آخر المواضيع

‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصة القناة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصة القناة. إظهار كافة الرسائل

19‏/08‏/2015

أغسطس 19, 2015

فلاسفة لكن لصوص.. لايبنتز يغري فرنسا بغزو مصر



لايبنتز
قبل ظهور الإنسان على الأرض وفي العصور الجيولوجية سحيقة القدم، لم تكن صورة خريطة مصر كما استقرت عليه في عصور ما قبل التاريخية، فقد كان البحران الأحمر والأبيض بعد ظهورهما على الأرض، يتصلان وينفصلان نتيجة حركات القشرة الأرضية التى تحدث على مدى ملايين السنين، فيتغير شكل الخريطة تبعا للتغيرات الجيوبوجية.
في عام 1486 تمكن ملاح برتغالي يدعى بيرتلمي دياز من الوصول إلى طرف قارة إفريقيا الجنوبي وكان يسمى برأس العواصف، وبعده تمكن زميله في الملاحة والوطن فاسكو دي جاما من تجاوز رأس العواصف، ليعلن للبشر رؤية اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح البحري.
والحقيقة أن هذا الطريق كان مطروقا للملاحين العرب قبل البرتغاليين، بدليل أن البحار العربي العماني الشهير أحمد بن ماجد هو الذي اعتمد عليه دي جاما في هذا الاكتشاف، فمع السياسة الاستعمارية التى انتهجتها البرتغال، نشطت حركة التجارة البحرية مع الهند والشرق الأقصى وكان لابد من بحث عن طريق بديل عن الطرق البرية المارة بمصر تحت سيطرة المماليك أو في غرب آسيا وشرق أوروبا الواقعة تحت سيطرة العثمانيين، كذلك الطرق البحرية في المتوسط، كلها كانت خارجة عن سيطرة البرتغال، خاصة مع منافسة جمهورية البندقية ما أدى إلى تحول المنافسة البحرية إلى حربية، انتهت بانتصار البرتغال على الأسطول المملوكي بقيادة حسين الكردي في معركة "ديو البحرية" قرب سواحل الهند، لتفرض البرتغال نفسها على خطوط الملاحة في المحيط الهندي وهو المسرح الرئيسي للتجارة في جنوب وشرق آسيا.
وكان هذا الانتصار وبالا على المماليك، إذ تحولت التجارة عن مصر إلى الطريق البحري الجديد، فانهار الاقتصاد المصري وارتفعت الأسعار بجنون ووقعت اضطرابات عديدة، انتهت بسقوط دولة المماليك في سنة 1517وسقوط القاهرة تحت الاحتلال العثماني.
وقد وضع العثمانيون مصر في عزلة عن العالم ولم يهتموا بأي إصلاحات حقيقية فيها ولم يفكروا في بذل أي جهود لإعادة تفعيل طرق التجارة، أما مسألة عودة الطريق البحري بإعادة حفر القناة، فكان أبعد ما يكون عن العثمانيين الذين أهانوا المصريين وتواطؤا معهم المماليك، فأوكلوا إليهم إدارة أحوال البلاد لخبرتهم السابقة في حكم مصر وانزوت مصر كإيالة عثمانية في حال أشبه بما كانت عليه أيام الرومان، فنسيها التاريخ لمدة قاربت ثلاثة قرون في غيبة تامة عن الإسهاب بأي نصيب في مسيرة الحضارة الإنسانية، حتى جاءت حملة نابليون لتذكر التاريخ بموقع مصر في قلب العالم.
"إلى القناة من جديد"
في رسالة مشهورة له عرفت بـ"مذكرة أو مشروع لايبنتز" دعا الفيلسوف والقانوني والديبلوماسي وعالم الرياضيات الألماني جوتفريد لايبنتز، ملك فرنسا وصاحب نهضتها لويس الرابع عشر "الملك الشمس" إلى غزو مصر لأهمية موقعها بالنسبة للعالم محفزا له بأن يعيد محاولة سميه وسابقه على العرش الفرنسي لويس التاسع "الملك القديس" ذلك المحارب الأرعن المشئوم الذي غزا مصر على رأس الحملة الصليبية السابعة وتم أسره في معركة المنصورة وكررفشله الذريع في حملة على تونس أيضا".
وكان لايبنتز "1646- 1716" وهو ممن يحسبون على ما يعرف بفلاسفة التنوير، يغرى لويس الرابع عشر بالاستيلاء على مصر ليقضى على "المحمديين الكفار" ليسلك الطريق إلى القدس وبإنه سيكون أعطى القيمة كل القيمة لمقدرته المفترضة على إسعاد البشرية، حيث كتب: "إن خلاص القسم الأكبر من النوع الإنساني يرتبط الآن بالقرار الذي يمكن أن تتخذه ولكان في إمكان فرنسا أن توسع حدود إمبراطورية المخلص (السيد المسيح) من مصر حتى ديار الأمم الأكثر بعيداً فوق سطح الكرة الأرضية وليس فقط حتى حدود اليابان، بل وصولاً الى سواحل أستراليا المجهولة وعند ذلك سيعود العصر الذهبي للمسيحية مولوداً جديداً ونرى الكنيسة الأولية، كنيسة البدء تنبعث مزدهرة".
ولا يفوت لايبنيتز في هذا المجال أن يعرض على الملك أن يستعين به - من أجل المساهمة في تحقيق الأهداف السياسية التوسعية وهو واثق من أن "هذه الملكية الكونية ستجعل من فرنسا مدرسة أوروبا وأكاديمية النفوس الكبيرة وسوق المحيط والشرق المشتركة، معطية للخلف مبررات تمجيد لويس هذا بصفته "القديس لويس الثاني".
لكن لويس رفض مشروع لايبنتز، بل رفض مقابلته لمناقشة المذكرة، معتبرا أن الحروب الصليبية مرحلة انتهت من التاريخ وهذا هو ما دفع الفيلسوف "المستنير" أن يشن هجوما شرسا على لويس ويتهمه بالطمع وسياسته بالتوسعية!.
كانت هذه الرسالة التى تجاهلها لويس الرابع عشر، مقدمة مبكرة لحملة نابليون بونابرت على مصر وكان هدفها تكوين قاعدة للإمبراطورية الفرنسية في الشرق، فقد اختلف رؤية نابليون "التوسعية" عن رؤية لايبنتز "الصليبية" لكن الاتفاق بأنه لايمكن تحقيق سيادة على العالم دون الاستيلاء على مصر.
والمنافسة كانت على أشدها بين فرنسا وبريطانيا التى سادت البحار بعد أن أنهت كل سيادة لغير أسطولها على طرق التجارة البحرية العالمية، لكن مع انفتاح الطريق البحري إلى الهند وشرق آسيا عبر قناة السويس، يمكن أن تتحول موازين التجارة وموازين القوى أيضا.
وكانت زيارة السويس علة حملة نابليون وعلى أولوياته، فما أن اسستتب الأمر له في القاهرة، حتى يمم وجهه نحو الشرق ليتفحص بنفسه موضع القناة.
ولكن المهندس "جاك ماري لابير" الذي صحبه نابليون خصيصا مع بقية علماء الحملة، ذكر في تقريره بعد دراسة وافية استغرقت عاما أن هناك ارتفاعا يبلغ ثلاثين سنتيمترا لسطح البحر الأحمر فوق مياه المتوسط، فأراد لوبير أن يطرح مشروع قناة ذات تفريعات وأهوسة على مثال القنوات القديمة تبدأ من الإسكندرية وتنتهى بالسويس، لكن فيما يبدو أن زيادة تكلفة الحفر مع ما كان من اضطرابات سادت الثلاث سنوات التى استغرقتها الحملة على مصر، سببا في إلغاء فكرة حفر القناة.

لمزيد من التفاصيل إقرأ أيضًا :
أغسطس 19, 2015

لماذا رفض بن الخطاب اتصال البحرين مباشرة


صورة أرشيفية - قناة السويس
قبل ظهور الإنسان وفي العصور الجيولوجية سحيقة القدم، لم تكن صورة خريطة مصر كما استقرت عليها في العصور ما قبل التاريخية، فقد كان البحران الأحمر والأبيض بعد ظهورهما على الأرض، يتصلان وينفصلان نتيجة حركات القشرة الأرضية التى تحدث على مدى ملايين السنين، فيتغير شكل الخريطة تبعًا للتغيرات الجيولوجية.
عندما جاء عمرو بن العاص على رأس الجيش العربي، كان قد سبق جيشه إلى مصر عشق قديم منذ أن كان عمرو تاجرا جفعه حب المغامرة إلى مصر فأحب أهلها وأحبوه وكانت إقامته تطول في ربوعها، فيعود محملا بخيراتها في ارتحالاته التجارية التى لم تنقطع إلى معشوقته مصر.
وبغض النظر عن القصص التى تروى عن قصص عمرو مع المصريين قبل الفتح العربي عام 642م، إلا أنها تشيرإلى عمق ارتباط عمرو بالمصريين وارتباطهم به وولوجه في مجتمعهم حتى وصل إلى حفلات أمرائهم " في قصة حفل نبوءة سقوط الكرة في حجر من سيحكم مصر، حيث قادت الصدفة عمرو لحضور الحفل فسقطت الكرة في حجره".
وكما فعل المصريون مع الإسكندر، فعلوا مع عمرو وكذلك كان عهده معهم، فنادى بالأمان للبطرك "بنيامين" وهو البطرك الثامن والثلاثون من بطاركة الكنيسة القبطية، حيث كان مختفيا في الصحراء مطاردًا من الرومان.
وعاون المصريون عمرو في تعمير بلادهم فأصح منظومة الري التى ارتبط إصلاحها بالفترات المضيئة في تاريخ مصر وكذلك حفر قناتها.
وكان عمرو قد فكر في حفر قناة السويس بين البحرين مباشرة، بالرغم عدم علمه بفكرة الإسكندر السابقة، فأرسل بذلك إلى عمر بن الخطاب خليفة المسلمين في المدينة المنورة، لكن عمر بن الخطاب رفض الفكرة لأسباب مجهولة ربما كانت خوفًا من طغيان مياه البحر على مصر، حيث كان الظن بأن ارتفاع قاع البحر الأحمر عن الأبيض قد يؤدي إلى إغراق الأراضي المصرية وربما لخشية عمر من حاجز مائي يمنع بينه وبين عمرو الذي يتربص به الروم ولا يكفون عن مهاجمة الإسكندرية من البحر وكان قد أرسل إليه في أثناء الفتح بألا يجعل بينهما ماء.
وحفر عمرو "خليج أمير المؤمنين" في موقع قناة تراجان وكانت رحلة السفن تقطعها في 4 أيام وكانت تنقل الحبوب والثمار إلى الحجاز وعاد الرخاء لمصر مع رواج التجارة ومازال المصريون يطلقون على موضع منبع القناة إلى اليوم اسم "فم الخليج" ومازال اسم "الخليج المصري" يطلق على الشارع الذي كانت تمر به القناة بجانب اسمه الرسمي الآن "شارع بورسعيد الذي يمتد إلى مناطق شرق القاهرة".
وكانت السفن تأتى بالبضائع من البحر المتوسط، فتسلك أي من فرعي النيل "رشيد ودمياط" إلى الخليج وتسير حتى نهايته في برزخ السويس أو القلزم كما كان يسميها العرب.
وبعد انتقال الخلافة إلى العباسيين، قامت عليهم ثورة العلويين بقيادة محمد النفس الزكية وإبراهيم شقيقه في الحجاز، فأمر الخليفة أبو جعفر المنصور، بردم القناة في سنة 767 ميلادية، حتى لا تنتقل خلالها المؤن والإمدادات الحربية إلى العلويين في الحجاز وقيل لأنه أراد تحويل تجارة الهند لتتحول إلى الطرق البرية، لتمر بالبصرة ولتنشط فيها حركة التجارة.
وقد أهمل أمر جزء القناة الموصل للبحر الأحمر وبقيى الجزء المتصل بالنيل الذي اعتمدت عليه الزراعة في المناطق المار بها وكان يقام عند مجيء الفيضان إحتفال كبير على مدى العصور يوم ترتفع المياه في النيل وتكسر السد الترابي لتملأ الخليج وكان هذا الإحتفال يعرف بـ"كسر الخليج" يحضره الوالي أو الخليفة أو السلطان، حسب مسمى صاحب السلطة في القاهرة.
والملاحظ أنه مع توالي العهود ما بين الصعود والهبوط ورغم قطع القناة، احتفظت مصر بمركزها كطريق بري وبحري للتجارة العالمية وكانت رحلات السفن لا تنقطع عن مواني مصر في البحرين ولا تكف القوافل البرية عن نقل البضائع بين هذه المواني، كما نشطت الطرق للحج من شمال وغرب إفريقية عبر الصحراوات المصرية، فإما سلوك الطريق برا إلى الحجاز عبر سيناء أو بمحازاة ساحل المتوسط فإلى فلسطين والقدس لمن أراد زيارة بيت المقدس أو الإتجاه جنوبا إلى العقبة فالحجاز.
هناك أيضا الطريق الجنوبي الذي يخترق الصحراء الغربية إلى أودية جبال الصحراء الشرقية ثم ساحل البحر الأحمر لعبوره إلى الحجاز.
وظلت مصر تحمى وتحافظ على هذه الطرق، مادامت قوية مستقرة، بينما في فترات الضعف والإنحلال كانت هذه الطرق تقع تحت سيطرة قطاع الطرق من العربان والمجرمين.
ومنذ قيام أبوجفر المنصور بردم القناة عند السويس في عام 767 (وقيل في 776) لم يفكر أحد من المتعاقبين على حكم مصر منذ ولاة العباسيين والخلفاء الفاطميين وسلاطين الأيوبيين والمماليك، على تجديد القناة أو حفر أخرى جديدة، مكتفين بمرور التجارة بريا عبر المواني وتقاضي رسوم المرور (الجمارك أو المكوس).
أغسطس 19, 2015

حلم نابليون يتحطم قبل رحيله عن مصر..

 
محمد علي باشا ونابليون بونابرت
قبل ظهور الإنسان على الأرض وفي العصور الجيولوجية سحيقة القدم، لم تكن صورة خريطة مصر كما استقرت عليه في عصور ما قبل التاريخية، فقد كان البحران الأحمر والأبيض بعد ظهورهما على الأرض، يتصلان وينفصلان نتيجة حركات القشرة الأرضية التى تحدث على مدى ملايين السنين، فيتغير شكل الخريطة تبعا للتغيرات الجيولوجية.
كان نابليون يريد حفر القناة، لإنشاء طريق بحري الشرق يكون تحت سيطرة فرنسا، فبعد ثلاثة قرون من اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح، بدا أن الطريق طويل للغاية وحتى بغض النظر عن طول المسافة، فكما يذكر الدكتور عبد الرحمن برج في كتابه "100 عام على قناة السويس" الصادر عام 1969 بمناسبة مرور 100 سنة على القناة، مثلا أن المسافة بين بريطانيا ومستعمراتها في نيوزلندا، أقصر عن طريق المحيط، غير أن المسافة تخلو من أية مرافئ وهذا لا يشكل عنصر أمان للسفن التى تفضل أن تسير في طريق به مواني للتزود بالوقود أو سهولة اللجوء إليها أو الاتصال بها عند أي طاري يدعو للتوقف أو الاستغاثة ولذلك فإنها تفضل المرور عبر القناة في مسافة أطول ولكنها أكثر أمانا.
وهذا أمر في غاية الأهمية، هذا فضلا عن أن قناة السويس تختصر فعلا الطرق بالنسبة لكثير من دول أوروبا في تجارتها مع الشرق، فالمسافة ما بين لندن وبومباي أقل بـ11000 كيلومتر.
ورحل نابليون لكن الفكرة لم ترحل، فقد حضر إلى مصر مجموعة أطلقت على نفسها "أتباع سان سيمون" وهم ممن تأثروا بأفكار الفيلسوف الفرنسي سان سيمون (1760- 1825) وكان ذا أطروحات ثورية إصلاحية ورأوا في مصر أرضا بكرا لتطبيق مشروعاتهم، فزاروا والى البلاد محمد على في عام 1832 وعرضوا عليه فكرة العودة لحفر القناة عن طريق النيل، فأحسن استقبالهم لكنه لم يرتح لحقر قناة لأنه استشعر الخطر من ورائها، فوجود قناة للملاحة العالمية ستعطى مجالا للتدخل الدولي وستصبح المنطقة مسرحا للصراع هو ما حدث بالفعل.
كما أن العثمانيين الأتراك في الأستانة التابعة لهم سلطة البلاد، لا يريدون مثل هذا المشروع، واكتفي محمد على بعودة مرور حركة التجارة العالمية برا عبر الأراضي المصرية، فقد عادت لميناء الإسكندرية الأهمية التجارية عام 1839 بعد حفر ترعة المحمودية الصالحة للملاحة، فعادت المراكب لحمل البضائع إلى القاهرة، ثم تحمل بعد ذلك برا إلى السويس عبر عربات تجرها الجياد للأفراد، بينما تحمل البضائع فوق ظهور الجمال.
ومحمد على أعاد الحياة للقناة القديمة حتى البحيرات المرة، لكن فقط كمصدر للمياه العذبة لري الأراضي الزراعية دون التعويل عليها كممر ملاحي.
كما عادت ميناء السويس لاستقبال السفن، فرست سفينة بخارية قادمة من الهند في 22 أبريل 1829، رغم اعتراض الأستانة على ذلك، هذا الاعتراض لم يأبه به محمد علي.
كما كانت جمعية الدراسات التى اشترك فيها السان سيمونيون والمكونة من ثلاث مجموعات من مهندسين فرنسيين وغير فرنسيين وتأسست سنة 1846 قد كلفت خبيرا في الطبوغرافيا يدعى بور دالو بالاشتراك مع لينان الذي كان يشغل كبير مهندسي الحكومة المصرية، فأثبتت دراستهما في 1847، أن فارق منسوب المياه بين البحرين لا يكاد يذكر وأن القناة لا تحتاج إلى أهوسة لمعادلة المناسيب عند مرور السفن فيها وهنا رفض محمد على ذلك صراحة قائلا: "لا أريد بسفورا آخر" قاصدا أن مضيق البسفور الذي يصل البحر الأسود بالمتوسط والمار أمام الأستانة ويفصل ما بين أوروبا وآسيا، يمكن أن يكون مصدرا للخطر!.
على أثر ذلك اقترح الضابط الإنجليزي توماس واجهورن على حكومته، إنشاء خط مراسلات بريدية بين لندن وبومباي، عن طريق السويس، بديلا عن خط بريد رأس الرجاء وعندما تم تجربة الخط، اتضح لبريطانيا الفارق الشاسع في وصول البريد.
وعلى ذلك تم اقتراح إنشاء خط سكك حديدية عام 1856 من الشركات الملاحية، بين الإسكندرية والسويس، يمر بالقاهرة، بديلا عن الوسائل البدائية للنقل.
وبلغ من سعادة سفير إنجلترا "جورج بلدوين" بذلك أنه قام بعمل استعراضي طريف، حيث أحضر ثلاثة زجاجات كان في الأولى ماء من النيل والثانية ماء من نهر التايمز الإنجليزي والثاثة من نهر الجانج الهندي وصعد بالزجاجات الثلاث إلى الهرم الأكبر للاحتفال بهذه الاقتراح الذي رفضته الأستانة وقتها.
ونتيجة لكثافة الحركة التجارية العائدة بقوة، تأكد بذلك أهمية حفر القناة لتحقيق الاتصال المائي، حيث كان مهندس فرنسي يدعى لينان كانت له خبرة كبيرة في الأمور الإدارية المصرية حتى وصل إلى منصب وزير الأشغال وقد رأى أن زيادة منسوب البحر الأحمر لا تحول دون حفر القناة وأنه يمكن معالجة ذلك، فأرسل بدراساته إلى قنصل فرنسا في الإسكندرية، حيث طالع المهندس فردينان دي ليسبس هذه الدراسات حيث كان نائبا للقنصل.
أغسطس 19, 2015

سيتي يجدد القناة ومجد الإمبراطورية..


سيتى الاول يسجل انتصاراتة
قبل ظهور الإنسان وفي العصور الجيولوجية سحيقة القدم، لم تكن صورة خريطة مصر كما استقرت عليه في عصور ما قبل التاريخية، فقد كان البحران الأحمر والأبيض بعد ظهورهما على الأرض، يتصلان وينفصلان نتيجة حركات القشرة الأرضية التى تحدث على مدى ملايين السنين، فيتغير شكل الخريطة تبعًا للتغيرات الجيولوجية.
بعد طرد الهكسوس وتمكن المصريين من حكم بلادهم على يد أمراء طيبة، عادت مصر لمجدها القديم واتخذت طريقها ثانية نحو الأوج تحت حكم الأسرة الثامنة عشرة التى كان البطل أحمس قاهر الهكسوس هو رأسها ومؤسسها.
واتسعت رقعة المملكة المصرية وثبتت أركانها حتى صارت إمبراطورية عظمى وصار جيش مصر أقوى الجيوش في العالم، استطاع ملوك الأسرة الثامنة عشرة، التى لا يضاهيها في التاريخ عظمة سوى الأسرة الثانية عشرة، أن ينهضوا بمصر ويجعلوها في مقدمة أمم العالم القديم ومعلمة له، فقد تجاوز التحامسة من ملوك هذه الأسرة العظيمة بجيوشهم مياه النهر المعكوس" الفرات" أي أن مياهه تسير من الشمال إلى الجنوب على العكس من نهر النيل الذي يسير بمياهه من الجنوب إلى الشمال.
وإن كانت مصر قد بلغت القمة في الحضارة رأسيا في داخلها على عهدي سنوسرت الثالث وأمنمحات الثالث في عصر الدولة الوسطى، فإنها بلغت القمة في الامتداد والتوسع الجغرافي أفقيا في عهد الأسرة الثامنة عشرة.
فقد تكونت الإمبراطورية الأولى في تاريخ الإنسانية على أرض الكنانة، لعدة عوامل، ليس الموقع الجغرافي هو الفاعل فيها وحده، فلم ينفع الموقع الجغرافي هذا المصريين عند تفككهم وغفلتهم في الفترات المعروفة بالفترات الانتقالية أو البينية ما بن عصور تاريخ الدول المصرية القديمة المتعاقبة ( الدولة القديمة والدولة الوسطى والدولة الحديثة).
بل كان هذا الموقع الجغرافي المتميز بالتحكم في ملتقيات الطرق البرية والبحرية، وبالا على مصر وسببا لنكباتها على مر العصور، فقد أطمع الموقع الفريد، بقية الأمم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.
ولا ندري ما السبب الذي أدى إلى تجاهل ملوك مصر وأباطرتها العظام من أبناء وأحفاد أحمس العظيم في أواخر عهد الأسرة لحفر أو تطهير مجرى القناة ما بين النيل والبحر الأحمر، ذلك حدث بالرغم من نشاط التجارة البرية ووجود سفن مصرية تمخر عباب البحرين الأحمر والمتوسط.
وتوالت الرحلات التحارية والحربية التى بينت أن قوة مصر هى الأولى عسكريا واقتصاديا ولاحت مظاهر هذه القوة في الرحلة التجارية الشهيرة إلى بلاد بونت جنوب البحر الأحمر على عهد الملكة العظيمة حتشبسوت، كذلك كانت قوى مصر في البحر المتوسط جلية في السيطرة على جزره الكبرى، خاصة كريت التى ارتبطت بعلاقات وثيقة ودانت للتاج الملكي المصري وسلمت لصولجانة.
وانتهى عهد الأسرة الملكية العظيمة بملوكها وملكاتها الذين واللائي لا نجد لهم ولهن في تاريخ الإنسانية مثيلا على مدى العصور، وربما انطمس ذكر القناة او القناة نفسها الذي كان في آخر الأسرة، قد حدث بعد الاضطرابات الدينية على عهد "أخناتون" الملك الذي احتل الترتيب العاشر بين أربعة عشر التى هددت البلاد بالفوضى وكادت تفكك أوصال الإمبراطورية المصرية العظمى، كما يتبين من الرسائل التى عثر عليها في تل العمارنة موقع مدينة "آخيت اتون" التى اتخذها أخناتون مركزا روحيا وعاصمة لدعوته الشهيرة.
لكن قوام الدولة كان قويا فلم تنهار بل ازدادت قوة في عهد آخر ملوك الأسرة الثامنة عشرة الفارس الجسور "حور محب" الذي لم يؤثر عنه أنه سعى للملك ولا كانت له أطماع فيه لكنه وجد نفسه كقائد للجيش المصري، في مكان الصدارة العظمى؛ حيث لا اختيار ما بين الصمود أو الانهيار.
فارتقى "حور محب" العظيم العرش وأعاد هيبة الدولة داخليا وخارجيا طوال ثلاثين عاما هي مدة حكمه البلاد، لينتقل بعده العرش المصري إلى حاكم جديد سيكون رأسا لأسرة عظيمة أخرى من الأسر الحاكمة في تاريخ مصر والعالم وهو قائد الجيش رمسيس، وكان الانتقال سلسا بلا أي شائبة بالرغم من أن رمسيس لم يكن من بين أبناء الأسرة الثامنة عشر التى رحلت لتسجل ملوكها بحروف من نور في سجلات الإنسانية.
وتلقب رمسيس هذا بلقب رمسيس الأول الذي اعتلى العرش شيخا كبيرا بلغ من الحكمة مبلغا عظيما، حعله يحسن إدارة شئون البلاد ويحافظ على ما أبقى عليه سلفه العظيم.
ورغم قصر مدة حكم الملك رمسيس الأول التى لم تزد على عامين، إلا أنه سار في ركب الملوك البنائين العظام، فبدأ في بناء بهو الأعمدة في منطقة معابد الكرنك وهو البهو الذي لا تزال أساطينه قائمة شاهدة في أكبر معابد الدنيا قديما وحديثا، على عظمة الحضارة المصرية وهو البهو نفسه الذي أكمل بناءه ابنه ووريثه الضابط الشاب تلميذ "حورمحب" ومحل ثقته ذلك الشاب المدعو "سيتى" ضابط حصن "ثارو" (اقنطرة شرق حاليا) على مدخل الحدود الشرقية التى تدخل من قبلها جيوش الفاتحين وتخرج من أو إلى مصر.
فما أن تولى الملك العجوز رمسيس الأول حكم البلاد حتى استدعى ولده الوحيد ليكون بجواره ويعاضده في أمور حكم البلاد وكانت المهمة شاقة أمام الأمير الفارس، فإن كان حور محب قد أعاد خلال حكمه هيبة الدولة، إلا ان كثيرا من الولايات التابعة للإمبراطورية المصرية، أثارت القلاقل وتطاولت على مصر، فكان على سينى الأول أن يعيد مصر كإمبراطورية قوية، كما أعاد أستاذه حور محب مصر كدولة قوية.
وشهدت مصر نهضة هائلة في البناء والفن وكان سيتى أول ملك يسجل تفاصيل معاركه في أرجاء الإمبراطورية على جدران المعابد من خلال لوحات جدارية كبيرة على معبد الكرنك.
وعادت بالفعل مصر إمبراطورية قوية على يد سيتى الذي خاض حروبا في كل الجهات لتأديب المتمردين من القبائل في أرجاء الولايات التابعة للحكم المصري في فلسطين وسوريا ولبنان والفرات.
و قام ستي بإعادة حفر القناة ليعيد اتصال البحرين عبر نهر النيل مرة أخرى لتعود الملاحة وينفتح الطريق المائي مارة أخرى ويصير العالم متصلا مائيا بلا عوائق تارة أخرى.
فقد ورد في بردية "أنسطاسي" أن الملك سيتي الأول بنى قلعة على القناة لحمايتها وأحاطها بالأشجار على ضفتيها لحمايتها من العواصف وزحف الرمال، كما سجلت البردية رحلات سيتي إلى القناة ورسم مصور لعودته منتصرا من إحدى حملاته الحربية على الولايات التابعة للتاج المصري في آسيا وهو في قلعة "ثارو" التى كان سيتي يتولى قيادتها في صدر حياته العسكرية.
فعادت مصر تتحكم في الطريق البحري وتحكم قناتها تحت حمايتها، لتنطلق مرة أخرى قوة عظمى هادرة في عهد سيتي وما بعده من ملوك خاصة ابنه رمسيس الثاني الذي لا حاجة بنا للإشارة إلى المجد الذي حقققه لنفسه ولبلاده، فرمسيس الثاني ابن سيتى الأول، فد سار على خطى الأباطرة العظام ولم يخف اهتمامه بالقناة التى أعاد أبوه حفرها، فقد اكتسف معبد صغير لرمسيس الثاني عند الكيلو 91 على القناة.
وقد بلغ رمسيس الثاني من الشهرة والفخار ما جعله أشهر ملوك التاريخ قاطبة في كل العصور القديمة والحديثة وصار رمزا بآثاره التى أحدث بها صخبا تاريخيا تتردد أصداؤه عبر العهود، بما لم يكن لملك غيره في شتى بقاع الأرض والذي لايزال اسمه هو الوحيد الذي يسمي به بعض المصريين أبناءهم به حتى اليوم، فشهرته بلغت العامة والخاصة.
وعن معالم هذه القناة يقول الدكتور جورج حليم كيرلس الملقب بمؤرخ قناة السويس في كتابه "قناة السويس من القدم إلى اليوم": ومازالت آثار هذه القناة واضحة تماما حتى يومنا هذا في محاذاة المجرى الملاجي الحالي لقناة السويس بالقرب من بلدة جنيفة (على مسافة 28 كيلومترا من مدينة بور توفيق ويكن تتبع مسارها حتى الكيلو 138 حيث حفرت قناة المياه العذبة في مجرى القناة القديمة نفسه، ثم تختفي بعد ذلك معالم هذه القناة، التى كلنت تمتد في القدم حتى ميناء كليسما (السويس حاليا).
ومن المعروف أن طول القناة كان نحو 150كيلو مترا وعمقها من 3:4 أمتار واتساعها يزيد على 25 مترا.
وظلت الإمبراطورية المصرية تحمى قناتها الواقعة في عمق أراضيها، غير أنه بعد أن ضعفت مصر وتوالى على عروشها ملوك ضعفاء في أواخر عهد الرعامسة "غلب اسم الرعامسة على ملوك الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين الذين تسمى معظمهم باسم رمسيس" كذلك فيما عرف تاريخيا بالعصر المتأخر فغلب اقتسام حكم البلاد بين الملوك والكهنة في الأسرة الواحدة والعشرين، فيما بين ملوك تانيس في الشمال وكهنة طيبة في الجنوب وارتقى بعد ذلك عرش مصر ملوك ولم يكونوا بقوة السابقين من الملوك العظام.
ها وقد تراجعت مصر تراجعا حادا، فتدهور كل شيء تقريبا، فانطمرت القناة التى شكلت عصب التجارة البحرية وعادت أثرا بعد عين، بل تراكمت الرمال والطمي في المنطقة الواقعة ما بين البحيرات المرة التى كانت تسمي بحيرات أميريس وبين خليج السويس، والمسافة بينهما صارت منخفضات جافة ومليئة بالكثبان، فتكون فيها سد رملي عملاق بطول 30 كيلومترا، فانقطعت الصلة نهائيا ما بين البحيرات المرة والخليج.
وكان تدهور حال القناة من مظاهر ضعف مصر وفي الوقت نفسه سببا من أسباب هذا الضعف أيضا، فيجب ألا ننسى ازدهار القناة مرتبط بقوة حمايتها، فإذا سادت الفوضى، صارت القناة مطمعا للأجانب الذين تمر سفنهم فيها، فيمدون أعينهم لاستغلال مصر وبعد عيونهم تمتد أيديهم.
أغسطس 19, 2015

القناة تدفع ثمن النزاع والأشوريون يغزون مصر


مصر
قبل ظهور الإنسان وفي العصور الجيولوجية سحيقة القدم، لم تكن صورة خريطة مصر كما استقرت عليه في عصور ما قبل التاريخية، فقد كان البحران الأحمر والأبيض بعد ظهورهما على الأرض، يتصلان وينفصلان نتيجة حركات القشرة الأرضية التى تحدث على مدى ملايين السنين، فيتغير شكل الخريطة تبعًا للتغيرات الجيولوجية.
خلال عهود الأسرات الثانية والعشرين حتى الرابعة والعشرين كان الخسران هو"ديدن" البلاد على كل المستويات، خاصة في الحروب الخارجية، وتفشى الانقسام وقوى أمراء الأقاليم، فتفككت البلاد وتراجع دور مصر فلم تعد تلك البلاد التى تبهر العالم، حيث انتشرت الفوضى نتيجة الصراع حامي الوطيس بين أمراء الأقاليم الذين قوت شوكتهم على حساب السلطة المركزية التى ظلت تتهاوي تحت سطوة الاضطرابات الناتجة عن هذه الصراعات، غير أنه كاد أحد أمراء الأقاليم في غرب الدلتا وهو "تف نحت" الأمير القوي والطموح، أن يعيد توحيد البلاد تحت إمرته؛ لأنه كان أقوى أمراء الأقاليم حينئذ، فبالفعل استطاع السيطرة على غربي الدلتا ثم شرقيها، فدان له شمال البلاد بالكامل ثم تقدم إلى منف ذات المكانة العظمى في البلاد موقعا ومعنى وكانت لا تتم السيطرة على البلاد إلا لمن يدخل منف منتصرا، ثم تقدم إلى مصر الوسطى ليتم مشروعه بإعادة توحيد مصر المفككة وكاد تف نخت أن يفعلها لولا أن قدم الكوشيون الذين يعيشون جنوب النوبة بقيادة ملكهم "بعنخي" وحاربوا تف نخت وأوقعوا به الهزيمة، واستسلم لهم بالفعل، غير أنه بعد عودة بعنخي لبلاده، عاد تف نخت، فلم يعترف بحكم بعنخي كملك على البلاد.
وحسب رؤية لعالم الآثار الكبير الدكتور أحمد فخري في كتابه "مصر الفرعونية" فإن كلا من بعنخي وتف نخت، كانا قويين ومخلصين يريدان تخليص مصر من الفوضى والانقسام، لكن شاء القدر أن يتصادما، فقال فخري: "لقد دافع كل منهما عما يعتقد أنه حق وله فيه مصلحة للبلاد وربما كان من سوء الطالع أن يصطدم هذان البطلان ولكن مهما كان الأمر، فإن حياة كل منهما وأسلوب كفاحه يدل على وعي قومي ويقظة وطنية، جاء أحدهما من الجنوب وجاء الآخر من الشمال وكان هم كل منهما أن ينقذ مصر مما حل بها من تفكك وما آلت إليه من انهيار".
وانتهى الأمر بأن صارت مصر منقسمة ما بين الشمال والجنوب، فملوك نباتا الموشيون يرون أنهم مدعومون من كهنة طيبة الناقمين على الشمال منذ عهد الأسرة الثانية والعشرين، فقد كان الكوشيون يرون أنهم هم أيضا، مصريون خلص رغم سواد بشرتهم وأنهم أحق بحكم مصر، فهم يؤمنون بإله الإمبراطورية القديمة وملك الآلهة "آمون رع" ويرعون مركزه الديني الكبير في طيبة ولم يتعاملوا مع المصريين أبدا على أنهم غرباء عنهم، مع اختلافهم في الأصول الجنسية وهم قد جاءوا من مملكة نباتا ليشكلوا الأسرة الخامسة والعشرين ويحكموا مصر حكما مباشرًا.
وعلى أي حال فحسب رؤية العالم الكبير أحمد فخري، فإن كلا من الأسرتين الرابعة والعشرين والخامسة والعشرين، قد شهدتا ولادة الوعي الوطنى عل ما وقع بينهما من صراع، إلا أنه في النهاية كان بدء النهضة الكبيرة في طول البلاد وعرضها هي النتيجة التى ظهرت فيما بعد.
وظهرت قوة الأشوريين من الشرق وهم الذين كانوا قد استهزءوا بمصر وقوتها، بل حدثنا سفر الملوك الثاني في العهد القديم من الكتاب المقدس، أن الملك الأشوري سنحاريب، سخر من مساعدة مصر لسكان المدن الفلسطينية فوجهه إليهم رسالة خاطب فيها حزقيا قالا: "على من اتكلت، حتى عصيت علي؟.. هوذا قد اتكلت على عكاز هذه القصبة المرضوضة، على مصرالتى إذا توكأ أحد عليها دخلت في كفه وثقبتها.. وهكذا هو فرعون مصر لجميع المتكلين عليه".. ( الملوك الثاني الإصحاح 18: 20-22).
وبعد طول خطوب سقطت البلاد في يد أشور بانيبال، فخرب ودمر وعاث في الأرض فسادا ثم مضى.
ودخلت البلاد في منحنى تاريخي خطير كاد يودى بها إلى الهاوية ما بين الفوضى والاحتلال الأشوري، حتى قيض الله لها رجلا يدعى "بسمتيك" وكان عسكريا إداريا سياسيا بارعا استطاع أن ينهي الاحتلال الأشوري ويقهر تمرد رؤساء القبائل ومحاولات استقلال حكام الأقاليم وكبح جماح الأثرياء والإقطاعيين وتمكن من أن يعيد وحدة البلاد وتماسكها من خلال جيش قوى استعان فيه بأبناء الإغريق الذين هاجر أسلافهم إلى مصر وربما كان هذا هو المظهر السلبي، غير أن مصر بسبب ذلك الجيش استطاعت النهوض من كبوتها.
وخلال 54 عاما (663- 609 ق.م) هي مدة حكم بسماتيك الأول، استطاعت مصر أن تعيد كثيرا من قوتها وهيبتها خاصة بعد أن سار بسماتك على خطى أحمس العظيم وطارد فلول الأشوريين حتى ما بعد فلسطين ليوطد للنفوذ المصري هناك، غير أنه لم يتمكن من استئصال شأفتهم، كما فعل أحمس مع الهكسوس الذين لم تقم له قائمة بعده.
ولم يكتف بسمتك بالجيوش البرية فقط، بل أعاد قوة مصر البحرية من خلال أسطول حربي قوي، فتأمين البحر لا يقل أهمية عن تأمين البر.
وعادت على يد بسمتيك آخر ملوك مصر القديمة العظماء، مصر كقوة لها وزنها في العالم القديم، بل نهض الفن المصري فقد يممت الأسرة التى حكمت من "صا الحجر" وجهها نحو التراث المصري القديم، فمن مميزات العهد المصري القديم المصطلح على تسميته "بالفر عوني" أنه ظل متصلا رغم تقلب الدهور واختلاف العهود، فظهرت حركة بناء ونحت ونقش ورسم على غرار العهود المجيدة الغابرة وتم تكريم الملوك القدماء، حتى الذين حكموا في العهود الأولى، لنرى تمثالا صغيرا يمثل الملك خوفو "الأسرة الرابعة" والذي اشتهر بلقب "الحكيم" مما يؤكد اعتزاز ملوك هذا العصر المعروف تاريخيا بالعصر الصاوي نسبة إلى صا الحجر التى اتخذها ملوك الأسرة السادسة والعشرين عاصمة لمصر، بتاريخ هذا البلد وملوكه الأقوياء ولو فصلت بينهم آلاف السنين.
ثم خلف بسمتيك ولده "نخاو" الذي حكم في المدة من (609/610- 594 ق.م) ذلك الذي أراد السير على خطى تحتمس الثالث كما سار أبوه على خطى أحمس الأول، حتى تمكلك فلسطين وسوريا وفينيقيا وجاوز الفرات غير أن جيوش نبوبختنصر البابلي ردته منهزما، ليعود إلى مصر مكتفيا بتأمينها من الغزو واهتم بالشئون التجارية حتى راجت التجارة بفضل اليونانيين الذين انتشروا في البلاد وصارت مصر وليبيا مقصدا لهم، فأقاموا جاليات ومراكز تجارية ضخمة لهم في ربوع مصر
أغسطس 19, 2015

من نبوءة نخاو إلى نهاية أعظم عروش الدنيا.."


نخاو الثاني
قبل ظهور الإنسان وفي العصور الجيولوجية سحيقة القدم، لم تكن صورة خريطة مصر كما استقرت عليه في عصور ما قبل التاريخية، فقد كان البحران الأحمر والأبيض بعد ظهورهما على الأرض، يتصلان وينفصلان نتيجة حركات القشرة الأرضية التى تحدث على مدى ملايين السنين، فيتغير شكل الخريطة تبعًا للتغيرات الجيولوجية.
"الملك والقناة والنبوءة"
زاد نخاو من قوة مصر البحرية عسكريا وتجاريا وراحت سفن الأسطولين اللذين بناهما نخاو، تجوب البحرين الأحمر والأبيض في ظل رواج تجارى بين موانيء العالم القديم لم يسبق لها مثيل وظهرت في التاريخ البحري لأول مرة سفن ذوات ثلاثة صفوف من المجاديف.
وأراد نخاو أن تنطلق السفينة من شاطيء طيبة مثلا، فتسلك النيل إلى أي ميناء في العالم سواء على البحر المتوسط أو على البحر الأحمر، عبر إعادة حفر القناة من جديد ما بين النيل وخليج السويس، ليعود الانفتاح المائي للعالم مرة أخرى، وبدأ بالفعل تنفيذ هذ المشروع التاريخي، فقام بحفر القناة قرب موضع الزقازيق الحالية، الفرع البوبسطي للنيل، ثم تسلك السفن ذوات الثلاث صفوف من المجاديف داخل القناة ثم إلى البحيرات المرة.
وكاد يتم له ما أراد لولا أن أرسلت الكاهنة ميليت كاهنة بوتو نبوءة تحذر بها نخاو من استكمال حفر هذه القناة التى حفرها قبله سيتي الأول وقبل أن يقوم برفع تلال الرمال التى تكونت ما بين البحيرات المرة وخليج السويس وفصلتها نهائيا عنه، قالت الكاهنة ضمن نص هذه النبوءة حسب الترجمة الواردة في كتاب د. جورج حليم كيرلس: "إنى أرى وراء الغيب أن عملك هذا سيجلب الضرر على مصر، فحفر القناة، سيعود بالفائدة على الغريب وعلى الأجنبي دون الوطنى، إنك اليوم تتقاضى الرسوم على مرور الناس بأرضك وعلى مرور التجارة، وتتحكم في مصير البضائع والناس، أما غدا عندما تفتح القناة، فسيمر بها الجميع وتجذب الجميع.. ستجذب مطامع أعدائك، فتفقد السيطرة على القناة، وتجعل للخطر منفذًا إلى قلب بلادك.. فبحق الآلهة وبحق الوطن مر بوقف العمل وكف عن مواصلة الحفر.. لا كانت القناة ولا كان الاتصال" وهذه النبوءة عثر عليها ضمن برديات بإحدى مقابر طيبة وحاليا تقبع في متحف برلين في ألمانيا.
إذن فهذه هي النبوءة التى كانت سببا رئسيا لإيقاف العمل في إتمام القناة، فتوقفت عند البحيرات المرة وأحجم نخاو عن المشروع نهائيا رغم ما كلفه من مال ورجال، فقد ذكر هيرودوت أن 120000عامل قد لقوا حتفهم خلال حفر هذه القناة التى وصل اتساعها إلى أنه كان يمكن لرتلين متقابلين من السفن ذات الثلاثة صفوف للمجادبف أن يمرا خلال المجرى الملاحي في منتهى اليسر.
"والعجيب أن الذين لقوا حتفهم خلال حفر قناة السويس الحالية على عهدي سعيد وإسماعيل في ستينيات القرن التاسع عشر، قد بلغوا هذا العدد أيضا"!.
وكانت السفن تسير حتى نهاية القناة ثم تنقل البضائع بالطرق البرية.
ومن المؤكد أن شعور نخاو بالخوف من تنفيذ هذا المشروع، يدل على أن لم يكن واثقا من قوة مصر العسكرية ولا قدرتها على حماية أرضها وقناتها، كما يدل كذلك على اعترافه بنمو قوى لدول أخرى حول مصر، خاصة أنه لم يفكر في مواجهة بابل بعدما لقي الهزيمة على يد ملكها نبوبختنصر، مما أدى إلى تخليه عن أحلام إعادة إمبراطورية التحامسة والرعامسة في العهود الغابرة.
لكن الذي كان واضحًا من إنجازات عهد نخاو هو نمو قوة مصر التجارية واذدهار مواني جديدة في البحر المتوسط علي الساحل الفينيقي واليونان وشمال إفريقية فقد كان الفينيقيون هم سادة البحار، بينما كان اليونانيون هم سادة التجارة وكما أسلفنا فقد كان لليونانيين وجود قوى في مصر وليبيا بعد هجرات أعداد كثيرة منهم، حيث شكلوا قوى اقتصادية وعسكرية تحت الريادة المصرية، كما كان نخاو معتمدا على البحارة الفينيقين العاملين تحت إمرته في الأسطول المصري.
"أهم رحلة بحرية في التاريخ"
مما يدل على براعة المصريين والفينيقيين معا على ارتياد البحار، هو تلك الرحلة البالغة الأهمية التى أمر بها نخاو لاستكشاف ما وراء أعالى البحار، حيث أبحرت السفن التى تحمل عددا من البحارة المهرة، في البحر الأحمر وسارت في الخطوط الملاحية التى طالما ارتادها المصريون في رحلاتهم إلى الجنوب في بلاد بونت واليمن لإحضار الاخشاب والبخور والتوابل وغيرها، لكن هذه المرة جاوزت السفن خليج عدن وأوغلت في محاذاة ساحل القارة الإفريقية حتى بلغوا "رأس" ساحلها الجنوبي وظلوا مدفوعين برغبة الاستكشاف، ليحققوا للمرة الأولى في التاريخ البشري أول دوران حول إفريقيا وعادوا من خلال مضيق جبل طارق إلى سواحل مصر الشمالية.
ومن المؤكد أن رحلة بحارة نخاو لم تكن بالمصادفة، فقد وضع البحارة في حسابهم أن رحلتهم ستطول، فقد أخذوا معهم من بذور النبات ما جعلهم ينزلون من السفن إلى الساحل عند اقتراب نفاد الحبوب الغذائية، حيث يقومون بزرع الأرض والحصاد، فقد استغرقت الرحلة ثلاث سنوات وقد لاحظو أن الشمس التى كانت تشرق من على يسارهم قد صارت تشرق من على يمينهم!.
فهم لم يدركوا هذا الإنجاز الذي تحدث عنه هيرودوت على أنه "أساطير" وظلت الإنسانية تجهل على تعاقب حضاراتها، هذا الكشف حتى أكده البحر البرتغالي فاسكو دا جاما بعد رحلته الشهيرة التى أدت لاكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح بعدها بما يقرب من ألف سنة، تأحر فيها بحارة العالم عن هذا الكشف المذهل.
فهذه الرحلة التى لم تتابع للأسف، تؤكد التقدم الملاحي والجغرافي الذي بلغته علوم مصر القديمة.. ولو وجد في العالم القديم من حاول الاستفادة من العلوم المصرية في الفلك والجغرافيا والخبرة الفينيقية الفريدة في الملاحة، لربما تغير وجه التاريخ في هذه المنطقة، فهذا التغير قد تأخر لما يقرب من ألف عام، بسبب أن الأمم المحيطة بمصر، كانت فقط تريد أن تستولى على خيراتها ولستغل موقعها وتذل شعبها.
وخلف نخاو على عرش مصر بسمتك الثاني ثم واح أب رع "أبريس" ثم أحمس الثاني "أمازيس" فجاهد كل منهم جهادا كبيرا للحفاظ على الاذدهار الاقتصادي والعسكري والعمل على استقرار الأمور في البلاد والمحافظة على قوتها واستقلالها، لكن بعد نهاية عهد الأخير ومجيء ولده بسمتيك الثالث، سقطت مصر بمعاونة أحد قواد الجيش من الضباط اليونانيين المرتزقة تحت الاحتلال الفارسي بزعامة قمبيز بن قورش الملك الشهير وغريب الأطوار فيما كان منه أو حكي عنه.
"ونبوءة أخرى أشد عجبًا"
فلقد تحطمت قوة مصر تحت سنابك خيل جيوش قمبيز بعد أن تمكن من دخولها في عام 525 قبل الميلاد وهو العام الفاصل في تاريخ مصر، حيث لم تعد بعدها كما كانت وقضي على كل أمل بعد هذا العام في عودة المصريين لينهضوا ببلادهم مرة أخرى، فبدخول قمبيز، خرجت مصر من حلبة المنافسة، فكان كل دورها المكتوب بعد ذلك، هي أن تستقبل الغزاة من الشرق والغرب ووتهب لمقاومته والتسليم لهم ما بين كل هبة وأخرى.
لكنمع ذلك، فقمبيز على قوته قد خرج من مصر مذموما مخذولا، فقد كان قد فقد جيوشه في مشهدين مأساويين يندر أن تجد مثليهما في التاريخ، فقد كان الغازي الفارسي قد أرسل جيشين بعد استيلائه على منف، الأول إلى مملكة نباتا في الجنوب وهم سلالة ملوك الأسرة الخامسة والعشرين التي كانت ترى أنها الأحق بملك، خاصة أنها مدعومة من كهنة طيبة، فأراد قمبيز أن يخلص له حكم البلاد بالقضاء عليهم، لكن الجيش الفارسي عندما وصل إليهم كان قد انهكته الطريق وحرارة الجو وقلة المؤن، فوقع صيدا سهلا في أيديهم وكأن قمبيز قد أرسله جنوده وعتاده هدية إليهم.
أما جيش الفرس الثاني، فقد وجهه قمبيز إلى واحة "سيوة" ليهدم معبد آمون ويقضي على خرافته كمركز للنبوءات التى اشتهر بها هذا المعبد وكانت قد ذاعت نبوءة كهنته بهزيمة قمبيز وخروجه من مصر سريعا ليلقى أسوأ مصير، فلما ملك قمبيز منف، أراد أن يبطل النبوءة بتدمير مركزها الأساسي، لكن الجيش العرمرم ما أن توسط الصحراء فيما بعد واحة الخارجة في الطريق إلى سيوة، فما أتم يوم المسير الرابع، حتى ثارت عليه ريح صرصرعاتية طمرته تماما ولم يعثر له على أثر حتى الآن وغاص في بحر الرمال الأعظم قبل أن يصل سيوة ولم ينج منه جندي واحد!.
إذن فقد تحققت النبوءة وخرج قمبيز من مصر لا يصدق ما جرى له، فقد كان أول ملك في التاريخ تهزمه الريح، فخرج من مصر ليلحق ببلاده ولكنه مات في سوريا وهو في الطريق وكان قد أصابه الجنون ولم يكن قد أكمل عامه الرابع منذ أن دخل مصر غازيا حتى خرج منها تائها مجنونا.
وقمبيز هذا قد ترك أسوأ سيرة لملك غاز، فقد دمر المعابد وحطم المسلات واستهزأ بعقائد المصريين وحتى عندما أصابته الرهبة بعد ما جرى، أراد أن يتودد للمصرييين اتخذ لنفسه ألقاب ملوكهم مقرا بمعتقداتهم، فلم ينفعه ذلك ولم يصدقه سوى من استطاع شراءهم من الخونة الذين عاونوه حتى دخل البلاد.
وما كان من وريث عرش الإمبراطورية الفارسية الجديد دارا بن قمبيز بن قورش، إلا أنه وعى الدرس جبدا، فمنع السخرية من عقائد المصريين وأمر بإصلاح ما أفسده أبوه وأتم معبدا في واحة الخارجة تلك التى كانت آخر نقطة مر عليها جيش أبيه قبل أن تدفنه رمال الصحراء وهذا المعبد اهو الذي كان أحمس الثاني قد بدأه ولم يتمه قبل موته.
لكم دارا أراد أن يوطد لملكه في مصر، ويجعلها أيسر اتصالا بفارس، فحتى يسهل أمر انتقال أساطيله الحربية و التجارية إلى عمق البلاد المصرية، أصدر أوامره بإعادة حفر وتطهير قناة نخاو ووصلها بالبحر الأحمر ليكمل ما أحجم عنه نخاو ويتمكن من السيطرة على هذا الشريان الملاحي المهم، فتحققت بذلك نبوءة العرافة ميليت كاهنة المعبد وجاء الهمج "كما تصف النبوءة الأجانب" ليحكموا في البلاد كما ذكرت سابفا: " ستجذب مطامع أعدائك، فتفقد السيطرة على القناة، وتجعل للخطر منفذا إلى قلب بلادك"!.
"القناة الناقصة"
استتبت الأمور للملك الفرسي دارا الذي حدث في عهده رواج تجارى كبير واستقرار في الأوضاع، واذدهر برزخ السويس باعتباره الطريق الموصل إلى فارس مارا بوادى الطميلات في محاذاة قناة نخاو التى أعاد دارا الحياة إلبها وجرت فيها مياه النيل مرة أخرى حتى البحيرات المرة وجرت السفن فيها من جديد، غير أن دارا عجز عن توصيل البحيرات بخليج السويس عبر التكوينات الرملية التى فصلت بينها وبين خليج السويس، فقام بحفر عدة قنوات لتوصيل المياه للخليج لكنها لم تكن لتصلح للملاحة، إلا مع مجيء فيضان النيل لتكتلأ بمستوى مياه يصلح للملاحة.
ولم يذكر أحد سببا لعجز دارا عن إتمام القناة كما كانت على عهد سيتى، لكن فيما يبدو أن وجود قناة ناقصة كان أفضل بكثير من عدم وجودها، فيبدو أن الفترة التى كانت تظل فيها مياه الفيضان كانت طويلة، خاصة أنها تأتى في الصيف حيث تنشط الحركة التجارية البحرية، كما أن المسافة الباقية بين البحيرات والخليج لم تكن طويلة، فيمكن نقل البضائع بعدها بريا لتكمل رحلتها عبر البحر الأحمر أو الطريق البري عبر سيناء إلى آسيا.
"نهاية أقدم عروش الدنيا"
لم بكن الوجود الفارسي في مصر مستقرا على مدى قرنين من الزمان، لكن المصريين لم يتمكنوا من العودة ببلادهم إلى ما تستحقه مما شغلته في الزمان بتاريخها أو في المكان بموقعها، وباءت كل محاولات النهضة مرة أخرى بالفشل خلال عهود الأسرات الحاكمة الثامنة والعشرين والتاسعة والعشرين والثلاثين التي توالت على العرش والتى انتهت تماما مع آخر ملوك الفراعنة نختنبو الثاني "نقطانب" الذي كان عهده بمثابة توهج اللهب الأخيرقبل انطفائه، فقد شهد عهده الذي بلغ ستة عشر عاما، حركة بناء في كل أنحاء مصر وترك آثارا باقية إلى اليوم.
فقد عاد الفرس لغزو مصر تحت قيادة أرتخشاشا الثالث "أرتكسركسيس" لتهزم نختنبو الثاني هزيمة منكرة ألجأته للهروب والاختفاء نهائيا من على صفحات التاريخ، ليس هو فقط، بل اختفى بعدها عرش جلس عليه أعظم ملوك الدنيا الذين بهروا ومازالو يبهرون العالم.
كانت تلك النهاية المخزية في عام 341 قبل الميلاد ليزول ملك مصر من يد المصريين وينقطع أثرملوكهم منذ أن أعلن الملك مينا "نعرمر" نفسه ملكا على الأرضين وتوج بالتاجين كاول ملك وكرأس لأول أسرة ملكية في التاريخ في عام 3200 قبل الميلاد.
أغسطس 19, 2015

أقدم ملاح في بحار العالم



جدارية فرعونية
قبل ظهور الإنسان وفي العصور الجيولوجية سحيقة القدم، لم تكن صورة خريطة مصر كما استقرت عليه في عصور ما قبل التاريخية، فقد كان البحران الأحمر والأبيض بعد ظهورهما على الأرض، يتصلان وينفصلان نتيجة حركات القشرة الأرضية التى تحدث على مدى ملايين السنين، فيتغير شكل الخريطة تبعًا للتغيرات الجيولوجية.
"الملاح الغريق"
قصة الملاح الغريق من القصص المشهورة في تاريخ الحكايات المصرية وعاشت هذه القصة آلاف السنين ورغم الأجواء الأسطورية التى تدور فيها أحداث القصة، إلا أنها تدل على أن المصريين كانوا قد ارتادوا البحار وتوغلوا فيها منذ عصور مبكرة، وكان كذلك ارتباط العقائد الدينية بالمركب، حيث يجوب الآلهة السماء في مركب الشمس وكان المركب في كل معبد حيث يخرج عليه تمثاله في الاحتفالات.
ومازال الكثير من أضرحة الأولياء في مصر حاليا يوجد بها مركب رمزي وفي مولد سيدي "أبو الحجاج الأقصري" الملاصق لمعبد الأقصر، يخرج موكبه ويحمل فيه المركب في مشهد ترجع جذوره إلى آلاف السنين منذ كان مركب "آمون رع" إله الإمبراطورية، يخرج من معبد الكرنك إلى معبد الأقصر في احتفالية كبرى بملك الآلهة.
ومصر كان يعمها الفيضان كل سنة وتبدو القرى والمدن كثيرا كالجزر عندما يأتى الفيضان وفير المياه، فالملاحة كانت في النهر ومنها إلى البحر أيضا.
فالبحر والملاحة حاضران بقوة في التاريخ المصري سواء كان في الأساطير أو في الواقع، فنجد الملك "منتوحتب نب تاوي رع" أحد ملوك الأسرة الحادية عشرة يجمع جيشا قوامه ثلاثة عشر ألفا من بينهم ثلاثة الاف بحار من الدلتان ارسلهم إلى وادي الحمامات لاقتطاع ونقل الأحجار.
كذلك كان وصف عمليات نقل الأحجار والمسلات العملاقة يؤكد خبرة المصريين بالملاحة البحرية
" قدر البلاد المصرية"
"فالمصريون لم يعيشوا في عزلة وما كان من الممكن أن يعيشوا فيها بسبب موقع مصر الذي جعلهم في عقدة طرق الماصلات البرية والبحرية، بل وجدنا في منتصف أربعينيات القرن العشرين الرئيس الأمريكي الأمريكي فرانكلين روزفلت يقف على متن الطراد الحربي "يو إس إس كوينسي" متوقفا في عرض البحيرات المرة في أثناء رحلة شهيرة له ليلتقي الملك المصري فاروق ويؤكد أن أهمية موقع مصر بالنسبة لخطوط المواصلات الجوية لا يقل عن أهميتها بالنسبة للمواصلات البرية والبحرية".
"ولعله كان ما فعله روزفلت بتوقفه ولقائه ملك مصر في فبراير من عام 1945، دلالة ما في اختاره لنقطة التوقف في هذا المكان الحيوي في وسط قناة السويس".
وإذا ألقينا على التاريخ نظرة عامة، فإننا لا نجد إمبراطورية من الإمبراطوريات استطاعت الصعود لمركز القوة الأولى على ظهر كوكب الأرض إلا بالسيطرة على مصر، فأول امبراطورية في التاريخ كانت مصرية على عهد الأسرة الثامنة عشرة وبالتحديد في عهد تحتمس الثالث الملقب بنابليون العصور القديمة – مع انه فاق نابليون عسكريا وسياسيا ولم يلق هزيمة قط في حروبه ولم ينته نهاية نابليون المأساوية- ثم توالت الإمبراطوريات على مر التاريخ من أشور وفارس واليونان والرومان والعرب والعثمانيين والفرنسيين والبريطانيين، كل هؤلاء لم يرتقوا إلى مرتبة القوى العظمى في تواريخهم إلا بعد السيطرة على مصر بشكل أو بآخر.
فأي قوى عسكرية أو تجارية في حاجة لتأمين طرق مواصلاتها في العالم وكما قلنا، فإن خطوط المواصلات بر وبحرا بل وجوا،، تتقاطع لتكون عقدتها في مصر.
"نكبة الفوضى بعد سنوسرت"
إن بلوغ القمة في شيء لا يعنى بعده سوى الهبوط والانحدار.. هكذا يقف التاريخ شارحا ومعلما، فبعد الأوج الذ ي بلغته مصر في أزهى عصور الدولة الوسطى مع الأسرة الثانية عشرة، بدأت في الانحدار، فتوالى على مصر حكام ضعفاء كانوا سببا في تفكيك أوصال البلاد، حتى نكبت بأول عدوان تاريخي محقق على يد ما أسماهم المصريون بالهكسوس الذي هو تحريف لنطق "حقا خا سوت" أي أمراء البلاد الأجنبية.
وهؤلاء الهكسوس شكلوا وما زالوا يشكلون لغزا تاريخيا كبيرا، فبالرغم من الأبحاث التى بذل فيها علماء التاريخ والآثار جهودا كبيرة، فإن أصول هؤلاء الغزاة الذين استطاعوا احتلال شمال مصر وسيطروا على أعظم عواصمها ومركزها الديني الكبير "منف" مازالت غامضة، كذلك لم يقتصر الغموض على أصولهم، بل انسحب على ممارساتهم ومعتقداتهم الدينية الأصلية وصلتها بالمعتقدات المصرية.
وقد رأيناهم يعبدون الإله المصري الشهير "رع" بجوار إلههم "سوتخ" الذي كان مزيجا من الإله الآسيوي "بعل" والمصري الشهير "ست" وكذلك تزينوا بزي المصريين وتلقبوا بألقاب الملوك المصريين.
وفوق كل ذلك شكلت مدة بقائهم كحكام لمصر لغزا يضاف إلى ألغازهم، فيترواح الاختلاف ما بين قرنين إلى خمسة قرون لكن على أي حال، فقد بدأ عهدهم على الراجح عام 1675 إلى 1570 قبل الميلاد.
وملوك الهكسوس هم الذين وضعهم المؤرخ "مانيتون" في تاريخه في الأسرتين الخامسة عشرة والسادسة عشرة من بين الأسر الثلاثين الحاكمة في تاريخ مصر القديمة، فهم سيطروا تماما على موقع القناة، حيث كانت عاصمتهم هناك ووقع الممر الملاحي العالمي القديم تحت سطوتهم وحرموا المصريين من الاستفادة من خيرات قناتهم.
أغسطس 19, 2015

أول مشروع لأعظم ملوك التاريخ


قناة السويس
قبل ظهور الإنسان وفي العصور الجيولوجية سحيقة القدم، لم تكن صورة خريطة مصر كما استقرت عليه في عصور ما قبل التاريخية، فقد كان البحران الأحمر والأبيض بعد ظهورهما على الأرض، يتصلان وينفصلان نتيجة حركات القشرة الأرضية التى تحدث على مدى ملايين السنين، فيتغير شكل الخريطة تبعًا للتغيرات الجيوبوجية.
"أكبر مشروع لأعظم ملك في التاريخ"
كان قرار سنوسرت الثالث أحد ملوك الأسرة الثانية عشرة وهي من أعظم الأسرات في التاريخ المصري، بحفر قناة تربط بين النيل والبحيرات المرة التى كانت لاتزال جزءًا متصلا بخليج السويس، فكان أول اتصال في التاريخ وانفتح الطريق الملاحي بحيث تنطلق السفينة من أي من المواني الواقعة على سواحل أي من البحرين، إلى بعضها البعض بلا أي عائق وصارت مواني العالم القديم كلها متصلة بحريًا، لأول مرة منذ استقرار البحرين على وضعهما الحالي، قبل ظهور الإنسان، فصار - بفضل القناة - بوسع الملاح أن ينطلق بزورقه من مضيق جبل طارق مثلا، إلى ما بعد مضيق باب المندب، لا يعترضه عائق بري، فانفتحت بتلك القناة جميع بحار العالم وتواصلت من خلاله كل المواني في أهم حدث بحري وتجاري في تاريخ الإنسانية.
وقد بدأ سنوسرت الثالث في حفر القناة عام 1887 وانتهى منها 1874 قبل الميلاد وسجل على عادة ملوك مصر القديمة لوحة بافتتاحها على واجهة معبده بالكرنك.
تبدأ الرحلة في القناة من الشمال في بحيرة المنزلة فتسير في أول فروع النيل السبعة آنذاك من جهة الشرق المعروف بالفرع البيلوزي الذي يصب عند مدينة بيلوزم القريب موقعها من بورسعيد وينسب إليها الفرع، وتبدأ القناة من بوبست بمحافظة الشرقية (الآن تقريبا تقع مكانها مدينة الوقازيق عاصمة الإقليم) ومتجهة إلى الشرق لتنتهي عند "تيخاو" (قرية أبو صير الآن التابعة لمحافظة الإسماعيلية) وتصب القناة في البحيرات المرة التى كانت تشكل الجزء الشمالي من خليج السويس، ثم إلى البحر الأحمر.
كانت تمر خلال القناة السفن التجارية ما بين الشرق والغرب، محملة بالبضائع من التوابل والثمار والأخشاب المجلوبة من غابات لبنان والحيوانات والحرير والعاج والجلود والمواد الغذائية ومواد البناء أيضا.
وقد كان ملوك الأسرة الثانية عشرة (التى حكمت مصر من 1991 إلى 1778 قبل الميلاد) قد أحدثوا نهضة في البلاد المصرية ليس لها مثيل في التاريخ، فقد حفروا الترع وأقاموا السدود وشيدوا المعابد والأهرامات وكانت هذه الأسرة قد أعادت المجد لمصر بعد ما يعرف بالفترة البينية الأولى التى سادت فيها الفوضى البلاد قرونا عديدة، حتى جاءت الأسرة الحادية عشرة لتبدأ انتشال مصر من التفكك والفوضى ثم أكملت أسرة سنوسرت الثالث المشوار الحضاري لمصر وبلغت بها الأوج.
وساد الأمن البلاد وسار ملوك هذه الأسرة على رأس الجيش المصري في كل الأرجاء يوطدون لملكهم وينشرون رسالة مصر في الحضارة والسلام شمالاً وجنوبًا وشرقًا وغربًا.
وبلغ من عظمة سنوسرت الثالث أنه أعيد ذكره بعد عدة قورن من رحيله، فأقام تحتمس الثالث المعابد التى كرست لعبادته بجوار الآلهة التقليددين في النوبة لما لمسه بنفسه من بقاء أعمال سنوسرت في جنوب البلاد، فهو الذي هبط إلى الجنوب ووطد أركان المملكة المصرية التى امتدت في الاتجاهات الأربعة باسطه سلطانها على السهل والبحر والصحراء.
ويصف المؤرخون، ملوك هذه الأسرة، خاصة سنوسرت الثالث، بأنهم من أعظم الذين جلسوا على عرش مصر، بل ووصفه معجم الحضارة المصرية القديمة بأنه "ذلك الفرعون الذي قهر العالم وأعظم ملك شهده التاريخ.
ودلالة حفر هذه القناة، دلالة عظيمة فهي تؤكد أن المصريين قد تقدموا في العلوم التى مكنت لهم تنفيذ هذا المشروع العظيم من حيث معرفتهم ودرايتهم بطبيعة الأرض ودراستهم جغرافية المكان وخبرتهم في شق الطرق البرية والبحرية.
وقبل القناة الموصلة بين النيل والبحر الأحمر، كان اهتمام هذه الأسرة بالتجارة مع بلاد السودان كبيرا بجانب الأعمال الحربية، إذ أنه تم حفر قناة على عهد سنوسرت الأول، عند الشلال الأول الواقع على مجرى النيل في جنوبي أسوان، لتفادي صخور هذا الشلال الذي يعيق حركة الملاحة عند مرور السفن عبر النيل شمالاً وجنوبًا.
والمشروعات المائية لهذه الأسرة، كانت عظيمة مثلها، بل كانت أهم مشروعات مائية في تاريخ مصر، فقد استطاع ملوكها أن يحولوا "بحيرة قارون" إلى خزان عملاق لمياه الفيضان عن طريق "بحر يوسف" والتحكم في مياهه بسد اللاهون الشهير، هذا مع حفر شبكة عملاقة من الترع والقنوات التى انتشرت في ربوع مصر، لتستفيد من كل قطرة مياه من النيل.
وقد سمى المؤرخون أهم هذه القنوات وهي هذه القناة الموصلة بين البحرين عن طريق النيل، خطأ باسم "سيزوستريس" وهو تحريف لاسم سنوسرت.
وهذه القناة وردت الإشارة إليها في كثير من المتون غير المصرية، لعل أشهرها ما ذكره هيرودوت الملقب "أبو التاريخ" في في كتابه الثاني من تاريخه العام وهو أقدم وثيقة يونانية تحدثت عن القناة، غير أن هناك من يشككون في بعض روايات هيرودوت ويتهمونه بعدم الدقة.
ولكن يعضد ماذكره هيرودوت، ما حكاه الشاعر اليوناني الشهير "هوميروس" عن قصة عبور "منيلاس" أحد أبطال ملحمته ذات المكانة المميزة في التراث الأدبي اليوناني والإنساني وهي "الأوديسا".
كذلك تحدث عنها الفيلسوف العظيم "أرسطو" الذي كتب يقول: "نحن نعتبر أن أقدم البشر هؤلاء المصريون الذين تظهر بلادهم قاطبة من عمل النيل ولا تعيش إلا به وهذه الحقيقة تفرض نفسها على أي فرد يجوب هذه البلاد ولدينا شاهد ظاهر نجده في إقليم بحر"أرتيري" (البحر الأحمر) والواقع أن أحد الملوك شرع في القيام بحفر البرزخ، فإن جعل هذا الممر صالحا للملاحة كان له فائدة عظمى والظاهر أن "سيزوستريس" هو أول الملوك القدامى الذين تبنوا هذا العمل ولكنه قد لحظ أن مستوى الأراضى كان اكثر انخفاضًا عن مستوى البحر" انتهى كلام أرسطو ولا نظن أنه بحاجة إلى شرح أو بيان".
وبجانب ذلك قد أورد عالم المصريات الكبير الدكتور سليم حسن ما جاء في المؤلفات الإغريقية واليونانية عن قناة السويس في الجزء الثالث عشر من عمله الضخم العظيم "موسوعة مص القديمة" الذي نقلنا منه ترجمة ما كتبه أرسطو "وهو من هو" عن مصر وقناتها.
وقد أفرد سليم حسن في هذا الجزء ملحقا خاصا عن تاريخ قناة السويس بمناسبة ما كتبه عن العهد الفارسي وتجديد الملك دارا الأول لحفر القناة القديمة التى طمرت بالرمال.
وبجانب ما قاله هيرودوت وهوميروس وأرسطو، ورد ذكر القناة عند ديدور الصقلي وسترابون ولوسيان وبليني القديم وجرجوار الطوري والراهب فيدليس.
وفي المراجع العربية كتب عنها الفرجان والمقريزي وشمس الدين وبن سعد وأبو الفداء والمسعودي والكندي وبن الطوير.
أغسطس 19, 2015

الهكسوس يغزون مصر ويسيطرون على القناة..



الهكسوس
قبل ظهور الإنسان وفي العصور الجيولوجية سحيقة القدم، لم تكن صورة خريطة مصر كما استقرت عليه في عصور ما قبل التاريخية، فقد كان البحران الأحمر والأبيض بعد ظهورهما على الأرض، يتصلان وينفصلان نتيجة حركات القشرة الأرضية التى تحدث على مدى ملايين السنين، فيتغير شكل الخريطة تبعًا للتغيرات الجيولوجية.
اتخذ الغزاة الهكسوس "أواريس" في شرق الدلتا عاصمة لملكهم "مكانها الآن منطقة تل الضبعة"، وقد سادوا منها مصر ماعدا الجنوب الذي ظل بعيدا عن قبضتهم، وإن لم يخل الأمر من استفزاز ومحاولة إذلال لأمراء طيبة.
وفي قصة أفراس البحر التى تزعج أصواتها في طيبة التى تقع أقصى الجنوب، منام ملك الهكسوس في شرق الدلتا في أواريس، دلالة على ذلك.
ولا يعرف إن كان هذا الاستفزاز، كان محاولة منهم لبسط نفوذهم على أمراء طيبة لاسيما وأن الهكسوس كانوا أقوياء ولهم مراكز نفوذ في الجنوب نفسه، فضلا عن كل الجهات أوأن هذا الاستفزاز كان على سبيل الاستهزاء بحاكم طيبة "سقنن رع".
ورد سقنن رع الذي في رسالة أورد الدكتور سليم حسن ترجمتها إلى العربية في الجزء الأول من كتابه "الأدب المصري القديم"، رغم ما بدا منه من شبهة خنوع، إلا أن هذا الحادث كان مقدمة حروب طاحنة دفع فيها الملك المصري العظيم "سقنن رع" حياته شهيدا كما يبدو من أثر ضربة بلطة في جمجمته بعد العثور على موميائه، وانتهت الحروب بكسح الهكسوس من مصر، مخلفين ورائهم سيرة نكراء مازالت آثارها في الذاكرة المصرية تتردد حتى اليوم في السخرية اللاذعة من أي فعل همجي ووصمه بالهكسوس.
فالهكسوس لم يكسبوا حب المصريين وتكبروا عليهم وسخروا منهم وهم على قوتهم التى مكنت لهم من حكم مصر، إلا أنهم لم يتمكنوا من الإسهام في الحضارة الإنسانية عامة ولا المصرية خاصة، بأي نصيب قل أم كثر.
ولم يتركوا آثارا ذات قيمة كبيرة من أي نوع، باستثناء بعض التماثيل والألواح الحجرية والأواني هنا أو هناك، فلم يتركوا سيرة لهم عن أي نظام اجتماعي أو قانوني أو ثقافي يذكر.
ورغم أن بعض الدارسين يرون أن الشعوب التى ينتمى لها الهكسوس، بدأت في التسلل لاستيطان شرق الدلتا كمهاجرين للاستقرار في عهد الأسرة الثانية عشرة، إلا أن الهكسوس لم يندمجوا في الشعب المصري وإن عبدوا آلهتهم وتزيوا بأزيائهم، فكرهوا المصريين وكرههم المصريون، حتى الذين خضعوا لهم واعترفوا بسلطانهم.
لم يفكر الهكسوس ولا شرعوا في عمل أي أثر تايخي وطوال حكمهم لم تشهد مصر نهضة في أي مجال، بل حتى امتداد حكم الهكسوس في فلسطين وما بعدها، لم يكن قويا ولم تزدهر التجارة في عهدهم ولم يهتموا بطرقها لا برا ولا بحرا ولذلك عندما طردهم أحمس وتعقبهم، استطاع أن يستأصل شأفتهم تماما، فاختفوا من التاريخ ومن الجغرافيا، فهم كما وصف حالهم السندباد المصري الدكتور حسين فوزي في كتابه "حكايات السندباد القديم" بأنهم شعب ظهر فجاة واختفى فجأة.
فلقد كان مركز الهكسوس في شرق مصر واتصل ملكهم بأرض آسيا - حيث أصولهم - عبر سيناء ومع ذلك لم تزدهر التجارة كما أسلفنا.
وطرق المواصلات البرية والبحرية لا تقوم بوظيفتها إلا تحت نظام تأمينى بالغ القوة، حتى لا تكون هدفا لهجمات اللصوص، وقد انتهى ذكر قناة سنوسرت بعد نهاية عهد أسرته وخلال الفترة البينية الثانية التى تفككت فيها أوصال الوطن وتحت حكم أسرتين ضعيفتين تخللتا الفترة ما بين الملكة سوبك نفرو "آخر سلالة الأسرة الثانية عشرة" سادت الفوضى البلاد ولم يستطع حكام الأسرتين الثالثة عشر والرابعة عشر، أن يلملموا شتاتها، بل ربما كانوا هم بضعفهم وصراعاتهم وتفككهم في الأقاليم المصرية، من مظاهر هذه الفوضى السائدة عاملا قويا لتمكن الهكسوس من السيطرة على مقاليد الأمور في مصر وصارت طرق الملاحة بين البحرين الأحمر والأبيض والانتقال بينهما، تحت سلطان الهكسوس وتوقف سلطان مصر على البر والبحر.
وهؤلاء الغزاة وإن وشى التاريخ بقوتهم العسكرية، إلا أن هذه القوة كانت فقط بسبب ضعف المصريين وتشرذمهم آنذاك، فلم تكن مملكة الهكسوس مملكة قوية ولا أحدثت نهضة لا لهم ولا لغيرهم ولذلك كان اندثارهم أمرا ميسورا وجودا وتاريخا.
أغسطس 19, 2015

قصة أربعة آلاف سنة من عمر قناة السويس



قناة السويس قديمًا
قبل ظهور الإنسان وفي العصور الجيولوجية سحيقة القدم، لم تكن صورة خريطة مصر كما استقرت عليه في عصور ما قبل التاريخية، فقد كان البحران الأحمر والأبيض بعد ظهورهما على الأرض، يتصلان وينفصلان نتيجة حركات القشرة الأرضية التى تحدث على مدى ملايين السنين، فيتغير شكل الخريطة تبعا للتغيرات الجيوبوجية.
غير أنه في "عصر البليوستين" حدث زلزال كبير جعل الاتصال يعود بين البحرين عن طريق ممر ضيق نسبيا ، بقيت آثاره على مدى السنين الطويلة في خليج السويس والبحيرات المرة، وبحيرة التمساح.
غير أن نهر النيل الذي كان يأتى بمياهه المتدفقة من منابعه محملا بالطمي أو الغرين ليصبها في روافد انتشرت في الجزء الشرقي من مصر، فراح على مدى القرون يلقى برواسبه في الامتدادات ما بين خليج السويس والبحر الأبيض المتوسط.
وجاء العصر الباليوليتي، لتختفي هذه الروافد وتتشكل ملامح سيناء بعد انكماش خليج العقبة في شرقيها وتراسجع خليج السويس حتى البحيرات المرة.
ومع بداية ظهور الإنسان وتجاوز عصور ما قبل التاريخ، بدأت الحضارة أولى خطواتها في وادي النيل واستقر الإنسان على ضفافه ليشرع في الدخول بالإنسانية إلى مرحلة عظمى من مراحلها التاريخية، حيث تمكن من كبح جماح النهر العظيم وسيطر على مياهه وعرف كيف يستفيد من المهدر منها وكيف ينظم سريانها وعرف الأجواء المناسبة لبذرالمحاصيل ونضجها وحصادها، فظهرت أشكال الاستقرار الزراعي وبدأ الإنسان يجنى ثمار هذا الكسب العظيم بالتفاعل مع الطبيعة لتعطيه ما يريده هو منها لا ما كانت تريد هي أن تعطيه إياه.
وكانت الزراعة التى اعتمد عليها الإنسان تاركا مرحلة التعيش بالصيد فقط، أحيانا وفيرة تجعل حياته حياة رغداء وأحيانا تخذله فلا تكفي حاجاته، خصوصا أن الإنسان قد عرف العيش في جماعات ونشأت القرى والمدن، فكان إن قصرت الزراعة عن تلبية حاجاته في منطقة ما، فيمكن أن تكون قد فاضت بالخير في منطقة أخرى، ومن هنا ظهرت التجارة، فكان الفائض يذهب إلى ما عرف بعد ذلك بالأسواق ليكفي حاجات من لم يجن ثمار جهده في الزراعة لأي سبب كان.
فنتج ذلك النشاط الجبار الذي شغل الإنسانية وكان سببا في قيام وانهيار مجتمعات بأكملها، لما جره من منافسات حادة بين المجتمعات الإنسانية، فإن كانت تلك المنافسات في إطار ما شرعه الإنسان من قانون ووضعه من أخلاق، عرف ذلك بالسلام وإن زادت حدة المنافسة وظهرت أطماع الكسب والتوسع، كانت الحرب.
فذلك النشاط الجديد المدعو بالتجارة هو الذي شغل الأمم وصار همها في السلم وفي الحرب.
وقد تمكن المصريون القدماء من بناء حضارة عظيمة وكان لهذه الحضارة نتاج لابد من تصريفه وكذلك احتياج لابد من توفيره، فسلك السبل إلى الأمم الأخرى بائعا أو شاريا أو مبادلا.
فقد كان قدر هذا الإنسان العائش على ضفاف النيل أن يكون في قلب هذا العالم، فلا سبيل إلا الاتصال بمن حوله، ولا سبيل لمن حوله إلا ان يتصلوا به أو يمروا عليه في تواصلهم، فإن كان قويا حافظ على حضارته واستقلاله وإن كان ضعيفا وقع تحت سيطرة من لا يرحم ممن عاشوا حوله.
وجميع أمم العالم القديم احتاجت إلى مصر لتسلك من خلالها في طرق تجارتها بر أو بحرا.
كذلك كانت حاجة مصر أيضا، أن تتصل هي بالعالم، فلم يكفل لها موقعها الفريد على سطح الأرض، عزلة يمكن أن تنفصل فيها عن العالم من حولها حتى تأمن أطماعهم فيها.
وأدرك المصريون ذلك مبكرا، فخبروا طرق التجارة برا وبحرا، فانطلقوا في قوافل إلى البلاد المحيطة بهم، فرأيناهم يتاجرون مع الأمم من حولهم فوجدناهم في ببلوس في الساحل الشرقي للبحر المتوسط وكذلك في الجنوب، حيث بلاد بونت.
فالمصري القديم كان يعي جيدا بموقعه في قلب العالم القديم وكان يدرك جيدا أن بلاده ملتقى للطرق البرية والبحرية وكانت مصر تطل على ساحلى بحرين تمر من خلالهما أهم طرق طرق التجارة العالمية في ذلك الوقت، فلا يمكن الانتقال من الشرق إلى الغرب عبر البر أو البحر، إلا من خلال مصر، لذلك كان الاتصال بين البحرين معناه انفتاح طريق التجارة بلا عوائق، فتنتقل سفن الركاب والبضائع عبر قناة تخترق كتلة اليابس، بلا عوائق.
"بين النيل والبحر"
كان الملك مرنرع (أحد ملوك الأسرة السادسة التى حكمت مصر من (2420 إلى 3380) يفضل الإقامة في جزيرة الفنتين "أسوان" حيث كانت سفن التجارة تأتى من الشمال بالبضائع عبر مجرى النيل، فتفرغ حمولاتها لتسير بها القوافل عبر الطريق الذي يخترق جبال الصحراء الشرقية إلى ميناء برنيس على ساحل البحر الأحمر ثم تنطلق في طريق بحري جديد وكذلك تستقبل حمولات السفن القادمة لتسلك الطريق عكسا، فكان هذا أو استغلال فعلى لموقع مصر على البحرين واستغلال اتصال النيل بالبحر الأبيض المتوسط في الشمال.
وهذا دليل بين لإدراك المصريين لأهمية التواصل بين الطريقين البحريين في الشمال حيث المتوسط والجنوب حيث الأحمر وأن بلادهم هى الرابط بينهما.
أغسطس 19, 2015

قصة القناة : بين المرة والبردويل.. القدر لم يمهل الإسكندر.



قبل ظهور الإنسان وفي العصور الجيولوجية سحيقة القدم، لم تكن صورة خريطة مصر كما استقرت عليه في عصور ما قبل التاريخية، فقد كان البحران الأحمر والأبيض بعد ظهورهما على الأرض، يتصلان وينفصلان نتيجة حركات القشرة الأرضية التى تحدث على مدى ملايين السنين، فيتغير شكل الخريطة تبعًا للتغيرات الجيولوجية.
قاوم المصريون الفرس، لكنهم لم يفرزوا بطلاً يلتفون حوله ليحققوا استقلالهم، لكنهم انتظروا بطلاً يأتى من وراء البحار من اليونان "الإغريق" الذين طالما عاشوا بينهم منذ عهود طويلة ولم يعودوا غرباء عنهم رغم اختلاف لغتهم وثقافتهم ولون بشرتهم نسبيًا، رغم أن اليونان كانوا يرون في أن مصر هي منبع الحكمة وأن المصريين هم أقدم البشر، كما أقر بذلك حكماؤهم سولون وأفلاطون وأرسطو.
وكان الإسكندر بن فيلبب قد خبر طبيعة المصريين وكان هذا الملك اليوناني مبشرًا بملك العالم ولا يتسنى لتلميذ أرسطو أن يحكم العالم بالقهر والاستعباد، فلم يكن هذا الفتى المقدوني المبهر، ليخوض المعارك عن باطل، بل كان حاملاً لشعلى الحضارة وجاء في وقت احتاج العالم إلى الملك الفارس الحكيم وهو قد ورث الفروسية من أبيه العظيم، كما ورث الحكمة من أستاذه الأعظم أرسطو.
وقد أحب المصريون الإسكندر وأحبهم، فلم يكونوا هم ولا كنهتهم بالمجبرين على قبول الإسكندر وهم من قبل قد استنزلوا اللعنات على الغزاة قبله وقاوموهم ولم يعترفوا لهم بسلطان إلا غصبًا للعامة أو نفاقًا من البعض، وما ذكر قمبيز ببعيد، فهذا هو الإسكندر يسافر بنفسه إلى معبد آمون في سيوة على غير مقصد قمبيز، فيكرم آمون ويسجل زيارته لقاعة التنبوءات كحدث تاريخي يقرن ذكر الإسكندر باسم آمون كأب له على عادة ملوك مصر.
ويتم تتويج الإسكندر بن آمون فرعونا لمصر بعد دخوله في عام 332 قبل الميلاد، ليخرج من تحت أيدى الكهنة المباركين لملك بلادهم الإسكندر الأكبر ليكون أقوى ملوك الأرض ويبلغ منها بجيوشه مالم يبلغه غيره.
وراح الإسكندر الأكبر ملك الأرضين وصاحب التاجين، يبحث عن طريق لسفنه لتسلك البحر المتوسط إلى البحر الأحمر، فالسفن لا يمكن أن تظل حبيسة البحر راسية أمام ميناء الإسكندرية التى بناها لتكون عاصمته في مصر والتى ارتبط بها اليونانيون على مدى العصور، وحتى يجد الإسكندر طريقًا مائيًا مباشرًا من البحر المتوسط للأحمر مباشرة، بدأ في تطهير مجرى القناة القديم وفي الوقت نفسه فكر في حفر قناة من بحيرة سيربونيس "البردويل" إلى بحيرة التمساح فالبحيرات المرة فخليج السويس.
وكان الإسكندر بفكرة حفر قناة البردويل، هو أول صاحب لمثل هذه الفكرة وهي كانت ستخدم السفن القادمة من المواني على ساحل البحر المتوسط الشرقي، حيث أعظم مواني العالم القديم مثل صور وصيدا وببلوس "الجبيل" وأوجاريت "رأس شمرا" وكذلك مواني سواحل كيليكيا.
ولكن الإسكندر سرعان ما وافته منيته بعد أن أوغل في فتوحاته في آسيا، ليخلفه على عرش مصر أحد أمهر قواده بطليموس "سوتير" رأس البطالمة الذين حكموا مصر قريبًا من ثلاثة قرون من الإسكندرية وقد حدثت نقلة اقتصادية هائلة في عهد سوتير بقيامه بسك أول عملة معدنية في تاريخ البلاد، على غرار ما كان قد فعله أهل ليديا على عهد ملكهم كورسيوس كما قيل أو قبله فتحولت أساليب التجارة هذا التحول الجوهري التاريخي الممتد عبر القرون والأجيال.
كما أنه اهتم بشبكة الري وتطوير أساليب الزراعة حتى تمكن المصريون من زراعة الأرض مرتين في العام.
ورغم إقامة ملوك البطالمة في الإسكندرية وانفصالهم في عاصمتهم الجديدة، إلا أن المصريين تعاملوا معهم على أنهم امتداد لملوك الفراعنة، خاصة أن البطالمة أعلوا من شأن المعتقدات الدينية المصرية وشيدوا المعابد لآلهة المصريين واتخذوا الألقاب الملكية التقليدية.
وجاء بطليموس الثاني "فلادليفوس" ليسير على نهج الإسكندر وأبيه مع المصريين، فقام بإعادة حفر القناة وتوسيعها من الفرع الشرقي للنيل حتى البحيرات المرة وتغلب على السد الرملي الهائل بين البحيرات والخليج، فشق خلاله قناة عريضة تسمح بمرور سفينتين متقابلتين بسهولة، فسارت السفن في مياه البحرين عبر القناة والنيل ذهابًا وإيابًا وكان فلاليفوس قد أنشأ ميناء "هيروبوليس" في "كليسما" في موضع السويس حاليًا.
وعادت الأسواق تعم بخيرات الشرق والغرب وعاشت مصر تحت حكم البطالمة لتعود كموقع لممارسة دورها الذي ميزها به التاريخ.
وفي أواخر عهد البطالمة تدهورت حالة القناة، حتى لم تعد صالحة للملاحة وتوقفت تماما في عام 48 قبل الميلاد وحتى سقط العرش البطلمي بنهاية مأساوية لآخر الملكات "كليوباترا السابعة" التى ربما كانت أقرب البطالمة للمصريين والوحيدة تقريبا التى تعلمت لغتهم وأجادتها وبعدها فقدت مصر استقلالها ولم تعد تحكم من داخل أراضيها، بل بالغ الرومان في إذلالها وجعلها في مرتبة أقل من مرتبة الولاية!.
وحتى الإمبراطور تراجان وهو من أعظم أباطرة الرومان أعمالا "98: 117 بعد الميلاد" لم يكن أحد يفكر في عودة الملاحة للقناة، فشرع في حفر قناة جديدة من مجرى النيل الرئيسي مباشرة بجوار حصن بابلياالوثني أو المسيء ون "منطقة مصر القديمة حاليًا" والذي بناه تراجان نفسه وحتى البحيرات المرة.
وكالعادة مع كل حفر وتجديد للقناة اذدهرت الحركة التجارية، لكن هذا الاذدهار لم يجن ثماره الشعب المصري الذي انزوى في الداخل وتدهورت أحواله وصار من أكثر شعوب العالم تخلفا تحت نير الاضطهاد الروماني الذي لم يسبق له مثيل في كل العصر الروماني سواء الوثني أو المسيحي وارتكبت مذابح في موجات الاضطهاد مازال التاريخ المصري عامة والكنسي خاصة يئن من أجلها ولبست مصر السواد عهودا طويلة وطمرت الرمال معالم حضارتها وكاد ينساها التاريخ مع أنها كانت جوهرة التاج الروماني وانزوي المصريون إلى الدرجة الثالثة من درجات المواطنة وعانوا الغربة والاضطهاد والجوع وبلادهم سلة خبز الإمبراطورية وجنى الرومان وحدهم خيرات الأرض والقناة.
وفي سنة 400 ميلادية مع ظهور ملامح الشيخوخة على الإمبراطورية الرومانية البيزنطية، كان قد عفي أثر قناة تراجان وثقلت وطأة الا ضطهاد والإهمال على كل شيء في مصر وظل الفلاح المصري فى الأرض يبذر ويرعى ويحصد لموائد السادة الرومان.
أغسطس 19, 2015

طبق المكرونة الذي غير مجرى التاريخ.. قصة أربعة آلاف سنة من عمر قناة السويس


"الحلقة الثانية عشرة"

ديليسبس وسعيد باشا
قبل ظهور الإنسان على الأرض وفي العصور الجيولوجية سحيقة القدم، لم تكن صورة خريطة مصر كما استقرت عليه في عصور ما قبل التاريخية، فقد كان البحران الأحمر والأبيض بعد ظهورهما على الأرض، يتصلان وينفصلان نتيجة حركات القشرة الأرضية التى تحدث على مدى ملايين السنين، فيتغير شكل الخريطة تبعا للتغيرات الجيولوجية.
"امتياز بطبق مكرونة"
ورغم أهمية ما وضعه المهندس الفرنسي لينان من أسس عن شق القناة، إلا أنه نشبت خلافات مع دي لسبس تسببت في أن لينان لم يشارك في في تنفيذ المشروع الذي استولى عليه دي ليسبس وحده، بالرغم من أن فردينان قد طالع الدراسات التى سبق أن كتبها لوبير أيضا.
وسعى دي ليسبس سعيا دؤوبا لدى صديقه سعيد بن محمد على والي مصر، لأخذ امتياز تنفيذ المشروع التاريخي، مستغلا العلاقة الوطيدة التى نشأت بينه وبين سعيد في مقتبل العمر، حيث كان سعيد يتردد على منزل أسرة ماتيو دي ليسيبس والد فيردنان صديق والده وكان محمد على في تلك الفترة قد فرض نظاما قاسيا على ولده لإرغامه على الحياة العسكرية من بينها فرض نظام صارم للغذاء ضج منه سعيد الأكول، فكان يجد في منزل آل دي ليسبس فرصة لكسر هذه التعليمات فكان يأكل بشراهة أكدتها بدانته التى سخر منها المصريون كعادتهم المتأصلة في السخرية حتى في القضايا المصيرية.
وكان لهذه السخرية ما يؤكد مبررارتها أولا في البدانه المفرطة الظاهرة على سعيد وثانيا ما وضح في هذه السهولة التى نال بها دي لسبس الامتياز، فقد كان سعيد متساهلا جدا في شروط الامتياز في منح الأراضي وتسخير العمالة اللازمة من أبناء الشعب لحفر القناة بلا أدني رعاية ملموسة من أي نوع.
وقد صدر الامتياز المجحف بحقوق مصر في حاضرها ومستقبلها، في 30 نوفمبر 1854 بمنح فردينان دي ليسبس، حق إنشاء "الشركة العالمية لقناة السويس البحرية" واستغلالها لمدة 99 عاما تبدأ من يوم افتتاحها للملاحة وتؤول كاملة للحكومة المصرية بعد تمام هذه المدة.
كما منح سعيد الشركة كل الأراضي التى تحتاج إلبهان كما منحها حق الحصول على جميع المواد اللازمة التى تحتاجها في أي عمل متعلق بالقناة أو منشآتها، باستخراجها من المناجم والمحاجر المصرية بدون أي مقابل وكذلك أعفى كل المعدات والأدوات من الجمارك!.
وتوزع الأرباح السنوية بتسبة 75% للشركة و15% للحكومة المصرية و10% للأعضاء المؤسسين للشركة.
كل ذلك مع تعهد من والي مصر بتقديم مساهمته الصادقة وكذلك جميع المستخدمين التابعين للحكومة، لتسهيل ما يلزم للمشروع.
وفي 5 يناير 1856 صدر الامتياز الثاني ليؤكد ما منحه سعيد في الامتياز الأول مع قيام الحكومة بحفر ترعة من النيل لتوفير المياه العذبة وتصب في بحيرة التمساح بعد أن يتفرع منها فرعان إلى السويس جنوبا وإلى بورسعيد شمالا في محاذاة القناة.
ووضعت الشركة المهندس لينان -المشارإليه - آنفا مع آخر يدعى وموجبل بك تحت تصرف الشركة للإشراف على تنفيذ القوانين الخاصة بالمشروع.
ولابد من الإشارة إلى أن كلا الفرمانين الصادرين بالامتيازين الممنوحين لدي ليسبس، قد كتبا باللغة التركية وتمت ترجمتهما إلى الفرنسية, دون أدنى التفات بلغة هذا البلد التي يتحدث بها شعبها الذي سخر لحفر هذه القناة وتنفيذ رغبة دي ليسبس!.
وتم تأسيس الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية، خرجت للوجود في 15 ديسمبر 1858 برأس مال 200 مليون فرنك فرنسي (توازي 7715000 جنيه مصري) مقسمة على 400000سهم بقيمة 500 فرنك لكل سهم وكان نصيب مصر 91096 سهما ونصيب إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية والنمسا وروسيا، 85506 أسهم ولما رفضت هذه الول بعد طرخ الأسهم شراءها، اضطرت مصر للاستدانة بمبلغ 28 مليون فرنك (مليون وثمانون ألف جنيه مصري) ليصبح قريبا من نصف رأس مال الشركة ملكا لمصر.

ADDS'(9)

ADDS'(3)

 


-

اخر الموضوعات

من نحن

author ‏مدونة اخبارية تهتم بالتوثيق لثورة 25 يناير.الحقيقة.مازلت اسعى لنقلها كاملة بلا نقصان .اخطئ لكنى منحاز لها .لايعنينى سلفى ولا مسلم ولا اخوان يعنينى الانسان،
المزيد عني →

أنقر لمتابعتنا

تسوق من كمبيوتر شاك المعادى