آخر المواضيع

آخر الأخبار
‏إظهار الرسائل ذات التسميات اسعد طة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات اسعد طة. إظهار كافة الرسائل

04‏/12‏/2015

ديسمبر 04, 2015

اسعد طه يكتب .. يحكى أن : الناس .. الثابت والمتغير!

أسعد طه

by أسعد طه

ما إن عبر بوابة الكلية حتى أزاح عن وجهه تلك الكوفية التي كانت تغطي ملامحه، ظننت أنه أحد العمال الذين يشتغلون هناك، ربما لشكله الذي يكبرنا نحن الطلاب، وربما لهيئة ملابسه، غير أن أحدهم تطوع وشرح لي الأمر، "هذا تيمور الملواني، طالب في هذه الكلية منذ سنوات طويلة، في الحقيقة يقضي حياته بين الكلية والسجن، فهو مناضل شيوعي".
خفت قليلاً من فكرة المناضل والسجن، شعرت والزمن عام خمسة وسبعين أن رجال الأمن ينظرون إلينا من حيث لا نراهم ويسجلون كل صغيرة وكبيرة، حتى أسماء من يلقي عليه نظرة، فنحن في زمن الديمقراطية ذات الأنياب.
لاحقاً وفي ردهة الكلية المخصصة لتعليق مجلات الحائط التقيت به وجهاً لوجه للمرة الأولى، كان قد قرأ ما كتبت ورحب بي عضواً جديداً ضمن المشاكسين، غير أني تهربت من الدخول معه في نقاش، ربما هيبةً لعشرات الكتب التي اعتقدت أنه قرأها، ولتلك المصطلحات المعقدة التي تلوك بها ألسنة الرفاق، لكن العلاقة بيننا بعد ذلك تطورت، وتعرفت على مجموعة من الطلاب الشيوعيين واليساريين، أولئك الذين كانوا يكتبون آراءهم في مجلات الحائط ويوزعون المنشورات ويدعون إلى التظاهرات، لكن ظل تيمور هو أكبرهم سناً وأكثرهم شهرة وأشدهم صلابة.
شخص لطيف للغاية إذا ما تحدث معك، عنيف جداً إذا ما التف حوله المخبرون، كان يدرك أن حاجزاً كبيراً يفصلنا، لكن ظل كلانا حريصاً على العلاقة، إلى أن حل ذلك الصيف واضطررت لإجراء عملية جراحية خطيرة.
أبلغني الطبيب حينها أنني بحاجة إلى تأمين عدد من المعارف والأصدقاء يحملون نفس فصيلة الدم حتى يُنقل لي عقب العملية، شرط أن يكون طازجاً، أي أن يتم التبرع به في الحال، وقال: "يمكنك أن تأتي بمن لا يحمل فصيلتك فيعطينا دمه، ونعطيك نحن أيضاً دماً طازجاً من فصيلتك سبق لآخرين التبرع به في نفس الصباح".
في الموعد المحدد، السابعة صباحاً، كان تيمور يستأجر سيارة نقل يمر بها على المتطوعين لينقلهم إلينا، وكان يمكن لرجال الأمن التخلص من كل قيادات العمل الطلابي حينها بضربة واحدة لو أطبقوا على غرفتي في مستشفى الشاطبي بعد إجراء العملية، وكان بها كل هؤلاء الشيوعيين واليساريين من كليات مختلفة بجامعة الإسكندرية.
يمر الزمان وأنا وتيمور على علاقتنا، تذهلني هذه الصلابة وهذا الثبات الذي وجدته عليهما، إلى أن حان موعد آخر في نفس ردهة الكلية، كان هناك اجتماع حاشد للطلاب ومظاهرات عارمة في الجامعة، فيما كان الشيوعيون وشعبيتهم وزمنهم يتضاءل، غير أن تيمور لم يجد حرجاً في أن يكون وحده دون حتى أقرانه ضمن هذا الحشد معارضاً ومناوئاً.
أوصيت بعض "الإخوة" بحماية تيمور إذا ما وقعت المواجهة، وبالفعل تبادل على المنصة الخطباء، فلما جاء دوري وخلال خطبتي قاطعني تيمور معترضاً على ما أقول، وصرخ وسط الحشود "فلنقارع الحجة بالحجة يا أسعد"، وكانت هذه الصيحة أشبه بإشارة الهجوم، فقد انقضت عليه الحشود كما توقعت لتفتك به جهاداً مقدساً، فقامت المجموعة التي اتفقت معها بحمايته وقفزت أنا من على منصتي لأنضم إليهم لأحميه وفقدت حينها ساعتي!
بعد حوالي ساعة من هذا المشهد، كنت أجلس معه نحتسي شاياً عند عم "السيد"، وهو الأمر الذي كان غاية في السوء في نظر الكثيرين، كيف تؤانسه وهو عدوك؟ فشلت في أن أشرح لهم، نحن مختلفون لكننا لسنا أعداءً وهناك فارق كبير، كنت أظن أن ذلك أمر بديهي، واندهشت كيف لا يدركه الآخرون، ولم يكن ليخطر في بالي أن هذه الفكرة البسيطة لن تجد مَنْ يناصرها على مدى سنين طويلة وحتى بعد أن قامت الثورة.
باعدت بيننا الأيام ولم أعرف أخباره وظلت صورته في ذهني ذلك الفتى المناضل الذي لا يتغير، يخرج من السجن كما دخله، نفس الثبات على المبدأ، حتى في السجن كان يشاكس وقد زاره المأمور مرة في زنزانته بنفسه ليقنعه بالامتثال للقوانين فاحتد بينهما النقاش، فما كان من تيمور إلا أن صرخ في المأمور وطرده، بل أمره أن يغلق باب الزنزانة بعد خروجه وكأنه لما كان ليفعل.
على نفس العناد كان "محب" ولكن بصورة أخرى، فقد خصص هذا القبطي الشيوعي جهده ونضاله في مجال الفكر والثقافة. كان يعيش فوق أسطح المنازل في تلك الغرف البائسة، لكنه شعلة من النشاط، مسرحيات وتمثيليات ومحاضرات وأعمال أدبية، يعمل بجانب دراسته ليتعيش ويستطيع الصرف على مشاريعه الفكرية والفنية ورسائله العقائدية، وكذلك على أدويته بعد أن هدّه المرض.
عصام كان مختلفاً، زرته مرة في بيته بحي غيط العنب، اقترح عليّ أن أمنحه بعض الوقت ليطرح عليّ ما سمّاها مغالطات وتناقضات القرآن، كان يجمع التبرعات للمعتقلين وذويهم، ويشارك في المظاهرات، ويوزع المنشورات الممنوعة، شيوعي صلب هو الآخر.
في أحد المؤتمرات التي سُمح بعقدها في مدرج الكلية، اكتشف عصام بحكم خبرته في السجون والمعتقلات وتعامله مع رجال الأمن أن ضابطاً بزي مدني متواجد بين الحضور يتابع بنفسه ما يجري، فصرخ عصام في الجموع أن هذا هو الضابط فلان من أمن الدولة، فهاج الطلاب والتفوا حوله ثم أوسعوه ضرباً وسباً وطردوه من البناية كلها، وكنا على يقين بأن عصام سيدفع الثمن عاجلاً أم آجلاً.
لاحقاً شارك عصام في إحدى التظاهرات التي خرجت في شوارع الإسكندرية دعماً لفلسطين، وفي اليوم التالي كانت قصته حديث الطلاب، فقد ترك جنود الأمن المركزي مهمتهم في حصار المظاهرة وانقضوا على عصام ضرباً حتى نقل إلى المستشفى بين الحياة والموت، وبعد إسعافه نُقل إلى السجن، وكان ذلك بلا شك بأوامر وتوجيهات من الضابط إياه.
انقطعت عنا أخبار عصام الذي كان يعيش قصة حب عنيفة مع الرفيقة حنان، لكن بعد سنوات قليلة اكتشفنا أن عصام هرب إلى فرنسا وهناك انضم إلى الحزب الشيوعي، واندمج في المجتمع الفرنسي واتخذ عشيقة أخرى وقد نسى حنان وحبها. تمر سنون قليلة ليعود في زيارة قصيرة إلى مصر وقد تغير مظهره تماماً، من ذلك الشاب الفقير المعدم إلى هذا الثري ببدلته الأنيقة، وحزنت حنان - وحزنّا معها - حزناً عميقاً على هذا المتغير.
الثبات على المبدأ قيمة عظيمة، لكن لا بأس أن تختبر مبادئك وأفكارك فربما كنت على غير حق، علي عزت بيغوفيتش مثلاً فعلها وهو في سن السادسة عشر بعد أن قرأ ما قرأ، وبدأ يتشكك في حقيقة الدين والإله، إلى أن عاد لإسلامه بقوة وبفهمه الخاص. هذا الرجل لا يمكنني إلا أن أذكره دائماً، لقد التقيته إنساناً بسيطاً بعد أن خرج من السجن، ثم خاض الانتخابات الرئاسية وفاز فيها، ثم خاض الحرب وأنقذ الله البلاد ومن بقى حياً على يديه، ثم ترك الرئاسة وعاد إلى بيته البسيط في أحد أحياء سراييفو.
وفي كل هذه المراحل لم يتغير علي، ولم تتلبسه روح الزعامة، ولم يعتقل من سجنوه، ولم ينتقم ممن أوقعوا به أذى لسنوات طويلة، بل دعا جنوده الذين تُغتَصب نساؤهم ويُقتل أبناؤهم أن يتذكروا وصايا الإسلام في الحرب، لا تحرق شجرة ولا تعذب أسيراً ولا تعتدي على غير محارب، كان مخلصاً لمبادئه وقناعاته الشخصية تماماً رغم ضراوة المعركة وكثرة الأعداء وتعدد الفتن وفيض الإغراءات.
في أسفاري الطويلة كنت ألتقي برجال ونساء لطالما أدهشوني، إنهم عجائز تعاقبت عليهم الشيوعية وغيرها من صنوف التيارات والأفكار والاستعمار والقهر، وفُعل بهم الأفاعيل وهم على حالهم، لا يمكن تصنيفهم بالإسلاميين ولا حتى المتدينين، هم بسطاء للغاية، لم يكونوا مفكرين ولا علماء، مرّ بهم ما مرّ وهُمْ على نفس الحال، صخرة صماء ثابتة.
يعتقدون أن مكوّنهم الرئيسي هو الإسلام، هو خلاياهم، والدم الذي يجري في عروقهم، ودونه هم العدم. ينحنون أحياناً للعواصف، يتعاملون مع الآخرين الذين ليسوا منهم بكل لطف ومحبة، ينظرون إلى كل ما يجري على أنه يجري وليس حالاً ثابتاً، ثقة غريبة في نفوسهم، ويقين لا يتزحزح في ما يعتقدون، ورجاحة في التفكير، لا انفعال ولا فلسفات كاذبة، ولا نظريات حركية، ولا خطب نارية، مع بساطة تتعجب لها، تجاعيد وجوههم تقول لك: "ثق بي أنا أخبر منك بالأمر".
كان منهم ذلك الرجل الذي ذاعت قصته، فمع سقوط الإمبراطورية العثمانية، وتفرق دم الألبان المسلمين في البلقان، تكاثرت الهيئات التنصيرية، وكان التحول من الإسلام إلى المسيحية هو السبيل للنجاة من أي أعمال انتقامية تقوم بها السلطات الجديدة، وهو مفتاح الفلاح لتأمين مصدر الرزق والوظيفة المناسبة في العهد الجديد.
عجوزنا كان يقف في صف طويل أمام إحدى الهيئات الرسمية لإثبات تحوله إلى المسيحية، انتظر الرجل طويلاً في هذا الطابور لكن يبدو أنه كان على موعد ما ويخشى أن يفوته، ولذلك لم يتمالك نفسه بعد قليل إلا أن يصرخ فيمن أمامه: "أسرعوا.. أسرعوا.. الوقت يداهمنا.. وسوف يؤذن بعد قليل لصلاة الجمعة".

http://www.huffpostarabi.com/asaad-taha/

07‏/11‏/2015

نوفمبر 07, 2015

اسعد طه : حدث جلل في إنتظار مصر

إعلامي: حدث جلل في إنتظار مصر

قال أسعد طه- إعلامي ومخرج أفلام وثائقية - أن البعض يتوقع حدوث أمر جلل في مصر .
 وأضاف طه في تغريدات مقتضبة وغامضة : الصندوق أسود جدا..
مضيفاً: حدث جلل في انتظار مصر .. يتوقع بعضهم "بحسب قوله"
وأردف ساخراً:كانت التهمة المتداولة زمان : قلب نظام الحكم ...
الآن أصبحت : سد البلاعات ... صحيح مصر مستهدفة "بحسب وصفه"

04‏/11‏/2012

نوفمبر 04, 2012

اسعد طه يكتب … يحكى أن : 9 … أرض الآلهة

أقلعت الطائرة ولم تكف عن الإقلاع ، ظلت طوال رحلتها تشق طريقها إلى أعلى بلا هوادة ..
عشرون دقيقة بعد مغادرتي العاصمة النيبالية كاتمندو وأجدني فوق إفرست ، أعلى قمة في العالم ، ومن عل أتمتع بمشهد خلاب لم يدم إلا حوالي الساعة ، الزمن الذي أحتاجته الطائرة لتصل إلى نقطة أعلى من نقطة الإنطلاق ، بعد أن قطعت حوالي ستمائة كيلو متر ، لتحط في مطار لاسا

خمسة عشر ألف قدم ترتفع الأرض هنا عن البحر ، نقص حاد في الأوكسجين تشعر به حين تلامس قدماك أرض المطار ، يخفف الأمر الأزهار والرقص الفلكلوري والموسيقى ، أستقبال لطيف لحوالي مائة راكب من جنسيات متعددة ، أتوا جميعا للسياحة والمتعة ، سواي وفريقي ، فقد أتينا لنبلغ قومنا بأمر التبت ، ولم يكن أمامنا من سبيل سوى أن نتخلى عن كل معدات التصوير المهنية التى بحوزتنا ، وأن نتقمص شخصية السائحين ، حتى تسمح لنا السلطات الصينية بدخولها ، المحرمة على معشر الصحفيين حينذاك

ساعة ونصف تلزمني للوصل من المطار إلى المدينة ، مسافة كافية لأن أتذكر الفيلم الشهير ، سبعة أعوام في التبت ، وأتذكر صديقي الصحفي عزت شحرور المقيم في بكين ، سألته فأجاب أن البوذية عقيدة الناس هنا شأنها شأن غيرها من العقائد ، نحل وطوائف ، وهي تنقسم إلى قسمين رئيسيين ، يتفرعان إلى فروع كثيرة ، الجنوبية وتعرف بالثيرافادا ، وهم الأصل والإتجاه الرئيسي والأكبر ، ويمثلون السلفية المتشددة ، التي لا تعترف بغيرها وينتشر أتباعها في سيريلانكا وميانمار وتايلاند ولاوس وفيتنام ، والشمالية والتي تسمى الماهايانا ، وهي الأحدث والأكثر مرونة من سابقتها ، وينتشر أتباعها في الصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وهونغ كونغ وسنغافورة وماليزيا ، ومن الشمالية أنشق عنها البوذية التيبيتية أو ما يعرف باسم فجرايانا ، وهم أتباع الدالاي لاما وينتشرون في نيبال وبوتان ومنغوليا وسيكيم ، وبالطبع هنا في التبت

وصلت لاسا المدينة ، فندق متواضع بل ردئ ، طلبت من الشركة التي حجزت لنا تغييره ، قالت إن عليها إبلاغ الأمر إلى بكين ، هكذا قانون التعامل مع الأجانب ، وسوف يستغرق الأمر أسابيع طويلة ، كل سكنات وحركات الأجانب هنا محسوبة ومرصودة ، منذ أن فرضت الصين سيطرتها على التبت

هآنذا إذن في لاسا ، مدينة الشمس ، كما يطلق التيبتيون على عاصمتهم ، أو كما الوصف الدارج عند سقف العالم ، حيث ضيق التنفس والدوار والإجهاد يصيب أغلب الزائرين ، فيما الناس بشوشة ، مرحبة بالضيوف ، وعلى عكس ما تذكره بعض المراجع ، عن كراهية أهل التبت للغرباء

في عاصمة التبت ليس أمامك خيارات متعددة ، فإما أن تزور معبد أو مدرسة دينية أو بيت للرهبان ، هي مدينة لا تتسع إلا للدين والعبّاد ، خذ عندك مثلا معبد جوكانغ ، الذي بني فى القرن السابع مع دخول البوذية إلى التبت ، ويعيش به اليوم مائة وثمانية عشر راهبا ، ويعد هنا من أكثر الأماكن المقدسة ، ويؤمه يوميا الآلاف لصلوات تستمر أحيانا ساعات طويلة

أما قصر بوتالا فقد شيده الدلاى لاما الخامس كمقر له عام ألف وستمائة وخمسة وأربعين ، وكان يعيش فيه حوالي ألف شخص ، وكان يعد مقرا للحكومة ، ويضم عددا من المدارس الدينية ، قبل أن يقع تحت سيطرة الصينيين الذين يراقب جنودهم داخل القصر كل شئ ، ويفرضون رسوما عالية على من أراد التصوير ، من أعلى نقطة في القصر تستطيع أن ترى مشهدا خلابا للتبت ، وتكتشف أيضا أن المدينة باتت ذات صبغة صينية أكثر منها تبيتية

في كل الأحوال فإن العيون الصينية في كل مكان ترصد كل شاردة وواردة ، شئنا أن نهرب منها ، خرجنا إلى حيث بحيرة نام تسو ، توقفنا في الطريق عند قرية ياك ، تحديدا عند خيمة صغيرة تعيش فيها ياغندا مع أبنتيها زونيم البالغة السابعة عشر عاما ، وبتسولاما البالغة الرابعة عشر عاما ، تقول السيدة إن زوجها تركها قبل عام ليحج إلى لاسا مشيا على الأقدام ، وهى التى تبعد ست ساعات بالسيارة ، أردفت لم يعد حتى الآن ، وهى تعتمد فى حياتها على الثور وعائلته ، الذى يؤمن كل شئ ، الخيمة المصنوعة من جلده ، والدفء بواسطة برازه ، والحليب للشرب ، أو قد يقايضونه مقابل أشياء أخرى ، وحول السيدة يا غندا يعيش خمسة وسبعون آخرون ، وخيمة مدرسية للأطفال

هناك حيث تسمى بأرض الآلهة ، حاولت أن أسجل كل ما وقعت عليه عيناي عندما زرتها عام تسعة وتسعين من القرن الماضي ، حينها كنت مأخوذا بفكرة شعب من الرهبان والراهبات ، يصعب على المرء التفريق بينهم ، فالجميع يحلقون رؤوسهم ، ويلتحفون برداء أحمر داكن ، وهم بين صلاة وتعليم ، ما من عائلة هنا ، إلا وأحد أفرادها على الأقل من هؤلاء الزهاد ، البوذية هى دينهم منذ أن وصلتهم فى منتصف القرن السابع ، ويرون الحياة من خلالها ، دورة من التقمص والولادات الجديدة

كنت أرى بعين العربي التبت كرمز للنضال السلمي من أجل حق تقرير المصير ، فضلا عن إشكالية نعيشها ، وهى الدين والسياسة ، فالدين والدولة لدى أهل التبت لا ينفصلان ، والذى يقود نضال شعبه السياسى يشغل أيضا أعلى رتبة دينية لدى أهل التبت ، وفي نظرهم هو نصف أله ، يطلقون عليه الدلاي لاما، أعتقدت حينها في ضرورة لقائه ، وفي ذلك حكاية أخرى
أسعد طه

24‏/12‏/2011

ديسمبر 24, 2011

اسعد طه : من سيحكم مصر؟ ج1

    image

تاريخ الحلقة: 3/12/2011

- الإخوان المسلمون من تنظيم سري إلى سدة الحكم
- السلفيون من المقاطعة السياسية إلى المزاحمة
- الفعل الليبرالي في الخطاب السياسي
- التيار الناصري والدور المفقود
- الأقباط والكنيسة والفعل السياسي

 


أسعد طه
طارق الزمر
أسامه الغزالي حرب
عبد الغفار شكر
عبد الله السناوي

[نص مكتوب]

إهداء إلى خالد سعيد، دمك يحاصرهم.

أسعد طه: كن كما تشاء، لون البرتقال أو حد السيف، كن طيفا أو سدا، كن يمينا أو يسارا، كن مؤمنا كن كافرا، كن هلالا أو صليبا، كن كما تشاء أن تكون، ألف ألف في المشهد مثلك أو مختلفون، فكن معهم تكن بهم وإلا لن تكون. السلام عليكم لأول مرة، كل أمر في مصر الآن هو لأول مرة، لأول مرة انتخابات لا يصوت فيها الأموات، ومرشحون متعددون لمنصب الرئيس، لأول مرة أحزاب وجماعات محظورة تخرج إلى العلن، منفيون ومهاجرون ومطرودون يعودون إلى الوطن، وسائل إعلام من كل لون ومن كل دين، لأول مرة مظاهرات وإضرابات واعتصامات لا تقمع، أحيانا تقمع، من سيحكم مصر، حتى هذا السؤال هو لأول مرة بعد أن كانت الإجابة معروفة لسنوات طويلة، لكن بحق من سيحكم مصر؟

[أغنية الأقصر بلدنا بلد سواح]

الأقصر بلدنا بلد سواح..

فيها الأجانب بتتفسح..

وكل عام وقت المرواح..

بتبقى مش عايزه تروح..

الأقصر بلدنا..

أسعد طه: قررت أن أبدأ من هنا، من قبل الميلاد وكلهم فراعنة أولهم مينا الذي وحد مصر وأسس أول دولة وأول حكومة مركزية في التاريخ، بعده ظلت البلاد قرابة ثلاثة آلاف عام في قبضة الفراعنة الذين بنوا وعمروا وأقاموا واحدة من أعظم الحضارات البشرية لكن في السياسة ابتدعوا نظاما شديد المركزية، الملك الفرعون إله يقبع على رأس هرم السلطة يليه وزراء فحكام أقاليم فعمد يحكمون مجتمعا غاية في الطبقية، نبلاء وكهنة في أعلاه وفلاحون وخدم في أسفله، حكم الفراعنة آلاف السنين فلما انهار نظامهم اجتاح الغزاة مصر، فرس وإغريق ورومان وهكسس، إلى أن فتحها العرب ودخلها الإسلام فتعاقب على حكمها ولاة مسلمون لم يكن بينهم مصري واحد، بدءا من عهد الخلفاء الراشدين، مرورا بالدولة الأموية ثم العباسية ثم الأخشيدية ثم الطولانية ثم الفاطميين ثم العباسيين مرة أخرى ثم المماليك ثم العثمانيين الذين في عهدهم فشل الفرنسيون في غزو مصر، ثم تولى الألباني محمد علي منصب الوالي مدفوعا بإرادة شعبية ثم حكمت أسرته فترة امتدت قرنا ونصف القرن، احتلت بريطانيا خلالها مصر سبعين عاما، عانى المصريون خلالها ما عانوا وناضلوا ما ناضلوا إلى أن قامت ثورة أنهت الاستعمار والملكية، ولأول مرة في تاريخ مصر قامت الجمهورية ولأول مرة أيضا تولى مصريون الحكم، أربعة رؤساء كل واحد منهم له ما له وعليه ما عليه، لكن أيا منهم لم يصل إلى السلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة ولم يؤسس لدولة ديمقراطية آخرهم خلعته ثورة.

[هتافات ومظاهرات]

يسقط يسقط حسني مبارك، واحد اثنين الشعب المصري فين.

[مقطع من قصيدة أحزاني العادية لشاعر العامية المصري عبد الرحمن الأبنودي]

كما قال الشاعر:

هبطت على الميدان.

من كل جهات المدن.

الخرسا ألوف شبان زاحفين.

يسألوا عن موت الفجر.

[هتافات ومظاهرات]

يسقط يسقط حسني مبارك، يسقط يسقط حسني مبارك.

شاب مصري: ثلاثة وثلاثين سنة عاطل ما بشتغلش.

[مقطع من قصيدة أحزاني العادية لشاعر العامية المصري عبد الرحمن الأبنودي]

كما قال الشاعر:

استنوا الفجر ورا الفجر..

إن القبضة تخف..

إن القتل يكف..

ولذلك خرجوا يطالبوا..

بالقبض على القبضة..

وتقديم الكف..

شاب مصري: إحنا مش بني آدميين إحنا كلاب، بيضربونا.

[مقطع من قصيدة أحزاني العادية لشاعر العامية المصري عبد الرحمن الأبنودي]

كما قال الشاعر:

الدم، الدم قلب الميدان وعدل.

وكأنه دن نحاس مصهور.

أنا عندي فكرة عن المدن.

اللي يكرهها النور.

والقبر اللي يبات مش مسرور.

وعندي فكرة عن العار.

وميلاد النار.

والسجن في قلبي مش على رسمه سور.

قلت له لأ يا بيه.

أنا آسف..

بلدي بربيع وصباح..

لسه في قلبي هديل الينابيع..

لسه في صوتي صهيل المصباح..

لسه العالم حيّ رايح جي..

بيفرق بين الدُكنه وبين الضيّ..

بلدي مهما تتضيع مش هتضيع..

ما ضايع إلا ميدان وسيع..

يساع خيول الجميع..

يقدم المقدام..

ويفرسن الفارس..

ويترك الشجاعة للشجيع..

[هتاف ]

الجيش المصري فين..

[شريط مسجل]

حسني مبارك/ الرئيس المصري المخلوع: أيها الإخوة المواطنون، إن أحداث الأيام القليلة الماضية تفرض علينا جميعا شعبا وقيادة الاختيار ما بين الفوضى والاستقرار.

صفوت الشريف/ رئيس مجلس الشورى السابق وأمين عام الحزب الوطني المنحل: إحنا طبيعة خاصة مختلفة، على شان كده ما ينفعش إن إحنا نتشبه بالآخرين.

عمر سليمان/ نائب الرئيس السابق حسني مبارك: قرر الرئيس تخليه عن منصب رئيس الجمهورية.

أسعد طه: لا أحد يفهم سر القاهرة، فيها كل الأسباب التي تدعو أي زائر إلى الفرار لكنه ما إن يغادر حتى يعود مرة ومرة ومرة يستمتع ولا يفهم سرها، أما سر الحكم فيها وكيف سيكون فأمره موكول إلى فهم المرء وتفهمه المجتمع المصري وتياراته السياسية الرئيسية.

أمين اسكندر/ وكيل مؤسسي حزب الكرامة: في عندك أربع تيارات رئيسة في الواقع المصري، التيار الإسلامي السياسي وله أكثر من تمثل على الأرض أكبره وأقواه الإخوان المسلمين، ثم بعد ذلك السلفيين وهناك تشكلات أخرى، التيار الليبرالي وله أيضا تمثلات عديدة وهو تيار له مصالح اقتصادية كبرى في البلاد والبعض ينادي بالدولة العلمانية بمعنى العلمانية التي جاءت من السياق الغربي عليه أن ينقلها إلى هنا بفصل الدين عن الدولة بشكل واضح وجلي، ثم تيار اليسار ثم نتحدث عن التيار القومي العربي.

الإخوان المسلمون من تنظيم سري إلى سدة الحكم

أسعد طه: التيارات السياسية التقليدية في مصر معروفة منذ زمن بعيد، الإسلامية والليبرالية والقومية واليسارية، فصائل التيار الإسلامي متعددة، الإخوان المسلمين أعرقها تاريخيا وأخبرها بالسياسة، نشأت هنا قبل أكثر من ثمانين عاما، الإسماعيلية، المعركة في الإسماعيلية كانت ضارية، رجال الشرطة المصريون يرفضون الاستسلام ويتحصنون ببناية المحافظة، وقوات الاحتلال البريطاني تحاصرهم بالخارج والقتال غير المتكافئ يسفر عن سقوط خمسين شهيدا وثمانين جريحا من رجال الشرطة، والتاريخ الخامس والعشرون من يناير عام 1952 من القرن الماضي وهو اليوم الذي أصبح لاحقا عيدا للشرطة وهو أيضا اليوم ذاته الذي ثار فيه المصريون لاحقا على الشرطة وعلى الدولة، بهية هذه المدينة التي نشأت مع افتتاح قناة السويس في عهد الخديوي إسماعيل فحملت اسمه، بعض شوارعها ما زال له السمة الأوروبي وخصوصا الفرنسي، الخديوي إسماعيل كان له مشروع بتحديث مصر كلها، الإمام حسن البنا كان له مشروع آخر، كان هنا معلما بإحدى المدارس الابتدائية، وصف بحسن الخلق وبنشاط الهمة وقيل أنه كان يقصد حتى المقاهي داعيا الناس إلى فكرته إلى أن قرر عام 1928 أن يحيل الفكرة واقعا أطلق عليه اسم جماعة الإخوان المسلمين، قال الرجل للناس إن جماعته ليست حزبا سياسيا بل هي فكرة تجمع كل المعاني الإصلاحية وتسعى إلى العودة للإسلام كما كان صافيا نقيا وأن يتخذه الناس منهجا شاملا للحياة ودينا ودولة وقال إن ذلك لا يتحقق إلا بالتربية وإن التغيير المنشود يجب أن يكون خطوة خطوة، الفرد فالأسرة فالمجتمع فالحكومة فالدولة، لكن الدولة ضاقت به وبفكرته واغتيل حسن البنا عام 1949 أما دعوته فامتدت إلى أركان الأرض كلها لكنها في بعض الأحيان تجاوزت الفكر إلى العمل المسلح فيما عرف باسم التنظيم السري، واتهمت الجماعة بممارسة العنف وردت الجماعة بأنها هي ضحية العنف، هذا كان فيما مضى أما فيما هو قادم فإن من حقنا أن نسأل ماذا سيفعل الإخوان بنا إن وصلوا إلى سدة الحكم؟

صبحي صالح/ محامي وقيادي إخواني: نؤمن بالدولة المدنية التي تجعل السيادة للشعب، ونؤمن باحترام إرادة الأمة ونؤمن بالاحتكام إلى صناديق الانتخابات ونؤمن بأنه ضرورة القبول بالنتائج أيا ما كانت النتائج فإن جاء بنا الشعب فسنخضع لسيادة الشعب، وإن لم يأت بنا الصندوق فسنبحث عن تقصيرنا وعيوبنا وسنعاود المحاولة مرة أخرى وسنقبل بالنتائج في كل الأحوال.

[شريط مسجل]

محمود حسين/ عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين: التأكيد على عدم قيام الجماعة بترشيح أحد منها لمنصب رئيس الجمهورية القادم.

صبحي صالح: منظور الإخوان هو منظور الإسلام، مين قال إن الإسلام ضد الفن، مين قال إن الإسلام ضد البنوك، مين قال إن الإسلام ضد السياحة، يعني هذه المصادمة لا أصل لها في النظرية ولا في التاريخ.

أسعد طه: تنتشر جماعة الإخوان المسلمين بين أوساط العامة والمثقفين وتبدو شعبيتها في سيطرتها على النقابات المهنية والاتحادات الطلابية، رفضت دوما أن تتحول إلى حزب لكنها بعد الثورة أسست حزبا.

عصام العريان/ نائب رئيس حزب الحرية والعدالة: حزب الحرية والعدالة مستقل عن جماعة الإخوان المسلمين، إداريا وماليا وتنظيميا وهو يعمل في إطار الدستور والقانون وهو متميز عن جماعة الإخوان المسلمين بانفتاحه على كل المواطنين وباعتماده برنامجا سياسيا فقط يتيح له التآلف مع أحزاب أخرى لحكم مصر أو الانفراد إذا سمحت الظروف الديمقراطية.

[شريط مسجل]

عصام العريان: أي حزب بيغفل التنسيق مع جماعة الإخوان المسلمين بامتدادها الموجود الزماني والجغرافي والعمق المجتمع هيهدر فرصة غير طبيعية.

رفيق حبيب/مفكر مسيحي: اختياري أن أكون ضمن قيادات حزب الحرية والعدالة هو جزء من الأسس التي تم بناء الحزب عليها، فالحزب بني على أساس أن يكون رؤية سياسية توضع في برنامج يكون بابه مفتوح لكل من يقتنع بهذه الرؤية السياسية وبهذا البرنامج السياسي وينضم ليه.

أسعد طه: وقد انضم إليه أو ضم مسيحيون آخرون غيره وقيل في وصف ذلك أنها رسالة تطمئن بها الجماعة غير المسلمين إلى مستقبلهم السياسي وقيل أن الجماعة تتجمل أمام المجتمع المصري على الرغم من أنها تتعرض داخليا لانشقاقات.

أبو العلا ماضي/رئيس حزب الوسط: هذه الثورة أسقطت نظامين وكسرت هيبة جهتين، أسقطت نظام مبارك ونظام المعارضة اللي كان ملحق به، كان جزء من الديكور فسقطوا، وكسرت هيبة قيادتين قيادة الإخوان وقيادة الكنيسة، فكرة إن في كيان يسيطر بيد صارمة على أتباعه ولا يجد انفكاكا منه انكسرت، أنت شايف الإخوان بيحصل فيه إيه، تحدي الحرية كان أصعب على الإخوان من تحدي القهر.

عصام العريان: إن الأزمة في ملاحظات النخب ومعلوماتها وسياسة الإعلام، الأزمة ليست داخل الإخوان، الإخوان تمر دائما باختلافات في الرأي وتباين في وجهات النظر وهذا شيء طبيعي لأنه أي عمل ديمقراطي أي عمل شوري لابد أن يخضع لتنوع في الأصوات وتعدد في التوجهات.

أسعد طه: في تفسير أن الجماعة لم تشارك في أول أيام الثورة لكنها تركت لشبابها حق المشاركة كأفراد، فشهد التحرير منهم بلاء حسنا وانضموا إلى ائتلاف الثورة وكانوا فاعلين وشاركوا في صنع قراراتهم من دون العودة إلى الكبار، وهو فعل غير محمود في نظر الجماعة.

محمد القصاص/ ممثل شباب الإخوان في ائتلاف شباب الثورة: يعني أن الأزمة الحقيقية أن هناك مجموعة من الشباب وأنا امثل هذه المجموعة ولا أقول أنها تمثل كل شباب الإخوان ترى أن الصالح العام الآن يحتاج إلى هذه الذاتية وصالح الجماعة يحتاج إلى هذه الذاتية وأن من أنجح ثورة 25 يناير هي الذاتية اللي كانت موجودة عند الشباب المصري كله بما فيه شباب الإخوان، الذاتية أقصد بها التحرك الفردي لأفراد الجماعة للعمل في المجتمع بدون العودة الحرفية لأوامر التنظيم.

[هتاف]

إسلامية إسلامية لا شرعية ولا غربية.

السلفيون من المقاطعة السياسية إلى المزاحمة

أسعد طه: لا شعارات فئوية ولا حزبية، وإنما هي المطالب الأساسية للثورة وقد اتفقت القوى السياسية على رفعها في هذا اليوم لتجديد المطالبة بها السلفيون أخلوا بهذا الاتفاق.

[هتاف للسلفيين]

الشعب يريد تطبيق شرع الله.

[هتاف]

إسلامية إسلامية لا شرعية ولا غربية.

أسعد طه: وحشدوا لهم أتباعهم من أغلب محافظات مصر وانسحبت القوى السياسية الأخرى.

[هتاف]

الصحافة فين الإسلام أهو، الصحافة فين الإسلام أهو، مصر دولة إسلامية، مش هتبقى علمانية.

أسعد طه: فانتبه الشارع المصري فجأة إلى وجوده وإلى ثقله الانتخابي في معركة يتحضر لها الجميع وبدأت الناس تسأل من هم السلفيون؟

عبد المنعم منيب/باحث في الشؤون الإسلامية: السلفيون دولت هم كيانات عدة كيانات كثيرة ومتعددة ومختلفة والقيادات متعددة ومختلفة، زائد إن في أفراد لوحديهم مش أتباع لأي حد، في الجمعية الشرعية دي يقال إن أعضائها ثلاثة مليون على مستوى مصر، في أنصار السنة المحمدية ودي برضه جمعيه مسجلة برضه أعضائها تقدر بمئات الألوف، في الدعوة السلفية ودي جماعة مقرها مقر القيادة بتاعها في الإسكندرية وبعدين في بقى السلفيين اللي هم مشايخ زي محمد حسان وأبو اسحق الحويني، محمد حسين يعقوب، كل شيخ يتمحور حوليه عدد كبير من التلامذة فحسب شهرة الشيخ وتأثيره.

عبد المنعم الشحات/ متحدث باسم الدعوة السلفية: عندما أتكلم عن الثقافة المصرية تحديدا، فهم ربما يتصورون أن السلفي ببعض السمات وليس المناهج يعني يأخذون من يهتم بالهدي الظاهر، من يهتم بالتصحيح والتضعيف في الأحاديث من يكثر الكلام في التزام السنة وإتباعها، أنا أتحدث باسم جمعية الدعوة السلفية التي هي أبرز كيان سلفي وأكثره انتشارا وهي دعوة منظمة لها نظرة شمولية للإسلام ولكن تركز منه على الدعوة والتربية ولكن في ذات الوقت تشارك في إعطاء معطيات سياسية ونظرات سياسية، يوجد تيار سلفي في مصر يمثل عبء على السلفيين، تيار سلفي لديه اجتهاد فقهي شاذ نسبيا في أنه ينبغي أن يدور في فلك ولي الأمر تماما، شغب العلمانيون على السلفيين بهذا التيار.

أسعد طه: وفي عهد السلفيين استبدل التحرير شعاراته الثورية بأخرى سلفية غاب عنها القصاص للشهداء، غاب عنها تطهير الحكم، غاب عنها إنهاء العمل بقانون الطوارئ.

عمرو الشبكي/ كاتب ومفكر سياسي مصري: السلفيون بالتأكيد في غالبيتهم العظمى لم يشاركوا في الثورة ولم يدافعوا عن الثورة ولم يؤيدوا أي ثورة، هم في النهاية في غالبيتهم كانوا مؤيدين للنظام السابق أو مؤيدين لأولي الأمر ويطالبون الناس بضرورة طاعة ولي الأمر وغيرها من هذه المقولات.

عبد المنعم الشحات: لا أوافق على أن السلفيين لم يشتركوا في الثورة لأن الشباب السلفي كان في الثورة منذ 25 يناير، الشباب السلفي كان كغيره من الشباب في طليعة الشباب الموجود، كان مع شباب الإخوان تحديدا اللي صدوا موقعة الجمل.

عمرو الشبكي: هؤلاء الناس تحديدا ظلوا الحد الأدنى بعيدين بالكامل عن السياسة وعن حتى فهم المفردات السياسية، في هذا الجو المعزول تماما عن العالم وعن السياسة وعن الشأن العام وعن هموم المواطنين الاجتماعية والسياسية فجأة وجدوا نفسهم يتحدثون مثل الآخرين في الأمور السياسية، فخرجت تصريحات في بعض الأحيان تنم عن جهل كامل، تصريحات أخرى مسيئة للتجربة الديمقراطية في مصر.

عبد المنعم الشحات: نحن نؤمن بقوله تعالى {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}[يوسف:40] ونؤمن بقوله تعالى {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38] حاصل هذين القولين مع إيماننا بضرورة أن نكون واقعيين وأن ما لا يدرك كله لا يترك جله يمكن أن يترجم إلى أننا نوافق على ديمقراطية ينص دستورها على أن المجلس التشريعي لا يجوز له أن يخالف الشريعة الإسلامية.

[فاصل إعلاني]

أسعد طه: السلفيون أكبر كتلة اجتماعية وسياسية سميها ما شئت في مصر ليس لديهم خبرة سياسية ولا تاريخ سياسي لكنهم على رأس التيار الإسلامي عددياً، ومن ثم يتصدرون المشهد العام، لا أحد معنيٌ بمحاكمة أفكارهم إلا فيما يخص تصوراتهم السياسية للدولة التي قد تكون لهم اليد العليا في تشكيلها إذا ما قررت ذلك صناديق الاقتراع.

عبد المنعم الشحات: أستغرب كثيرا عندما أسمع من يتكلمون عن شكل الدولة ثم يكون كل ما يشغلهم المسارح ودور السينما أو يكون كل ما يشغلهم حتى قطع يد السارق وكأن المجتمع كله سراق يشغلهم في المقام الأول ما هو الحكم القانوني الذي سوف يعاقب به المجرم السارق بعد الاتفاق على أنه مجرم.

أسعد طه: هو المشهد الشهير وبعده توالت مشاهد أخرى كان البطل الأول فيها هو الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد ممثلين لتيار إسلامي يعتقد أن القوة وحدها تعيد الحق الضائع وتمنحه السلطة ليحكم كما أراد الله أو كما تخيل هذا التيار أن الله عز وجل يريد.

طارق الزمر/ عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية: المناخ الجديد الذي أفرزته ثورة 25 يناير قد فرض على جميع الحركات الإسلامية وغير الإسلامية أن تنبذ بشكل مطلق وبشكل جذري وبشكل كامل، اللجوء للعنف في التغيير فإذا كانت الساحة السياسية مفتوحة للجميع فلا ينبغي أن يلجأ أحد لاستخدام السلاح سواء في فرض رؤيته أو في التعامل مع السلطة على سبيل التغيير.

أسعد طه: ثلاثون عاما قضاها الزمر ورفاقه في السجون منذ إدانتهم بقتل الرئيس الأسبق أنور السادات، الثورة أطلقتهم فخرجوا يحملون أهدافهم نفسها ولكن برؤية جديدة.

طارق الزمر: نحن نؤكد أن الديمقراطية بآليتها الحالية هي مفهوم إسلامي وأن العودة إلى الأكثرية ورضا الشعب هي القواعد أرساها علماء الإسلام منذ قرون، وأن التأكيد على أن الحاكم أو الوالي يولى من قبل الشعب ويساءل منهم ويعزل بإرادته هي مفاهيم إسلامية سبقت أوروبا أو سبقت العمل بها في المجتمعات الإسلامية قبل قرون.

أسعد طه: تعتقد الجماعة الإسلامية التي ينتشر المنتسبون إليها في الصعيد أنها تقف في منتصف الطريق بين السلفيين والإخوان المسلمين من حيث الرؤية العامة.

طارق الزمر: دولة القانون التي تكفل الحريات للجميع لا يمكن أن تتوافر في ظل النظام الليبرالي وقلت أن القانون في ظل النظام الليبرالي أو النظام غير الإسلامي هو قانون متغير بإرادة الدولة أو بإرادة مصلحة حاكمة أو بإرادة أغلبية بينما القانون وفق الدولة الإسلامية وفق معاييرها هو قانون ثابت لا يضعه حاكم ومن ثم لا ينقلب عليه أو يغيره.

الفعل الليبرالي في الخطاب السياسي

أسعد طه: إن لم تأت إلى هنا فما زرت مصر، الإسكندرية الماء والثورة والوجه الحسن، أما الماء والوجه الحسن فأمرهما معروف وأما الثورة فكانت هنا ككل مصر الناس فيها سواسية لا فضل لمصري على آخر، إسلاميا كان أو ليبراليا، يساريا كان أو قومياً، ولد في الإسكندرية أو مر بها حكماء وعلماء وفنانون وأدباء تسأل عن الليبرالية فتجد لها ألف معنى وهي الكلمة التي اشتقت من liberal وتعني الحر، عنوان لمذهب يرى أن الفرد هو الأساس وحوله تدور فلسفة الحياة برمتها وتنبع القيم التي تحدد الفكر والسلوك معا، مذهب يرى أن الحرية والاختيار هما أساس سلوك الفرد.

أسامة الغزالي حرب/ رئيس حزب الجبهة الديمقراطية: الأصل في القوى السياسية المصرية السائدة هي قوى إسلامية طبعا إنما لما محمد علي أرسل البعثات من خريجي الأزهر للدراسة في الخارج رجعوا معهم أخبار موجودة في أوروبا في ذلك الوقت، وبالذات يمكن النموذج الأمثل لذلك رفاع الطهطاوي ومنذ بدء ذلك الوقت بدأ التيار الليبرالي في الثقافة المصرية وفي الفكر المصري يتنامى بمزيد من المفكرين بمزيد من الكتاب بمزيد من الأفكار واللي بدأت مصر تعرفها طوال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين لغاية ما وصلنا مثلا لحزب الأمة اللي كان يتزعمه أحمد لطفي السيد.

أسعد طه: يكاد يجمع المؤرخون على أن العهد الذهبي لليبرالية في مصر كان مع صدور دستور عام 1923 الذي كان أول دستور ديمقراطي ليبرالي مصري وجاء فيه أن جميع السلطات مصدرها الأمة وامتد هذا العصر الليبرالي المصري حتى ثورة يوليو 1952.

أسامة الغزالي حرب: بدأت الآن تتبلور في مصر الحقيقة في مجموعة من القوات والتيارات مثلا يفترض أن حزب الوفد ما يزال يحمل قوى ليبرالية إنما طبعا بدأت قوى تظهر جديدة في المجتمع المصري من ضمنها مثلا حزب الجبهة الديمقراطية الذي أتشرف برئاسته، وبدأت تظهر مؤخرا بعد الثورة أحزاب أخرى تحمل فكرا ليبراليا زي مثلا حزب المصريين الأحرار يقدم نفسه باعتباره حزبا ليبراليا.

عبد الغفار شكر/ نائب رئيس مركز البحوث العربية الأوروبية: يلاحظ أن الذي تصدى إلى تأسيس كل منها رجل أعمال كبير وفي هذا خطورة في المستقبل إذا اعتمد الحزب على يعني رجال أعمال كبار يمولونه فإنه سوف يكون لهم نفوذا كبيرا ويمكن أن تعبر هذه الأحزاب الليبرالية عن مصالح كبار رجال الأعمال أكثر من تعبيرها عن مصالح الدائرة الواسعة التي تشكل قاعدة التيار الليبرالي في مصر، التيار الليبرالي المفروض إنه يتكون أساسا من الطبقة الوسطى من المهنيين خريجي الجامعات المهندسين والمحامين الذين من مصلحتهم أن يكون هناك نوع من الحرية في النشاط الاقتصادي وأن يكون هناك نوع من الليبرالية في العمل السياسي، الحريات يتمكن الناس من حرياتهم وحقوقهم الأساسية.

أسعد طه: يقول البعض إنه خيار النخبة وإنه منفصل عن الشارع المصري ومتطلباته الاجتماعية والاقتصادية وحتى عن ثقافته.

أسامة الغزالي حرب: في حاجة اسمها ديمقراطية اشتراكية، ديمقراطية وطنية وإنما ديمقراطية هي ديمقراطية ليبرالية الديمقراطية اللي إحنا عارفينها الموجودة في أوروبا الموجودة في اليابان الموجودة في الهند الموجودة في الولايات المتحدة.

أسعد طه: عدا الليبراليين في مصر إذن أن يقنعوا هؤلاء البسطاء بأن الديمقراطية اليابانية أو الهندية قادرة على رد حقوقهم المسلوبة إليهم وعلى مساواتهم بالطبقات التي تحتكر الثروة والحكم وإلا فإن هناك من يلوح بيده ويقول أنا عائد من جديد.

أحمد بهاء شعبان/قيادي يساري ومن مؤسسي حركة كفاية: في سبعينات القرن الماضي كان عقد اليسار المصري هو الذي قاد حركات الاحتجاج والحركات الطلابية وحتى انتفاضة 18 و19 يناير المجيدة يعني ألحقت بملفات اليسار.

أسعد طه: في أعقاب الثورة الفرنسية كان النبلاء ورجال الدين يجلسون إلى يمين منصة البرلمان بينما كان المنادون بتغيير النظام الملكي يجلسون إلى يسارها ومن هنا ولد مصطلح اليمين واليسار، وهناك تفسيرات أخرى وفي كل الأحوال بات مصطلح اليمين دال على الاتجاهات المحافظة والدينية ومصطلح اليسار دالا على الاتجاهات الثورية.

عبد الغفار شكر: رغم أن اليسار المصري يعبر عن مصالح قوى اجتماعية عريضة وهي العمال والفلاحين وخريجي الجامعات العاطلين عن العمل والنساء والأقباط إلا أن نشاطه السياسي الذي كان يتعرض للملاحقة والمطاردة لم يمكنهم من أن يمكنه له يعني وجود قوي في الساحة السياسية المصرية.

أسعد طه: تعود بدايات حركة اليسار في مصر إلى أوائل العشرينيات من القرن الماضي حين تأسس الحزب الاشتراكي المصري الذي عرف بعد ذلك بالحزب الشيوعي كحزب للطبقة العاملة لاحقا تنوعت فصائل اليسار ودخل في صدامات مع السلطة لكنه عاش أيضا أزمة غيابه وضعف تأثيره في الشارع المصري.

عبد الغفار شكر: هناك أكثر من سبب السبب الأول هو انهيار النموذج الاشتراكي الذي كان قائما بالفعل انهيار الاتحاد السوفييتي وغياب الاشتراكية في دول شرق أوروبا أيضا هناك المطاردة والملاحقة التي تعرض لها اليساريون لكن أيضا هناك مسألة أخرى أن اليسار لم يبلور بعد النموذج الذي ينبغي أن تنتقل إليه مصر من الرأسمالية إلى الاشتراكية ليس هناك نموذج واضح نحن ندعو لأفكار عامة ندعو إلى العدالة الاجتماعية وأن يتم إدارة الاقتصاد القومي في إطار يعني مخطط.

أحمد بهاء شعبان: حينما انتصرت الثورة المصرية تشكلت مجموعات جديدة بتأثير زخم الثورة وفوران الحراك والوعي السياسي للمجتمع، هناك حوار مستمر وتوصلنا إلى تكوين ما أطلق عليه جبهة القوى الاشتراكية التي تضم هذه الأطراف الثلاثة إضافة إلى الحزب الشيوعي المصري وحركة الاشتراكية الثورية وهي قوى يعني وليدة.

جمال عبد الناصر/ الرئيس المصري الأسبق: إن الهدف الأول لهذه الثورة كان يتركز في كلمة واحدة وهذه الكلمة هي الحرية.

عبد الله السناوي/ رئيس تحرير صحيفة العربي الناصري سابقا: أنا أظن أن شعبية عبد الناصر كانت موجودة بقوة في 25 يناير وصوره موجودة في القرى وفي تعز وفي صنعاء يعني عبد الناصر موجود لكن الناحية التنظيمية أو من الناحية الحزبية أنا أعتقد أن صورة هذا التيار مزرية في حقيقة الأمر وأنا أعتقد أن في خيانة حقيقية قد جرت خيانة أنا بسميها خيانة للفكرة القومية عندما يكون الشعب في حاجة إلى حزب أو قوة تنظيمية تعبر عن هذه الفكرة فيجد أمامه صراعات وطوائف وجماعات ومماليك وصورة مزرية للغاية ويعني على النحو الذي نراه.

[شريط مسجل]

جمال عبد الناصر/ الرئيس المصري الأسبق: أنا هنا في القاهرة ضد أي غدر سأقاتل معكم لم نسلم أبدا بنبني بلدنا بنبني تاريخنا بنبني مستقبلنا.

عبد الغفار شكر: هناك أيضا التيار القومي الذي تأسس من خلال ثورة 23 يوليو وتوجه الثورة وقيادتها جمال عبد الناصر إلى الأمة العربية والإيمان بعروبة مصر ودورها في المنطقة وهذا التيار القومي يمثله الحزب العربي الديمقراطي الناصري وحزب الوفاق القومي وحزب الكرامة العربية، وهناك أيضا أحزاب أخرى في الطريق.

التيار الناصري والدور المفقود

أسعد طه: البعض يعتقد تعدد فصائل التيار القومي دليلا على ديمقراطيته والبعض يعتبره دليلا على تفسخه وضعفه .

عبد الله السناوي: أنا أستطيع أن أقول بصراحة ووضوح أن أغلبية المجلس العسكري مثلهم الأعلى جمال عبد الناصر وأولهم المشير الطنطاوي هو يقول كدا لكن عندما يكون في بلاد الثورة أنا ما ظنش إنه كان شايف قدامه حد من القوميين يحاورهم أو يعني ودي يمكن أدى إلى إن هو أخطئ كثيرا لأنه بلا خبرة سياسية وكان أكتر مستشاريه في البداية من التيار الإسلامي.

أمين إسكندر: ففكرة إلغاء جمال عبد الناصر وإلغاء يوليو إذا سمحت لي فهذه فكرة مستحيلة منذ ثورة 1952 بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر أي الجمهورية الأولى وشرعية الثورة قائمة على فكرة شرعية الجيش، الجيش هو الذي صنع الثورة وأستطيع أن أقول أن 23 يوليو كانت من طلائع ثورية من القوات المسلحة ثورة 25 يناير طلائع شعبية، شعب انحازت إليه الطلائع، طلائع القوات المسلحة وبالتالي فأنا أرى هناك خط تواصل بين شرعيتين.

الأقباط والكنيسة والفعل السياسي

أسعد طه: إذا كنا بصدد الحديث عن واقع المجتمع المصري وعن العوامل التي تتحكم في تشكيل مستقبله السياسي وإذا كنا نتناول تياراته المختلفة وقواه المتعددة فلابد أن نقف قليلا عند هؤلاء المصريين الذين بعد الثورة بين قوسين طلعوا بره السور.

[هتاف]

أنا مسيحي، أنا مسيحي، لا للصمت بكل مكان، صوتنا هيعلى كمان وكمان، الإعلام بيعدي بليل هي مؤامرة ولا إيه.

عماد جاد/ باحث بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية: كلمة قبطي يعني مصري وبالتالي حتى بعض أصدقائنا يقول لك لأ قبطي مسلم أو قبطي مسيحي، أول ما دخلوا مصر دخلوا القاهرة، إسكندرية، القاهرة ولم يدخلوا قلب مصر العليا اللي هو الصعيد حصل إنه بعد حوالي 400 سنة على ما بتذكر من دخول العرب حصلت ثورة ضخمة في الدلتا وسميت ثورة البشموريين اللي هم صيادين السمك وطردوا القوات أو كل الوجود العربي اللي كان موجود في الدلتا وبدأوا يستعدوا لمرحلة تحرير مصر ووو، فكان النتيجة إنه طلب مدد من الجزيرة العربية وتم تقريبا إنهاء الوجود المسيحي في منطقة الدلتا عشان كده النهاردة في الدلتا أكبر محافظة في الدلتا تلاقي فيها 2% 3% مسيحيين كويس ابتداء من بني سويف حتى إينا هتلاقي ممكن بعض الوجود هتلاقيه يوصله 30 و40% بعكس الدلتا بشكل واضح والقاهرة ظلت مختلطة وإسكندرية نفس الشيء.

أسعد طه: هي رؤية مسيحي للتاريخ وفي التاريخ أيضا أن المسيحية وصلت إلى مصر عبر الإسكندرية على يد القديس مرقص عام 1961 للميلاد تقريبا وانتشرت في كل أنحاء مصر خلال نصف قرن.

عماد جاد: أولا الأقباط فيهم الأثرياء جدا وفيهم الفقراء جدا وفيهم اللي بيعملوا في الزبالة في منطقة المقطم فطبعا بعض الناس يقول لك آه هم مركزين في الاقتصاد لأن طبعا في الطبيعي لما بييجي بيتقفل قدامك باب السياسة بتركز على مشروعك الخاص لكن سياسيا فيهم لجنة سياسات كانوا في الحزب الوطني فيهم طبعا في الوفد منطقي إنه يبقى فيه، فيهم في التجمع اليساري الشيوعي فيهم ليبراليين فيهم قوميين.

أسعد طه: تعتقد الكتلة الرئيسية من الأقباط أن الفترة الممتدة بين عامي 1954 و1970 هي أحد العصور الذهبية لهم على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي فيما القهر السياسي كان يستوي فيه الجميع أقباطا ومسلمين.

أمين إسكندر: عبد الناصر عمل مساواة في أسفل الهرم الاجتماعي الكل متساوي في التعيين إن أنت حصلت على الشهادة تقدم القوى العاملة ما فرزش، ما فيش مسيحي ما يتعينش ومسلم يتعين الكل بيدخل من مصوغة القوى العاملة لا يميز هنا في دين ولا عرق ولا غيره.

أسعد طه: ما لله لله وما لقيصر لقيصر مفهوم مسيحي فهل تخلت عنه الكنيسة وقررت التعاون مع القيصر؟

أمين إسكندر: الكنيسة كانت علاقتها بثورة يوليو علاقة جيدة لأن استطاع الزعيم جمال عبد الناصر أن يعطيها دور في مشروعه الوطني الكبير، الكنيسة كانت من ضمن هذا الدور ولذلك لا تجد حادث توتر طائفي واحد من 1952 لحد رحيل جمال عبد الناصر سنة 1970 لم يحدث حدثا طائفيا واحدا.

أسعد طه: واصلت الكنيسة دورها السياسي في عهد السادات لكن طبيعة الدور اختلفت في عهد مبارك.

عماد جاد: الكنيسة كانت عاملة معادلة مع الدولة إنه إذا إحنا عايزين حاجة بنرفع السماعة نطلبها من الأجهزة تلبيها مقابل كده بيحصل تعبئة للأقباط ورا الحزب الوطني ممكن أقولك 80% من المسيحيين كانوا صوتوا للحزب الوطني لأن الكنيسة طلبت إن المعادلة دي بدأت في منتصف مرحلة السادات لما بدأ يشكل الجماعات الإسلامية لضرب التيارات الناصرية واليسارية في الجامعات ووو، وبدأوا بعد ما خلصوا على الجماعات اليسارية والناصرية بدأوا يتحرشون بالمسيحيين ويعملوا اعتداءات فكانت بتقتل عوائل أسر بتتحرق بيوت، السادات سحب مظلة المواطنة من عليهم مظلة المواطنة من على هؤلاء الأقباط فكانت الدولة الكنيسة بتدخل تدي معاش وتبني بيوت وكذا فبقت حلت محل الدولة فبقت هي الدولة بالنسبة للأقباط فعشان كده الأقباط لما يشعروا بالظلم وهم رايحين يزوروا الكنيسة يقفلوا الباب ويتظاهروا.

رفيق حبيب: بالفعل هذا هو ما حدث في عهد النظام السابق حتى أصبحنا في لحظة ما وكأن كل أقباط مصر يؤيدون النظام السابق رغم أن أغلبية أقباط مصر كانوا يشتكون من النظام السابق ومن مظالم النظام السابق عليهم بوصفهم مصريين أو عليهم بوصفهم مسيحيين، الكنيسة لها عدة أدوار تقليدية تاريخية هي أدوارها الرئيسية هي مؤسسة دينية هي مؤسسة روحية عليها واجب أخلاقي وعليها واجبات وطنية أيضا لكن ليس لها أدوار سياسية وليس العمل السياسي من أدوارها.

عماد جاد: ابتداء من بداية 2010 بدأت المعادلة دي تسقط أما حدثت حادثة نجع حمادي المسيحيين بدأوا خرجوا الشارع وراحوا لغاية ميدان التحرير وراحوا لغاية مجلس الشعب بدأوا يحسوا إنهم مواطنين وإن لهم مطالب تجاه الدولة فيروحوا يتحركوا تجاه أمام مؤسسات الدولة للمطالبة بحقوقهم بعد كده حادثة العمرانية، حادثة العمرانية خرجوا قطعوا طريق واعتدوا على مش عارف إيه خلاص بقوا زي المصريين الباقيين اللي هم بيطلعوا بره السور ما عادش حماية أسوار الكنائس لم تعد كافية لهم.

سامح موريس/ قس بكنيسة قصر الدوبارة: الكنيسة تعبر عن ضمير الشعب، الكنيسة تعبر عن المبادئ والقيم فتنادي بالحرية تنادي بالديمقراطية تنادي بالعدالة الاجتماعية فإحنا بنادي للمبادئ بنصلي من أجلها لكننا لا نكون حزبا، أفرادنا يشاركون في الأحزاب.

أسعد طه: هم من حيث العدد أقلية بلا شك لكنهم من حيث التاريخ شركاء في الوطن، مساهمون دوما في بنائه وفي ذلك لا تنسى عبارة القطب الوفدي الشهير مكرم عبيد أنا مصري بالجنسية مسيحي بالديانة مسلم بالثقافة.

سامح موريس: إحنا لقينا نفسنا في قلب الأحداث بصورة خاصة لأن طبعا الكنيسة التي تقع في ميدان التحرير حيث كان قلب الثورة ذاتها، الكنيسة دي كانت يعني ماده ايدها بصور مختلفة من خلال أعضائها بالمستشفى بتاعتنا كانت بتقدم مساعدات أثناء الثورة للعلاج في الميدان وإن بعض الناس كانت تضطر تيجي تستخدم دورات الميّ بتاعتنا عشان تتوضأ عشان تروح تصلي في الجامع لأن الأعداد مش كفاية حتى والناس كانت بتصلي بأعداد غفيرة في الميدان فكانت محتاجين بعض دورات الميّ فاكتشفنا إن الكنيسة بحكم موضعها كانت جزء أصيل من كيان هذا الحراك الشعبي الجميل والرائع.

سامح موريس: برحب معنا أصدقاء وأخوات لينا مسلمين دعيناهم أصحابنا ممكن الضيوف مش اللي هيكرموا، ممكن يقفوا ممكن كل أخواتنا المسلمين، تفضلوا، تفضلوا، عندنا أخوات كثير قوي أصدقاء جايين النهاردة أهلا وسهلا، أهلا وسهلا.

سامح موريس: إيه القوانين اللي تحفظ لهذا الشعب الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية خلي بالك إن دول الـ 3 حاجات الرئيسية اللي قامت من أجلها الثورة.

عماد جاد: أنا مش مع اللي بقول أن مشاكل الأقباط المصريين ستحل ضمن مشاكل المصريين لا في مشاكل خاصة بالأقباط يعني لما يبقى عندك عيب وجريمة ترتكب بحق البلد إن لو رصدت شبكات التجسس الإسرائيلي في مصر لن تجد مسيحيا واحدا كان جاسوسا خان بلده مش بقول ده أفضل من ده بس عايز أقول للدرجة دي لما تيجي تحرمه إن يدخل الأمن القومي أو أمن الدولة أو الحرس الجمهوري أو المخابرات العسكرية بقى عيب عيب بجد.

أسعد طه: ها هو إذن المجتمع المصري بتياراته ومعتقداته وطبقاته وهو يستعد لخوض أول انتخابات برلمانية ومن ثم رئاسية بعد الثورة، ترى من ينتصر، بدأ السباق، صناديق الاقتراع في الانتظار تيارات متعددة ومعتقدات مختلفة الفائز ليس من تكتب له الغلبة الفائز هو من يعترف بما تأتي به الديمقراطية، تلك التي تبدو أحيانا رغم الثورة وهي تترنح وفي ذلك حديث آخر، السلام عليكم.

المصدر الجزيرة

04‏/12‏/2011

ديسمبر 04, 2011

اسعد طه : من سيحكم مصر " نقطة ساخنة "

 

تعرض قناة الجزيرة الإخبارية الجزء الأول من الفيلم الوثائقي “من سيحكم مصر؟”، ضمن برنامج “نقطة ساخنة”  في الثالث من ديسمبر القادم وذلك في التاسعة مساءا بتوقيت القاهرة .. وهو من تقديم وإخراج الإعلامي أسعد طه .

ينطلق أسعد طه في رحلة عبر القطر المصري من أسوان إلي الإسكندرية  ومن القاهرة إلي السويس، بهدف رصد الأجواء السياسية والاجتماعية في مصر قبيل أول انتخابات حرة في تاريخ البلاد، ومحاولة اكتشاف أبرز العوامل التي تتحكم في تشكيل مستقبل البلاد السياسي، حيث تعد تلك الانتخابات هي الأولي التي لا يستطيع أحد التكهن بنتيجتها مسبقا كما كان يحدث في الماضي.

يرسم الفيلم في البداية خارطة لأهم القوي والحركات السياسية والاجتماعية في مصر  بدءا من القوي الإسلامية من إخوان مسلمين وسلفيين وجماعات إسلامية مرورا بالتيارات الليبرالية واليسارية والقومية، مستعرضا نشأة وتطور كل تيار من هذه التيارات عبر التاريخ المصري  وخارطة تواجده في المجتمع، محللا أبرز التحديات والأزمات التي تواجهه، وراصدا نقاط قوته وضعفه والدور الذي قام به أثناء الثورة المصرية.

وفي النهاية يحاول الفيلم الإجابة علي السؤال: “ما الذي سيفعله هذا التيار أو ذاك إذا وصل إلي حكم مصر؟”، في محاولة من أسعد طه وعلي طريقته الخاصة في الإقتراب من الأسئلة الشائكة والمناطق الساخنة ومعالجة القضايا بهدوء وعمق.

كما يقوم الفيلم أيضا برصد تاريخي لمؤسسات الحكم في مصر منذ عهد الفراعنة  والذي كان منذ بدايته نظاما شديد المركزية والسيطرة، وكان الفرعون أشبه بالإله الذي يعبد من قبل شعبه، بل كان كذلك في أحيان كثيرة وما قصة فرعون موسي من الأذهان ببعيد .. ومع مرور الأعوام والقرون ظلت هذه السمات هي الأبرز والأوضح في مؤسسات الحكم المصرية التي لم تعرف ولم تؤسس نظاما ديمقراطيا حقيقيا حتي الآن، ولهذا اندلعت ثورة الخامس والعشرين من يناير، للقضاء علي فكرة الفرعون.

أسعد طه في هذا الفيلم لا يبتعد عن مصر والثورة المصرية، التي قدم آخر أفلامه عنها، والتي كانت حلقة من نفس البرنامج، والتي رصد فيها أبرز التحديات التي تواجه الثورة المصرية  وكانت بعنوان “منتهي الثورة”.

يذكر أن الفيلم من إنتاج قناة الجزيرة  ومن تنفيذ شركة “هوت سبوت” للإنتاج الوثائقي.

ويعتبر المخرج “أسعد طه” من رواد الإنتاج الوثائقي في المنطقة العربية، بإعتباره مقدماً ومخرجاً ومنتجاً، حيث قدم من خلال شركته الخاصة “هوت سبوت فيلمز”  ما يتجاوز مئات الأفلام والبرامج الوثائقية التلفزيونية منذ تأسيسها في العام 1991 وحتي الآن، وقد تعاملت الشركة طوال هذه الفترة مع أبرز المخرجين و المصورين وصناع الفيلم في العالم العربي والعالم، الذي غطته أعمال “هوت سبوت فيلمز” بإنجازها أفلاما سياسية وإجتماعية و ثقافية في أكثر من 60 دولة في قارات العالم الخمس.

29‏/11‏/2011

نوفمبر 29, 2011

منعت السلطات المغربية الإعلامي المصري أسعد طه من تصوير حلقة من برنامجه “نقطة ساخنة”

25

منعت السلطات المغربية الإعلامي المصري أسعد طه من تصوير حلقة من برنامجه “نقطة ساخنة” الذي تبثه قناة الجزيرة القطرية في مدينتي طنجة و الحسيمة الملتهبتين شمال المغرب.

و علمت الدولية من محمد الموساوي الناشط في حركة 20 فبراير بمدينة طنجة،أنه كان يفترض أن يشارك رفقة مجموعة من شباب الحركة في برنامج “نقطة ساخنة” الذي تبثه قناة الجزيرة الفضائية،قبل أن يتلقى اتصالا من القائمين على البرنامج يخبرونه فيها بأن السلطات المغربية منعتهم من الإنتقال إلى مدينة طنجة لتغطية الحراك الشعبي.

و بحسب نفس المصدر فإن السلطات أخبرت طاقم الجزيرة أيضا بأن مدينة الحسيمة (شمال المغرب) هي الأخرى ممنوع عليهم التوجه إليها.

و أضاف : “قالوا لهم اختاروا ما شئتم من المدن المغربية باستثناء طنجة و الحسيمة.

و كان فريق الجزيرة قد اختار مدينتي طنجة و الحسيمة لتغطية المظاهرات الإحتجاجية التي دعت إليها الحركة يوم الأحد في كل ربوع المملكة احتجاجا على ما أسمتها “تزوير الإنتخابات التشريعية” التي فاز بها حزب العدالة و التنمية ذي التوجهات الإسلامية.

و وصل أسعد طه إلى المغرب أسبوعا قبل موعد الإنتخابات التشريعية،حيث يسجل حلقات لبرنامج ستبث خلال الأيام القليلة المقبلة.

و احتفلت حركة 20 فبراير المغربية المعارضة بنجاح حملتها فى مقاطعة الانتخابات، مؤكدة أن المشاركة كانت ضعيفة إلى حد كبير.

وأصدرت الحركة بيانا توصلت الدولية بنسخة منه هنأت فيه “الشعب المغربي على مقاطعته لانتخابات” التي وصفتها بأنها “مهزلة”، مؤكدة أن “مكاتب الاقتراع كانت فارغة بالإضافة إلى الخروقات”.

واعتبرت الحركة هذه المقاطعة بمثابة تأييد وتجديد الثقة للمواطن المغربي في حركة 20 فبراير.

و في أول تعليق له على المنع كتب معد  مقدم برنامج نقطة ساخنة على صفحته الشخصية على الفيسبوك : “للمخبرين أينما ذهبت نفس الوجوه نفس الرائحة”.

19‏/09‏/2011

سبتمبر 19, 2011

*من هو أسعد طه؟

355

- أنا صحافي مصري ولدت عام 1956 م في مدينة السويس، بدأت ممارسة الصحافة عام 1985 كمراسل صحافي، قمت بتغطية الحرب في يوغسلافيا السابقة،وكرواتيا والبوسنة والهرسك والشيشان.

عام 1997 ، ومع بدء إرسال قناة الجزيرة، بدأت في إنتاج برنامج «نقطة ساخنة » وإخراج بعض حلقاته،

الذي تجولت من خلاله راصداً بعين تسجيلية استكشافية مناطق الأزمات في مختلف أنحاء العالم،

بلغت حلقات البرنامج أربعًا وأربعين حلقة شملت أكثر من خمسين دولة.

ثم بدأت في إعداد وتقديم برنامج «يحكى أن: الذي يعيد سرد واقعة حدثت على لسان أبطالها، موثقة وبالاستعانة بطريقة إعادة

تمثيل الحادثة .

مستقر في دبي بدءًا من عام 2000 ، وأسست شركة «هوت سبوت فيلمز » للإنتاج التلفزيوني المتخصصة في إنتاج

وتسويق البرامج والأفلام الوثائقية .

* ما هي المسافة بين العمل مراسلاً صحافيًّا لجريدة، والعمل معدًّا للبرامج الوثائقية على الفضائيات؟

- المسافة كبيرة جدًّا بين ما هو مكتوب وما هو مرئي، وفي كل يجد المرء ما يستمتع به، ففي العمل كمراسل، أنت تستمع بتبليغ الخبر وبصياغة العبارة، وتعمل تحت ضغط الوقت، ويجب أن تكون مستعدًّا 24 ساعة، وهو محصلةجهدك أنت وحدك .

أما العمل في البرامج والأفلام الوثائقية، فثمة مصدر آخر للاستمتاع، وهو العمل الجماعي، فهناك فريق ضخم عليك أن تتناغم معه ويتناغم معك، والعمل الذي سينتج هو محصلة جهود مشتركة، وفي «الوثائقي » أنت تتأمل، لست معنيًّا بخبر، بل بقصة كاملة يجب أن تنجح في عرضها وأن تتسلح بكل الأدوات الفنية التي تساعدك في إيصال رسالتك .

* هل يمكن أن نطلق عليك وصف «المراسل الحربي ؟ »

- في الحقيقة، لا أهتم كثيرًا بمسألة «العناوين » أوالتصنيفات، لكني مهموم ما إذا كانت رسائلي وصلت أم لا، فقد كنت معنيًّا بإجلاء الصورة،

منحازًا إلى ما أراه حقا، مراهنًا على موضوعيتي .

* لماذا لم تشغل فلسطين حيزًا في أفلامك .. أليست على قائمة الحكايا؟

- هي أم الحكايا، وهي حلمي الذي أتمنى أن أنجزه قبل أن أموت، بل إني واثق من ذلك، حتى إنني في لحظات الخوف من الموت لأي سبب

أتذكر أنني لم أزر فلسطين بعد، ولعلي أزعم أن ما من حكاية ذكرتها، إلا وكانت عيني على فلسطين، بعد الثورة المصرية، تغيرت الأوضاع إيجابيًّا،

ولعلنا الآن نستطيع أن نجتاز الطريق إلى غزة ولا نجد من يوقفنا في مطار القاهرة .

* قد يتسم الفيلم الوثائقي للوهلة الأولى بالملل والطول والجمود؟ كيف حولته إلى فيلم أقرب إلى السينما من حيث السيناريو والإخراج؟

- عندما أبدأ في العمل، أضع المشاهد أمامي، وأبذل كل ما وفي وسعي لأن أحتفظ به كل ثانية، أحارب هذا «الريموت كونترول » اللعين القادر على إلغائي في أي لحظة، وأعتقد أن المتعة يجب أن تتوافر في كل عمل وثائقي، وأستخدم كل الوسائل والأدوات الفنية لتطويع الفكرة وعرضها بشكل

غير ممل والانتصار على «الريموت كنترول .»

* كيف ولدت فكرة برنامجي «نقطة ساخنة » و «يحكى أن ؟ » وما سبب توقفهما؟

- فيما يخص «نقطة ساخنة » ، فقد عملت طويلاً في إعداد التقارير التلفزيونية من مناطق الحرب ومناطق الأزمات

لكن شعرت أن الخبر لا يشرح للناس حقيقة الأمر، كما أن هناك أمورًا تجري خلف الستار لا تهتم بها ماكينة الأخبار المهمومة بالحدث الآني، وهو بالغ الأهمية، لذلك،حلمت وفكرت في برنامج يعنى بشرح جوانب مجهولة من قضايا ربما معروفة، أو بتسليط الضوء على قضايا مجهولة تمامًا .

أما «يحكى أن » ، فله قصة أخرى، فعبر سفري المتعدد، وانشغالي بموضوعات «نقطة ساخنة » ، وجدت قصصًا ثرية لا يسمح لها وقت البرنامج، فحلمت بأن أسردها بشكل فني وأدبي، على طريقة «أبو زيد الهلالي ». فالحكاية والأسلوب القصصي هما الأقرب للناس .

أما عن انقطاعهما، فهناك مجموعة من الأسباب، فقد انشغلت بما تنتجه شركتي، وشاب نفسي بعض الملل، كما أنني كنت بحاجة لراحة ذهنية،

كنت أحتاج لأن أبتعد بعض الشيء، وأسأل نفسي : هل من جدوى لما أفعل، هل هناك من متلقٍ ! الآن أجدني في تحدٍ جديد، فالعالم العربي يعيش ربيعه، وأفكر فيما يمكن أن أفعله الآن .

* يقول البعض إن انقطاعك هو نتيجة خلاف مع سياسة » الجزيرة ». كيف تعلق؟

« - الجزيرة » منبر إعلامي محترم، له أخطاؤه التي يقع فيها كطبيعة العمل البشري، وأدين له بتمكيني من التعبير بأشكال مختلفة لكنني لست موظفًا فيها، وبالتالي، لا أنتظر أن أتفق مع سياسة الجزيرة اتفاقا كاملاً حتى تكون بيننا فرص للعمل .

* تخطى «يحكى أن » حدود الوطن العربي إلى دول بعيدة عن المشاهد جغرافيًّا وثقافيًّا وسياسيًّا . ألم تكن لديك مخاوف بأن يبتعد المشاهد عن المتابعة؟

- عندما أسافر إلى أقصى الدنيا، أظل عربيًّا مهمومًا بقضاياي العربية، ومن ثم، فإن أي عمل أنجزه يستهدف العربي . التشابه بين البشر كبير، والظالم هو الظالم وإن تغيراسمه وعنوانه، والمظلوم هو المظلوم، وبالتالي كان مقصدي سرد قصص مشابهة . أنجزت حلقة عن الثورة البرتقالية في

أوكرانيا، وسميتها «الميدان » ، وها هي تتكرر بعد عدة سنوات ولكن بمذاق مصري وفي ميدان التحرير .

* كيف تصف مصر بعد الثورة بكلمات قصيرة؟

- هي بحق مصر الجديدة، لذلك قلت إن الطريق نحو فلسطين قد اقترب .

356

* تعدّ حاليًّا «نقطة ساخنة » ، وهذه المرة من القاهرة . كيف جرى العمل؟

- في هذه الحلقة، حطمت القواعد الصارمة التي أتبعها،فلم أعطِ نفسي الوقت الكافي للبحث والإعداد، كنت تواقا لفعل أي شيء من مصر بعد الثورة، هذه أول حلقة لي أصورها في مصر، لقد أنجزت حلقة من التبت وقابلت الدالاي لاما، لكني لم أنجز من قبل حلقة من مصر ولم ألتق حتى بوزير ها أنذا الآن أفعل، وأكتشف مصر من جديد بعد 25 عامًا من الابتعاد، وأكتشف شعبي من جديد .

اكتشفت الشباب وأنا أدعي أنني قريب منهم . اكتشفت كيف يفكرون . الثورة أثرت على طريقة تفكيري في تربيتي لأولادي، أدركت أن عليّ أن أستوعب هؤلاء الشباب، وإلا لن يكون لي مكان بينهم أو بجانبهم، ليس عليك أن تتكلم

باللغة العربية الفصحى خطبة عصماء مقطب الوجه لتكون ثائرًا . كن في داخلك مبدئيًّا ولا تبحث عن الصورة .

كن طبيعيًّا ولا تكن زعيمًا . هؤلاء الشباب على وعي غريب،لم أفهم كيف تحصلوا عليه، بنصرهم وضعونا في مأزق حقيقي، لقد بتنا في مرحلة ما بعد الأحلام، «هذه اللحظة »التي تحدث عنها القائل الشهير «هرمنا » ، هذه اللحظة مرت، ماذا نفعل الآن، ليس إلا أن نكون شبابًا حتى وإن كنا قد هرمنا .

* إلى أي مدى عانى أسعد طه من «مقص الرقيب » ؟ ومتى شعر أسعد طه بتضييق الخناق عليه كصحافي؟

- تجربتي مع الجزيرة إيجابية للغاية، بوسعي القول إن مقص الرقيب لم ينل أيًّا من أعمالي، أما الشعور بتضييق الخناق أثناء العمل في الميدان، فيقع بين حين وآخر، وقد ازداد بصورة صارخة بعد أحداث سبتمبر . هويتك الصحافية لاتحميك من الشبهات، فأنت في النهاية عربي .

* يعتقد البعض أن الشروع في تأسيس شركة للإنتاج يعني الاتجاه نحو الإعلام التجاري . ما رأيك؟

- تقصدين الإعلام الهزلي، لأن التكسب من وراء الإعلام ليس تهمة، وعلى كل حال، فإن العبرة بما تنتجه هذه الشركة، وليس في كونها شركة، لقد أسست شركتي قبل أكثر من عشر سنوات، وأعتز بما أنتجته، بالطبع هناك أخطاء، لكني أحاول أن يكون إنتاجي عملاً جادًّا يحمل قيمة ما، وأقصد بالعمل الجاد العمل الذي يستهدف قيمًا نبيلة .

* كيف يفصل أسعد طه بين التزام الموضوعية والقيم الأخلاقية؟

- أنا أزعم التزامي الموضوعية ما استطعت، لكن هذا لا يمنعني من التعبير عن انحيازي لهذا الطرف أو ذاك، وهو انحياز مبني على قيم أخلاقية وليس على ميول أو عواطف .

* يقال إن قدرًا كبيرًا من روعة أسعد طه كمقدم في سحر صوته . ما رأيك؟

- أحمد الله عز وجل على ما رزقني من نعم، لكني أعتز بما أختاره، لم أختر صوتي، لكني اخترت ما عبرت عنه في حكاياتي

سبتمبر 19, 2011

أسعد طه : قصة النفق الذي أنقذ مسلمي البوسنة من الموت

image
تاريخ الحلقة: 10/01/2002

- بداية فكرة النفق ومرحلة التنفيذ
- ذكريات أهل سراييفو المرة والسعيدة داخل النفق

أسعد طه: يحكى أن مدينة صغيرة لم يسلم من حبها من مر بها، في حضن الجبل كانت تختبئ، ومن أنهاره كانت ترتوي، عاشت في الغرب فأخذت منه لون البشرة وشكل العين وارتسام الأنف وتعرَّفت على الشرق، فأخذت منه دفء الروح وطيبة الناس وسحر المشهد،س ثمانون مئذنة لها أو ما يزيد، كل يوم تشهد لله بالوحدانية وكنائس بها ومعابد، وكأنها تقول للعالم: إن اختلاف المعتقد لا يستدعي استحضار البندقية.

يوماً حكمها أصحاب الياقات الحمراء فعرفت قلة الحيلة وهوان الشرفاء، وعجز الحكماء، غير أن الزمان دار دورته فانكشف السحر وسقط العرش وعادت لسراييفو حريتها، فخلعت عن نفسها رداء الانكسار وذل التبعية، كانت العاصمة البوسنية حينها تكاد تطير فرحاً في السماء، تكاد تلامس أطراف الشمس قبل أن تطبق على أنفاسها غربان الموت، قبل أن يلف عنقها حبل الفزع والهلاك، والحكاية تبدأ من هنا.س

ثمانية أعوام قبل نهاية القرن العشرين، ويومان بعد بداية الشهر الخامس وقالوا لسراييفو "كُفِّي عن الياسمين وقوس القزح، من الآن ليس لك من الأزهار إلا الشوك ومن الألوان إلا الأحمر القاني، من الآن أنت تحت حصار سيطول ألفاً وأربعمائة يوم وهو ما يكفي لأن نقتل من صغارك ما يزيد عن ألفين ومن كبارك ما يقل عن عشرة آلاف وأما الجرحى والمعاقون، وأما الفارون والمشردون فهم كثر، كثر كمن أحبك وكمن خانك" قال الصرب المحاصِرون.

بداية فكرة النفق ومرحلة التنفيذ

برانكوفيتش نجاد (مهندس النفق): لقد أخذتنا الحرب على حين غرة ولم نكن مستعدين، وكنا نتوقع من القوات الجوية للناتو أن تأتي لنا بالسلام من السماء، وأن تطرد الصرب، لكن الوقت كان يمر وكان علينا أن نبحث بأنفسنا على الحلول التي تضمن لنا الاستمرار على قيد الحياة، وهذا الشعور كان هو السبب في ميلاد هذه الفكرة بين عامة الناس.

الجنرال راشد (صاحب فكرة النفق): سأشرح لكم ببساطة، فعندنا مدرج المطار وعلى طرفيه (بوتمير) و(دوبرينيا)، والعدو موجود على الجانبين بجنوده ونيرانه والمرور عبر مدرج المطار كان مستحيلاً، لقد كان المرور صعباً جداً جداً، وقد احتجت مرة إلى خمسة ليالي، وفي الليلة السادسة استطعت النفاذ إلى المدينة وفي إحدى هذه الليالي، وعندما كنت منبطحاً بجانب أحد البيوت هنا، خطرت ببالي فكرة: لماذا لا نفعل شيئاً تحت مدرج المطار لكي نستطيع الدخول لمدينة سراييفو؟ وبالنسبة لي فقد كان ذلك هو ميلاد فكرة لعمل شيء ما.

أسعد طه: شيء ما يخترق طوق الحصار يكون كبيراً بالقدر الذي يسمح بمرور المحاصرين، صغيراً بالقدر الذي لا يسمح بأن يراه المحاصرون، طويلاً بما يكفي لأن يخترق صفوفهم، وقصيراً بما يحول دون أن يمسكوا به، شيء ما يكون قلبه هواء، وجسده من الحديد والحجارة هكذا كما النفق أو هو كذلك.

الجنرال راشد: بدأت البحث في المدينة عن مهندسين معماريين، شابين وشديدي العزم ويمكن الثقة بهما لإنجاز ممر تحت مدرج المطار وقد شرحت لأحد المهندسين (برانكوفيتش نجاد) فكرتي وأكدت عليه أن هذا الأمر غاية في السرية.

برانكوفيتش نجاد: لقد التقيت الجنرال راشد في أواخر عام اثنان وتسعون، وقد سألني: نجاد من هو أفضل مهندس معماري في سراييفو؟

فأجبته: إني أفضل مهندس في سراييفو فبعد أن مررنا بكل تلك الأحداث، ما كان بوسع المرء أن يفكر بما يمكن ومالا يمكن فعله لقد كنت حينها مستعداً لعمل المستحيل، ولكنه قال لي إنه تحدث إلى عدد من المهندسين في سراييفو، وأخبروه عن عدم إمكانية نجاح المشروع، وعندئذ قررنا تشكيل فريق يقوم بمهمة الفحص الميداني، وتحديد مسار النفق.

[فاصل إعلاني]

الجنرال راشد: بعد عدة اجتماعات ومشاورات وبتاريخ الثاني والعشرين من ديسمبر عام اثنان وتسعون، وقعت على أمر بتنفيذ المشروع، لقد كانت بدايته صعبة جداً، ببساطة لأنه لم تكن هناك ثقة بإمكانية إنجاز مثل هذا المشروع، وهو أمر مفهوم، وإذا ما نظرنا إلى كل العقبات التي كانت في مواجهة عمليات التفيذ مثلاً، سرية العمل، سلامة الناس، ونقص مواد البناء، وعدم إمكانية فحص الأرض، والقصف المستمر من قبل التشتنيك، ومراقبة القوات الدولية لنا.

برانكوفيتش نجاد: المهم أن نذكر كيف تم تحديد مسار النفق، فأقصر طريق يربط المناطق الحرة داخل سراييفو مع الخارج أي منطقة بوتيمير يقع هنا، وهي منطقة مدرج المطار، فالعدو كان يسيطر على منطقتي (فويكوفيتش) و(لوكافيتسا) وكان قريباً من هنا، فيما قوات الأمم المتحدة تسيطر على المدرج والصرب يسيطرون على (اليجا)، وبقى لنا هذا الممر الضيق الذي يدافع عنه جنودنا في (بوتيمير) ومع صعوبة الحصول على خرائط مطار سراييفو، قمت بتحديد المناطق التي يمكن أن تربط طرفي النفق، وقد حددنا منزلاً في دوبرينيا وهذا المنزل هنا، برغم من عدم تواجدي من قبل هنا، لكن الخط المنطقي على الخريطة يربط هذا المنزل بالمنزل الآخر في دوبرينيا.

أسعد طه: رويداً رويداً راح العمل في النفق يسير وقبل الفأس كان القلم وخطوط مستقيمة وأخرى منحنية وأرقام وحسابات تحدد نقطة البداية ونقطة النهاية، وما بينهما يحتاج إلى الرجال الذين هم رجال.

برانكوفيتش نجاد: بما أنه كان من الصعب تحديد مستوى المياه الجوفية في هذه الظروف وجدنا حلاً آخر، كان في المنطقة الكثير من الآبار الارتوازية والتي تعمل بالمضخات اليدوية، قمنا بتحديد مستوى المياه الجوفية من خلال إدخال الحبل في ماسورة إحدى المضخات من أجل تحديد المستوى الذي سنبدأ منه حفر النفق.

مواطن بوسنوي 1: كان هذا البيت يشكل كل شيء خلال الحرب أعني أنه كان يشكل خلاصاً لشعب سراييفو المحاصر، وتأسيس جيش البوسنة والهرسك وصمود دولتنا.

أسعد طه: انقضت الليالي الطويلة وانتهت الحسابات الدقيقة والرسومات المستفيضة، وبات حلم النفق جاهزاً للتنفيذ، حاضراً لأن يكون المنفذ والمتنفس.

برانكوفيتش نجاد: عندما أنجزنا عمل المخطط، قدمناه لقيادة الفيلق الأول، الذي قام قائده المرحوم مصطفى خيرولاهوفيتش بإصدار أوامره للفرقتين الرابعة والخامسة لإمدادنا بكل ما يلزم لكي نباشر أنا ورفاقي ببناء النفق.

الأمر العسكري كان على الورق، ولكن الأصعب كان العمل ميدانياً اتفقنا على تشكيل مجموعتين للعمل، الأولى تبدأ من دوبرينيا وكنت أنا على رأسها والثانية من الجهة الأخرى، تحت إدارة المهندس (فضل شيرو) من منطقة بوتيمير عندما وصل المهندس (شيرو) إلى المنطقة بوتيمير اتصل بقيادة الفرقة الرابعة وطلب منهم تأمين مكان العمل وتوفير الأدوات والأيدي العاملة اللازمة، وبما أن ذلك كان عام ثلاث وتسعون وكانت الحرب على أشدها، كان من الصعب على أي قائد عسكري أن يتخلى عن اثنين من جنوده، كان البعض يعتبر أنه من المهين للجندي المقاتل أن يقوم بعملية حفر نفق، خصوصاً وأن الجميع كان يعتقد أنه سيتم القيام بعملية عسكرية لفك الحصار عن سراييفو.

أسعد طه: المهندسون والعمال والجنود، ثلاث ينازعهم ثلاث، الأمل والثقة واليأس، الأمل في أوروبا أن تحرك –ولو ساكناً- والثقة في النفس أن تكسر ولو حلقة من الحصار، واليأس في الظروف القائمة أن تسمح بحفر النفق.

برانكوفيتش نجاد: إلى أن علم الرئيس (عزت بيغوفتيش) بالمشروع، طلب منا الحضور لنعرض احتياجاتنا عليه، والأمر الذي أقدره كثيراً أن الرئيس في ذلك الوقت في خضم المشاكل التي كان يواجهها من الوضع العسكري والمشكلة الإنسانية أصدر أوامره للقوات العسكرية بأن تؤمن لنا كل ما يلزمنا، وعندئذ فقط شكلنا وحدة عسكرية من مئة وستين شخصاً موزعين في المنطقتين، وبدأنا بالعمل الجدي.

مواطن بوسنوي 2: كنا نعاني نقصاً حاداً في المعدات إذ لم نكن نملك منها شيئاً، وحتى البسيطة مثل: الفؤوس وعربات اليد، وعندما حصلنا على عدد منها جندنا قوات الدفاع المدني التي كانت تتألف من رجال مسنين، والذين حفروا خندقاً مؤدياً إلى داخل النفق، لقد بدأنا العمل بالفعل في السابع عشر من شهر ديسمبر عام ثلاثة وتسعون، حينها كان البرد قارساً، والحفر صعباً جداً.

برانكوفيتش نجاد: ربما من المهم ذكره حول اتجاه النفق أننا وضعنا نقطتين الأولى هنا على هذا المنزل، والأخرى في دوبرينيا، وبما أنه تم اكتشاف هذا الاتجاه قمنا وبسرعة بحفر نفق آخر يصلنا بالنفق الأصلي من الجنب بزاوية مقدارها مئة وثلاثين درجة وذلك لأن قوات الأمم المتحدة التي كانت موجودة على المدرج كانت تحاول اكتشافنا وقطع الطريق علينا بما تملكه من معدات، لأننا قمنا بتغيير الاتجاه الأصلي للنفق، ولأن شخصين فقط كانا يعرفان الاتجاه للنفق فإن قوات الأمم المتحدة لم تتمكن من العثور علينا.

مواطن بوسنوي 2: مدخل النفق كان يحتاج إلى الكثير من المواد لبنائه، ولم تكن المواد موجودة في سراييفو، اضطررنا أن نحصل عليها بطرق عديدة، منها أننا لجأنا إلى استخدام المواد الحديدية بدلاً من الخشبية التي تستعمل عادة في هذه المشاريع، والسبب النقص الشديد في الألواح الخشبية اضطررنا لاستخدام أبواب المنازل، وخزانات الملابس لكي يسير العمل قدماً.

أسعد طه: سجَّل أيها التاريخ: نحن لا ننحني، نحن لا ننهزم، معداتنا خاوية، حلوقنا تشتاق للماء الممنوع، أجسادنا يحاصرها البرد، فكرنا مشغول بالأحبة الغائبين، الأب والابن والزوجة المحاصرين بين الحديد والنار، لكننا نحفر الأرض، وتحت الأرض ونسويها سرداباً طويلاً نتعلم ونعلم الآخرين فن الممكن من المستحيل.

برانكوفيتش نجاد: أولى الوحدات العسكرية التي بدأت بالعمل جهة دوبرينيا هي وحدة السلطان الفاتح قد حفروا الخمسة عشر متراً الأولى في ظروف صعبة جداً، إذا لم تكن هناك إضاءة ولمن عندما حصلنا على تلك الوحدات العسكرية بدأ العمل يسير بشكل طبيعي، وقد كانت تواجهنا بعض المشاكل، مثل هيكلية النفق، مثل سحب المياه الجوفية، كذلك نظام ضخ الهواء إلى النفق، لأنه وبعد حفره خمسة عشر متراً بدأ الناس يشعرون بالاختناق لعدم وجود الهواء، وكذلك نظام الإضاءة، وكثير من المشاكل التي وجدنا لها حلولاً أثناء العمل.

مواطن بوسنوي 2: كلما كنا نتعمق في الحفر كانت كمية الأوكسجين تقل، لذلك في نهاية العمل في حفر النفق لم يكن باستطاعة أقوى الشباب والتي كانت أعمارهم في العشرينات أن يحفروا لمدة تزيد عن خمسة دقائق، كان ينتابهم العرق والجهد بسرعة، وكان يتم استبدالهم على عجل بأفراد آخرين، وهكذا دواليك.

مواطن بوسنوي 1: أحتفظ بالمعدات والأشياء المتعلقة بالنفق يستطيع رؤيتها الزوار المحليون والأجانب، وهنا ترون المعدات الأصلية التي حفر بها النفق، وهي عبارة عن طوربة وفأس، وتلك كانت لحفر الأرض، أما السفلى فكانت مخصصة للوحل. إذا كان هناك أثناء عملية الحفر الرمل والوحل والطين، وكنا نتعامل مع كل شيء يدوياً.

مواطن بوسنوي 2: كما كان يجب علينا إخفاء الرمال التي نخرجها من النفق، لأن الصرب كانوا يراقبوننا من الجبال، ولذلك كنا نضع الرمال في أكياس وننقلها بعيداً، نخفيها خلف المنازل القريبة كي لا يلاحظوا ما نفعله، أما المياه التي كانت تتجمع وبسبب عدم وجود كهرباء وشفاطات كنا ننقلها بواسطة الجردل، أجمعها في أحواض وننقلها خارج النفق إلى أن تم توصيل الكهرباء، واستخدمنا نظام الشفاطات.

أسعد طه: تحت الأرض كان العمل يجرى على قدم وساق، وفوق الأرض كانت المعارك تجرى على قدمٍ وساق، وهذا الخيط الرفيع الرابط بين سراييفو وخارجها بات هو أمل المستضعفين في أن يكونوا أو لا يكونوا.

برانكوفيتش نجاد: عندما اقتربنا من الانتهاء من النفق كان الوضع العسكري صعباً جداً إذ تم اختراق خطوطنا على جبل (ايغمان) فيما كانت تجرب في جنيف مفاوضات حول مشروع (فانس أوين)، الذي لو تم التوقيع عليه آنذاك لأفضى إلى نتائج سلبية كبيرة على وحدة البوسنة والهرسك، لكن الوضع التفاوضي لممثلينا في جنيف كان سيئاً للغاية، لم يكن الوضع العسكري يميل إلى صالحنا، وكنت أتلقى من جنيف ثلاث أو أربع مكالمات هاتفية يومياً، يستفسرون من خلالها عن أية أخبار سارة حول التقدم في بناء النفق.

مواطن بوسنوي 2: عندما اقتربت المجموعتان من بعضهما وقبل كل عملية حفر للأمام كنا نأخذ ماسورة حديدية ونطرق عليها بشاكوش ثقيل لكي نتأكد هل نحن قريبين أم لا، وعندما نجد العكس فإننا نستمر بالحفر.

برانكوفيتش نجاد: والحقيقة أننا كنا قد حددنا تاريخ الانتهاء العمل يوم السادس والعشرون يوليو، ولكن بسبب الخطأ في الحسابات على الخرائط فيما يخص طول النفق، وكذلك التطبيق على أرض الواقع احتجنا إلى أربعة أيام أخرى.

مواطن بوسنوي 1: كان خط سير النفق الذي رسمه (نجاد برامكوفيتش)، كان يعبر أرضي بطول حوالي مائتي متر إلى أن يصل إلى مدرج المطار.

مواطن بوسنوي 2: أثناء عمليات الحفر كانت هناك تخوفات، فهل ستوفق المجموعتان اللتان تقومان بالحفر من اتجاهين متضادين في الالتقاء، خصوصاً وأنه عندما اقتربنا من بعضنا كنا نسمع أصوات حفر من الجوانب لذلك أعتقد الناس أننا أخطأنا في الاتجاه، وقد استطعنا بالكاد إقناعهم بالاستمرار في العمل، وإن كانت الأغلبية لم تصدقني في لحظة ما وضع أحد الشباب يده على الماسورة بالصدفة وأحس أن أحداً يطرق عليها من الجهة المقابلة، وعندما وضعت يدي عليها قلت لهم أخرجوها.

برانكوفيتش نجاد: هذا القضيب الحديدي موجود هنا منذ شهر فبراير عام ثلاثة وتسعون، وهو عبارة عن النقطة المساحية لتحديد سير النفق في بوتيمير)، ويوجد قضيب حديدي آخر في نافذة أحد المنازل في دوبرينيا هما النقطتان اللتان عن طريقها تحديد محور النفق في باطن الأرض.

مواطن بوسنوي 2: ذهبت لتغيير ملابسي استعداداً لهذه اللحظة السعيدة، ولكن لحظة وصولي للغرفة أسرع أحد الجنود قائلاً: لقد اخترقنا النفق، فلم يستطيع العمال الصبر وتسابقوا إلى اختراق النفق وإلى أن وصلت كانت الاحتفالات داخل النفق قد بدأت.

الجنرال راشد: أستطيع القول إن ذلك اليوم كان أسعد أيام حياتي ففي نفس الليلة تم عبر النفق إدخال اثني عشر طناً من العتاد العسكري إلى سراييفو، وبغض النظر عن كل الصعاب التي واجهت حفر النفق فقد لعب دوراً عظيماً لمدينة سراييفو وللبوسنة والهرسك عامة.

برانكوفيتش نجاد: في ليلة الانتهاء من حفر النفق في الثلاثين من يوليو عام ثلاثة وتسعين عبرته أول وحدة عسكرية بكامل أسلحتها بقيادة عدنان سولا كوفيتش متجهة إلى جبل (ايغمان)، وكذلك تم إدخال من عشرة إلى خمسة عشرة طناً من الأسلحة إلى مدينة سراييفو، وبهذا بدأت عملية تدعيم الموقف العسكري.

أسعد طه: حان إذاً وقت الفرح عرس في الأرض وآخر في السماء، في الأرض يحتفل محاصرون بشعاع أمل، الجوعى، والعطشى، والجرحى، العجائز، والنساء، والأطفال، الأرامل، والثكالى، واليتامى، وفي السماء مواكب الشهداء التي لا تهدأ وملائكة وكأنها تزف مقاتلاً أغتيل وهو يشق الأرض طريقاً إلى حيث الزوجة وإلى حيث الابن الذي ولد في غيبة الأب المقاتل خلف أسوار الحصار.

الجنرال راشد: استشهد لنا شخص واحد أثناء حفر النفق، وهو المرحوم (مجيد عاريفوفيتش) بعد ذلك وأثناء استخدام النفق كان هناك الكثير من القتلى خاصة في منطقة بوتيمير، لأن العدو التشينيك كان بقصف هذا الممر باستمرار أثناء استخدام النفق، لقد كان هناك الكثير من القتلى والضحايا.

د. يوسف حجير: العدو قريب جداً، العدو كان بعض المناطق حوالي 200 متر بعض المناطق حوالي 400 متر، يعني من كل الجهات كانوا.. كان مفتوح له، غير ما حد يمر، يعني لما بيشوفوا مجموعة كبيرة تمر.. من نفق تاني يضربوها سواء بالمدخل أو في المخرج، طبعاً كل.. كل القذائف يعني.

أسعد طه: يوسف.. يوسف حجير، عربي وإن شئت تحديداً فلسطيني، طبيب جراح، عاش حياته في البوسنة وعند وقوع الواقعة، آثر عن الهروب الصمود، وعن الفرار البقاء، هنا في دوبرينا حيث النفق، وحيث قوافل الموت تغتال البشر، يحيل مأرباً، للسيارات مستشفاً متواضعاً، يكون لاحقاً سبباً في إنقاذ حياة الآلاف، أطفالاً ونساء وعجائز ومقاتلين.

د. يوسف حجير: يعني النفق يبعد عن المستشفى حوالي 300، 305 متر، وكل المصابين سواء كانوا في النفق أو في مدخل النفق أو مخرج الخروج من النفق، كانوا يجوا المستشفى هذا، المستشفى هذا عمل في شهر مايو سنة 1992، أنا عملت كجراح، عندي، وكان عندي طبعاً خبرة كبيرة في –بما أنه اشتغل في جراحة الحوادث- في الإصابات الحربية، مجموعة كبيرة، يعني خلال المستشفى هذا مر حوالي 16 ألف جريح، من النفق لوحده حوالي 4500 جريح، حول النفق، يعني من مخرج النفق، مدخل النف، وفي داخل النفق.

الاستراتيجيين العسكريين ما يقولوا لو ماكنش المستشفى هذا لا يمكن.. ما فيش نظرية يعني يمكن المحافظة على المنطقة هاي من السقوط، المنطقة هاي تقريباً مثل داخل حدود العدو تقريباً يعني، يعني العدو كان محاصرها من ثلاث جهات ومن الجهة الرابعة ممكن تشوفها.. تشوفها الآن، الجهة الرابعة كانت في المنطقة منطقة التل هاي، كان فيها حتى الدبابة المحروقة العسكرية، الدبابة الصربية موجودة لحد الآن على التل هاي، يعني هاي الجهة الرابعة من الخروج.. الاتصال للمنطقة هاي في المدينة.. مدينة سراييفو، الجهات الأخرى الثلاثة كانت.. كانت ثلاث ثكنات عسكرية كبرى للجيش الصربي موجودة حول المنطقة هاي.

(.........): لقد كان هناك نظام معين لاستخدام النفق، خاصة وأن الجيش كان له الأولية المطلقة في استخدامه لاحتياجاته الخاصة، وعندما لم تكن للجيش حاجة لاستخدام النفق كان يستخدم في مرور الناس والأغذية.

مواطن بوسنوي 1: ما ترونه هنا في وسائل ومعدات كنا نقوم بإدخالها المدينة في السنتين الأولتين للحرب عبر النفق، لكي يتم تجهيز وتسليم على الأقل العدد الذي يكفي للدفاع عن المدينة لأنه لم يكن بمقدورنا أكثر من ذلك، حيث كان النفق ضيقاً لإدخال معدات أخرى واستطعنا فقط إدخال الأسلحة الفردية والذخائر والقذائف، وكذلك اللباس العسكري.

ذكريات أهل سراييفو المرة والسعيدة داخل النفق

image

أسعد طه: في سترة الليل، وعلى بعد أمتار من العدو، كان المدافعون عن المدينة يمرون عبر النفق، يمدون سراييفو بالسلاح، وتمدهم سراييفو بالرجال.

صالح: لقد عبرت وحدات كثيرة من الجيش النفق، لأنه كان يجب علينا الدفاع عن خطوط التماس، وكان ذلك بالغ الأهمية، لأننا كنا في سراييفو محاصرين، لقد استشهد الكثير من أحب أصدقائي، أنا بقيت هنا، والكثير منهم قتلوا، إما بالقرب من النفق، أو على خطوط التماس.

أسعد طه: صالح.. في الصفوف الأمامية هو، إذا ما لاحت نذر الحرب، وإذا ما حل السلام عاد إلى الصفوف الخلفية، يبحث عن لقمة العيش، وعن زاد الصغار، حين أراد الحديث.. حين أراد أن يسترجع ذكريات الغضب أبى أن يفعل ذلك، إلا في حضرة الرجال، الأصدقاء الشباب الشهداء.

صالح: كان عبور النفق من أصعب أيام حياتي، وبسبب طولي وقصر ارتفاع النفق، كان علي الانحناء بصورة مضاعفة لم يكن الهواء نقياً، وكانت المجاري والمياه تصل إلى هنا، وكنا مبللين والجو بارد جداً، والثلج يصل إلى هنا.

أسعد طه: يعود صالح فيتذكر كيف فاجأته الواقعة، وكيف فصلت أسوار الحصار بينه وزوجته في سراييفو وبين ابنهما خارج سراييفو، حين نشبت الحرب حين كان الولد هناك لدى الجد والجدة.

صالح: لقد كنت من أول المتطوعين، وعندما وصلت إلى الجبهة، وعدني القائد العسكري بأنه سيسمح لي بالذهاب لرؤية ابني، وقد حضنت القائد من شدة السعادة والفرح، وشكرته جداً على إنسانيته، عندما وصلت وجدت إحدى قريباتي وناديتها يا "جميلة" فنظرت إلي وسألتني من أين أتيت، قلت لها أتيت من الجبهة لأرى ابني "علاء الدين" لم أره منذ سنتين ونصف، وعند فراقنا كان طفلاً يبلغ من العمر سنتين ونصف، وها هو يبلغ الخامسة من عمره عند لقائنا، قالت لي إحدى النساء ألا أقول له أنى أبيه كي لا يخاف، قالت "جميلة" وهي تبكي عن ابني، لأني سمعت أصوات بعض الأطفال في المنزل حيث ابنها أيضاً.

كانت "جميلة" مستمرة في البكاء، في هذه اللحظة دخلت البيت، رأيته ولداً كبيراً في الخامسة من عمره، لم تصبر وقالت له: هذا هو أبوك، فرد عليها قائلاً: هذا ليس أبي أعطني البندقية لأقتله.

عند وصولنا إلى النفق لم أستطع أن أحمل ابني لأنني كنت أحمل كيس الملابس وهو ثقيل، لم أستطع القيام بذلك سألت أحد أصدقائي أن يساعدني في حمل الكيس، فوافق لأنه كان يحمل حقائب صغيرة. وصلنا إلى منتصف النفق ولم أستطع السير أكثر، لقد كانت المياه مرتفعة في النفق، وعندما أردنا وضع الكيس جانباً وقع منا في المياه وأصبح أكثر ثقلاً.

ذهب صديقي ولم ينتظرني لأني بقيت مدة ساعتين في النفق، لأن كيس الملابس كان ثقيلاً، وكان صديقي قد أخذ ابني معه.

وقال له هيا يا "علاء الدين" معي لكي آخذك إلى أمك، فرد عليه: لا أريد، أنا ليس لي أم، وعندما وصل إلى شباك المنزل، كانت زوجتي منهمكة والشباك مفتوح على مصراعية، وعندما رأته تعرفت عليه وسألت صديقي: هل هذا ابني "علاء الدين" وأجابت على الفور قائلة: نعم هو ابني "علاء الدين" وقفزت عبر الشباك باكية واحتضنته وهي تصرخ: إنه ابني "علاء الدين".

أسعد طه: إذا ما أردت أن تسطر من التاريخ صفحاته عن الحرب البوسنية أئت إلى هنا، اجلس عند بوابة النفق، واجمع حولك الصغار والكبار، الذين مروا من هنا إلى هناك، أو من هناك إلى هنا، واضع إليهم، واسمع ودون حكايات المقاتلين وقصص المواطنين، الفارين من سراييفو، والفارين إلى سراييفو، المنقوشة على جدران النفق اسماً وتاريخاً، المحفورة في الذاكرة دماً ودموعاً.

سيدة عجوز بوسنية: وعندما وصلنا إلى النفق، وكان عددنا حوالي أربعمائة، وقد اضطررنا للانتظار أمام النفق أربع ساعات، لأنه كان يتم نقل الجرحى، وكان يسمح بالمرور عبر على دفعات، وقد كنا خائفين كثيراً، فكانت هناك عواصف شديدة وكان الثلج عميقاً فوق الأرض، بعدها جاء دورنا ودخلنا إلى النفق ونحن نرتجف ونقع، وكانت المياه تغطي أرض النفق.

image

رجل عجوز بوسني: لقد حملت زوجتي طوال النفق وكنت أقع معها، ومن ثم نقف ونسير خمس خطوات لأننا لا نستطيع أكثر من ذلك، وكانت المياه نصل إلى هنا، وكنت أنتعل صندلاً وكان مبللاً جداً، أثناء المرور، كان يقع الكثيرون وكنا نرفعهم ونحملهم، إلى أن وصلنا إلى نهاية النفق، وقبل نهايته بقليل صدمت رأسي بالسقف، وأغمى علي وحملوني للخارج.. وقد كان هناك إطلاق كثيف للنيران، وكان الناس يعودون إلى النفق لمساعدة الذين وقعوا.

سيدة عجوز بوسنية: عند خروجنا من النفق، كنا نتحرك بصعوبة، وكانت حالة العجائز صعبة للغاية، وقد جلسنا قليلاً وإذا بقذيفة تسقط بالقرب منا، فتقتل اثنين على الفور وجرج الكثيرين، وبعد فترة خفت حدة القصف فقالوا لنا أنه يمكننا الذهاب.

رجل عجوز بوسني: لقد كانت حالتنا صعبة جداً عند خروجنا من النفق، لقد كنا نعاني الجوع والعطش والبرد، كان الأفضل لنا أننا لو متنا.

سيدة عجوز بوسنية: اضطررنا لأن بيت في العراء، وعندما وصلنا إلى بيت أحد أقربائنا في "دوبرينيا"، لم نجد تدفئة في المنزل، وكانت أخته مصابة، والشبابيك محطمة، وقد وجدنا بعض الأوراق وأشعلنا بها النار للتدفئة، تدفأنا قليلاً وأمضينا الليلة هناك، في اليوم التالي ذهبنا إلى مكان لا أذكره الآن، حيث أقمنا في مستوعبات خشبية مخصصة للعمال.

أسعد طه: كم مروا من هذا النفق، قادة وسياسيون، محليون ودوليون، كم التئم بسببه شمل عائلات، وكم أخرى انفرط عقدها، حين ولت وجهها شطر الغربة، كم من مريض مر عبره وكم منهم مات حين لم يتحمل قلبه عبء أكياس الطحين المحمولة على الصدر والظهر.

آميلا ببنتو: أنا "آميلا ببنتو" وأنا في الصف الخامس الابتدائي، وقد دخلت النفق من بوتيمير إلى سراييفو لأول مرة، عندما كان عمري خمس سنوات ونصف، وكان ذلك عام خمسة وتسعين، كنت أعبر النفق يومياً مع أمي لزيارة أبي المصاب في المستشفى، في النفق كنت خائفة بسبب المياه التي تتساقط، عند عودتي من زيارة أبي في المستشفى جلست على العربة التي تسير على السكة الحديدية التي كانت تصدر أصواتاً مزعجة.

وكانت المياه تسيل في النفق، والمصابيح الكهربائية مثبتة على جانبي النفق، وكان هناك أسلاكاً كهربائية، وإضاءة في بعض المناطق، ولم تكن في مناطق أخرى في النفق كان الكثير من الرجال والنساء يندبون حظهم، وربما كنت وأنا وطفل أخر الطفلين الوحيدين الذين مرا بالنفق، وأنا عبرت النفق كثيراً كثيراً، وأعرف كل شيء فيه عن ظهر قلب، كان جميع الضباط يعرفونني وكانوا دائماً يمزحون معي، عندما كنا نصل، كنا نختبئ في إحدى البيوت المهدمة، كان الناس يختبئون خلف الحجارة لكي لا يصيبهم الرصاص لأن أحد الجدران كان مواجهاً للنفق ويتم المرور بمحاذاته، وكان الكثير من الناس يقتلون هناك لأنهم لا يدركون خطورة المرور من هناك لذا كان يقف أحد الضباط ويمنع الناس من المرور.

كان السلم الواصل إلى النفق خشبياً، وكانت بعض درجاته مكسورة، وكنا نضطر للقفز عنها إلى المياه الموجودة في النفق، فتبتل ملابسنا وتتسخ، بسبب الطين والوحل، حتى أن وجوهنا كانت تتسخ، لقد حملني في إحدى المرات الضباط في النفق، وهي المرة الوحيدة التي جرحت فيها فيها نظيفة من النفق، وعندما عاد أبي للمرة الأولى من المستشفى، وضعوني معه في العربة، وكنت أغني باستمرار وكانت أمي والضباط يضحكون، ويقولون أنه عندما أكبر سأكون مغنية ناجحة.

مواطن بوسنوي 3: لقد كانت معظم الأحداث في النفق غير سارة مأساوية، لكن منها أيضاً السارة مثل حفلات الزواج إن ذلك يبدو وكأنه غير معقول، فأنا أذكر صديقي (ألفير سباهيتش) والذي جاء إلى (خراسنيسا) وهو يلبس البدلة وربطة العنق والحذاء، وأنتم تعرفون أن النفق كان مليئاً بالأوحال، ومنسوب المياه عالي، لكنهم جاءوا إلى هنا وأخذوا معهم العروس وهي تلبس بدلة الزفاف، والناس سعداء بهم وهم يمرون عبر النفق.

أسعد طه: وهكذا وجد الناس النور في نهاية النفق، وكأنه يقول لهم: احفروا الأرض ولو بإبرة، وعلموا أولادكم أن القوة في ساعد الظالم لا تهزم عزيمة في صدر مظلوم وأن الأيام دول، وأن الحكم اليوم ليس لهم، الحكم أبداً ليس لهم، إلى الملتقى.

سبتمبر 19, 2011

اسعد طة : قلعة مكونة

 347       
مقدم الحلقة: أسعد طه
تاريخ الحلقة: 29/7/2004

- إيقاف بلا أسباب
- ذكريات الاعتقال الموجعة
- شهادة أمام التاريخ
- المعتقلون يعانون الإنكار

إيقاف بلا أسباب

تعليق: ليس المقصود من هذا الشريط اتهام نظام أو حاكم أو دولة وإنما هو محاولة لقراءة صفحة من تاريخنا نأمل في طيها.

"ربما لو لم يكن هذا الجدار ما عرفنا قيمة الضوء الطليق" أمل دنقل – شاعر مصري.

غير خدوني – المغرب 2003

عبد الناصر: إن كنا ندمنا على شيء وندمنا أننا لم نقم بأي شيء يستحق ذلك العذاب.

محمد النظراني: اقتادوني إلى السيارة معصوب العينين مقيد اليدين واتجهت السيارة إلى مكان مجهول، أصبحت آمل في أن يكون بوسعي أن أذهب إلى المرحاض متى شئت دون حسيب أو رقيب.

عبد الرحمن: الحمد لله كنا نطعم.

مولاي إدريس الحريزي: كل شيء أغلى من العائلة اللي هي الوطن، المغرب بلد جميل.

أسعد طه: إن شئت أن تعرف المدن انبش فيما تنتجه من كتابة، أفكار يرحل من أنجبها ومن حملها ومن حبسها لكنها تعود طليقة لتحط هنا وهناك، تشاغب وتستفز وتحرض وربما تعاقب من أجرم في حقها، أثارني كتاب يقول صاحبه إنه بطاقة سفر إلى الجحيم أستعيذ بالله من الجحيم ومن الشيطان الرجيم ومن المخبرين، ألجأ إلى مقهى أغرق في ذكريات المؤلف عن سنوات الاعتقال في سجن تازمامارت، الحقيقة كنت أختبر سطورا من ذاكرتي عن رواية بن جالون "تلك العتمة الباهرة" حين جاء الحارس لاصطحابي سلط ضوء المصباح على ظهر صفوان وعندها رأيت ذراعه المكسورة عظمة المرفق بارزة من اللحم المصاب بالغرغرينة سألني الحارس كم تبقى له برأيك لا أدري إلا إذا التهمته الصراصير قبل أن تنتشر الغرغرينة في جسمه كله وهذا ما حصل لقد التهمته آلاف الصراصير والحشرات الأخرى التي هجرت زنزاناتنا، ثم تستفزني الفكرة ماذا لو سمعت بأذناي تفاصيل التجربة على لسان أصحابها أفتش في دفاتري أهاتف أصدقائي أدس نفسي في الزحام لا أتوه غير أنني أفقد الطريق إلى تازمامارت هذا السجن الرهيب الذي خلده الأدب المغربي لا عليك أواسي نفسي، ليس أكثر من المعتقلات في بلداننا يسوقني القدر إلى عبد الناصر عند أعتاب صومعة حسان الشهيرة أسترجع معه زمانا تعرضت فيه قيادات الحركة الوطنية المغربية إلى قمع واضطهاد حينها كان عبد الناصر ورفاق أربعة له طلاب ناشطون ضمن حركة يسارية سرية تدعى إلى الأمام قبل أن يحدث ما حدث.


لم تشهد البلاد عام 1976 أي أوضاع سياسية أو انتفاضة شعبية تدعو إلى ممارسة أعمال الخطف والاعتقال بحقنا

عبد الناصر
عبد الناصر: في يوم من الأيام في ربيع سنة 1976 وأنا في مدينة الرباط بشارع في حي شعبي يسمى يعقوب المنصور وقف علي ثلاثة أشخاص وحملوني بسرعة ورموني داخل سيارة وانطلقت هذه السيارة بسرعة جنونية لأجد نفسي بعد حوالي ثلث ساعة داخل معتقل سري مكبل الأيدي معصوب العينين، لم يكن هناك وضع سياسي في البلاد يدعو إلى مثل هذه الممارسة لم تكن هناك انتفاضة شعبية لم يكن هناك وضع استثنائي في البلاد يبرر ما مورس علينا إذا فنحن لحد الآن نتساءل سؤالا كبيرا لماذا بالضبط تم اختطافنا؟ ولماذا لم نقدم للمحاكمة حتى يستمع القاضي إلينا يستمع إلى شهادتنا يعرف ماذا قمنا به وما لم نقم به؟

أسعد طه: ثمة محطة هامة في حياة الناس وأخرى يلتقون عندها أو يفترقون في محطة القطار أراد عبد الناصر أن نلتقي ليحكي لي قصته ورفاقه الذين اعتقلوا منتصف الشهر الرابع من عام 1976 ليفرج عنهم في الشهر الأخير من عام 1984 حوالي تسعة أعوام تنقلوا خلالها بين معتقلات الكومبليكس في الرباط وأجدز وقلعة مكونة في الجنوب، لم توجه للرفاق أية تهمة ولم تعقد لهم أي محاكمة ولم يعرفوا لماذا اعتقلوا ولماذا أفرج عنهم وإنما ظلوا رهينة الاختطاف على حد تعبير المغاربة، عبد الناصر يقدم لي رفاقه الأربعة.

عبد الناصر: فترة التسع سنوات التي قضيناها في المعتقل بقدر ما كانت رهيبة بالتعذيب النفسي والجسدي التي عشناه كانت فيها فترات كثيرة جميلة جدا وهذا بفضل زملائي ورفاقي الذين عاشوا معي بأخص بالذكر منهم قيس عبد الرحمن وكان شخصية عجيبة وكان مقرب إلي جدا كان أقرب الأصدقاء إلي فهو بقدر ما كان بطبعه قلق كان طيلة الوقت يعبر عن قلقه ونرفزته بقدر ما كان طيبا جدا وكانت بيننا تقارب في الآراء في الرؤى في حتى في مسائل شخصية كنا قريبا جدا، شخصية أخرى طبعت طبعتني خلال هالتجربة هي شخصية صديقي رحوي محمد هو كرس ما يقوله الفلاسفة عفوا عن كون أن الإنسان ممكن أن يسجن جسده دون أن يسجن فكره فهو غالبا كان يعيش بعيدا عنا خارج المعتقل دائما يفكر بعيدا عنا وفي بعض اللحظات كنا نسأله عن مسألة تخصنا مسألة تخص داخلي تخص علاقتنا داخل السجن أو مسألة وهو يجيبك بجواب بعيد كل البعد عن عما تسأله هو يجيبك بما كان يفكر فيه سواء مع والدته أو والده أو صديقته أو مسألة تخصه في الخارج. شخصية أخرى هي شخصية النظراني فشخصية النظراني كانت متميزة عن باقي الأصدقاء فهو كان له كان متشبث بأفكاره بل أقول بأنه كان متعصبا لكل أفكاره وبالتالي كان ممن كان يفتح مجالات للصدام في بعض الأحيان حول الأفكار أو الآراء ولكن هذا كان مفيد لأنه كان يطور من النقاش بيننا، الصديق الرابع من المجموعة هو مولاي الحريزي إدريس كان له تواجد بشكل، بشكل مخالف لأنه كان لنقل طفل مشاغب دائما يختلق قصص ومشاكل وإذا كانت هناك سكوت صمت فإذا بإدريس وكأنه ينط داخل.

أسعد طه: لم أشأ قطع حديثه الذي أثارني، في رحلته اليومية بين الرباط حيث يسكن والدار البيضاء حيث يعمل صحفيا تلفزيونيا المسافة قصيرة والأحلام جدا بعيدة، أسرع إلى حيث الملتقى مقهى يضمني مع عبد الناصر ورفاقه بشاشاتهم قادرة على الترحيب بي عاجزة عن محو ما خلفته سنوات الاعتقال ربما ما حدث لهم هو واقعة اختطاف عادية كالتي وقعت لآلاف الآخرين، بربك ما هذه العبارة واقعة اختطاف عادية رغبوا في الحديث ورغبت في الاستماع باغتتني فكرة مذهلة أيها الأصدقاء ماذا لو سمعت منكم التفاصيل هناك في ذاك المعتقل حيث جرت أحداثها وهل تسمح لنا السلطات بسؤال منطقي كانت إجابتهم، لاحقا كانت المفاجئة منحنا الترخيص لنكون أول من يدخل المعتقل المكونة بعد الإفراج عن معتقليه ننطلق من الرباط ويعتذر عبد الناصر عن صحبتنا لارتباطه بعمل تضنينا عشرون ساعة سفر عبر طريق جبلي واعر سعيا إلى قلعة مكونة الواقعة على مرتفع بين سلسة جبال أطلس بالجنوب المغربي حيث الشمس يهزمها الصقيع، نقترب من البلدة التي تزرع الأزهار وتبيعها حتى باتت تلك مهنتها وحرفتها يسودني شعور بأنني قد تورطت فطراز البنايات يوحي بأن البلدة كما اسمها قلعة حصينة لحظات قبل أن يبدد هذا الإيحاء سكان طيبون بسطاء لا تكلف فيهم ولا مراوغة يعمل أغلبهم في صناعة وبيع ماء الورد تأخذهم تفاصيل حياتهم اليومية أرتاح ويغمرني شعور بالطمأنينة، المشهد لا يطول طويلا التفت لأتأمل الوجوه صمت يحتوينا وثمة خاطر يدعو للسخرية ماذا لو أغلقوا علينا أبواب المعتقل وصرنا حكاية جديدة ولماذا الدهشة ألا يستقيم ذلك على المنطق الغائب عن بلادنا.

ذكريات الاعتقال الموجعة

حارس بوابة معتقل مكونة: افتح يا يوسف.

أسعد طه: ما أن تجاوزنا البوابة حتى أسرع النظراني إلى زنزانة أمضى فيها عقوبة الحبس الانفرادي.


أمضيت في الزنزانة مدة عام ونصف، ورغم أن السجان كان يضربني فإنه كان وسيلة الاتصال الوحيدة بيني وبين العالم

محمد النظراني
محمد النظراني: هذه هي، الزنزانة التي أمضيت بها عاما ونصف عزلة، عزلة قاسية سنة ونصف سنة ونصف تماما ثمانية عشر شهر وأصدقائي كانوا في تلك الزنزانة هذه كانت تسمى عقوبة وأنا عوقبت عقوبة دامت سنة ونصف عزلة تامة لم أكن أتكلم مع أحد لم أكن أرى أحد لم يكن يدخل علي غير السجان وكنت أسميه الغوريلا كان يدخل علي ليعطيني الأكل وليضربني في ذلك الوقت كان هو الاتصال الوحيد بيني وبين العالم، بطبيعة الحال كنت أتمشى هكذا بشكل قطري خطوات مستمرة كي لا تتجمد قدماي، الصيف والشتاء والخريف وسنة ونصف والبرد آه البرد الذي لا يمكن تصوره هنا كنت أضع وعاء قضاء الحاجة كانت لي فرصة واحدة كل صباح لأخرج لأقل من دقيقتين لأفرغ الوعاء خارج الزنزانة ولم يكن الوقت يكفي وكنت أخرج لغسل ملابسي مرة في الشهر مرة خلعت كل ملابسي قبل الخروج قلت هذا أفضل لكسب بعض الوقت لأضعها مباشرة في السطل عند الخروج لغسلها وهكذا أوفر وقت خلع الملابس وعندما دخل السجان سألني كيف عرفت أن اليوم موعد الغسيل أجبته أنني كنت أحسب وهذه الكلمة أثارته فهو لا يريدني أن أعرف موعد الغسيل لا يريدني أن أعد الأيام وقال كيف تعد الأيام ممنوع أن تعد الأيام وانهال علي بالضرب وأنا جالس في مكاني وهو يضربني بالعصا كانوا يعطوننا في كل شهر نصف شفرة للحلاقة وكنت أحلق رأسي بي بيدي والدماء تسيل على وجهي وكنت أكره هذا فقد أوصلونا إلى مستوى يعني مثل الحيوانات لم تعد للآلام قيمة في ذلك الوضع يعني الدماء كانت تسيل هكذا وأنا لابد أن أكمل لأحلق رأسي تلك لحظة لن أنساها يعني، يعني على الأقل إن لم يكن مسموحا بخروجي يأتي واحد آخر ويحلق لي رأسي يمكن أن يمنعونني من الكلام معه يمنعونني من أن أراه يعصبوا عيني يفعلوا أي شيء ولا يتركوني أحلق لنفسي.

عبد الناصر: كان هناك تعذيب بدون هدف كان هناك تعذيب بدون هدف كان التعذيب من طرف حراس ساديون يمارسون ساديتهم علينا فقط لأننا كنا في موقع الضعف وكانوا هما الحراس.

عبد الرحمن: حينما أحضرونا في اليوم الأول ذهبت لأخد إناء فكان حارس واقف فوق فتعطلت شيء ما فقال لهم إنه ربما يفعل شيئا أو يتكلم مع أحد فأخذوني إلى المرحاض وبدأو في فضربني رئيسهم بلكمة حتى شعرت بسخونة لا تتصور وأحسست أن رأسي سيحترق ثم جروني إلى المرحاض هنا وبدأو في رفسي هكذا بأحذيتهم العسكرية يضربون الجهات الحساسة.

عبد الناصر: هناك قدموني إلى الحراس وقالوا للحراس أننا نحن نكرههم واغتنموا فرصة أننا من منطقة معينة من المغرب وأن الحراس في أغلبهم من منطقة الجنوب من المغرب حاولوا استغلال العصبية إذا سامحنا نستعمل هذا نوع من العصبية القبلية لخلق عداء شخصي بيننا وبين الحراس وبالتالي أخذوا يمارسون عنا ساديتهم ويبدعوا في وحشية الإنسان.

عبد الرحمن: كان الوضع في معتقل قلعة مكونة أسوأ بكثير من معتقل أجدز الذي كان الوضع فيه لا يطاق.

عبد الناصر: الذهاب إلى المرحاض بقدر ما كان حاجة ضرورية ومتنفس ننتظره طيلة اليوم كان لحظة عذاب حيث أنه عندما نخرج إلى المرحاض كانوا يضربوننا طيلة المسافة ما بين الزنزانة والمرحاض.

عبد الرحمن: حينما كنا هنا لم يكون هناك باب ولم يكن كان يقف الحارس أمام الباب وينظروا للشخص وهو في المرحاض ولم يكن هناك ماء يقول اقضي حاجتك وطلع سروالك وأدخل للغرفة.

محمد الرحوي: كان يعطى لنا من الوقت ما يكفي فقط لكي نفرغ جردل نملؤه ببعض بالبول وأحيانا كذلك كنا عندما نصاب بالإسهال نقضي فيه حاجتنا.

عبد الرحمن: أنا وعبد الناصر يوم مرضنا نحن الاثنين في آن واحد والحارسان يقفان أمامنا.

محمد النظراني: كنا نضطر لتلبية حاجتنا داخل الزنازين شيء التي أصابنا بالحساسية وبأمراض أمراض الجهاز التنفسي.

عبد الرحمن: كنا دائما نقول إذا كان لنا منزل يجب أن يكون فيه مرحاض ومرحاض واسع بالماء وبالباب وبالإنارة تصوروا.

عبد الناصر: كنا نخاف من مسألة واحدة هو أن نجرح أو نصب بعطب في جسمنا وليس هناك دواء حيث أننا كنا نتمنى أن نموت على أن نجرح أو نعطب لأنه ليس هناك دواء.

عبد الرحمن: العقارب كانت موجودة بكثرة وكنا في الليل قبل أن ننام كنا نقول أنه علينا أن نركز على شيء واحد في رؤوسنا هي أنه علينا أن لا نتحرك أثناء النوم إذا ما عبر فوق أجسامنا أي شيء لأن العقرب هكذا لن يلسعنا وكنا في أحلامنا كنا نحلم بأن العقارب تلدغنا.

عبد الناصر: ضرب أحد الحراس أحد المختطفين بالمجرفة التي نحمل بها التراب ضربه بجزئها الحديدي ضربه على هذا الجزء من رأسه فجرح جبهته والعضمة التي تحمي العينين وجزء من وجهه ومن طبيعة الحال ليس هناك دواء ليس هناك طبيب وبالتالي تعفنت هذه المنطقة من وجهه إلى أن توفي.

محمد النظراني: في الواقع الحالات التي مرت بي هي أنني أرى معتقلين يحتضرون هكذا طريحي الفراش في وضع منهك وقد بلغت بهم النحافة لدرجة لا تتصور إذ أن عظامهم البادية للعيان وكأنها عارية من أي لحم وقد قضوا نحبهم ومنهم على وجه الخصوص محمد الشيخ محمد الشيخ والذي لم يكن يتجاوز على أكثر تقدير سن 14 من العمر فقد أطلق صرخة مدوية يوم لفظ أنفاسه.


اتفقنا على تحدي الموت كي يشهد أحدنا على الأقل بما عانيناه في المعتقل

عبد الناصر
عبد الناصر: أو من المسائل التي أخذنا نتفق عليها هي أنه يجب أن يعيش منا على الأقل واحد يجب أن نتحدى الموت ويعيش واحد حتى يخرج منا على الأقل واحد لكي يشهد مما عشناه وكانت إذن هذه هي من أصعب الفترات بحيث أنه كان هناك صراع ليس بيننا وبين الحراس كما كان من قبل ولكن صراع بيننا وبين الموت يجب أن نحيى لكي نشهد بما عشناه لكي نقول للمغاربة نقول للملأ أن هناك أماكن حيث يدفنوا المغاربة لا لشيء ولا لسبب يذكر.

مولاي إدريس الحريزي: كان باستمرار كان كفن يوجد في أحد الغرف يوجد على مرأى من المختطفين، هذا هو مصيركم هذا هو الثوب الذي ستخرجون به من هذا المدفن.

مذيعة: طرح السؤال سنة تسعين حول موقع معتقل تازمامارت وقلعة مكونة مركزان للاعتقال السري؟

الحسن الثاني – ملك المغرب : قلعة مكونة مركز سياحي سيدتي إنها عاصمة الورود تازمامارت كانت موجودة فعلا والأمر انتهى الآن.

مذيعة: حسب تقرير للأمم المتحدة كان في قلعة مكونة مركز للاعتقال السري.

الحسن الثاني: يا الهي قلعة مكونة ما هي إلا عاصمة الورود إنهم لا يعرفون جيدا جغرافية المغرب..

مذيعة: بالإمكان أن توجد مراكز للاعتقال في أماكن أقيمت لأغراض أخرى؟

الحسن الثاني: لا...لا ...لا هذا مستحيل.

[فاصل إعلاني]

شهادة أمام التاريخ

مولاي إدريس الحريزي: يوم خميس من صيف عام 1977 صنع حميد أورقا للتقويم فنجحنا أخيرا في أن نمسك بالتاريخ على زنزانتنا كوة صغيرة تمنح بعض الرمال وشيئا من الضوء كنت أتذكر ساحة قريتي عندما ضاق السجان بالأمر.

تعليق: وجاءت الانتخابات التشريعية في يونيو من سنة 1977 تتويجا للديمقراطية الحسنية.

أسعد طه: في الشهر السادس من نفس العام شهدت المغرب أول انتخابات تشريعية في تاريخها.

تعليق: مغرب الديمقراطية مغرب الحرية ومغرب الحسن الثاني.

أسعد طه: أشم رائحة الموت أتسلل إلى النافذة أظننا في خريف عام 1984 أختلس النظر إلى راية السجن كفنا علقه الجلادون، كلما رحل أحدنا تحت وطأة التعذيب قصوا منه طرفا سنوات الاعتقال تمر بطيئة والكفن ينقص كل يوم أسأل نفسي هل سيفقد الكفن طرف أخر أم سأكون أنا المفقود، في خريف ذات العام احتفل القصر الملكي بزفاف الأميرة لالا مريم كريمة العاهل المغربي.

أسعد طه: ثلاثاء أنتظره غامر رفيق لا أعرفه وأرسل إشارة ضوئية من قطعة زجاج بعثت شيئا من الحياة في زنزانة انفرادية فابتسمت اليوم سوق البلدة الأسبوعي أمعنت في الصمت لعلي أسمع شيئا من الضجيج يخيب ظني فأعود إلى حديث يومي مع وجوه صنعها الزمن على جدار زنزانتي اشتاق لصوت الحياة، يوم حار من صيف عام 1984 يبدو أن الملل أصاب الحراس فقرر كبيرهم استعادة مشهد التعذيب الأول كان الأمر مسليا للحراس فأعادوه كثيرا، في ذات الصيف فاز البطل المغربي سعيد عويضة بذهبية الألعاب الأولمبية ليرتفع علم المغرب للمرة الأولى في تاريخ الدورات الأوليمبية، كنت أشعر بما خلفته تسع سنوات من الاعتقال على مولاي إدريس لكنني لم أفهم لماذا قرر بعد الإفراج عنه أن يعمل في مهنة لم يكن يحترفها من قبل ولا تتناسب مع مكانته الاجتماعية سائق شاحنة يجوب البلاد من أقصاها إلى أقصاها.

مولاي إدريس الحريزي: كنت أكره الحيطان كان السفر هو وسيلة لإعادة اكتشاف الحياة من جديد العودة للحياة من جديد لاكتشاف أشياء كثيرة غابت عنا في تلك الفترة الاختطاف أشياء بسيطة لكن كبيرة في حياة الإنسان.

أسعد طه: كان لا يفارق صمته أثار ذلك فضولي سألته مرة عن ما ضاع منه في سنوات السجن.

مولاي إدريس الحريزي: كانت لدي علاقة بفتاه كانت علاقة طيبة كنا نحلم بالزواج كنا نحلم بتأسيس أسرة كنا نحلم بأشياء كثيرة بطبيعة الحال ظنت أنني مت وتزوجت.

أسعد طه: يعود مولاي إدريس إلى الزنزانة رقم خمسة.

مولاي إدريس الحريزي: كنت مرشحا للموت في هذه غرفة خمسة يوم 19 إبريل 1982 قد شللت ولم أعد قادرا لا على الأكل ولا على التفكير ولا على أي شيء كنت أنتظر الموت، بصراحة لم أكن أخشى الموت لكن كانت عندي أخر أمنية أن لا أدفن في هذا السجن، كنا نسعى للتغيير ولو بعد موت على الأقل على الأقل أن يدفن الإنسان من طرف العائلة، أن يدفن كانسان.

أسعد طه: ليالي الحبس الانفرادي كشفت في محمد النظراني موهبة جديدة لم يمارسها من قبل كانت الوحدة عذابه الذي لا يطاق فلجأ إلى رسم أشخاص على أرض زنزانته الضيقة ليتكلم معهم النظراني الذي أوقفته سنوات الاعتقال عن دراسة الفلسفة صنع فرشته من متاع الزنازين البوص وخيوط البطانية أما الألوان فهي من نصف فنجان قهوته الذي يكتفي يوميا باحتساء نصفه الأخر.

محمد النظراني: الرسم وسيلة لكي أتكلم مع الأشخاص الذي كنت أرسمها على البسيط لآن لا يوجد معي في هذه الزنزانة أي إنسان أخر يمكن أن أتكلم معه حيث أن حتى النطق حتى الكلام قد سرق مني لأنني لم يكن هناك أي شخص أتكلم معه وكنت أرسم الشخصية.

أسعد طه: وبعد الإفراج عنه ظل محتفظا بفرشاة السجن كان همه أن يستحضر من ذاكراته مشاهد التعذيب في المعتقلات التي مر بها فكر وتذكر ورسم ما جرى وبدأ بمعتقل الكومبلكس.


التعذيب في قلعة مكونة كان يعتمد أساليب بدائية بشعة تختلف عن الأساليب العصرية المستخدمة في أميركا اللاتينية

عبد الرحمن
عبد الرحمن: لا يمكن مقارنة التعذيب في قلعة مكونة أو في أجدز بالتعذيب في الكومبلكس التعذيب في الكومبلكس مثلا كان يتم بشكل عصري بالطائرة بالجفاف بالكهرباء أي كانوا يعتمدون طرق كالطرق المستعملة في أميركا اللاتينية في الاورجواي البرازيل أو غيرها أما التعذيب في قلعة مكونة وأجدز فقد كان تعذيبا مغربيا صرفا كان يعتمد أساليب بشعة أساليب بدائية مثلا كالضرب بالأعمدة على الرأس والضرب بالمعاول هناك من ضرب بالحديد على الوجه.

أسعد طه: أدهشني وجه محمد الرحوي كأن أيام الاختطاف محفورة عليه كلما أمعنت النظر في عينيه أدرك أنه ليس معي جسده هنا وهو مسافر هناك.

المعتقلون يعانون الإنكار


كنت أسرح بمخيلتي خارج أسوار السجن لأنها السبيل الوحيد للخروج منه دونما حراسة لمخيلتي ومشاعري

محمد الرحوي
محمد الرحوي: كنت دائما شارد الذهن أفكر خارج هذه الأسوار أي أنني هكذا أفكر في علاقاتي صداقاتي أسرتي والمناظر الطبيعية التي حرمت منها والتي استحضرها أمامي واستمتع بها وكأنني بها، كنت أجدني استحم في شواطئ وأجري في غابات بل وألاحق أيضا فتيات من صنع خيالي أو أن هن مركبات من عدة فتيات أخريات عيون هذه وأنف تلك وما إلى ذلك كنت هكذا أجد أنها الفرصة التي تتيح لي الخروج من هذه الزنزانة ضد على إرادة الحراس الذين يعتقدون إمكانية حراسة مشاعري وحراسة مخيلتي، كان الشخص الذي يستبد بتفكيري أكثر من غيره هو والدتي وفي هذه المسألة يمكن أن أقل بأن هذه نتقاسمها كلنا وكانت الوالدة حاضرة أمامي لدرجة أنني كنت أتوق إلى مجرد السماح لي بإلقاء نظرة عليها وإعادتي إلى الزنزانة إلى أخر لحظة من عمري.

والدة محمد الرحوي: بقيت أبكي لمدن عامين لم تجف خلالهما عيناي في الليل وفي النهار وعيناي تبكي... تبكي ... في الليل وفي النهار لم أكن أنام لم أكن أكل لم أكن أخرج أو أفعل أي شيء كنت أشعر بالمرارة نهار العيد الناس من أولادهم وأسرهم وأنا... أنا وحدي محرومة من ابني وليس عندي ابنه أو أخ.. فقط أختي الوحيدة أعيش معها وكما يقولون الشوق للماء العطش للماء لا يرويه الابن والشوق للابن لا يرويه الماء.

عبد الناصر: أفرج عني ولم أخبر أن كان والدي لازالوا أحياء أو ماتوا أن كانوا لازالوا قاطنين في نفس المنزل أو غيروه وصلت إلى المدينة وكانت الساعة حوالي الثالثة أو الرابعة فجرا لا أستطيع ضبط الوقت وأتيت إلى المنزل وقفت في باب المنزل وأخذت أتردد هل أطرق هذا الباب أم لا هل لازالت أسرتي تسكن بهذا المنزل أم لا وقررت أن أطرق الباب وأرى ما يمكن أن أراه وكان هناك ثقب في الباب وفكرت أن أطل من الثقب وكان الوقت ليلا كان الظلام وكانت ليلة باردة جدا من كانت يوم الثلاثين من ديسمبر سنة 1984 وفعلا عندما فتح عندما أشعل الضوء من داخل المنزل رأيت فعلا امرأة قادمة من خلال الثقب أردت أن أنسحب كما فكرت ولكنني لم أستطع حيث أنني كنت أقدر أن أحرك كتفي وظهري ولكن رجلي شدت إلى الأرض كأنهما دكتا في الأرض لا أستطيع تحريكهما وفتحت امرأة فتحت الباب وسألتني من أنت ولي أمر غريب جدا هو أن هذه المرأة كانت هي والدتي ولكنني لم أتعرف عليها خلال تلك اللحظة رغم أن صورتها لم تفارقني طيلة التسع سنوات سواء في يقظتي أو في منامي وسألتني من أنت وبشكل غريب لا أفهمه لحد الآن أجبتها أنني أبنك عبد الناصر وكان جوابها أن ليس لها أبن بهذا الاسم وأخذت ألح عليها أنني ابنها وأن عليها أن تتركني أن أدخل وكما قلت كانت الفترة ليلا وهذه المرأة التي يدق على بابها يطرق على بابها شخص لا تعرفه دخلت إلى المنزل وتركت الباب مفتوحا وذهبت توقظ أخوتي لتقول لهم استيقظوا فهناك في الباب شخص يقول أنه أخوكم كانت لحظة رهيبة صارت فيها لا أعرف أنا أتحدث مع امرأة على أنها والدتي وأنا لا أعرفها وهي تتحدث معي وهي تنكر أن كان لها ابن بهذا الاسم بطبيعة الحال لم استطع الوقوف في باب المنزل ودخلت وجدت أخوتي قد استيقظوا لم يفهموا ما يقع في تلك اللحظة خامرني شك في أن كل هذا مجرد تمثيلية حتى لا يقولوا لي نحن نرفضك لا نريدك وشعرت كأن سكينا انغرزت في داخلي وفكرت في أن أنسحب باعتبار أنهم لا يريدونني في تلك اللحظة الأخ الأكبر كأنه استفاق وارتمي على وأخذ يقبلني وابتدأ البكاء..

أسعد طه: بانتهاء مهمتنا ورحيلنا بات المعتقل وحكاياته خلف ظهورنا أو هكذا يأمل الرفاق وظلت البوابة مفتوحة وراءنا لكنني شعرت أن القصة لم تنتهي بعد.

عبد الناصر: أنا لا يمكن أن أرتاح ما دام لم أجد جواب للسبب الذي كان وراء اختطافي لماذا تم اختطافي ما هو السبب أريد أن أعرف هؤلاء الذين أشرفوا على اختطافي ما الذي كتبوه في التقارير التي قدموها للمسؤولين أريد أن أعرف ما كتبوه ولن أرتاح مادمت لم أعرف ما كتب في حقي، ظاهرة الاختطاف لازالت مستمرة وحجتي على ذلك هو أنه لحد الآن لم يفرج أو لم يكشف عن مصير العديد من المختطفين السابقين الحسين المانوزي الذي اختطف سنة 1972 منذ 1972 مازال مصيره مجهول لحد الآن..

أسعد طه: يصحو العجوز يرعى في زرعه الحياة ثم يجلس فيطالع صحيفته ينصت إلى ابنه الصوت الثوري القادم من الجهاز الحديدي البارد هو أخر خطبة للحسين المانوزي مناضل يساري تم اختطافه عام 1972 ومنذ ذلك الحين وهو مجهول المصير يأخذني حديث الأخت عن الغائب منذ أكثر من ثلاثين عاما.

أخت الحسين المانوزي: مادمنا لم نتوصل لجثمانه فأننا نعتقد بأنه مازال حيا ومازال عندنا الأمل إنني أقول له بأنني مشتاقة أليه كثيرا وحبذا لو تمكنت من معانقته الآن أنني أود معانقاته بحرارة.

أسعد طه: تطل شرفة المنزل على المقابر حيث وجدت الأم تجلس وتراقب.

والدة الحسين المانوزي: أنظر إلى المقابر عندما أستيقظ أيام الجمعة أرى الناس يأتون لزيارة مقابر أهلهم وأحبائهم وأبكي... أبكي... أبكي حتى الإعياء أقول ليت لولدي حتى قبر.. لأزوره فيه.

أسعد طه: أرحل وتبقى الأم تنتظر، تركت أم المانوزي تنتظر مع العشرات من أمهات المختطفين ومجهولي المصير وتوجهت إلى قلب الرباط فقد اخترنا أن يكون الوداع حيث قرر أن يلتقي الناس، مظاهرة تضم الآلاف المناصرين للعراق ولفلسطين أفتش بصعوبة عن الأصدقاء أحيانا لا تهم الأسماء ولا التفاصيل فشعوب بأكملها تختطف، يجدني عبد الناصر ثم لا نلبث أن نكتمل يتركني الأصدقاء يذوبون في الزحام يمر شريط الذكريات أمامي تتدافع الصور انتهت الحكاية إذن ليس أصعب من أن تغادر المغرب اجتهد لأبقى في نظري أروع ما يمكن أن أراه زحمة وحياة وحماس وهتافات كنت ألقي عليهم النظرة الأخيرة قبل أن أعود من حيث أتيت وكانوا يهتفون بالمجد للجماهير وبسقوط الأنظمة.

المجد للجماهير ..

ولأم الحسين المانوزي..

ولكل الذين لم يعودوا.

عبد الحق الرويسي أختطف في أكتوبر 1964.

مولاي على فخيم أختطف في مارس 1975.

المهدي بن بركة أغتيل في أكتوبر 1965.

محمد بوفوس أختطف في يوليو 1967.

الرياضي محمد أختطف في 1973.

محمد بنونة أغتيل في مارس 1973.

العربي أزيان قتل في تازمامارت في يناير 1980.

أحمد الحمزاوي أختطف في يوليو 1988.

عبد اللطيف سالم أختطف في مايو 1988.

محمد إسلامي أختطف في نوفمبر 1997.

أحمد السماحي قتل في 1965.

وآخرون..

في منتصف السبعينات غنى فريق "ناس الغبران" أغنية "غير خدوني" على لسان أحد المختطفين ومنذ ذلك الحين ظلت الأغنية نشيدا للمختطفين في المغرب.

ADDS'(9)

ADDS'(3)

 


-

اخر الموضوعات

مدونة افتكاسات سينمائية .. قفشات افيهات لاشهر الافلام

مدونة افتكاسات للصور ... مجموعة هائلة من اجمل الصور فى جميع المجالات

مدونة افتكاسات خواطر مرسومة.. اقتباسات لاهم الشعراء فى الوطن العربى والعالم

مدونة لوحات زيتية ..لاشهر اللوحات الزيتية لاشهر رسامى العالم مجموعة هائلة من اللوحات

من نحن

author ‏مدونة اخبارية تهتم بالتوثيق لثورة 25 يناير.الحقيقة.مازلت اسعى لنقلها كاملة بلا نقصان .اخطئ لكنى منحاز لها .لايعنينى سلفى ولا مسلم ولا اخوان يعنينى الانسان،
المزيد عني →

أنقر لمتابعتنا

تسوق من كمبيوتر شاك المعادى