29/01/2021
ثورة 25 يناير .. لماذا فشل المصريون في ثورتهم؟.. 5 أسباب تشرح لك
فريق العمل ساسة بوست
هناك ثوراتٌ تتقدمُ بالشعوب إلى الأمام، وثوراتٌ تتراجع بالشعوب إلى الخلف، وهناك ثوراتٌ لا تبرحُ مكانها فلا هي تقدمت، ولا هي تأخرت، الأحلامُ دائمًا ما تبيتُ في السجون حين ينصرفُ دعاة الثورة المُلهِمين، حينها تعودُ «فوهات البنادق» إلى الميادين، وتُرفع الأعلام الرمادية في الشوارع، فلا نستطيع تمييز الثائرين من أتباع الطُغاة، وأعنف ما قد تواجهه طموحات الشعوب بعد ثوراتها، تحديات الفساد السياسي، والتعثر الاقتصادي، وبقايا الحُطام القديم، إضافة إلى حكم الضعفاء المنتصرين الذين لا يُشبهون «الطغاة» في محاربة أعدائهم؛ لذلك فالثورات المضادة غالبًا ما قد تُعيد الاستبداديين إلى القصر الحاكم.
في هذا التقرير أخطاءٌ من الأرشيف،
1- لا تترك أبدًا ورقةً رابحة
بينما كان آخرُ حشدٍ يستعدُ لمغادرة ميدان التحرير خلال الاحتفالات التي استمرت عدة أيام عقب تنحي مبارك عن السلطة في 11 فبراير (شباط) من عام 2011، بقي عدد من النشطاء دعوا المواطنين لعدم التفريط في أهم مكتسبات الثورة، في إشارة إلى استمرار الاعتصام حتى تتحقق المطالب، وصعد شابٌ مجهول المنصة والتقطته عدسات الكاميرات حين ناشد الثوار قائلًا: «لا تتركوا الميدان أبدًا من أجل وعود ساذجة، أو انتصارات صغيرة، لا تثقوا في النخبة حين يخبرونكم أن مطالبكم سوف تتحقق، وأن الأوضاع الحالية لا تسمحُ بمزيدٍ من الفوضى».
لم تستمع القوى الثورية إلى التحذيرات التي جاءت من آخر الصف، والتي تقول: «لا تترك أبدًا ورقةً رابحة»؛ لأن الجميع ربما لم يصدق فكرة وجود الثورة المضادة، كان أغلبهم منتشين بالفوز، واعتقد بعضهم أن نظام مبارك قد سقط للأبد.
بعدها بأقل من أسبوعين دعت القوى الثورية إلى التظاهر في ميدان التحرير في جمعة الوفاء؛ لتأكيد مطالب الثورة، وإقالة رئيس الوزراء، الفريق أحمد شفيق، حينها تحركت الشرطة العسكرية في منتصف الليل، وقامت بفض الميدان بالقوة، إضافة إلى اعتقال العشرات وتقديمهم للمحاكمات العسكرية بتهمة حيازة الأسلحة، وخرق حظر التجوال، وبعدما نجحت المدرعات والدبابات في مهمتها الأساسية، وهي تطويق الميدان، ومنع وصول الأصوات المعارضة، تقدم المجلس العسكري باعتذار رسمي للشعب؛ مبررًا العنف المفرط الذي واجهه المتظاهرون بأنه غير مقصود.
في نظر البعض، كانت تلك لحظة فارقة عبرت عن فقدان الثوار لأهم مكتسباتهم، وهي الميدان، وفي نظر البعض، فهم لم يجدوا منبرًا آخر يعبر عنهم بعد تلك اللحظة، في رحلة التيه، وحين حاولوا العودة إلى الميدان مرة أخرى، واجهوا الرصاص الحي والاعتقالات، وحين أصروا على استرجاعه واجهوا قانون، وعندما قرروا دخول البرلمان حصلوا على سبعة مقاعد فقط؛ وربما أدرك الجميع حينها الدرس المُستفاد في «توقيت متأخر جدًّا».
بالعودة إلى التاريخ ودروسه، فإن ذلك الخطأ ارتكبته أيضًا الثورة الفرنسية التي اندلعت في عام 1789، وأدى إلى تعرض الثوار لحملات التشويه المنظم التي قادتها الثورة المضادة بقيادة الملك لويس السادس عشر، وبمساعدة النبلاء الذين غدروا بالثوار أكثر من مرة، وكانت خطيئة الثوار الفرنسيين في نظر الكثير من المؤرخين أنهم تركوا ميدان الباستيل؛ وانشغلوا بالاتهامات المتبادلة بينهم بالتشويه والتخوين، لتبدأ مرحلة الصراع الدموي التي انتهت إلى إعدام بعض رموز الثورة وعلمائها في نفس الميدان الذي ثاروا فيه على الملك، وكانت أكبر خسارة لرمز ثورتهم التي وصلت لمرحلة الإرهاب في عام 1792، لتنتهي الثورة المضادة بتنصيب الجنرال نابليون بونابرت، ليصبح أول رئيس جمهوري يمارس حُكمًا ديكتاتوريًّا بصلاحيات الملك القديم.
فخسارة الميدان في التاريخ تعني ضياع الثورة أمام أعدائها، وانقسام الصوت الواحد الذي يعبر عن تماسك القوى الثورية في مطالبها وأهدافها؛ مما يحفظ مكتسبات الثورة على المدى البعيد أمام تحركات أعدائها، كما يجبر الإعلام الرسمي على تبني خطاب شعبي يمهد للمرحلة الانتقالية، بعيدًا عن التخوين والتشويه، وهو ما لم يحدث.
2- الثورة الناجحة تبدأ بالاستيلاء على ماسبيرو
طريق الانقلابات العسكرية يبدأ دائمًا بمحاصرة «مبنى الإذاعة الرسمي»، هذه هي الخطة الناجحة التي نفذتها الفصائل المتمردة للاستيلاء على السلطة، وأشهر نموذجين: حركة الضباط الأحرار في مصر عام 1952، ومحاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا العام الماضي، وهدف تلك الخطوة أن يدرك الناس أن هناك خطابًا إعلاميًّا جديدًا على التلفزيون الرسمي، وأن كافة الوجوه القديمة قد رحلت للأبد؛ فالثورات التي تشتعل في الميادين تحتاج دائمًا إعلامًا وطنيًّا يقود الثورة، ويمارس دوره التحريضي ضد الحكومات الفاسدة.
اشتعلت الثورة الفرنسية بكتابات عدة أشخاص مثل فولتير، وروسو، ومونتسكيو الذين نشروا فكرة «الحرية» ضد الاستبداد، وفكرة «المساواة» في الحقوق أمام القانون مع النبلاء، وفكرة «الإخاء» بين كل أفراد المجتمع ضد العبودية والإذلال، ورسخوا نظرية العقد الاجتماعي.
انتهج التليفزيون المصري الرسمي سياسة التعتيم طيلة أيام الثورة، وكانت مذيعاته يبدأن النشرة الإخبارية دائمًا بعبارة: «عاد الهدوء مُجددًا إلى شوارع القاهرة»، فيما كان يُسمع دوي الرصاص من ميدان التحرير.
بدأت الثورة المضادة حين نسج الإعلام الرسمي قصته منذ الساعات الأولى للثورة تحت عنوان «كل شيء هادئ»، وكرر الرسائل التطمينية بأن كل شيء على مايرام؛ فالعاهل السعودي بعث برقية إلى مبارك يثق فيها بقدرته على تجاوز الأزمة، والجيش يُحكم قبضته ويحذر المواطنين من التجمعات، ومراسلو التليفزيون المصري في المحافظات يؤكدون أن الهدوء يُخيم على أرجاء الوطن، لا سيما محافظة السويس والإسكندرية -سيطر عليهما الثوار في جمعة الغضب-، فيما كانت الصورة الأرشيفية لكوبري قصر النيل وهو فارغ، مشهدًا لا يتغير، مع التأكيدات المستمرة بأن البلاد تشهد حالة من السيولة المرورية، وحين بدأت القنوات العربية والأجنبية والصحف الخاصة تنقل صورة مختلفة لميدان التحرير، وتصف القاهرة أنها «منطقة حرب»، تبنى التليفزيون الرسمي استراتيجيات أعنف ضد الثوار.
حين فشل النظام في حسم المعركة لصالحه إعلاميًّا باستراتيجية التعتيم، بدأ في تمرير الرسائل التحذيرية المكثفة والمتواصلة على شاشات التليفزيون؛ فالاحتياطي النقدي لا يكفي، والاقتصاد ينهار بسبب المظاهرات، ومخزون القمح لا يكفي سوى لستة أشهر، والجماعات الإجرامية والهاربون من السجون يخربون الممتلكات العامة والخاصة، وبعد خطاب مبارك الأول الذي جاء فيه: «إن خيطًا رفيعًا يفصل بين الحرية والفوضى، وإنني أتمسك بالحفاظ على أمن مصر وعدم الانجراف لمنزلقات خطيرة تهدد النظام العام والسلام الاجتماعي»، تحول الخطاب الرسمي للهجوم المباشر، فرفع الإعلام شعار «التحرير مش مصر»، و«مصر أكبر من التحرير»، في دعوة للندم، وحث المتظاهرين على العودة إلى بيوتهم.
(خطاب مبارك الأول)
ففي مكالمة هاتفية للتليفزيون المصري، ادعى شاب يبكي أنه قابل أشخاص في ميدان التحرير يتحدثون الإنجليزية جيدًا، وأنهم ينوون إسقاط مصر.
مقطع الشاب الباكي
وفي السياق ذاته، استضافت قناة المحور فتاة تم إخفاء معالم وجهها، زعمت أنها تدربت مع أعضاء حركة السادس من أبريل، وشباب الإخوان المسلمين، على يد أعضاء من الموساد الإسرائيلي، والمخابرات الأمريكية في قطر، وصربيا لإسقاط النظام، كما أطلق الفنان حسن يوسف شائعة «الكنتاكي» على شباب التحرير، وأكد الفنان طلعت زكريا ممارسة المتظاهرين داخل الميدان للعلاقات الجنسية كاملة، إضافة إلى تعاطيهم المخدرات.
الفنان حسن يوسف متحدثًا عن الثوار وكنتاكي
لم يدرك الثوار أن ثورتهم التي لم يكن لها قائد، كانت بحاجة ضرورية إلى السيطرة على الأجهزة الأيديولوجية والدعائية للدولة، للحفاظ على بقاء الجو الثوري الذي كان من متطلبات المرحلة؛ فالسيطرة على ماسبيرو كانت تعني ضمان خطاب إعلامي يراقب تحقق الأهداف، وربما كانت أكبر أخطاء القوى الثورية أنها تركت سلاحها عندما «غادرت الميدان»، ولم تسيطر على الإعلام الذي تبنى سياسة القتل العمد للثورة؛ مما سمح للمجلس العسكري بأن يمارس دورًا كبيرًا في إفشال المسار الديمقراطي بعد ذلك في نظر الكثير من المحللين.
بقى الإعلام بعيدًا عن سلطة القوى الثورية، التي تركت الميدان بعد تنحي مبارك مباشرةً، ومارس بدوره سياسة التفريق، وتبنى سياسة القتل العمد للثورة؛ ففي أحداث الغضب القبطي في أكتوبر (تشرين الثاني)، دعا الإعلام الرسمي المواطنين إلى حماية الجيش من الاعتداءات التي يتعرض لها من الأقباط بحسبه أمام ماسبيرو، وكانت الاشتباكات بين الأقباط، والشرطة العسكرية؛ مما فوت فرصة أخرى لاستعادة الميدان، وجمع الحشود التي تفرقت.
3- مبارك أيضًا كان يثق في الجنرالات
في الأيام الأولى للثورة أكد المجلس العسكري أن «الميدان للثورة، والسلطة للثوار، والجيش يحمي الاثنين، ويحفظ المكتسبات، ويرعى الانتقال السلمي للسلطة من بعيد»، واحتفل الثوار بالظهير الوطني الثقيل الذي التف حول ثورتهم، ورفعوا شعار «الجيش والشعب إيد واحدة»، وحصل المجلس على شرعية دستورية مكنت له إصدار الإعلانات الدستورية حتى انتخاب مجلس الشعب. وعلى مدار عام ونصف هو عمر المرحلة الانتقالية، حدثت مواجهات دموية بين الجيش، وقطاع من الثوار رأوا أنه يحاول عرقلة الانتقال الديمقراطي بخطة محكمة، واستخدم الجيش في تلك المواجهات الرصاص الحي، واتهمت محكمة القضاء الإداري الجيش بأنه ينتهك الدستور، ويهتك حُرمة الجسد، وبعد أن تمت محاكمة 12 ألف شاب أمام المحاكم العسكرية، رفع قطاع عريض من الثوار شعار «يسقط حكم العسكر».
(اشتباكات بين الشباب والجيش)
استخدم الجيش العنف بعد 11 يومًا فقط من رحيل مبارك؛ إذ هجمت الشرطة العسكرية في جمعة الوفاء، على مئات المعتصمين بميدان التحرير، ثم اعتقلت العشرات منهم وحاكمتهم عسكريًّا بتهم تراوحت بين حيازة سلاح، وخرق حظر التجول، والتعدي على قوات الجيش، وهو ما سبب استياءً جعل المجلس العسكري يتقدم برسالة اعتذار إلى الشعب المصري، مبررًا ما حدث بأنه احتكاكات غير مقصودة بين الشرطة، وأبناء الثورة.
تكرر المشهد مرة أخرى في أحداث 9 مارس (آذار)؛ فتعرض ثوار التحرير لاعتداءات متكررة من قبل الشرطة العسكرية التي أرادت فض الميدان بالقوة، واستخدمت الرصاص الحي، وقتلت عددًا من النشطاء السياسيين، إضافة إلى الاعتداءات على القنوات الأجنبية. وتفاقمت الأوضاع على خلفية أحداث السفارة الإسرائيلية، حيث تم تمديد قانون الطوارئ لأجل غير مُسمى، وبرر المجلس العسكري أن القانون سيتم تطبيقه على «البلطجية»، والذين يمكن للمجلس تحديدهم كما يرغب.
وعلى خلفية القانون، خضع ما يقرب من 12 ألف مدني أمام المحاكم العسكرية، واستخدم الجيش القوة المفرطة، والرصاص الحي في التعامل ضد المتظاهرين، ففي أحداث ماسبيرو قُتل 24 بسبب احتجاجات نظمها الأقباط، وسمح الجيش بكشوف العذرية، كما قام أيضًا بسحل فتاة مُحجبة وتجريدها من ملابسها في أحداث مجلس الوزراء، واقتحم جنوده مسجد العباسية بالأحذية.
وكانت خُطة الجنرالات مُعلنة منذ البداية، فالجيش أراد البقاء خارج المراقبة القانونية، والاحتفاظ باستقلاله عن الإشراف المدني؛ فسمحت مادة في وثيقة السلمي بحق الجيش فقط في مراجعة ميزانيته، وفي عام 2011 قام الجيش بدفع مليار دولار إلى البنك المركزي المصري لدعم احتياط النقد المتراجع لديه، كما أراد ضمانات في حق احتفاظه بالسيطرة على المساعدات العسكرية الأمريكية البالغة 1.3 مليار دولار سنويًّا، وألا تتم رقابة مدنية على تفاصيل المساعدات، وحجم المصالح التجارية.
فالجيش إذا لم يُعلن فعليًّا مشاركته في الثورة المضادة، فقد شارك وناضل في ثورته الخاصة لفرض سلطته، ودعم حصانته عن طريق الإعلان الدستوري المُكمل، وفر من الملاحقة القضائية بحق الانتهاكات التي ارتكبها على الرغم من كونه حافظًا لمكتسبات الثورة، بحسب بيانه الأول.
فيديو سحل الفتاة
4- فخ الأغلبية.. لماذا لا نتعلم من درس الثورة الفرنسية؟
«التيار الإسلامي هو المسؤول الأكبر عن إجهاض الثورة المصرية؛ لأنهم وقعوا في فخ الأغلبية، وحاولوا إقصاء بعض القوى السياسية التي أرادت إنهاء وجودهم، إضافة إلى تورطهم في إقحام الهوية الدينية في الصراع السياسي، واستخدامهم أسلوب الحشد بدلًا من الشراكة مع القوى الأخرى»، تلك كانت اعترافات بعض قادة القوى الإسلامية التي جاءت متلاحقة بعد فوات الأوان، وتعد مليونية «الشريعة والشرعية» هي المثال الأبرز. على الجانب الآخر مارست القوى الليبرالية سياسات رأى بعض المحللين مثل الأكاديمي، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة كولومبيا، جوزيف مسعد، أنها أسهمت في إفشال الثورة، أثناء محاولاتهم منع وصول الإسلاميين للحكم.
دعا قطاع عريض من القوى الليبرالية الجيش للتدخل لإنقاذ الموقف من أغلبية الإسلاميين، كما قام بتحالفات مع رموز النظام القديم في الانتخابات البرلمانية، وبذلك وجدت الثورة المضادة طريقها في جسم الثورة الذي لم يكن له رأس منذ البداية.
ويبدأ تاريخ صراعات القوى الثورية في مصر رسميًّا اعتبارًا من 16 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2011، بتشكيل لجنة التعديلات الدستورية المنوط بها صياغة تعديلات دستورية ترسم خارطة طريق لوضع دستور جديد؛ إذ اعترضت الأحزاب المدنية على عدم التمثيل السياسي في اللجنة، فيما دفعت جماعة الإخوان المسلمين بالمحامي المثير للجدل صبحي صالح ليكون بين أعضاء اللجنة.
وبدأت موجة من الاتهامات بين القوى الليبرالية، والإسلامية، حيث اتهمت جماعة الإخوان بالتواطؤ مع الجيش لسرقة الثورة؛ وبدلًا من أن تحتوي التيارات الإسلامية انشقاق الصفوف، دخلت حرب استعراض قوى في استفتاء 19 مارس (آذار)، وحشد الإسلاميون أنصارهم للتصويت بـ«نعم» مقابل «لا»، حيث وصف الشيخ محمد عبد المقصود، أحد مشايخ السلفية الاستفتاء بالمعركة بين الإسلاميين، والعلمانيين، قائلًا: «على كل طرف أن يُري الآخر ثقله في الشارع»، فيما وصف الشيخ محمد حسين يعقوب، الاستفتاء بـ«غزوة الصناديق»، وسقط الإسلاميون فعليًّا في فخ الأغلبية حين سيطروا على مجلس الشعب عام 2012 -بينما حصل شباب الثورة على سبعة مقاعد فقط-، واستعدوا للاستحواذ على الجمعية التأسيسية لوضع الدستور.
الثورة الفرنسية تعثرت أيضًا في ذلك الطريق المسدود، وأدى الانقسام الذي تحول إلى عنف مُسلح بعد ثلاث سنوات فقط؛ نتيجة تجييش الطبقات والأفراد ضد القوى المنافسة، ورفع شعارات التخوين التي وصلت إلى إعدام بعض رموز الثورة. والدرس المستفاد من الثورة الفرنسية أن الأغلبية وحدها غير قادرة على إدارة المرحلة الانتقالية، والتصدي لهجمات الثورة المضادة، كما أن فصيلًا واحدًا لا يستطيع تحقيق مطالب الثورة، وعلى رأسها العدالة الاجتماعية، والتعثر الاقتصادي دون مشاركة من كافة الفصائل الأخرى.
5- هل كان حرق أقسام الشرطة خطيئة كما صوره الإعلام؟
حين أحرق الثوار مبنى الحزب الوطني إضافة إلى 80 قسم شرطة في جمعة الغضب، اعتبر محللون سياسيون أن هناك مؤشرًا يدل على أن الثورة تعرف طريقها الصحيح نحو التغيير؛ مبررين ذلك بأن هدم قلاع النظام القديم والسيطرة على ممتلكاته الخاصة، وإعادة هيكلة المؤسسات الفاسدة التابعة له، ومحاسبة الوزراء الفاسدين، وإصدار تشريعات استثنائية بمنع مزاولة الحياة السياسية لكبار رجاله، ومصادرة أموال رجال الأعمال الذين زاولوا احتكارًا أو فسادًا، أو أيًّا من تلك الخطوات التصعيدية، هي الكفيلة بحفظ مكتسبات الثورة من أعدائها، وأحد أبرز أخطاء ثورة يناير أنها اكتفت برأس النظام، وحاكمت رموزه جنائيًّا، وليس سياسيًّا.
عادت وزارة الداخلية إلى سابق عهدها بقوة في أحداث محمد محمود 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2011؛ إذ اعتدت الشرطة على المتظاهرين الذين دعوا للتظاهر لسرعة تسليم السلطة على خلفية وثيقة السلمي التي تعطي صلاحيات كبيرة للجيش، وقامت الشرطة بتصفية المتظاهرين جسديًّا باستخدام الرصاص الحي، وقنابل الغاز بكثافة شديدة، والرصاص المطاطي والخرطوش، واشتعل الرأي العام بسبب قيام ضابط بتصفية عيون الثوار في القضية الشهيرة «قناص العيون»، وتم إحالة الضابط المتهم إلى القضاء، وحصل على البراءة.
أما على الجانب القضائي، فمعروف إعلاميًّا تعبير «مهرجان البراءة للجميع»؛ فقد قضت المحكمة ببراءة مبارك، ونجليه، وستة من مساعديه من كافة التهم الموجهة إليهم، كما قضت أيضًا ببراءة كل من وزير البترول سامح فهمي من تهمة تصدير الغاز لإسرائيل، ووزير الإعلام أنس الفقي من الكسب غير المشروع، ووزير الداخلية حبيب العادلي، من تهمة قتل المتظاهرين، وأمين سياسات الحزب الوطني المنحل أحمد عز من تهمة احتكار الحديد، كما قضت محكمة أخرى ببراءة رئيس مجلس الشعب المنحل فتحي سرور، ورئيس مجلس الشورى المنحل صفوت الشريف، ورجل الأعمال أبو العينين من تهمة موقعة الجمل.
وقد عاد معظم فلول مبارك لممارسة الحياة السياسية بدءًا من عام 2012؛ فنائب الرئيس المخلوع اللواء عمر سليمان ترشح لانتخابات الرئاسة، حتى استبعدته اللجنة العليا للانتخابات، ثم ترشح بدلًا منه الفريق أحمد شفيق، وكان خصمًا قويًّا ضد الرئيس المعزول محمد مرسي، وعلى الرغم من ضغط القوى الثورية لإصدار قانون العزل السياسي، إلا أن فلول النظام ظلوا في المشهد، وبعد عام 2013، عاد معظم فلول نظام مبارك إلى الحياة السياسية، وحصدوا مقاعد كثيرة في مجلس الشعب، كما تم اختيار وزراء في حكومة المهندس شريف إسماعيل، وحتى الآن فالثورة لم تحاكم على الأرجح سوى شبابها.
لقد أعطت الثورة المضادة درسًا تاريخيًّا ثمينًا للشعوب الخاسرة، ومتى أدرك المصريون دروسهم المستفادة، فربما لن يتبقى لهم سوى «إشارة البدء».
ثورة 25 يناير ...درس في «الثغرات القانونية».. كيف حصل نظام مبارك على البراءة؟
درس في «الثغرات القانونية».. كيف حصل نظام مبارك على البراءة؟
محمد أحمد مرسي
«القاضي الجنائي في استطاعته أن يحكم بالبراءة للمتهم أو أن يُدينه، لأن أية قضية لا تخلو من ثغرات، فأية قضية تحمل دائمًا الوجهين؛ لذلك فالقاضي إذا أراد أن يُبرئ المتهم، فإنه سيبحثُ عن ألف سببٍ للبراءة، ولا سلطانَ عليه في أحكامه بنصّ القانون؛ وإذا أردتَ الدليل على صحة كلامي، فانظرْ إلى قضية مبارك؛ فالأدلة التي حصل عليها بالمؤبد هي نفسها التي كانت سبب براءته»، هكذا صرح مستشار في مجلس الدولة رفض ذكر اسمه لـ«ساسة بوست».
في هذا التقرير درس في «الثغرات القانونية»، نشرح لك كيف تمكن دفاع المتهمين من إنقاذ نظام ثار عليه الشعب في أيام الغضب؛ فهل أنت مستعد لهذه الرحلة القانونية؟
قضية «موقعة الجمل»: مبدأ الشك القانوني
«يُفسر الشك لصالح المتهم، ويحكم القاضي بالبراءة، إذا عجز الادعاء العام عن تقديم الأدلة التي تفيد اليقين» *مبدأ الشك القانوني (ثغرة القضية).
تعود أحداث «موقعة الجمل» إلى اتهام النيابة العامة 25 من رموز النظام المخلوع، على رأسهم، «فتحي سرور» و«صفوت الشريف»، رئيسا مجلسي الشعب والشورى المنحلين؛ حيث وجهت لهما اتهامات قتل المتظاهرين السلميين، والاعتداء عليهم في ميدان التحرير بواسطة استئجار مجموعة من البلطجية والمسجلين خطرًا؛ من أجل تحريضهم على فضّ التظاهرات المناوئة لمبارك بالقوة والعنف، وهي الموقعة التي حدثت في الثاني من فبراير (شباط) 2011، وأسقطت 11 قتيلًا وأكثر من 2000 جريح.
أسندت النيابة اتهاماتها في الواقعة وفقًا للأدلة التي جمعتها بمساعدة لجنة تقصي الحقائق التي تشكلت بتوجيه الرأي العام الدولي والمحلي الذي تابع أحداث القضية.
وتبدأ أولى ثغرات البراءة من مبدأ «الشك القانوني» الذي يقول: إن «الشك يُفسر لصالح المتهم»، حيث يرى القانون الجنائي أنه «في حالة الحكم بالإدانة يجب أن يُثبت للقاضي على وجه اليقين أن الأدلة تكفي لإدانة المتهم، فإذا شاب هذه الأدلة عوار يشكك في صحتها تعين عليه أن يحكم بالبراءة؛ لأنه خيرٌ للعدالة أن يفلت ألف مجرمٍ من العقاب، من أن يُدان بريء واحد».
لذلك حين بحثت محكمة جنايات القاهرة في أدلة الاتهام التي قدمتها النيابة، وجدت أنه ينقصها ما يفيد اليقين بأن المتهمين لهم علاقة بالجريمة؛ لأن القضية حتى الآن لازالت محلًا سر؛ لذا قضت بالبراءة، وجاء في حيثياتها ما يُفسر مبدأ الشك على النحو الآتي: «المحكمة لا تلتزم فى حالة قضائها بالبراءة بالرد على كل دليل من أدلة الاتهام، ما دام أنها رجحت دفاع المتهم، أو داخلها الريبة والشك فى عناصر الإثبات»، كما اعتبرت أن بعض شهادات الشهود جاءت كيدية، وهو ما لم تطمئن إليه المحكمة لإدانة المتهمين، لذا قضت حكمها في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) في 2012 بالبراءة.
المُلفت للنظر والتساؤل معًا، أن النيابة لم تطعن على الحُكم أمام محكمة النقض من أجل إعادة المحاكمة، إلا بعد مرور شهرين كاملين، فماذا يعني ذلك؟
في التاسع من مايو (آيار) 2013، رفضت محكمة النقض طعن النيابة على حُكم محكمة جنايات القاهرة؛ نظرًا لعدم تقديم الطعن في المدة المحددة له قانونًا بـ60 يومًا، حيث تقدمت النيابة بأسباب الطعن بعد المدة القانونية، وتلك ثغرة أخرى قتلت القضية نهائيًا؛ وبحسب القانون لا يجوز إعادة النظر في القضية بعد فوات مدة الطعن القانونية، وبذلك حُرم المتضررون من الشعب من إعادة المحاكمة، وحتى الآن لم يُعرف السبب الذي جعل النيابة تتأخر في تقديم الطعن.
وبحسب خبراء قانونيين، فإن أدلة النيابة للاعتراض على البراءة كانت قوية؛ نظرًا لأن المحكمة أغفلت شهادات الشرطة، وتلك سابقة لم تحدث من قبل؛ وانتهت القضية ولازالت دماء ضحاياها لم تبرد بعد في نظر الكثيرين.
حسين سالم.. يجوز التصالح في جرائم الاستيلاء على المال العام
«يجوز التصالح في جرائم الاستيلاء على المال العام» *المادة 18 مُكرر من قانون الإجراءات الجنائية (ثغرة قضايا الكسب غير المشروع).
في يوليو (تموز) 2015، أثار تعديل تشريعي يسمح بالتصالح فى جرائم الكسب غير المشروع واختلاس المال العام والرشوة جدلًا كبيرًا بين الفقهاء الدستوريين، حيث وصف البعض القانون بالباب الخلفي الذي يشجع على الفساد، والذي قد يسمح للمسؤولين من ذوي الضمائر الميتة بالعبث بالمال العام، والاستيلاء عليه، بينما اتجه آخرون إلى أبعد من ذلك، حيث اعتبروا أن القانون حالة طارئة لإنقاذ رموز النظام السابق من تهم القضايا المالية التي تهددهم بالسجن، وعلى رأسهم مبارك ورجل الأعمال «حسين سالم».
في عام 2011، ألقت الشرطة الإسبانية القبض على حسين سالم، ضابط المخابرات السابق؛ بناءًا على مذكرة توقيف دفعتها مصر إلى الإنتربول الدولي، ومَثل أمام محكمة مدريد التي اتهمته بالرشوة وغسيل الأموال والاستيلاء على المال العام، وقررت تغريمه مبلغ 27 مليون يورو، كما فرضت عليه المحكمة دفع مبلغ 15 مليون يورو، إن كان يود تجنب البقاء في السجون الإسبانية إلى أن يتم تسليمه ومثوله أمام القضاء المصري.
استغل محامي «سالم» ثغرة في الدستور الإسباني، تقضي بعدم تسليم مواطن إلى دولة أجنبية؛ حيث إنه حصل على الجنسية الإسبانية في عام 2008، لذلك تقدم بطعن إلى المحكمة الوطنية يؤكد انتهاك حقوقه الدستورية كمواطن إسباني، وتم إيقاف تسليمه لحين الفصل في الدعوى.
وواجه سالم عدة تهم منها غسيل الأموال، والرشوة، وقضية تصدير الغاز المصري لإسرائيل، والتربح واستغلال النفوذ، لكن تم إلغاء الأحكام الغيابية في قضايا الأموال بناءً على التصالح وانقضاء الدعوى، مثلما حدث في قضية قصور الرئاسة، و«ميدور» إسكندرية، وينتظر سالم حاليًا حكم محكمة الجنايات في قضية غسيل الأموال التي أجلتها إلى الشهر القادم، وهي آخر القضايا التي يحاكم فيها، ويجب التوضيح أنه لم يحضر أية محاكمة، ولم يوكل أحدًا للدفاع عنه، وحصل على البراءة بموجب الاتفاق مع الحكومة.
وكان سالم قد تقدم بأكثر من طلب إلى النيابة العامة المصرية، منذ عام 2013، للتصالح في قضايا اتهامه بالفساد والرشوة وغسيل الأموال، وإهدار المال العام، واستغلال النفوذ، مستفيدًا من المادة 18 مكرر في القانون الجنائي؛ وبعد أن أصدرت المحكمة الجنائية عدة أحكام غيابية بحقه، أعلن جهاز الكسب غير المشروع قبول التصالح مع رجل الأعمال مقابل التنازل عن 75% من ثروته، وتم دفع مبلغ خمسة مليارات و 341 مليونًا و850 ألفًا و50 جنيهًا؛ وخاطب النائب العام جهاز الإنتربول الدولي لرفع الحظر عن ممتلكات حسين سالم، بناءًا على مذكرة التصالح مع الدولة.
جديرٌ بالذكر أن المادة 18 ليست مُلزمة للنيابة العامة لإجراء التصالح، بحيث إن النائب العام له صلاحيات قبول أو رفض الطلب المقدم من الشخص المتهم في قضايا الأموال العامة، كما يجب التوضيح أن النيابة العامة قد تقدمت بطعن ترفض فيه تصالح الكسب غير المشروع مع رجل الأعمال الهارب.
لغز قضية تصدير الغاز المصري لإسرائيل
«عدم وجود أية مخالفات في اتفاقية بيع الغاز ترتب عليها إضرارًا بالصالح العام» *حيثيات البراءة.
تلك القصة طويلة جدًا نختصرها في أهم الأحداث؛ ففي عام 2005، وقّعت الحكومة المصرية اتفاقية تصدير الغاز إلى إسرائيل، ممثلة في حضور وزير البترول الأسبق «سامح فهمي»، وتقضي الاتفاقية بتصدير 1.7 مليار متر مكعب سنويًا من الغاز الطبيعي لمدة 15 عامًا بسعر ثابت، بثمن يتراوح بين 70 سنتًا و1.5 دولار للمليون وحدة حرارية، بينما يصل سعر التكلفة في الأصل إلى 2.56 دولار، كما تم إسناد الاتفاقية إلى شركة «غاز البحر المتوسط» لتكون وسيطًا يشتري من الحكومة المصرية ويبيع للإسرائيلية؛ وتلك ثغرة استند عليها دفاع سامح فهمي، وزير البترول الأسبق.
احتفظ النائب العام المصري بملف الشركة الوسيطة من الهيئة العامة للاستثمار، وهي الجهة التي تحتفظ بملفات كاملة عن تفاصيل تأسيس الشركات والصفقات التي تمت عليها، بالإضافة إلى هيكل الملكيات لكل شركة.
وحصلت جريدة «المصري اليوم» على النسخة الثانية والأخيرة من مكتب رئيس الهيئة، واكتشفت ثغرة قانوينة خطيرة، حيث إن سالم زور الأوراق الرسمية، وسجل شركة وهمية في التعاقد، وذلك مخالفة صريحة للقانون.
وداخل قاعة المحكمة أكد دفاع سالم أن الاتفاقية من بنود معاهدة «كامب ديفيد»، بالرغم من أن مصر في ذلك الوقت لم تكن منتجة للغاز، وتلك شهادة مريبة، وبالرجوع إلى نص المعاهدة باللغة الإنجليزية، تبين أنه لا يوجد أي نص يقول بتصدير الغاز لإسرائيل، بحسب السفير «جمال بيومى»، أحد الشاهدين على قرار تصدير البترول لإسرائيل فى عهد الرئيس الراحل «محمد أنور السادات».
وبدأ سير القضية بعد ثورة الغضب في 2011، حيث وجهت النيابة العامة الاتهام لكل من حسين سالم، وسامح فهمي، وزير البترول الأسبق، وخمسة آخرين من قيادات قطاع البترول تهم إهدار المال العام والتربح للغير، عن طريق استغلال مناصبهم الوظيفية، وتصدير الغاز المصري لإسرائيل بأسعار زهيدة.
وتم تشكيل لجنة فنية للبت في عملية تحديد السعر، والتي أكدت أن الأسعار المبرمة في العقد لا تتماشى مع الأسعار العالمية، وأن الجناة أهدروا أموال المصريين، لتخرج محكمة الجنايات بحكمها بالسجن على جميع أطراف القضية بأحكام مختلفة، وتغريمهم مبلغ مليارين وثلاثة ملايين و519 ألف دولار أمريكي، كما ألزمتهم برد مبلغ 499 مليون و862 ألف دولار أمريكي.
وجاءت حيثيات الحكم الأول «أن المحكمة كانت أمام جريمة متتابعة الأفعال اتحد فيها الغرض الإجرامي لدى المتهمين جميعًا، حيث باعوا الغاز الطبيعى للعدو بما يشبه الثمن، وهو ليس بثمن، واتفق المتهمون على هلك الثروة القومية، وكان لكل منهم دور قاتل محدد»؛ ولقراءة حيثيات الحكم كاملة اضغط هنا.
وبعد أن وافقت محكمة النقض على طلب الطعن، تم إعادة المحاكمة مرة أخرى، وتم تشكيل لجنة فنية جديدة قالت «إن اللجنة السابقة أخطأت في عملها؛ مما أدى إلى إلغاء كل نتائجها»، وأكدت اللجنة الجديدة أن السعر المبرم في الاتفاق يتماشى مع الأسعار العالمية، بالرغم من أن شهادات المتهمين في المحاكمة السابقة أكدت تنصلهم من مسؤولية تحديد السعر، حيث أكد دفاع مبارك أنه لم يكن يعلم بتفاصيل تلك الصفقة المشبوهة، بينما أكد دفاع سامح فهمي أن مجلس الوزراء كان يعلم بالصفقة، وأن المخابرات المصرية تابعت الصفقة.
واستمعت المحكمة إلى شهادات رئيس الوزراء الحالي، المهندس «شريف إسماعيل»، باعتباره وكيلًا للوزارة فى ذلك التوقيت، وأحد الموقعين كشاهد على العقد، حيث أكد أن الاقتصاد المصري لم يتضرر بتصدير الغاز لإسرائيل، وأنه لا يوجد ثمة مخالفات شابت التعاقد، وأن السعر المحدد لبيع الغاز، يتوافق مع الثمن العالمي وقت التعاقد، ولقراءة نص الشهادة كاملًا اضغط هنا.
جدير بالذكر أن تلك الشهادة تتعارض مع ما ذكرته إسرائيل في عام 2009، عندما أرادت مصر رفع ثمن الغاز بما يتوافق مع الأسعار العالمية، وعبرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية عن الغضب الرسمي قائلة: إن «مصر منحتها أسعارًا مخفضة جدًا عند توقيع الاتفاق، دون النظر لأسعار الغاز العالمية وقتها»، مؤكدة على الرفض التام وعدم المساس بالاتفاقية.
وانتهت القضية المثيرة نهائيًا في يناير (كانون الثاني) من العام الحالي، بالبراءة لكافة المتهمين، ورفض طعن النيابة المقدم، واستندت محكمة النقض في حيثياتها إلى أنه «لا دليل على حصول مكاسب من جراء هذا التعاقد، ولا توجد معادلة سعرية موحدة لبيع الغاز على مستوى العالم، وأن ما أثارته النيابة العامة غير سديد، وأنها لم تجد فى تلك الطعون ما يستحق الالتفات إليه، وأن البراءة جاءت نتيجة للشك وعدم الاطمئنان إلى الأدلة»، ولقراءة حيثيات البراءة كاملة اضغط هنا.
كيف أفلت الضباط من تهمة قتل المتظاهرين؟
«لكل شخص الحق فى استعمال القوة الضرورية لدفع كل عدوان على النفس أو المال بنحو قد يستحيل معه لجوء هذا الشخص إلى السلطات العامة لطلب حمايتها من ذلك الخطر» *قانون الدفاع الشرعي (دليل براءة الضباط).
حصل الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك ووزير داخليته وخمسة من مساعديه على البراءة؛ لأن المحكمة نفت صلتهم المباشرة بإعطاء الأوامر بقتل المتظاهرين، واستندت المحكمة في حيثيات البراءة على انتفاء الدليل وعدم وجود صلة بين الجريمة والمتهمين، حيث «ثبت من شهادة شاهد الإثبات طه حسين محمود مصطفى في تحقيقات النيابة العامة فى أنه على علم بمقتل نجله حسين نتيجة طلق ناري من قوات الشرطة بتاريخ 28 يناير (كانون الثاني) 2011؛ إثر مشاركته في وقفة سلمية بمحيط جامع القائد إبراهيم في محافظة الإسكندرية، واتهم بذلك وزير الداخلية والرئيس الأسبق لإصدارهما تعليمات بإطلاق النار على المتظاهرين». وكان هذا أحد أوجه البراءة؛ إلا أن البعض اعتبره دليل إدانة في قضية أخرى.
فالمحكمة إذن اعترفت بـسلمية المتظاهرين، كما وثقت في حيثياتها استخدام الرصاص الحي والمطاطي، وفي المقابل فإن القضاء برأ 192 ضابط من تهمة قتل 850 متظاهر، وقد حصرت «ساسة بوست» أكثر من 20 قضية براءة تتعلق بقتل المتظاهرين.
واستند الدفاع عن المتهمين في تلك القضايا إلى عدة ثغرات في القضية، منها مبدأ حق الدفاع عن النفس؛ فالضباط الذين وثقت الكاميرات جرائمهم بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين السلميين الذين احتشدوا أمام الأقسام حصلوا على البراءة بسبب تلك الثغرة؛ لأن المحكمة رأت في حيثياتها أن الجريمة وقعت في محيط القسم، لذلك فدافع استعمال القوة كان بهدف الدفاع عن النفس، وحماية الممتلكات العامة من الخطر؛ إلى جانب ثغرات أخرى في القضية؛ وقد نشرت بعض وسائل الإعلام تسريبًا مصورًا للرئيس «عبد الفتاح السيسي» قبل توليه رئاسة الجمهورية، يؤكد بأنه يجب توفير غطاء قانوني يحمي الضابط من المعاقبة على الأحداث التي تحدث نتيجة إطلاق الرصاص المطاطي أو الخرطوش أو قنابل الغاز؛ مبررًا أن محاكمة الضباط تعني عدم تنفيذ الأوامر بعد ذلك، ولم يفسر ما هي الأوامر.
وكشفت لجنة الدفاع عن الثورة عن قيام مسؤولين بوزارة الداخلية بالضغط على أهالى شهداء ومصابى الثورة لتغيير أقوالهم؛ بهدف حصر المسؤولية الجنائية على الوزارة، وإبعاد الضباط المتهمين عن القضايا.
مبارك: أدلة الاتهام لا تصمد أمام ثغرات القانون
«الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى يجب أن يكون صريحًا ومدونًا بالكتابة» *مبدأ قانوني (أحد ثغرات براءة مبارك).في نظر البعض، فإن الشعوب الثائرة لا تحاكم رؤسائها وفق محاكمات جنائية، بل تتم معاقبتهم على الفساد في محاكم ثورية؛ لأن الأولى تحتاج إلى أدلة أُخفيت بالفعل، أما الثانية، فلا تحتاج سوى «الثورة» كدليل على الفساد.
وحتى الآن لا أحد يعرف من أخفى أدلة قتل المتظاهرين، فلا يوجد دليل على أن الشرطة استخدمت القوة المفرطة ضد الثوار؛ لأن «السي دي» الخاص بتسجيلات إدارة الاتصالات بقطاع الأمن المركزي تم إتلافه خلال التحقيقات، وكان يحتوي علي معلومات مهمة كدليل اتهام في القضية، وتمت محاكمة الضابط المسؤول عنه بالسجن مع الإيقاف، كما أن المسئولين عن إدارة المتحف المصري صرحوا بأن الكاميرات لم تصوِّر أحداث الثورة، فكان الشعب في نظر البعض أمام جريمة مكتملة الأركان.
أمر آخر يجب الإشارة إليه، هو أن النيابة العامة بموجب صلاحياتها – يُسمى التكييف القانوني- قد وجهت لمبارك تهمة «التقاعس عن حماية المتظاهرين»؛ لأن منصبه يفرض عليه منع الضرر، بينما وجهت لحبيب العادلي تهمة «القتل العمد للمتظاهرين لإرضاء النظام» بصفته وزيرًا للداخلية.
لذلك حين أصدر المستشار «أحمد رفعت»، رئيس محكمة جنايات القاهرة، حكمه بالمؤبد على مبارك، وحبيب العادلي في عام 2012، جاء في حيثيات الحكم «أن المحكمة ارتأت أنه إذا لم يتم ضبط جميع مرتكبي جرائم القتل والشروع فيه أثناء الأحداث، أو حتى بعدها فلا يوجد قطع أو يقين في اتهام هؤلاء»، فالقاضي اعتبر أن إخفاء المتهمين الأصليين دليل إدانة.
وعلى الرغم من أن ملف القضية كان خاليًا من أدلة الاتهام وفق حيثيات المحكمة التي جاء فيها «أن أوراق الدعوى وما قدم من مستندات من تسجيلات صوتية، أو أي اتصالات سلكية أو لاسلكية تعتمد عليها المحكمة في الإدانة، كما أن المحكمة لا تطمئن إلى ما تم إثباته في دفاتر مخازن السلاح بقطاع الأمن المركزي، كما خلت أوراق الدعوى من وجود أدلة فنية قطعية تثبت أن وفاة المجني عليهم والإصابات قد حدثت من أسلحة رجال الشرطة»، لذلك اتخذت من إخفاء الأدلة عمدًا، وعدم تقديم المسؤولين الفاعلين دليل إدانة، وجريمة عقوبتها المؤبد؛ ولقراءة حيثيات الحكم اضغط هنا.
الغريب في الأمر أن النيابة طعنت على حكم المحكمة؛ لأنها أرادت حكمًا أشد من المؤبد، كما تقدم فريد الديب، محامي مبارك، بطعن أيضًا؛ لإعادة المحاكمة، وقامت محكمة النقض بقبول الطعنين معًا؛ فكان قبول الطعنين إشارة إلى احتمال البراءة؛ وبدأت مرحلة أخرى في الاستفادة من الثغرات القانونية.
واستغل فريد الديب أحداث 30 يونيو (حزيران) 2013، حيث وجه النظام الحاكم لجماعة الإخوان المسلمين ولحماس، تهمة اقتحام السجون؛ مما جعله يتساءل «إذا كانت الدولة مطمئنة إلى أنهم اقتحموا السجون أثناء الثورة، فلابد أنهم على وجه اليقين هم الذين أطلقوا النيران وقتلوا المتظاهرين»، وهو ما استندت عليه بالفعل حيثيات البراءة التي جاء فيها «الإخوان نسقوا مع حماس وحزب الله لإسقاط الدولة المصرية في جمعة الغضب وأطلقت ميليشياتهم النار على أجسام المحتجين والشرطة»؛ ليتفاجأ الشعب ببراءة مبارك، وجهاز الشرطة في حكم نهائي لا طعن بعده.
جدير بالذكر أن كلمة السر في قضية اقتحام السجون هو اللواء «محمد البطران»، رئيس مصلحة السجون، الذي اغتيل بعد ساعات من مكالمة هاتفية مع أخيه جاء فيها «العادلي حرق البلد»، وأكدت أسرته أنه رفض أوامر عليا بفتح السجون، وبحسب تقرير الطب الشرعي، فإن اللواء «البطران» تلقى رصاصة من مسافة قريبة من أعلى بمسدس، وليس سلاحًا آليًّا؛ مما يدل على أن اغتياله جاء على يد ضابط؛ كما أن القتيل دفن دون معاينة من النيابة، أو تصريح بالدفن، أو إجراء تحقيق في الواقعة من وزارة الداخلية.
ما يثير التساؤل كيف اعتمدت المحكمة على حكم في قضية لم يفصل فيها حتى الآن؟
وانتهت القضية بحيثيات البراءة التي جاء فيها «أن جميع الشهود من ضباط شرطة وقوات مسلحة سابقين وحاليين، بالإضافة للصحافي إبراهيم عيسى، والشيخ حافظ سلامة، أكدوا أن الشرطة لم تكن تعتدي على المتظاهرين بالرصاص الحي أو غيره»، وفجرت المحكمة مفاجأة في حيثياتها، حيث قضت بأنه لا يجوز نظر الدعوى، لسابقة صدور أمر ضمني بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية.
ويجب التوضيح هنا أن النيابة العامة لها سُلطة «تسمية» الاتهامات في القضايا الجنائية – مثل قتل عمد أو شروع في قتل أو التحريض- ، قبل إحالة القضية إلى محكمة الجنايات، بحيث لا يملك القاضي إلا أن يحاكمه وفق التهمة التي حددتها النيابة، وفق حق «التكييف القانوني»، فمثلًا لا يجوز للقاضي أن يحاكم مبارك بتهمة الخيانة؛ لأن النيابة لم توجه له تلك التهمة.
ووفقًا لحيثيات البراءة؛ فالنيابة العامة بعد أن تولت التحقيق في القضية أصدرت أمرًا في مارس (آذار) 2011 بإحالة الجناية إلى محكمة الجنايات ضد المتهم حبيب العادلي وزير الداخلية السابق ومساعديه كمتهمين بالقتل العمد، بينما جاء اسم مبارك خاليًا؛ مما يعني عدم جواز نظر الدعوى الجنائية ضده.
وأضافت المحكمة «فتكون النيابة أصدرت فى ذات الوقت أمرًا ضمنيا بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبله يمنعها من العودة لاتهامه بالاشتراك مع أى متهم في الجناية الأولى مادام الأمر لا يزال قائمًا، ولم يلغه النائب العام طبقًا للحق المخول له في المادة 211 من قانون الإجراءات الجنائية»؛ ولقراءة حيثيات البراءة اضغط هنا.
وبالرغم من أن «محكمة القرن» اعتبرت أن طمس الأدلة يعتبر دليل إدانة، إلا أن محكمة النقض قالت في حيثياتها « إن الريب والشكوك تحيط بعناصر الاتهام على نحو تصبح معه الأدلة على اقتراف المتهمين من الأول للخامس للجريمة مقصورة عن اطمئنان المحكمة واقتناعها، لذلك حكمت المحكمة حكمًا نهائيًا بالبراءة».
26/01/2021
25/01/2021
24/01/2021
في ذكرى يناير العاشرة.. هذا مصير الثوار ورموز مبارك
أحمد رمضان - الجزيرة - 18/1/2021
تحل الذكرى العاشرة لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 في مصر، وتأتي تلك الذكرى وسط مفارقة بين مصير الثوار ومصير من قامت عليهم الثورة، فبينما أغلب رموزها بين المنافي والسجون والاعتزال خرج أركان نظام الرئيس الراحل مبارك من السجون وعاد بعضهم لتصدر المشهد وغيّب الموت آخرين.
في الذكرى العاشرة لثورة يناير.. أين المعارضة المصرية؟ وأين ثوارها؟
الجزيرة ...محمود سامي - القاهرة ...3/1/2021
بعد أيام قليلة تحل الذكرى العاشرة لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، في وقت تشهد فيه المعارضة المصرية انتكاسة على عدة مستويات، لكن تبقى مساعي إعادة تنظيم صفوفها من جديد أملا يتجدد مع كل ذكرى، فهل تشهد البلاد في 2021 إحياء للحراك الثوري أم تظل المعارضة "محلك سر"؟