لندن: كمال قدورة
التنوع الكبير في الأطباق والأنواع هو أحد الأسباب الرئيسية وراء نجاح المطبخ الهندي حول العالم. فهناك المقبلات والأطباق الرئيسية والأطباق الجانبية والحلويات، أي كل ما يمكن أن يحلم به المغرمون بالطعام والمآكل. ويقول البعض إن تنوع هذا المطبخ الذي انتشر في كل أنحاء المعمورة، مشابه لتنوع المطبخ الأوروبي، لأنه يعتمد جغرافيا على أربعة أقاليم، تختلف فيما بينها في البيئة والأساليب العامة في الطبخ، وهي المطبخ الهندي الشمالي الذي يضم أقاليم: راجستان والبنجاب والمغالي وكشمير وبيناراس، والمطبخ الهندي الجنوبي الذي يضم أقاليم: كانادا وكيرالا وانديرا والتاميل، والمطبخ الهندي الغربي الذي يضم: غوجارات ومالواني وماهاراشتريان والمطبخ الهندي الشرقي الذي يشمل: البنغال وآسام.وفيما يعتبر المطبخ في الولايات والأقاليم الشمالية، مطبخا زراعيا أو فلاحيا بالعامة من ناحية الجوهر لأن معظم المناطق مناطق زراعية بالأصل وتعتمد على الزراعة، رغم وجود بعض المدن الكبيرة كلكتا وديلفي. (ولا عجب إذن أن يكون القمح المكون الرئيسي لهذا المطبخ أو بكلام آخر العنصر الأساسي فيه)، يعتبر المطبخ الجنوبي أكثر غرابة وإثارة واستخداما للشطة والبهارات على أنواعها، ويعتمد أساسا على الأرز. وفيما يلجأ أهل الشمال إذا صح التعبير إلى البصل والكزبرة لتحضير أطباقهم وتطييبها، يلجأ أهل الجنوب إلى جوز الهند كعنصر رئيسي في تحضير مختلف أنواع الأطباق.
ولا شك أن المطبخ البنغالي من أهم هذه المطابخ جامعة، وهو المطبخ الذي يشمل إقليم البنغال الذي تسيطر عليه وتتقاسمه الهند من جهة إقليم غرب البنغال وبنغلاديش من جهة الشرق. ويعتبر هذا المطبخ أيضا مطبخا للكثير من سكان إقليم شمالية مثل أقاليم آسام ووادي باراك وتريبورا بسبب أصولهم البنغالية. ويعتمد هذا المطبخ على أطباق السمك والخضار والعدس والأرز، المطبوخة بالبهارات المختلفة وأحيانا الحارة. وتشتهر هذه الأطباق إلى جانب أطباق الحلوى الكثيرة على أنها أطباق طيبة وشهية جدا.
ولهذا يعتبر البعض المطبخ البنغالي من أكثر المطابخ الجنوبية الآسيوية تقدما وقربا إلى المطبخ الفرنسي، لأن الأطباق تقدم بالتالي وعلى دفعات وليس دفعة واحدة.
ولا عجب أن تكون أفضل المطاعم الهندية في بريطانيا وخصوصا اسكوتلندا والعاصمة لندن وهي بالآلاف، هي المطاعم البنغالية. وقد اشتهرت سمعة منطقة بارك لين في شرق العاصمة لندن في السنوات العشر الماضية بسبب كثرة مطاعمها وأنواع مآكلها.
ويقال إن هذا المطبخ العريق والممتاز قد تأثر بالكثير من مطابخ العالم وبالأخص المطبخ الخاص بجنوب شرقي آسيا الذي يوجد بينهما تاريخ حافل من العلاقات التجارية منذ قديم الزمان، والمطبخ الذي جاء به المسلمون في القرن الثاني عشر، وبعدها المطابخ أو الخبرات الخاصة بالطعام من المهاجرين اليهود والأفغان والصينيين، والبريطانيين الذي أخذوا مكان المسلمين من نهاية القرن الثامن عشر حتى منتصف القرن العشرين.
في الفترة الإسلامية الهندية، أو أيام فترة النواب، حول مرشد جعفر خان مقر عاصمة البنغال من دكا إلى مدينة جديدة اسمها مرشدآباد ليقترب أكثر من دلهي حيث كان مركز القرار المغولي. ولهذا تأثرت المدينة أي دكا بالمطبخ المغولي تأثرا كبيرا وقد لعب البلاط دورا كبيرا في تطور المطبخين المغولي نفسه والمطبخ البنغالي العام، إذ إن التنافس على أفخر الولائم والإسراف في محاولات تقديم الجديد والابتكار طورت الكثير من الأطباق الرئيسية وجاءت بأخرى مغايرة لا تقل أهمية. ويعرف المطبخ المغولي بكثرة لحومه وخصوصا لحم البقر والصلصات المكثفة والطيبة، وظل تأثيره موجودا إلى ما بعد رحيل المسلمين ولا يزال حتى الآن.
كما يصعب تجاهل تأثير مطبخ الاودي (في منطقة اودة الهندية)، على المطبخ البنغالي أيضا إذ إنه واحد من أفضل المطاعم في العالم وأكثرها تنوعا، فهو خليط من المطابخ الهندية والفارسية والعربية والآسيوية. ويقال إن الحاكم نواب قبل نفيه من قبل الانجليز كان جلب معه إلى البلاط مئات الطباخين والخدم والمتخصصين في خلط البهارات، وبعد موته انتشر هؤلاء في جميع أنحاء إقليم البنغال ليغيروا من حال مطبخه وتقدمه إلى المستقبل. ورغم أن هذا المطبخ متأثر جدا بالمطبخ المغولي فإنه كان يفضل لحم الغنم على لحم البقر كما درج المغول في السابق، وكان يلجأ إلى استغلال الورد لتطييب الطعام.
وتقول «الموسوعة الحرة» في هذا المجال إن المطبخ البنغالي لم يتأثر كثيرا بعد الفترة الإسلامية بالمطبخين الفرنسي والهولندي كما يفترض أثناء وجود مستعمرات لكلتا الدولتين في غرب البنغال، لكنه تأثر أكثر لاحقا باليهود الذين كانوا يسيطرون على الأفران وبالبريطانيين والأجانب الذين أدخلوا عادات وتقاليد جديدة على المنطقة، مثل الإيطاليين والبرتغاليين. وقد أخذ أهل البنغال عنهم كيف تطبخ الصلصة المكثفة أو السميكة واستخدام المعجنات والاستخدام المعتدل للبهارات. وقد أخذ البنغال من الانجليز عادة شرب الشاي بعد الظهر وتناول الوجبات الخفيفة أو السريعة، وحلويات الأفران أو الحلويات المخبوزة التي جاءت مع الاحتفالات بعيد الميلاد، ولا يصعب العثور عليها خارج محطات القطارات في الإقليم، إذ نشرها اليهود واستغلها أفضل استغلال وحولوها إلى ظاهرة لأن الناس يحبونها مع الشاي.
وبالطبع أدى وجود عدد كبير من الأغنياء والحكام البريطانيين، إلى إغناء المطبخ الهندي والبنغالي بشكل خاص، وطورت الكثير من الأطباق خصيصا للتوافق ومذاقاتهم وعاداتهم.
وقد كثر أيام المسلمين استخدام السمن، كما بدأ المحليون يعرفون وسائل وسبل حفظ ونقع اللحوم وتحضيرها، بجوز الطيب والزعفران وغيره. وانتشرت أطباق معروفة آنذاك لا تزال تحافظ على شهرتها حتى يومنا هذا مثل البرياني الشهير (طبق من أرز الباسماتي، أحيانا مع اللحم والسمك والبيض أو الخضار - وهو طبق إيراني الأصل فكلمة بريان الفارسية تعني مقلي أو مشوي) ومثل طبق «كورما» الإيراني الآخر، والذي يشمل طبخ اللحوم مع الخضار على هيئة كاري مع شتى البهارات واللبن والزبدة والكريم وجوز الهند، وهو طبق شهي جدا ومعروف حول العالم.
وبعد تقسيم الهند تعرض المطبخ البنغالي لهزة كبيرة، إذ جرت عمليات كبيرة للتبادل السكاني ورحل الكثير من سكان إقليم غرب البنغال إلى بنغلاديش وبالعكس، لكن الخليط الأصلي بين التراثين الإسلامي والهندوسي بقي هو نفسه كما بقي الكثير من السكان الأصليين في الهند وبنغلاديش في قراهم. لكن انتعاش العاصمة كلكتا لاحقا جذب معه الكثير من المهاجرين الصينيين والموارويين ذوي الأصول الراجستانية. وساهمت هذه الهجرات إلى تشكيل مطبخ خاص بالعاصمة تفتخر به. وفيما ركز بعض المهاجرين على الحلويات وأسواقها وعالم صناعة الحلوى والسكاكر بشكل عام، ركز البعض وثبت طعام الشارع وظاهرته المعروفة.
لكن بعد ذلك دخلت وسائل الطبخ الصيني إلى صلب المطبخ البنغالي وبدأ الناس يستخدمون وسائل القلي السريع والذرة والحار ولحم الخنزير وبشكل خاص صلصلة الصويا والليمون والفستق والفطر، وأصبح هناك ما يعرف بالمطبخ «الكلكتي - الصيني» وهناك أطباق معروفة منه كحساء الدجاج مع الذرة والدجاج بالحار. كما ساهمت هجرات أهل إقليم التبت، بالمزيد من الإغناء للمطبخ البنغالي ودخلت الـ«نودل» وأنواع حسائه على الخط، وأصبح الكثير منهم عاملين في مطابخ الإقليم.
في بنغلاديش، بقي التأُثير المغولي الإسلامي واضحا في سبل تحضير الطعام واللحوم، ولا تزال بعض الأطباق القديمة على ما هي ومعروفة في الكثير من مناطق العالم مثل لفائف الكباب (كاي رول) وطبق الرزالة الذي يشمل اللحم واللبن وصلصة حب الهيل وطبق «تشاب» (ضلوع لحم مطبوخة ببطيء بالمقلي الذي يطلقون عليه «تاوا» وهو ما يطلق عليه في لبنان «الطواي»). ويتضح ذلك التأثير أيضا في استخدام الزعفران والدجاج ولحم الغنم والسكر والكريم والحليب والحلويات بكثرة وبشكل متنوع.
ويقال أيضا إن تأثير الأرامل على المطبخ البنغالي وتطوره كان كبيرا جدا ولا يمكن تجاهله. فكما هو معروف كانت الأرامل الهندوس قبل إصدار قانون تحريم تقليد حرق النساء أو الأرامل خلال جنازات أزواجهن المعروف بالـ«ساتي» في بداية القرن التاسع عشر، يعاملن معاملة سيئة من قبل بقية أبناء المجتمع وكن يقبعن في البيوت معظم أوقاتهن. وبعد قانون التحريم، تحسن الوضع قليلا لكن بقي التقليد في بعض المناطق. وبأي حال فإن العدد الكبير من الأرامل في المجتمع، (25 في المائة من المنازل فيها أرملة واحدة على الأقل) وحصرهن في المنازل، دفع الأهالي إلى استخدامهن وحصرهن في المطابخ بعيدا عن أعين الناس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى