21/12/2024
13/11/2024
30/12/2016
02/12/2016
13/05/2016
19/01/2016
إرنستو رفائيل غيفارا دي لا سيرنا
إزكيل زيدنفرغ
قد مات الشعر. في تلك الصورة
التي حامت حول العالم، حول الجثة
تُلاحَظ رفقة غريبة: ثلاثة
مَدنيِّين (اثنان ينظران إليه في فضول والثالث
يحوّل وجهة نظرته)، دركيان
بوجه الخائف، ومصور فوتوغرافي
يبدو مدبرا وثلاثة أرباع من جسده
خارج إطار الصورة، وضابطان
يلبسان الزي العسكري مزينا بالشرائط:
أحدهما يُحدِّقُ في آلة التصوير التي يسددُها نحوه المصورُ
بينما هو يسند الرأسَ ساكنة،
يتخذ وضع قناصٍ مع أسلابه
والآخرُ الذي يبدو برتبة أعلى
يشير بسبابة يده اليمنى
إلى المكان حيث كان القلب يخفق،
كما لو أنه بلمسته يستطيع أن يرد إليه الحياة،
بالعينين مفتوحتين والنظرة الصافية
كان الجسد يبدو راغباً في أن يستوي مثل ألعازر
الذي كان إلى الحياة قد عاد بجهدٍ جهيدٍ لِهُنَيْهَةٍ
لكي يغرق للتو مجدداً
في الموت.
قد مات الشعر.
وأتصورُ
ما الذي يقوله أولئك الذين يؤمنون به
لكي يجدوا له تبريراً
(مثلما هو الشأنُ دوماً)
في أنَّه ليس الضوء،
بل كان قد أتى كشهادة على الضوء
وأنه أتى مع أهله
لكن أهله لم يستقبلوه.
من المؤكد أن الأمور قد حدثت هكذا:
كان الوقت فجراً حينما ألقينا القبض عليه
جريحاً برصاصة في ساقه
بعد كمين كان قد امتد
من منتصف النهار حتى وقت متأخر جداً
بعد أن تغلغل الليل.
في تلك الأحوال، ورغم كل شيء،
- إذ فضلا عن الساق، كان الربو يضغط
على رئتيه- كان مُصِرّاً على القتال،
حتى صارت بندقيته غير صالحة كلياً للاستعمال
بسبب طلقة كانت قد كسرت ماسورتها،
كما أن المسدس الذي كان يحمله
كان مشط ذخيرته فارغاً.
لما نُقِلَ إلى الثكنة
(التي كانت مدرسة) وعند استنطاقه
قال: إن الجَمال كان جَلَدا وصبراً
وحدثنا عن الزنبق- لكن كيف
تكون زنبقة؟ أنا هُنا لمْ أرَ قَطُّ زنبقة-
وعن كيف يهجم نهارٌ ما
في الأرياف
بعد ليال وليال تحت الأرض
من الساق الأخضر إلى التويج الأبيض،
لكن عبر هذه الامتدادات
كلُّ شيْء ينمو في فوضى وبلا غاية،
وأنا الذي أتيت إلى هذا العالم وتربَّيْتُ
بشكلٍ فظٍّ ضدَّ الكُلِّ ورغماً عن الكُلِّ،
مثل العشب الذي ينبثق من بين شقوق الإسفلت
والذي تدوسه السيارات حين تمر – لكن هنا
لا نملك طرقاً مسفلتة والسيارات لا تكاد توجد-
لم أكن أستطيع فهمه، هو الذي وُلِدَ من أجل كل شيء،
حسابٌ دقيقٌ لأبويه
واستثمار تجاه المستقبل
- الزمن بالنسبة له كان سهماً يتقدم بوعي
نحو ختامه، بينما كان بالنسبة لي حلقة مضبوطة
ليس بسبب استعجال الرغبة ولا بسبب الآثار الخرساء للغريزة،
بل بالأحرى بسبب شيء مقدس وإن كان قديما-
لم أكن أستطيع استيعاب أنه قد هجر
ما كان قد تركه خلفه (أغيابٌ بغية
وجود مريح أو لربما الإفراط
في العزيمة؟) لكي يأتي إلى هذا القفر
حيث كل شيء ينمو لكن لا شيء
يفيض عن الحاجة أكثر من الجوع،
ليدور في حلقات ويرى كيف يتساقط الرفاق
واحداً واحداً، في قتال ضد خصم لا يعدُّ ولا يُحصى
لكنه منقسم على ذاته إلى ما لا نهايةٍ من أجل المجد
المنتصر لفكرةٍ: نحن الذين وُلِدنا
في أقصى بقاع الأرض
حيث الطبيعة بعد
ما تزال مفصولة عن إرادة الإنسان،
في حيواتنا نتعلم مبكرا أن الحرية
ليست شيئا من هذا العالم وأن الحبَّ
فعلٌ وليس قوة.
لكني لم أقل شيئاً.
وبعدها ساد صمتٌ:
بينما كنا نستنطقه، تلقينا
الأمر بقتله. (أما أمر اليدين فكان بعد موته،
لكني لم أره. حكي لي، فضلاً عن ذلك
أنهم قد أمروا بقطع الرأس،
وأن شخصا ما امتنع عن ذلك)،
انصرمت ساعاتٌ.
وقال لنا ذو المرتبة الرفيعة أن ننتظر
لنرى إن لم يكن ثمة إلغاء للأمر
لم يصل بعد (في الإذاعة كانوا قد أعلنوا موته).
كان قد انتصف النهار، وكان يجبُ أن يُقتَلَ.
وأما النهاية التي عرفتها الأحداث،
فليس حقيقة ما يُقالُ: لم نكن نتجرأ،
لقد أسكرونا لكي يمنحونا الشجاعة،
ولا حتى على تلك الحال كنا نستطيع أن نفعل.
نحن ببساطة
نفذنا ما أمرونا به،
دخلنا القسم حيث كان لدينا هناك
وقتلناه كما يُقتَلُ حيوانٌ
لأجل الأكل.
* Ezequiel Zaidenwerg: شاعر ومترجم أرجنتيني من مواليد بوينوس أيريس سنة 1981 مقيم في نيويورك، وهو من الأصوات الشعرية الجديدة في المشهد الشعري بأمريكا اللاتينية، نشر عدداً من المجموعات الشعرية وأنطولوجيا شعرية جمع فيها 33 شاعراً من الأرجنتين.
* ترجمة عن الإسبانية: خالد الريسوني
16/05/2015
21/12/2014
صور نادرة للثائر جيفارا بعد اعدامه عُثر عليها لدى مُبشر (محدث 9صور)
تمثل هذه الصور آخر لحظات حياة هذا الثوري الأرجنتيني قبل إعدامه بالرصاص ب"لا هيغويرا" في غابة "فالي غراندي" ببوليفيا، في 9 أكتوبر(تشرين الأول) من عام 1967.
وتظهر الصور كيفية أسر تشي جيفارا، واستلقائه على الأرض، وعيناه شبه المغلقتان ووجهه المورم والأرض الملطخة بدمه بعد إعدامه. كما تنهي الصور كل الإشاعات حول مقتل تشي جيفارا أثناء معارك طاحنة مع الجيش البوليفي.
09/10/2014
24/12/2012
23/06/2012
22/06/2012
جـيفارا : إن من يقول أن نجم الثورة قد أفل، فإما أن يكون خائناً أو متسلطاً أو جباناً
((( أقوال لاتُنسى )))
"إن من يقول أن نجم الثورة قد أفل، فإما أن يكون خائناً أو متسلطاً أو جباناً....فالثورة ماضية كالبرق، قوية كالفولاذ، متأججة كاللهب، عميقة كحبنا الوحشي للوطن....ولكن شجرة الحرية لا تروى إلا بالدماء .. وما قدمناه لم يكن سوى بذرة تلك الشجرة".
إرنســـتو تشي جـيفارا
Ernesto Che Guevara
03/03/2012
تركيا: نظام الأسد يرتكب جرائم حرب
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- أدانت تركيا بشدة، يوم السبت، ما وصفته بالفظاعة التي يرتكبها نظام الرئيس السوري بشار الأسد ضد نشطاء المعارضة التي تطالب بإسقاط حكمه منذ نحو عام.
ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو قوله إن "على المجتمع الدولي أن يقول للنظام السوري أن الفظاعة هذه لا يمكن أن تستمر."
وقال أوغلو يوم السبت إن حملة الرئيس السوري ضد معارضيه تحمل سمات جرائم حرب، مضيفا أن النظام السوري "يرتكب جريمة ضد الإنسانية كل يوم."
وأضاف أوغلو خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الايطالي جوليو تيرتسي في إسطنبول، أن على تلك الفظائع أن تتوقف.. وأن الحكومة السورية يجب أن هذه الرسالة القوية يمكن إيصالها عبر أساليب مختلفة."
وأشار الوزير التركي إلى أن بلاده تجري استعدادات لتنظيم اللقاء الثاني لمجموعة "أصدقاء سوريا" خلال شهر مارس/آذار الجاري.
وتستضيف أنقرة قيادات الجيش السوري الحر الذي تكون من ضباط وجنود منشقين عن الجيش النظامي، كما تستضيف عددا من نشطاء المعارضة، وتنسق مع الغرب لإيجاد مخرج للأزمة السورية.
17/02/2012
16/11/2011
نزلت وقلت أنا مش راجع
نزلت وقلت أنا مش راجع
وكتبت بدمى فى كل شارع
سمعنا اللي مكنش سامع
واتكسّرت كل الموانع
سلاحنا كان أحلامنا
وبكرة واضح قدامنا
من زمان بنستنى
بندور مش لاقيين مكاننا
فى كل شارع فى بلادى
صوت الحريه بينادى
فى كل شارع فى بلادى
صوت الحريه بينادى
رفعنا راسنا فى السما
والجوع مبقاش بيهمنا
أهم حاجة حقنا
ونكتب تاريخنا بدمنا
لو كنت واحد مننا
بلاش ترغى وتقول لنا
نمشى ونسيب حلمنا
وبطل تقول كلمة أنا
فى كل شارع فى بلادى
صوت الحريه بينادى
فى كل شارع فى بلادى
صوت الحريه بينادى
مطلوب زعيم : بالاختصاااااار مطلوب دكر
مطلوب زعيم
مطلوب زعيم
لشعب طول عمره عظيم
لشعب كان فاعل زمان
لكنه هان
حتى انه ثار
بإيدين كبار وإيدين صغار
مفعول به بيقسموا ويفرقوا
و يقطعوا فى عين اللي جابوا
واللى جابوا ابوه
علشان يموت او ينتهى
مطلوب زعيم
لشعب حكامه خانوه
وتوهوه وغيبوه واللي انتبه منه
وفاق غموله عينه كمموه
وسلموه فى المعتقل
لكلاب جعانه يقطعوه
لكنه رغم القهر قام زئر وزام
وفى اسبوعين زلزل حصون الجلادين
هد النظام فوق راس جميع المفسدين
مطلوب زعيم
يحمى الحدود
يعدل ما بين الناس تمام زى الفاروق
ويكون حنين على الفقير
وع اللي فاسد يفترى
يهدم على دماغه الشقوق
ويعقله فى المشنقه
او يرفعوا على راس خذوق
مطلوب زعيم
ميقولش على الخواف حكيم
ويكون كمان سمعه سليم
يسمع لنبضة قلبنا
ويكون مكانه فى وسطنا
ما يعيشى ابدا فى القصور
والبعض منا للأسف ساكنين قبور
يشرب و ياكل اكلنا
و يعيش كواحد مننا
يسمعلنا ويشور وياخد راينا
وقت الخطر نتلم حواليه كلنا
ونضحى وياه بعمرنا
مطلوب زعيم
ع المسؤليه يكون امين
ويكون جرئ ويكون شجاع
مش امعه وحته بتاع
يعرف يقول للظلم لأ
ويموت ولا يفرق فى حق
مطلوب زعيم
نقدر نحاسبه بالقانون
اونعزله لو للامانه يوم يخون
لا يشترط للشكل ايه
لا يشترط للسن ايه
لا يشترط للمله ايه
شرطه الوحيد يكون بشر
بالاختصاااااار مطلوب دكر
12/11/2011
سفير الأسد يوجه ألفاظًا نابية ضد العربي
وخلال المؤتمر الصحفي عقب ختام الاجتماع، رفض حمد الرد على تجاوزات السفير السوري، ضده وضد الأمين العام للجامعة.
جاءت إساءات السفير السوري عقب صدور قرار خاص بتعليق عضوية سوريا، اعتبره يوسف بأنه "خيانة وتمهيد للتدخل الأجنبي في بلاده".
وقال بن جاسم، ردا علي سؤال بهذا المعني خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد ظهر اليوم بمقر الجامعة بالقاهرة "تربيت بطريقة لا تسمح لي بمجاراة مندوب سوريا بهذا الأسلوب"، وأكد أن سوريا دولة "عزيزة" لأنها من المؤسسين لجامعة الدول العربية وقال: "نحن ليس لنا مصلحة ولا للمجلس ولا لأي دولة عربية في تنفيذ أي مخططات ضد سوريا ولسنا مندوبين أو نتحرك لمصلحة أي جهة أجنبية".
وتابع بن جاسم، مؤكدا على ضرورة التصرف بحكمة في مثل هذه الظروف من أجل التواصل إلى حل يحفظ سوريا وشعبها وليس التصرف بعصبية وتشنج، بحسب قوله، في مثل هذا الوضع الحساس البالغ التعقيد.
ونفي الدكتور نبيل العربي، الأمين العام للجامعة العربية، وجود أي طلب للتدخل الأجنبي في سوريا وقال: إن كل ما ادعاه المندوب السوري في هذا الصدد لا أساس له من الصحة، مشيرا إلى إعطاء سوريا أربعة شهور كمهلة وأن الجامعة تحركت خلال هذه الفترة لكن، النظام السوري لم يتوقف عن العنف والقتل.
وقال العربي: إنه إذا إلتزمت سوريا بهذه القرارات والوقف الفوري للممارستها، فسوف يعيد المجلس النظر في قراراته.
07/11/2011
الرفيقان جيفارا وكاسترو... أسقطا الظلم والاستبداد
في تاريخ كل أمة رجال عظماء قادوا النضال والكفاح في سبيل تحرير أوطانهم والوصول بها إلى بر الأمان... واستطاعوا بما لديهم من قدرات خاصة وموهبة في القيادة وشجاعة وإقدام أن يحققوا أهداف وطموحات شعوبهم، وأيضا نجوم ومشاهير قدموا الكثير وحفروا أسماءهم في ذاكرة الناس وصفحات التاريخ كل في مجاله، فنالوا كل تكريم واحترام وحفظهم التاريخ في ذاكرته.
وفي حياة كل عظيم «رجل ثان» كان معه يشد من أذره ويسانده ويدعمه ويقف بجواره في أصعب المواقف وأحرج اللحظات وكان له بمثابة الذراع اليمنى... ومن هؤلاء من اكتفى بهذا الدور وارتضى أن يظل دائما في الظل وربما ينساه التاريخ، ومنهم من أراد أن يحقق ذاته هو الآخر وأن يقفز إلى مكانة الرجل الأول ووصل بعضهم بالفعل إلى هذه المكانة، ولكنهم احتفظوا بولائهم واحترامهم لزعمائهم، وساروا على دربهم وأكملوا مسيرتهم... ومنهم من ضعف إيمانه وانساق وراء شيطانه وانقلب على زعيمه فقتله أو عزله واحتل مكانه ليحقق ذاته أو عن اقتناع منه بأنه هو السبب في كل ما تحقق من إنجازات، ومن ثم يرى نفسه الأحق باحتلال الصدارة.
«الراي» في سلسلة حلقات «الرجل الثاني في حياة العظماء والمشاهير... رجل ثان» تلقي الضوء على حياة هؤلاء الرجال وكيف كانوا سببا في ما وصل إليه بعض العظماء من مجد وشهرة بفضل مساندتهم المخلصة لهم. وكيف تحول بعضهم إلى عظماء هم أيضا وصنعوا لأنفسهم تاريخا لا يقل عن تاريخ العظماء الذين اتبعوهم في بداية حياتهم .
كما ترصد في دقة تفاصيل العلاقة التي تجمع بين الاثنين من البداية وحتى النهاية، وتستعرض مسيرة الرجل الثاني منذ ولادته، وكيف تعرف على الرجل الأول أو زعيمه، والاسباب التي دفعته للانضمام إليه ومرافقته كفاحه الطويل ، وبعض المواقف التي برز دوره فيها بوضوح.
وخلال «15» حلقة نتناول عددا من الشخصيات المؤثرة في التاريخ سواء في أوطانهم أو على المستوى العالمي... منهم الساسة والقادة العسكريون ورجال الفكر والأدب.
كذلك تعرض الحلقات لبعض قصص النجاح في الوسط الفني التي كان الرجل الثاني فيها سببا مباشرا في سطوع نجم الفنان وبلوغه قمة المجد والشهرة.
رغم أن عمره كان قصيرا، فإنه حقق شهرة عالمية غير مسبوقة ولايزال حتى الآن رمزا من رموز النضال في العالم أجمع... عرف عنه الإخلاص والتفاني من أجل نصرة رفاقه، فكان خير داعم ومساند للعديد من الثورات... إنه «تشي جيفارا» الذي لعب الدور الأبرز في مساندة ومؤازرة رفيقه الثائر الكوبي «فيدل كاسترو»... وظل خلفه إلى أن انتصرا معا على الظلم والطغيان، وعندما وصل الأخير إلى الحكم لم يتركه رفيقه جيفارا، بل ظل بجواره أيضا يضع معه خطط النهوض بالبلاد ويروج لأفكار الثورة في العالم، وهو ما نجح فيه بفضل «الكاريزما» المميزة له، وبذلك كان «تشي» بمثابة الرجل الثاني في حياة ونضال الزعيم الكوبي كاسترو، وإليه يرجع الفضل في نجاح ثورته.
النشأة
ولد أرنستو جيفارا دي لا سيرا في الأرجنتين في 14 مايو من العام 1928 - وبحسب موقع ويكيبيديا الإلكتروني - كان والده مهندسا معماريا، أما أمه فكانت بريطانية الأصل وتدعى «سيرينا لاسيليا دي»، وعندما بلغ الثانية من عمره أصيبت رئتاه بالربو، وكانت والدته في حرصها على حياته، تلف جسده بالقطن خوفا من الشمس والرطوبة والهواء، وكانت تسهر معه الليالي، فتعلق الصغير بها في شدة، وعندما اعتقلت الشرطة الأرجنتينية والدته وهو في الرابعة عشرة من عمره، كانت صدمة قاسية أن يرى أمه التي أمضت السنوات وهي تلازمه لحظة بلحظة خوفا على صحته، وتسهر الليالي قربه سجينة القضبان وتعذب على أيدي بعض القساة من دون أن يستطيع أن يفعل شيئا، ومن هنا أدرك معنى الظلم وشعر كم هو قاس أن يكون مظلوما.
ومن هنا بدأت الميول الثورية تتفتح لدى الفتى. وبعد إطلاق الأم استكملت تعليم ابنها الأساسي في المنزل، فعلمته الفرنسية إلى جانب الإسبانية، وحرص على القراءة منذ الصغر مستغلا مكتبة والده الضخمة، وأجمعت آراء من اقتربوا منه على أنه كان يحمل داخله تناقضا عجيبا بين الجرأة والخجل، وكان دافئ الصوت، كما كان جذابا وفوضوي المظهر في الوقت ذاته.
اضطرت العائلة إلى ترك العاصمة الأرجنتينية والانتقال إلى مكان أكثر جفافا؛ لأجل صحة الفتي العليل، وفي أثناء ذلك كان اللقاء الأول بين أرنستو والفقر المدقع والوضع الاجتماعي المتدني في أميركا اللاتينية.
في مارس 1947 عادت الأسرة إلى العاصمة ليلتحق الفتى بكلية الطب، وعند نهاية المرحلة الأولى لدراسته حين كان في الحادية والعشرين من عمره، قام بجولة طويلة استمرت نحو «8» أشهر على الدراجة البخارية نحو شمال القارة مع صديقه «البيرتو جرنادو»، وكان خط الرحلة من أميركا اللاتينية إلى بلدان عدة منها: بوليفيا، وبيرو، والإكوادور، وبنما، وكوستاريكا، وجواتيمالا، وعايش معاناة الفلاحين والطبقة الكادحة من العمال، وفهم طبيعة الاستغلال الذي يعانون منه، بعدها أدرك أن مهنته الحقيقية ليست الطب... ويعود جيفارا إلى المنزل، ويقول لوالده إنه لن يمارس الطب، ولن يفتح عيادة، ولن يستقبل الزبائن، ولن يتزوج ويستقر في بيت هادئ، ولن ينجب الأطفال، بل سيرحل... ونام أرنستو تلك الليلة وفي الصباح غادر المنزل.
لقاء كاسترو
سافر جيفارا في العام 1953 إلى كولومبيا ليتعرف على الثورة التي كانت مشتعلة فيها، ثم هاجر إلى المكسيك التي كانت ملجأ للثوار من أميركا اللاتينية، وفي العام 1955 قابل «هيلدا» المناضلة اليسارية من «بيرو» في منفاها في جواتيمالا، فتزوجها وأنجب منها طفلته الأولى، هي التي اعتنت به وقدّمته لـ «نيكو لوبيزا» أحد ملازمي الثائر الكوبي «فيديل كاسترو»، وسمع منه عن أهداف الثورة الكوبية والنضال الذي يقوده كاسترو من أجل الحصول على الحقوق المسلوبة وتوفير الحياة الكريمة للشعب... أعجب جيفارا بهذا التفكير الذي تطابق إلى حد بعيد مع تفكيره، واشتاق للقاء كاسترو وهو ما حدث بالفعل في العام 1955، وكان لقاء مميزا واستمر لأكثر من «8» ساعات كاملة، تعرف كل منهما على تفكير الآخر الثوري وشرح كاسترو لجيفارا الأسباب التي دفعته للقيام بعدة ثورات ضد النظام الحاكم في بلاده، موضحا أنه حضر إلى المكسيك كي يعد رجاله للعمل الحاسم.
نجاح الثورة
كان كاسترو وجيفارا من بين الناجين من المعركة، وعندما اقتربا من الفلاحين الفقراء بدأ كل منهما يبث أفكاره فيهم ويبصرهم بحقوقهم ومدى الظلم الواقع عليهم، وفي هذه الفترة برز دور جيفارا الداعم والمساند لرفيقه كاسترو، فلم يتركه يوما ولم يتخل عنه أبدا... واستطاع الاثنان إقناع الفلاحين بمبادئ وأهداف ثورتهم، وكانت كلمات جيفارا قوية شديدة التأثير في نفوس الكثيرين، وكانت تضرب على حماسهم وشعورهم بالظلم الكبير الذي يتعرضون له، ويذكر له كلمة « الثورة حمراء كالجمر، قوية كالسنديان، عميقة كحبنا الوحشي للوطن»، فانضم إليهما المئات وتم تدريبهم على استخدام السلاح، وبدأت الثورة تحقق النصر تلو الآخر إلى أن دخل جيفارا العاصمة هافانا في اليوم لأول من العام 1959، قبل أن يدخلها كاسترو، وهرب باتيستا ونجحت الثورة الكوبية، وفي حفل شعبي ضخم تم تنصيب فيدل كاسترو رئيسا للبلا، وبالطبع لم ينس رفيقه ومؤيده الأول والرجل الثاني في حياته ونضاله تشي جيفارا، فكرمه أفضل تكريم ومنحه الجنسية الكوبية وأعطاه رتبة «ميجور»، ثم عينه سفيرا متجولا وممثلا شخصيا لكاسترو بهدف الترويج للثورة الكوبية وجذب التأييد العالمي لها، وفي هذه الفترة زار العديد من البلدان غير المنحازة والتقى قيادتها مثل عبدالناصر في مصر، ونهرو في الهند، وتيتو في يوغوسلافيا، وسوكارنو في إندونيسيا، كما زار إيطاليا، واليابان، وباكستان وغيرها، ثم عين جيفارا رئيسا للمعهد الوطني للأبحاث الزراعية ثم وزيرا للصناعة ورئيسا للمصرف المركزي العام 1961، وعقد هو وكاسترو تحالفا مع الاتحاد السوفيتي. ومن خلال مناصبه تلك قام الـ «تشي» بالتصدي بكل قوة لتدخلات أميركا؛ فقرر تأميم جميع مصالح الدولة بالاتفاق مع كاسترو ما أغضب الولايات المتحدة فشددت الحصار المفروض على كوبا، وهو ما جعلها تتجه تدريجيا نحو الاتحاد السوفيتي وقتها.
وذهب «تشي» لأفريقيا مساندا للثورات التحررية، قائدا لـ 125 كوبيا، ولكن فشلت التجربة الأفريقية لأسباب عديدة، منها عدم تعاون رؤوس الثورة الأفارقة، واختلاف المناخ واللغة، وانتهى الأمر بالـ «تشي» في أحد المستشفيات في براغ للنقاهة، وزاره كاسترو بنفسه ليرجوه العودة. وبعد إقامة قصيرة في كوبا اتجه جيفارا إلى بوليفيا التي وجد فيها نقطة انطلاق لحرب ثورية مناهضة للتوسع الأميركي.
نهاية بطل
وصل جيفارا إلى بوليفيا ونجح في البداية نجاحا رائعا بطرق مشابهة لما اتبعه في كوبا، ومعه ثلة من رفاق كفاحه القدماء، ولكن أميركا تعلمت الدرس هذه المرة، فأرسلت المستشارين العسكريين ودعمت ودربت الجيش التابع للرئيس العميل بارينتوس، وذلك عن طريق فريق الـ «سي آي إيه» المعروف بالجرين بيريز، وأصبحت المسألة مسألة وقت لا أكثر للتخلص من هذه الشوكة في خاصرتهم.
وفي يوم 8 أكتوبر 1967 وفي أحد وديان بوليفيا الضيقة، هاجمت قوات الجيش البوليفي المكونة من 1500 فرد مجموعة جيفارا المكونة من 16 فرداً، وقد ظل جيفارا ورفاقه يقاتلون 6 ساعات كاملة وهو شيء نادر الحدوث في حرب العصابات في منطقة صخرية وعرة تجعل حتى الاتصال بينهم شبه مستحيل وقد استمر «تشي» في القتال حتى بعد موت جميع أفراد المجموعة رغم إصابته بجروح في ساقه إلى أن دُمّرت بندقيته «م-2» وضاع مخزن مسدسه، وهو ما يفسر وقوعه في الأسر حيا، نُقل «تشي» إلى قرية «لاهيجيرا»، وبقي حيا لمدة 24 ساعة، ورفض أن يتبادل كلمة واحدة مع من أسروه، وفي مدرسة القرية نفذ ضابط الصف «ماريو تيران» تعليمات ضابطيه: «ميجيل أيوروا» و«أندريس سيلنيش» بإطلاق النار على «تشي».
دخل ماريو عليه مترددا فقال له «تشي»: «أطلق النار، لا تخف؛ إنك ببساطة ستقتل مجرد رجل»، لكنه تراجع، ثم عاد مرة أخرى بعد أن كرر الضابطان الأوامر له فأخذ يطلق الرصاص من أعلى إلى أسفل تحت الخصر، حيث كانت الأوامر واضحة بعدم توجيه النيران إلى القلب أو الرأس حتى تطول فترة احتضاره، إلى أن قام رقيب ثمل بإطلاق رصاصه من مسدسه في الجانب الأيسر فأنهى حياته.
وقد رفضت السلطات البوليفية تسليم جثته لأخيه أو حتى تعريف أحد بمكانه أو بمقبرته حتى لا تكون مزاراً للثوار من جميع أنحاء العالم.
ثم اندلعت أزمة بعد عملية اغتياله وسميت بأزمة «كلمات جيفارا» أي مذكراته. وقد تم نشر هذه المذكرات بعد اغتياله بـ 5 أعوام وصار جيفارا رمزا من رموز الثوار على الظلم.
فيديل كاسترو يتحدث عن أزمة الصواريخ النوويّة (3)
ترجمة: زاهر بولس
*أثناء ذلك، اعتقد، أن الطائرات الأمريكية كانت تحلّق في أجواء كوبا؟
- اجل. استمرّوا بإرسال طائرات بيون من طراز U-2. وبدأوا بتنفيذ طلعات جويّة استكشافيّة على ارتفاع منخفض. ونحن من جهتنا قررنا إطلاق النار على هذه الطائرات. التحليق المنخفض يمكّن هجوماً مفاجئاً. طرحنا الموضوع أمام القادة السوفييت الذين تواجدوا هنا. قلنا لهم انه يجب عدم السماح بالتحليق المنخفض، وأبلغناهم عن نيّتنا في إطلاق النار. وفعلاً، باشرنا بإطلاق النار مستخدمين صواريخاً مضادة للطائرات. عندها، في السابع والعشرين من أكتوبر، قامت بطّاريّة صواريخ سوفييتيّة مضادة للطائرات من طراز سام بإسقاط طائرة أمريكية من طراز بيون U-2 في مقاطعة اوريينتا. حينها كانت اللحظة الأشد توتّراً. طيّار أل u-2 ، الضابط الأمريكي رودولف أندرسون، قتل. في كل لحظة كان من الممكن أن تتحوّل حادثة أخرى إلى حرب. واسمح لي أن أقول لك أن الناس هنا كانوا هادئون.
*هل كان هنالك لحظات اعتقدت فيها أن الحرب واقعة لا محالة؟
- انظر، كانت تلك لحظات توتر شديد. ظننا أن المواجهة واقعة لا محالة، وكنّا مصرّين على تحمّل مسؤوليّة المخاطرة . ولم نكن على استعداد للتنازل. كان لدينا الحق الكامل في الدفاع عن سيادتنا.
*لكن السوفييت تنازلوا.
- في تلك اللحظة، اللحظة الأشد توترًا، أرسل السوفييت اقتراحاً إلى الولايات المتحدة. دون استشارتنا، اقترحوا سحب الصواريخ في مقابل سحب صواريخ جوبيتر الأمريكية من تركيّا. وافق كينيدي على الاقتراح التوافقي في الثامن والعشرين من تشرين الأول، وعندها سحب السوفييت صواريخ أل أس- أس 4 من كوبا. لم ننظر بعين الرضا إلى هذا القرار، استأنا منه كثيراً.
*أكان لديك انطباع أن القرار اتخذ بالالتفاف عليكم؟
- علمنا باقتراح السوفييت من خلال وسائل الإعلام. لم يبحثوا معنا هذه القضيّة. لم نعترض على الحل، لان الأمر الأهم من الناحية التاريخيّة هو منع مواجهة نوويّة، لكن كان على السوفييت استشارتنا. الحديث هنا يدور عن مبدأ. كان عليهم أن يقولوا للأمريكان: "علينا التباحث مع الكوبيين". لربما، لو أننا شاركنا في المباحثات، لكنا حسّنّا من صيغة الاتفاق. لما ظلّت القاعدة البحريّة، غوانتانمو، بأيديهم، ولما استمرّت طلعاتهم الجويّة التجسّسيّة على ارتفاعات عالية. كل هذا أثار شديد استياءنا. احتججنا. فحتّى بعد الاتفاق استمرّينا بقصف الطائرات الأمريكية التي حلّقت على علو منخفض لحين اضطرارهم إيقاف الطلعات. تراجعت علاقتنا بالاتحاد السوفييتي وتأثّرت على مدى سنوات.
*في أيلول 1991 أدار الرئيس الروسي بوريس يلتسين مباحثاتاً مع الولايات المتحدة، وأخرجت موسكو على إثرها ما تبقّى من القوّات السوفييتيّة من كوبا. هل تشاوروا معكم حول قرارهم؟
- ما الداعي! إنهم لا يتشاورون أبدًا.
*أريد توضيحًا حول هذا الأمر، حين اخرجوا في العام 1991 ما سمّي "وحدة إرشاد جيش المشاة المهيّأة" من كوبا...
- لقد تفاوضوا مع الولايات المتحدة دون استشارتنا. تفاوضوا على كل شيء دون استشارتنا. واتفقوا على سحب الوحدة بجبن وغلاظة انتهازيّة. وفي كل الأحوال لم تكن لهذه الوحدة أية أهمية عسكريّة. فعلى الرغم من أن أفراد الجيش الروسي مدرّبون جدًا من الناحية التقنيّة، ويتحلّون بالشجاعة كما اثبتوا ذلك في الحرب العالميّة الثانية، فقد عانت هذه الوحدة من حالة الإحباط ولا تمتلك القدرة على خوض معركة حتى لمدّة ساعتين.
*أفي هذه الحالة أيضا كان من الممكن إخراج الولايات المتحدة من قاعدة غوانتانمو في مقابل إخراج الوحدة السوفييتيّة؟
- حسنًا، إن هذا الأمر كان ممكنًا فقط في أزمة أكتوبر. كان من الممكن نيل ذلك بسهولة بقليل من هدوء الأعصاب، لان العالم لم يكن مهيّأً لخوض حرب عالميّة. وكان بالإمكان نيل مطالب أخرى، فمن بين ما طلبناه إلغاء الحصار البحري ووقف الهجمات الإرهابية وإعادة قاعدة غوانتانمو. كان بالإمكان الحصول على كل ذلك بسهولة، فأنا على يقين أن أحدا لن يشارك في حرب عالميّة من اجل حصار بحري أو هجمات قرصنيّة أو من اجل السيطرة بشكل غير قانوني على قاعدة عسكريّة بعكس إرادة شعبنا.
من المهم التشديد على انّه لم يكن أي شيء غير قانوني في الاتفاقيّة التي عقدناها مع السوفييت والتي استناداً إليها تم نصب الصواريخ في كوبا. فالولايات المتحدة نصبت صواريخ جوبيتر في تركيّا وايطاليا ولم يتدخل احد في ذلك. لم تكن الأزمة في الحيّز القانوني، وإنما في أداء خروتشوف بإدارة الأزمة. حين بدأ بالمحادثات حول الموضوع، أنكر أن السلاح استراتيجيّاً وتورّط في الكذب. في المعركة السياسيّة لا تستطيع أن تسمح لنفسك بالتخلي عن الأخلاقيات، وهذا ما اضعف خروتشوف. أعيد واكرر أن خطوتنا كانت قانونيّة حتى أقصى حد، وشرعيّة وذات مصداقيّة، لكن الذي أعطى كينيدي مظلّة أخلاقية كذب السوفييت وتناقض المعلومات التي استغلّها. فقد كان بيد كينيدي الإثبات المؤكّد، والتي حصل عليها الأمريكان من الجو، من خلال الصور التي التقطتها طائرات U-2. وقد حصلوا على هذه المعلومات بسبب غباء السوفييت على المستوى العسكري. فحين تنصب صواريخاً فانك لا تستطيع أن تسمح بطلعات جوّيّة فوق أراضيك. الولايات المتّحدة لا تسمح بطلعات جوّيّة فوق أراضيها لدولة عظمى معادية، وفي المقابل سمح السوفييت بذلك. ولا شك انّه كان هنالك الكثير من الأخطاء السياسيّة والعسكريّة. على أي حال، لم نصادق في أكتوبر 1962 على إخراج الصواريخ السوفييتيّة، ولكننا لم نتّخذ أي خطوة لمنع ذلك. ففي نهاية المطاف، فيما لو فعلنا ذلك، كنا سنشعل حرباً ضد دولتين عظميين، وهذا يفوق قدراتنا.
*من المؤكّد أن هذا فوق طاقة الاحتمال!
- كان لدينا نحو ثلاثمائة ألف مسلّح. فيما لو قرّرنا الرفض، لما حرّك السوفييت صاروخًا واحدًا. لكن عملا من هذا القبيل هو الجنون بعينه، ويفتقد للمنطق السليم. وبعد انقضاء سنوات، تحديدًا في أكتوبر 2001، بلّغ الروس عن قرارهم بإغلاق مركز الأبحاث الالكترونيّة، وحتى بما يتعلّق في هذا الشأن انفردوا بالقرار وحدهم.
*رغم أزمة أكتوبر لا تزال لديك نظرة ايجابيّة لكينيدي.
- في هذه الأزمة وسّع كينيدي صلاحياته واظهر قوّة إرادة. لو أننا اشتركنا في المباحثات، لقمنا بذلك بشكل بنيوي. فلو سنحت هذه الإمكانية لربما منعنا الكثير من المشاكل التي واجهتها دولنا لاحقاً. أما بالنسبة لكينيدي، فحين آتي لأحكم سياساته، علي أن اخذ بالحسبان الفترة التي عايشناها، ومناهج التفكير التي سادت حينها، والتشويش المتوقّع من دولة ثوريّة راديكاليّة تقطن على بعد 145 كيلومتراً عن الولايات- المتّحدة. فما بالك حين تكون الثورة بقرار مستقل منا، فنحن لم نأخذ من السوفييت في أيام النضال ولا حتّى قرش واحد، ولا حتّى بندقيّة واحدة، فحتّى العام 1959 لم أكن قد تعرّفت على أي سوفييتي.
*يبدو أن أخاك راؤول قد تعرّف على بعض السوفييت.
- راؤول عرف واحدًا، عرف نيقولاي ليونوف. كان حينئذ سوفييتيًّا صغيرًا وقد شارك الاثنان في مؤتمر للشبيبة الشيوعيّة في فيينّا عام 1951. كنت قلت لك أن راؤول انضم لصفوف الشبيبة الشيوعيّة، وكان ذلك بدون أدنى شك يعتبر انجازًا بالنسبة للسوفييت. ولكن هذا أقصى ما كان. فالاشتراكيّة لم تصلنا بالاستنساخ ولا بالإخصاب الصناعي. لقد تطوّرت لدينا في مسار آخر، ويجب اخذ هذا في الاعتبار عند المقارنة ما بين كوبا وبين مسارات أو تجارب بناء الاشتراكيّة في دول أوروبا الشرقيّة، والتي تحاول اليوم بناء نظام رأسماليّ. فإلى جانب التطوّرات التاريخيّة، والى جانب المسار العام الموضوعي، توجد عوامل ذاتيّة تؤثّر على الأحداث بشكل قويّ. في واقع كوبا، لا يوجد أدنى شك أن تضافر العوامل الذاتيّة مع العوامل الموضوعيّة سرّع من مسار الثورة.
كل هذا أدّى إلى المواجهة مع الولايات المتّحدة والى أزمة الصواريخ في العام 1962. ولكن كما ذكرت لك، أبدى كينيدي توجّهًا ايجابيًّا. هو لم يشأ تعقيد الأمور، فقد أمر بوقف الطلعات الجوّيّة المنخفضة وأمر كذلك بوقف حملة مانغوستا. قرارات كينيدي هذه أثارت حفيظة أعداء الثورة الكوبيّة، فهو لم يصدر أوامر للأسطول الأمريكي للتدخل المباشر في خليج الخنازير دعمًا للمرتزقة، ولم يمتطِ أزمة أكتوبر كذريعة لاجتياح كوبا كما أشار عليه العديد من الجنرالات وكثرٌ من أعدائنا. وربما كانوا هم ذاتهم من يقف وراء اغتياله، لكني لا أملك إثبات ذلك.
*حين اغتالوا كينيدي، في 22 تشرين الثاني 1963، اتّهموا لي هارفي اوسوالد بقتله وادّعوا انه من المتحمّسين لكوبا. أتعتقد أنهم أرادوا توريط كوبا بهذا الادّعاء؟
- جيّد انه لم تعط تأشيرة دخول لزيارة كوبا لهذا النموذج. كان بمستطاعهم استغلال ذلك لاتهام كوبا. وفي الواقع، حين بوشر بالتحقيق أعطينا كل ما كان بحوزتنا من معلومات حول القضيّة.
*ما هو تقييمك بالنسبة للصيغة الرسميّة لاغتيال كينيدي؟
- هنالك أمر غريب. من خبرتي التي اكتسبتها في التصويب الدقيق للهدف، لا يمكن استيعاب كيف يتم إطلاق الرصاص سريعًا وبدقّة من بندقيّة ذات منظار تلسكوبي. عندما تطلق النار مستعينًا بمنظار تلسكوبي، يختفي الهدف بفعل الإطلاق. أنت تصوّب على هدف على بعد خمسمائة أو ستمائة متر، ومع الحركة بسبب الإطلاق يختفي الهدف عن العين وتصبح مجبرًا على البحث عن الهدف من جديد. وبعد إطلاق النار عليك شحن الذخيرة من جديد، وبعدها عليك البحث مرّة ثانية عن الهدف ومن ثم إطلاق النار. البحث عن هدف متحرّك بوساطة منظار تلسكوبي أمر صعب جداً، وفوق هذا إطلاق ثلاث رصاصات بدقّة خلال بضع ثوان، أمر يصعب استيعابه.
*أتعتقد بوجود أكثر من مطلق رصاص؟
- لا استطيع أن أفسر لذاتي كيف يمكن لشخص واحد أن يطلق كل هذه الرصاصات. ما استطيع أن أقوله يستند فقط إلى تجربتي باستعمال سلاح ذي منظار تلسكوبي، واستنادًا إلى تجربتي لا استطيع إلا أن أقول أن الرواية الرسميّة حول الاغتيال، ببساطة، غير ممكنة.
*أنت لا تصدّق الصيغة الرسميّة؟
- حقًا. أنا لا اصدّق بالمرّة الصيغة الرسميّة حول كيفيّة إطلاق اوسوالد النار على كينيدي. ولكنّي لا امتلك الإثباتات، وليس بإمكاني إلا التخمين.