوات فى إسرائيل. بعدما أمضى فترة مماثلة فى واشنطن مسئولا عن العلاقة مع قادة الحركة الصهيونية هناك الذين يتركزون فى منظمة «ايباك»، وهذه الخلفية جعلته يتبنى موقفا من إسرائيل مطابقا إلى حد كبير مع موقف النظام السابق ورئيسه الذى اعتبرته الدولة العبرية «كنزا استراتيجيا لها». السبب الثانى ان الرجل كانت له علاقة خاصة ومتميزة مع رأس النظام السابق، الأمر الذى أطال مدة بقائه فى ألمانيا إلى سبع سنوات، وهى نحو ضعف المدة التى يقضيها الدبلوماسى فى الخارج عادة.


حدثنى بعض أقرانه عن أن للرجل فضائله الشخصية المقدرة التى تشهد له كدبلوماسى محترف وعالى الكفاءة، وذلك يحسب له لا ريب، لكننى أتحدث عن الوجه السياسى له وليس جانبه الشخصى. ذلك أن خلفيته السياسية تستدعى أكثر من سؤال منها مثلا: ما هى معايير اختيار وزير الخارجية، وهل صحيح أن ارتباطه بصلة قرابة مع أحد أكابر النظام الجديد كان من عوامل ترجيح كفته؟ وهل يعد اختياره بخلفيته تلك تعبيرا صادقا عن مصر ما بعد 25 يناير؟ وهل بعد يمكن أن يمر ذلك الاختيار لو أن الوزير جرى اختباره وتمت مناقشته فى آرائه من قبل لجنة الشئون الخارجية فى أى مجلس نيابى منتخب. كما هو الحاصل فى تقاليد الدول الديمقراطية؟ ــ (بالمناسبة هذا يحدث فى الولايات المتحدة بل يحدث أيضا فى إيران).


لقد اعتدنا فى مصر ألا نسأل وإذا سألنا لا يرد علينا، عن أسباب ضم أى وزير للوزارة أو أسباب خروجه منها. كما اعتدنا أن يكون الوزير مسئولا أمام رئيس الجمهورية وليس أمام الشعب. ومن ثم فمهما فعل فإنه يظل باقيا فى منصبه ما بقى مشمولا بالرضا السامى، لكننا نحسب أن تلك تقاليد عهد مضى وانقضى، وأن تجاهل كبرياء الشعب وعدم احترام إرادته من مفاسد العهد السابق التى طويت صفحتها. إلا أن ذلك الظن بات يحتاج إلى مراجعة فى الحالة التى نحن بصددها.


ليست حالة وزير الخارجية فريدة فى بابها. لأن فى التشكيلة الوزارية الحالية أكثر من عضو لا يكاد يصدق المرء أنهم أعضاء فى حكومة الثورة المصرية، الأمر الذى يحيرنا فى تقدير كفاءة معايير الاختيار، بقدر ما يدهشنا السكوت عما تبين من سوء فى الاختيار. ولست أشك فى أن الرأى العام لديه من الوعى والذكاء ما يمكن كثيرين من أن يشيروا بأصابعهم إلى النماذج التى أعنيها. وأخشى إذا استمر ذلك الوضع أن يفيض الكيل بالناس، فيكفوا عن الانشغال بالدستور أو الانتخابات أو حتى الفقراء، بحيث يصبح لديهم هم واحد يدفعهم إلى رفع شعار تغيير الحكومة أولا.

14‏/04‏/2011

أبريل 14, 2011

مبارك معتقل.. اللهم لا شماتة >> عبد الباري عطوان




المفاجآت تتواصل في مصر الثورة.. نحن امام لحظات تاريخية تستحق الوقوف امامها اجلالاً واحتراماً، لحظات تاريخية غير مسبوقة في منطقة عربية ابتليت بالديكتاتوريات والحكومات البوليسية القمعية.
نحن لا نعرف، ونحن نتابع التطورات المتتالية عما اذا كنا نعيش حلماً، ام اننا نشاهد الحقيقة بام اعيننا، فمن كان يصدق انه سيأتي هذا اليوم الذي نرى فيه الرئيس حسني مبارك ونجليه جمال وعلاء خلف القضبان ومعهم كل رموز المرحلة السيئة التي تواصلت فصولها المرعبة طوال الثلاثين عاماً الماضية.
نستطيع ان نقول الآن، وبكل ثقة، ان الثورة المصرية المباركة اكملت انتصارها، وقطعت كل الشك باليقين، وفتحت صفحة جديدة ناصعة ومشرفة، ليس في تاريخ مصر فقط وانما المنطقة باسرها.
شهداء مصر الابرار الذين سقطوا برصاص القمع في ميدان التحرير، او شوارع المدن المصرية الاخرى، ايام الثورة المجيدة او قبلها، سينامون الآن قريري الاعين، وكذلك ذووهم، فالعدالة انتصرت لهم من الطاغية واولاده وادوات فساده وقمعه.
نهاية بشعة هي نهاية الرئيس مبارك وابنائه، نهاية بشعة لكل الذين فتكوا بالشعب المصري، وسرقوا عرق ابنائه الكادحين المعدمين، نهاية لمرحلة تقزمت فيها مصر ودورها ومكانتها، نهاية بشعة للسماسرة الذين باعوا شرف الانسان المصري وكرامته وثرواته للاعداء مقابل حفنة من الذهب والفضة.
نحن امام معجزة حضارية في بلد تجمدت نهضته الحضارية الممتدة لأكثر من سبعة آلاف عام بفعل الفاسدين والتجار ومنعدمي الضمير. لم يذهب زوار الفجر الى الرئيس مبارك واسرته، ولا الى اعضاء البطانة الفاسدة، بل شاهدنا اجراءات قضائية تحتكم الى حكم القانون في دولة اهين فيها القانون وقضاته لسنوات طويلة.
لم نشاهد جثة الرئيس مبارك تسحل في الشوارع او صفوت الشريف او احمد عز او حبيب العادلي او زكريا عزمي، ومعهم الصبيان المدللان علاء وجمال يضربون بالاحذية، او يتعرضون للتعذيب خلف القضبان مثلما كانوا يفعلون بخصومهم، بل شاهدنا اسلوبا حضاريا في التحقيق وسط اجراءات قانونية عادلة وفي حضور محامين، دون اي شماتة او رغبة في الانتقام.
لم يمثل الرئيس مبارك ونجلاه وبطانته امام محاكم خاصة او عسكرية، وانما امام محاكم مدنية، وقضاة مدنيين، على قدم المساواة، مثله مثل جميع ابناء الشعب.
حسني مبارك لم تحاكمه محكمة طائفية ثأرية منبثقة من رحم الاحتلال، وبدعم من الغزاة الامريكيين، وانما تحاكمه محكمة الثورة الشعبية المنبثقة من رحم ميدان التحرير رمز عزة الشعب المصري وكرامته.
' ' '
لا نعرف كيف سيتعاطى نجلا الرئيس وهما يقبعان خلف القضبان في سجن طرة مع اركان حكم ابيهم مثل صفوت الشريف واحمد نظيف وحبيب العادلي، وقد سقطوا جميعا من عليائهم، وباتوا رقما او ارقاما مثل بقية المساجين المدانين بجرائم ارتكبوها في حق بلادهم واهلهم، ولكن ما نعرفه هو انهم اصبحوا متساوين في كل شيء، ولم يعد هناك رئيس او مرؤوس، ولا حملة مباخر، ولا صحافة تعزف يوميا معلقات النفاق، ولا طعام خاص يأتي خصيصا للنسل المقدس من مطاعم فرنسا الفاخرة.
اللهم لا شماتة.. هذا هو لسان حال كل اهل الضحايا الشهداء الذين ضحوا بدمائهم وارواحـــهم، من اجل هــذه اللحظـــــات التاريخــــية، من اجــــل بزوغ نجم مصر الجديدة، وانسانها الجديد، من وسط ركام القهر والاستعباد.
اللهم لا شماتة.. فهذا هو الرئيس مبارك المريض قيد الحراسة في سريره في المستشفى، وسيدته الاولى تمثل امام القضاة مدانة في ذمتها المالية ومتهمة باهدار اموال الشعب.
ماذا ستفيد عشرات المليارات التي نهبوها من اموال الشعب الفقير الذي يعيش اربعون مليونا من ابنائه تحت خط الفقر وباقل من دولارين في اليوم؟ هل فكر الرئيس وابناؤه وخبراء النهب والسلب والقمع في حكومته، انهم سيعيشون هذا اليوم الذين سيتساوون فيه مع كل المجرمين واللصوص والبلطجية خلف القضبان، وملياراتهم بعيدة جدا عنهم، يأكلون العدس والفول، ورغيف الخبز المعجون بالحصى والرمل وهو الرغيف نفسه الذي اجبروا الشعب على أكله في ذروة بطشهم وغرور قوتهم؟
الاموال المسروقة ستعود الى الشعب المصري صاحبها الحقيقي، ولكن ما يستحيل اعادته هو الارواح الطاهرة، لشباب مؤمن، ازهقها هؤلاء، وبالرصاص الحي، اثناء محاولاتهم مصادرة ارادة الشعب بالقوة، واطالة امد اقامتهم جاثمين على صدره، لامتصاص المزيد من عرقه ودمائه.
' ' '
انها العدالة التي انتظرناها، والشعب المصري معنا طويلا.. بل طويلا جدا، وها هي تأتي الينا في انصع صورها واشكالها، لتؤسس لفجر جديد سيمتد نوره الذهبي حتما الى المنطقة العربية بأسرها.
انه درس لكل الطغاة العرب ورجالاتهم قادة وافرادا في الاجهزة القمعية، وامبراطوريات فسادهم. درس لا نعتقد انهم سيستوعبونه ومفرداته البسيطة الواضحة السهلة على الفهم فنهايتهم لن تكون افضل من عميدهم حسني مبارك ونسله الفاسد، بل ربما تكون اسوأ كثيرا، حيث لن تنفعهم ملياراتهم ولا اجهزتهم القمعية، ولا صحافتهم واعلامهم المنافق حين يستعيد الشعب كرامته وقوته وتدنو لحظة الحساب. فلا حصانة للقمعيين والقتلة وسارقي اموال الشعوب وثرواتها بعد اليوم.
نكتب بعاطفة، وهذا حقنا، بل هــــذا واجبنا، فقـــــد انتــــظرنا هذا الانجاز العظيم والمشرف اكثر من اربعين عاما، وحان الوقت لكي نحتفل به، بل ونتبادل التهاني، انها ايام مـجــــيدة، هنيئا لنا ولكم وللامة بأسرها بمقدمها.

ADDS'(9)

ADDS'(3)

 


-

اخر الموضوعات

مدونة افتكاسات سينمائية .. قفشات افيهات لاشهر الافلام

مدونة افتكاسات للصور ... مجموعة هائلة من اجمل الصور فى جميع المجالات

مدونة افتكاسات خواطر مرسومة.. اقتباسات لاهم الشعراء فى الوطن العربى والعالم

مدونة لوحات زيتية ..لاشهر اللوحات الزيتية لاشهر رسامى العالم مجموعة هائلة من اللوحات

من نحن

author ‏مدونة اخبارية تهتم بالتوثيق لثورة 25 يناير.الحقيقة.مازلت اسعى لنقلها كاملة بلا نقصان .اخطئ لكنى منحاز لها .لايعنينى سلفى ولا مسلم ولا اخوان يعنينى الانسان،
المزيد عني →

أنقر لمتابعتنا

تسوق من كمبيوتر شاك المعادى