تاريخ النشر: 08/08/2005
هذه ليست مقالات كتبتها، بل جرائم ارتكبتها، ولا أريد أن أعتذر عن هذه الجرائم "النبيلة" – فيما أظنّ – لأحد مما يَعدُّون، لا أعتذر عنها لوزير الداخلية الذى وصف مقالاتى – فى حوار تليفزيونى – بأنها مما "يعاقب عليه القانون"، ولا أعتذر لبيت الرئاسة – ولا "لشجرة الضُرّ" فيه – الذى توحى الظنون بأنه دبّر ونفّذ حادث الخطف والاعتداء الدنىء الذى تعرضت له صباح 2 نوفمبر 2004، كان الحادث ذروة الدراما فى صدام خفى – فظاهر – على مدى خمس سنوات، لم يكن الأول فى سلاسل إيذاء وتحرش سياسى وأمنى متّصل، كانت التهديدات تهوى كالمطارق من أول سطر، ومن مماليك كبار بالقرب من "بيت السلطان"، كانت الفكرة بسيطة فى أذهان الذين أرادوا أن يعاقبوا، لم يكن وارداً إغلاق "العربى"، خاصة أن إغلاق جريدة "الشعب" صادف فى التوقيت بدء حملة "العربى" ضد
التوريث فالتمديد، والبديل: ضغط وتهديد للحزب الناصرى الذى تصدر عنه جريدة "العربى"، وكان حملة رسائل التهديد من عيّنة زكريا عزمى وصفوت الشريف ومصطفى كمال حلمى وكمال الشاذلى وأسامة الباز، فحوى الرسائل كان دائماً أن الرئيس غاضب وحانق مما تنشره "العربى" بعامة، ومن مقالاتى بالذات، وبدعوى أنها كسرت خطوطا حمراء وحطمت أسواراً صينية، ولم تصل رسائل التهديد إلى أهدافها مباشرة ولا بالوساطة، وكان لموقف ضياء الدين داود رئيس الحزب الناصرى – بالذات – أثره اللافت وربما الحاكم، فقد لعب ضياء – بطريقته المميزة فى امتصاص الضغوط – دوراً حامياً لتجربة الخروج عن النص، بدا للضاغطين بالمهاتفة أو بالمشافهة – فى لباس النصح – أن الطريق مغلقة، وجرّبوا الضغط بوسائل أخرى بدت أكثر خشونة. جرّبوا الضغط مرات بتهديد الأهرام – زمن إبراهيم نافع – بوقف طبع "العربى"، وجرّبوا الضغط مرة – فيما أعلم – برسائل ساخنة عبر أسامة الباز مستشار الرئيس مبارك وراعيه الشخصى منذ أن كان نائباً للرئيس السادات، فقد انتقل أسامة الباز بشخصه – فى سابقة هى الأولى والأخيرة – إلى مكتب رئيس الحزب الناصرى، كانت الحوادث المصاحبة فى واحدة من ذرى احتقانها المثيرة لأسئلة تتعلق بالمصائر، كان الرئيس مبارك قد وقع مغشياً عليه، وهو يلقى خطابه الافتتاحى فى دورة للبرلمان أوائل ديسمبر 2003، وتصادف أن كان المشهد متلفزاً، كانت الأعصاب ملتهبة مشدودة، وكانت التصرفات مختلطة مرتبكة كاشقة لخواء غائر إلى العمق، وبدا أنه الخبر الأول – بطبائع الوزن المصرى – فى قوائم الاهتمام العام، وحدث أن اتصلت بى قناة "الجزيرة" للتعليق على ما جرى، ويصعب بالطبع – ولدواعى السياق الخاطف – أن أعيد التعليق بكامله، أذكر فقط أننى قلت "إن صحة الرئيس – بحسب ما يذاع – على ما يرام"، ثم كانت الإضافة المستدركة "لكن صحة نظام الرئيس ليست كذلك"، وتداعى التعليق – بروابط السياسة والمنطق – إلى رفض التوريث بالعائلة أو التوريث بالمؤسسة، ولم يكد التعليق يذاع حتى دارت عجلة الضغط هائجة فى الاتجاهين، طلب أسامة الباز أن يقابل ضياء الدين داود فى مكتبه، والتقاه بالفعل فى اجتماع مغلق على مدى ساعة ونصف الساعة، وتحرك صفوت الشريف – وزير الإعلام القوى وقتها – فى اتجاه آخر، اتصل بإدارة قناة "الجزيرة" – فى الدوحة – ناقلاً غضب الرئيس وثورته العنيفة، وبدا أنه – فيما تأكد لى باليقين – أنه سمع ما لم يعجبه، فانتقل بالاتصال الضاغط الغاضب إلى الديوان الأميرى رأساً، كانت الرغبة فى الانتقام كاسحة عمياء، على جبهة "العربى" بدا أن لقاء الساعة والنصف فى مقر الحزب الناصرى لم يؤثر كثيراً، بدا أن ضياء الدين داود حريص على تكتم ما جرى، وإن كانت التوصية الأبوية بالتهدئة من لزوم ما يلزم، ولم أكن وقتها على علم بالذى جرى من ضغوط القاهرة فى الدوحة، وإن جاءنى الفعل الذى هو الأسبق إنباء من الكتب، فقد وصلتنى رسالة بعدها بأيام من كلمتين تقريباً – مذيلة بتوقيع رئيس تحرير جريدة "الراية" القطرية، كان الطلب المفاجئ أن أتوقف "مشكوراً" عن كتابة عامود صحفى يومى بعنوان "هوامش" ظلت "الراية" تنشره لى – وتنقله عنها صحف أخرى – لتسع سنوات سبقت أمر الإيقاف، وبدا الطلب غريباً لافتاً مثيراً للحيرة وللريب، بدا كأنه الطلاق الذى لم تسبقه مشكلة ولا إحم ولا دستور، فلم يسبق أن ثار نزاع أو جرى حذف سطر أو حرف مما كتبت فيما يقرب من ثلاثة آلاف عامود صحفى، ولم يسبق لى – فى كتاباتى بـ "الراية" القطرية – أن تطرقت لشأن مصرى لا بالمدح ولا بالقدح، لم أكن أصدر فيما فعلت عن تعصب لمصر يقتصر بشئونها وشجونها على أهلها وصحفها، بل كانت الدواعى الأخلاقية هى الأهم، فما دمت لا أستطيع انتقاد أمير قطر بالاسم على صفحات "الراية" القطرية، فليس من المستساغ – بحساب الأخلاق – أن أنتقد مبارك بالاسم هناك، ويختلف الأمر – بالطبع – فى الفضائيات بما فيها قناة "الجزيرة"، فقد انتقدت الكل بمن فيهم أمير قطر فى قناة "الجزيرة" بالذات، المهم أن ما جرى كان فى وقعه الشخصى فادحاً فقد، كانت الأبواب قد غُلّقت دونى، أعمل فى "العربى" – براتب رمزى – لظروف معلومة، وغالب دخلى الشخصى تقطعت موارده، فالضربة التى تلقيتها فى الدوحة – بضغط خشن من القاهرة – بدت كأنها اللعنة التى تسبقنى إلى كل العواصم، صحف عربية تحمست أو رغبت أو عرضت نقل عامودى اليومى إليها، ثم يبتلع الحماس حلقه، وحتى من أصدقاء عمر ورفاق على الطريق، وكأن يداً خفية تهدد بقطع الرؤوس قبل الأرزاق، أو أن يقال لك – بدواعى الحرج – اكتب ولكن ليس فى السياسة، وصلت الرسالة، ولم يكن لمثلى أن يطلب أو أن يلح، وطويت ضيقى، ولم أكتب حرفاً عما جرى قبل هذه السطور، كنت أتشاغل عما جرى، ولم تصل بى الظروف أبداً – والحمد لله - إلى حافة جوع، وكان هذا كافياً بالنسبة لرجل لا يطلب غير الستر، وإن لم يكن مريحاً لأسرة – من زوجة وثلاثة أبناء – بدا أن عائلها يناطح الحائط المسدود، كان صبر الزوجة المؤمنة المتفانية أفضل دعم معنوى تلقيته فى الضائقة المتصلة، وبدا أن شيئاً لم يتغير فى حياتى اعتماداً على مدخرات قليلة أخجل من ذكر أرقامها، بدت المقدرة على الاحتمال وكأنها لا تنفد، لكن الرغبة فى الانتقام بدت وكأنها لا تنفد أيضاً، بدت مخزونة منذرة بمواعيد الخطر، فالصدام الخفى تحول إلى اصطدام ظاهر، تهديدات هاتفية بالقتل من مجهولين، لم ألتفت ولا تحريت، ولا كان بوسعى أن أتحرى ولا أن أتراجع، واحتميت دائماً بشرط الضمير، وتحصنت بصوت أمى التى ماتت، وتناسلت دعواتها فى دعوات لآلاف الآباء والأمهات كانت تصلنى، ولم يكد يمر العام على رغبة الانتقام بالتجويع حتى تحول المشهد ذات صباح رمضانى إلى الانتقام بالترويع، ووقع الحادث الدنىء المروع بتفاصيل مفزعة صارت فى نطاق العلم العام، ولا يبدو الاحتياج ملحاً لتذكر الذى جرى بعد ساعة الفزع، بلاغ للنائب العام، واتهام لوزير الداخلية وبيت الرئاسة، وتحقيقات وشهود ومعاينات محفوظة فى الأدراج - إلى الآن – وربما إلى يوم يبعثون، لا أدعى أننى كنت هرقلاً ولا رامبو، ولا أن أعصابى قدت من حجر، فالذى لا يخاف ليس إنساناً، وقد كنت خائفاً، وفى انتظار القتل، لكن دفء أسرتى الصغيرة – مع حادث الانتقام بالتجويع – سرى فى بدن وطن بأكمله مع حادث الانتقام بالترويع، وبدا الكبار – الذين نصحنى الخاطفون بألا أكتب عنهم – صغاراً فى القيمة إلى حد التلاشى، لقد أرادوا عقابى فقطعوا أنوفهم، أرادوا عقاب شخص فتفجر غضب أمة، وأعترف بأننى لم أتوقع أبداً كل هذا التضامن مع شخصى الضعيف، فأنا أبدو شخصاً برياً مقطوع الصلات بطقوس الجماعة ومجاملاتها الطبيعى فيها والمصنوع، لم أتوقع السيل الجارف من نداءات التضامن ومقالات التعاطف بالمئات، بدا أن ضمير مصر الساكن ينتفض أخيراً، بدت القصة كلها فوق ما أستحق، وبدا أن أغلب الذين تعاطفوا تجاوزوا شخصى إلى القضية ذاتها، فلم أكن – حين عوقبت – سوى المتهم بجريمة الخروج عن النص، وقد أرادوا هم أيضاً أن يخرجوا عن النص، أرادوا أن يقولوا "كفاية" لحكم الأب والأم والابن، وقد كان.
هذه ليست مقالات كتبتها، بل جرائم ارتكبتها، ولا أريد أن أعتذر عن هذه الجرائم "النبيلة" – فيما أظنّ – لأحد مما يَعدُّون، لا أعتذر عنها لوزير الداخلية الذى وصف مقالاتى – فى حوار تليفزيونى – بأنها مما "يعاقب عليه القانون"، ولا أعتذر لبيت الرئاسة – ولا "لشجرة الضُرّ" فيه – الذى توحى الظنون بأنه دبّر ونفّذ حادث الخطف والاعتداء الدنىء الذى تعرضت له صباح 2 نوفمبر 2004، كان الحادث ذروة الدراما فى صدام خفى – فظاهر – على مدى خمس سنوات، لم يكن الأول فى سلاسل إيذاء وتحرش سياسى وأمنى متّصل، كانت التهديدات تهوى كالمطارق من أول سطر، ومن مماليك كبار بالقرب من "بيت السلطان"، كانت الفكرة بسيطة فى أذهان الذين أرادوا أن يعاقبوا، لم يكن وارداً إغلاق "العربى"، خاصة أن إغلاق جريدة "الشعب" صادف فى التوقيت بدء حملة "العربى" ضد
التوريث فالتمديد، والبديل: ضغط وتهديد للحزب الناصرى الذى تصدر عنه جريدة "العربى"، وكان حملة رسائل التهديد من عيّنة زكريا عزمى وصفوت الشريف ومصطفى كمال حلمى وكمال الشاذلى وأسامة الباز، فحوى الرسائل كان دائماً أن الرئيس غاضب وحانق مما تنشره "العربى" بعامة، ومن مقالاتى بالذات، وبدعوى أنها كسرت خطوطا حمراء وحطمت أسواراً صينية، ولم تصل رسائل التهديد إلى أهدافها مباشرة ولا بالوساطة، وكان لموقف ضياء الدين داود رئيس الحزب الناصرى – بالذات – أثره اللافت وربما الحاكم، فقد لعب ضياء – بطريقته المميزة فى امتصاص الضغوط – دوراً حامياً لتجربة الخروج عن النص، بدا للضاغطين بالمهاتفة أو بالمشافهة – فى لباس النصح – أن الطريق مغلقة، وجرّبوا الضغط بوسائل أخرى بدت أكثر خشونة. جرّبوا الضغط مرات بتهديد الأهرام – زمن إبراهيم نافع – بوقف طبع "العربى"، وجرّبوا الضغط مرة – فيما أعلم – برسائل ساخنة عبر أسامة الباز مستشار الرئيس مبارك وراعيه الشخصى منذ أن كان نائباً للرئيس السادات، فقد انتقل أسامة الباز بشخصه – فى سابقة هى الأولى والأخيرة – إلى مكتب رئيس الحزب الناصرى، كانت الحوادث المصاحبة فى واحدة من ذرى احتقانها المثيرة لأسئلة تتعلق بالمصائر، كان الرئيس مبارك قد وقع مغشياً عليه، وهو يلقى خطابه الافتتاحى فى دورة للبرلمان أوائل ديسمبر 2003، وتصادف أن كان المشهد متلفزاً، كانت الأعصاب ملتهبة مشدودة، وكانت التصرفات مختلطة مرتبكة كاشقة لخواء غائر إلى العمق، وبدا أنه الخبر الأول – بطبائع الوزن المصرى – فى قوائم الاهتمام العام، وحدث أن اتصلت بى قناة "الجزيرة" للتعليق على ما جرى، ويصعب بالطبع – ولدواعى السياق الخاطف – أن أعيد التعليق بكامله، أذكر فقط أننى قلت "إن صحة الرئيس – بحسب ما يذاع – على ما يرام"، ثم كانت الإضافة المستدركة "لكن صحة نظام الرئيس ليست كذلك"، وتداعى التعليق – بروابط السياسة والمنطق – إلى رفض التوريث بالعائلة أو التوريث بالمؤسسة، ولم يكد التعليق يذاع حتى دارت عجلة الضغط هائجة فى الاتجاهين، طلب أسامة الباز أن يقابل ضياء الدين داود فى مكتبه، والتقاه بالفعل فى اجتماع مغلق على مدى ساعة ونصف الساعة، وتحرك صفوت الشريف – وزير الإعلام القوى وقتها – فى اتجاه آخر، اتصل بإدارة قناة "الجزيرة" – فى الدوحة – ناقلاً غضب الرئيس وثورته العنيفة، وبدا أنه – فيما تأكد لى باليقين – أنه سمع ما لم يعجبه، فانتقل بالاتصال الضاغط الغاضب إلى الديوان الأميرى رأساً، كانت الرغبة فى الانتقام كاسحة عمياء، على جبهة "العربى" بدا أن لقاء الساعة والنصف فى مقر الحزب الناصرى لم يؤثر كثيراً، بدا أن ضياء الدين داود حريص على تكتم ما جرى، وإن كانت التوصية الأبوية بالتهدئة من لزوم ما يلزم، ولم أكن وقتها على علم بالذى جرى من ضغوط القاهرة فى الدوحة، وإن جاءنى الفعل الذى هو الأسبق إنباء من الكتب، فقد وصلتنى رسالة بعدها بأيام من كلمتين تقريباً – مذيلة بتوقيع رئيس تحرير جريدة "الراية" القطرية، كان الطلب المفاجئ أن أتوقف "مشكوراً" عن كتابة عامود صحفى يومى بعنوان "هوامش" ظلت "الراية" تنشره لى – وتنقله عنها صحف أخرى – لتسع سنوات سبقت أمر الإيقاف، وبدا الطلب غريباً لافتاً مثيراً للحيرة وللريب، بدا كأنه الطلاق الذى لم تسبقه مشكلة ولا إحم ولا دستور، فلم يسبق أن ثار نزاع أو جرى حذف سطر أو حرف مما كتبت فيما يقرب من ثلاثة آلاف عامود صحفى، ولم يسبق لى – فى كتاباتى بـ "الراية" القطرية – أن تطرقت لشأن مصرى لا بالمدح ولا بالقدح، لم أكن أصدر فيما فعلت عن تعصب لمصر يقتصر بشئونها وشجونها على أهلها وصحفها، بل كانت الدواعى الأخلاقية هى الأهم، فما دمت لا أستطيع انتقاد أمير قطر بالاسم على صفحات "الراية" القطرية، فليس من المستساغ – بحساب الأخلاق – أن أنتقد مبارك بالاسم هناك، ويختلف الأمر – بالطبع – فى الفضائيات بما فيها قناة "الجزيرة"، فقد انتقدت الكل بمن فيهم أمير قطر فى قناة "الجزيرة" بالذات، المهم أن ما جرى كان فى وقعه الشخصى فادحاً فقد، كانت الأبواب قد غُلّقت دونى، أعمل فى "العربى" – براتب رمزى – لظروف معلومة، وغالب دخلى الشخصى تقطعت موارده، فالضربة التى تلقيتها فى الدوحة – بضغط خشن من القاهرة – بدت كأنها اللعنة التى تسبقنى إلى كل العواصم، صحف عربية تحمست أو رغبت أو عرضت نقل عامودى اليومى إليها، ثم يبتلع الحماس حلقه، وحتى من أصدقاء عمر ورفاق على الطريق، وكأن يداً خفية تهدد بقطع الرؤوس قبل الأرزاق، أو أن يقال لك – بدواعى الحرج – اكتب ولكن ليس فى السياسة، وصلت الرسالة، ولم يكن لمثلى أن يطلب أو أن يلح، وطويت ضيقى، ولم أكتب حرفاً عما جرى قبل هذه السطور، كنت أتشاغل عما جرى، ولم تصل بى الظروف أبداً – والحمد لله - إلى حافة جوع، وكان هذا كافياً بالنسبة لرجل لا يطلب غير الستر، وإن لم يكن مريحاً لأسرة – من زوجة وثلاثة أبناء – بدا أن عائلها يناطح الحائط المسدود، كان صبر الزوجة المؤمنة المتفانية أفضل دعم معنوى تلقيته فى الضائقة المتصلة، وبدا أن شيئاً لم يتغير فى حياتى اعتماداً على مدخرات قليلة أخجل من ذكر أرقامها، بدت المقدرة على الاحتمال وكأنها لا تنفد، لكن الرغبة فى الانتقام بدت وكأنها لا تنفد أيضاً، بدت مخزونة منذرة بمواعيد الخطر، فالصدام الخفى تحول إلى اصطدام ظاهر، تهديدات هاتفية بالقتل من مجهولين، لم ألتفت ولا تحريت، ولا كان بوسعى أن أتحرى ولا أن أتراجع، واحتميت دائماً بشرط الضمير، وتحصنت بصوت أمى التى ماتت، وتناسلت دعواتها فى دعوات لآلاف الآباء والأمهات كانت تصلنى، ولم يكد يمر العام على رغبة الانتقام بالتجويع حتى تحول المشهد ذات صباح رمضانى إلى الانتقام بالترويع، ووقع الحادث الدنىء المروع بتفاصيل مفزعة صارت فى نطاق العلم العام، ولا يبدو الاحتياج ملحاً لتذكر الذى جرى بعد ساعة الفزع، بلاغ للنائب العام، واتهام لوزير الداخلية وبيت الرئاسة، وتحقيقات وشهود ومعاينات محفوظة فى الأدراج - إلى الآن – وربما إلى يوم يبعثون، لا أدعى أننى كنت هرقلاً ولا رامبو، ولا أن أعصابى قدت من حجر، فالذى لا يخاف ليس إنساناً، وقد كنت خائفاً، وفى انتظار القتل، لكن دفء أسرتى الصغيرة – مع حادث الانتقام بالتجويع – سرى فى بدن وطن بأكمله مع حادث الانتقام بالترويع، وبدا الكبار – الذين نصحنى الخاطفون بألا أكتب عنهم – صغاراً فى القيمة إلى حد التلاشى، لقد أرادوا عقابى فقطعوا أنوفهم، أرادوا عقاب شخص فتفجر غضب أمة، وأعترف بأننى لم أتوقع أبداً كل هذا التضامن مع شخصى الضعيف، فأنا أبدو شخصاً برياً مقطوع الصلات بطقوس الجماعة ومجاملاتها الطبيعى فيها والمصنوع، لم أتوقع السيل الجارف من نداءات التضامن ومقالات التعاطف بالمئات، بدا أن ضمير مصر الساكن ينتفض أخيراً، بدت القصة كلها فوق ما أستحق، وبدا أن أغلب الذين تعاطفوا تجاوزوا شخصى إلى القضية ذاتها، فلم أكن – حين عوقبت – سوى المتهم بجريمة الخروج عن النص، وقد أرادوا هم أيضاً أن يخرجوا عن النص، أرادوا أن يقولوا "كفاية" لحكم الأب والأم والابن، وقد كان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى