30/12/2016
02/12/2016
13/05/2016
19/01/2016
إرنستو رفائيل غيفارا دي لا سيرنا
إزكيل زيدنفرغ
قد مات الشعر. في تلك الصورة
التي حامت حول العالم، حول الجثة
تُلاحَظ رفقة غريبة: ثلاثة
مَدنيِّين (اثنان ينظران إليه في فضول والثالث
يحوّل وجهة نظرته)، دركيان
بوجه الخائف، ومصور فوتوغرافي
يبدو مدبرا وثلاثة أرباع من جسده
خارج إطار الصورة، وضابطان
يلبسان الزي العسكري مزينا بالشرائط:
أحدهما يُحدِّقُ في آلة التصوير التي يسددُها نحوه المصورُ
بينما هو يسند الرأسَ ساكنة،
يتخذ وضع قناصٍ مع أسلابه
والآخرُ الذي يبدو برتبة أعلى
يشير بسبابة يده اليمنى
إلى المكان حيث كان القلب يخفق،
كما لو أنه بلمسته يستطيع أن يرد إليه الحياة،
بالعينين مفتوحتين والنظرة الصافية
كان الجسد يبدو راغباً في أن يستوي مثل ألعازر
الذي كان إلى الحياة قد عاد بجهدٍ جهيدٍ لِهُنَيْهَةٍ
لكي يغرق للتو مجدداً
في الموت.
قد مات الشعر.
وأتصورُ
ما الذي يقوله أولئك الذين يؤمنون به
لكي يجدوا له تبريراً
(مثلما هو الشأنُ دوماً)
في أنَّه ليس الضوء،
بل كان قد أتى كشهادة على الضوء
وأنه أتى مع أهله
لكن أهله لم يستقبلوه.
من المؤكد أن الأمور قد حدثت هكذا:
كان الوقت فجراً حينما ألقينا القبض عليه
جريحاً برصاصة في ساقه
بعد كمين كان قد امتد
من منتصف النهار حتى وقت متأخر جداً
بعد أن تغلغل الليل.
في تلك الأحوال، ورغم كل شيء،
- إذ فضلا عن الساق، كان الربو يضغط
على رئتيه- كان مُصِرّاً على القتال،
حتى صارت بندقيته غير صالحة كلياً للاستعمال
بسبب طلقة كانت قد كسرت ماسورتها،
كما أن المسدس الذي كان يحمله
كان مشط ذخيرته فارغاً.
لما نُقِلَ إلى الثكنة
(التي كانت مدرسة) وعند استنطاقه
قال: إن الجَمال كان جَلَدا وصبراً
وحدثنا عن الزنبق- لكن كيف
تكون زنبقة؟ أنا هُنا لمْ أرَ قَطُّ زنبقة-
وعن كيف يهجم نهارٌ ما
في الأرياف
بعد ليال وليال تحت الأرض
من الساق الأخضر إلى التويج الأبيض،
لكن عبر هذه الامتدادات
كلُّ شيْء ينمو في فوضى وبلا غاية،
وأنا الذي أتيت إلى هذا العالم وتربَّيْتُ
بشكلٍ فظٍّ ضدَّ الكُلِّ ورغماً عن الكُلِّ،
مثل العشب الذي ينبثق من بين شقوق الإسفلت
والذي تدوسه السيارات حين تمر – لكن هنا
لا نملك طرقاً مسفلتة والسيارات لا تكاد توجد-
لم أكن أستطيع فهمه، هو الذي وُلِدَ من أجل كل شيء،
حسابٌ دقيقٌ لأبويه
واستثمار تجاه المستقبل
- الزمن بالنسبة له كان سهماً يتقدم بوعي
نحو ختامه، بينما كان بالنسبة لي حلقة مضبوطة
ليس بسبب استعجال الرغبة ولا بسبب الآثار الخرساء للغريزة،
بل بالأحرى بسبب شيء مقدس وإن كان قديما-
لم أكن أستطيع استيعاب أنه قد هجر
ما كان قد تركه خلفه (أغيابٌ بغية
وجود مريح أو لربما الإفراط
في العزيمة؟) لكي يأتي إلى هذا القفر
حيث كل شيء ينمو لكن لا شيء
يفيض عن الحاجة أكثر من الجوع،
ليدور في حلقات ويرى كيف يتساقط الرفاق
واحداً واحداً، في قتال ضد خصم لا يعدُّ ولا يُحصى
لكنه منقسم على ذاته إلى ما لا نهايةٍ من أجل المجد
المنتصر لفكرةٍ: نحن الذين وُلِدنا
في أقصى بقاع الأرض
حيث الطبيعة بعد
ما تزال مفصولة عن إرادة الإنسان،
في حيواتنا نتعلم مبكرا أن الحرية
ليست شيئا من هذا العالم وأن الحبَّ
فعلٌ وليس قوة.
لكني لم أقل شيئاً.
وبعدها ساد صمتٌ:
بينما كنا نستنطقه، تلقينا
الأمر بقتله. (أما أمر اليدين فكان بعد موته،
لكني لم أره. حكي لي، فضلاً عن ذلك
أنهم قد أمروا بقطع الرأس،
وأن شخصا ما امتنع عن ذلك)،
انصرمت ساعاتٌ.
وقال لنا ذو المرتبة الرفيعة أن ننتظر
لنرى إن لم يكن ثمة إلغاء للأمر
لم يصل بعد (في الإذاعة كانوا قد أعلنوا موته).
كان قد انتصف النهار، وكان يجبُ أن يُقتَلَ.
وأما النهاية التي عرفتها الأحداث،
فليس حقيقة ما يُقالُ: لم نكن نتجرأ،
لقد أسكرونا لكي يمنحونا الشجاعة،
ولا حتى على تلك الحال كنا نستطيع أن نفعل.
نحن ببساطة
نفذنا ما أمرونا به،
دخلنا القسم حيث كان لدينا هناك
وقتلناه كما يُقتَلُ حيوانٌ
لأجل الأكل.
* Ezequiel Zaidenwerg: شاعر ومترجم أرجنتيني من مواليد بوينوس أيريس سنة 1981 مقيم في نيويورك، وهو من الأصوات الشعرية الجديدة في المشهد الشعري بأمريكا اللاتينية، نشر عدداً من المجموعات الشعرية وأنطولوجيا شعرية جمع فيها 33 شاعراً من الأرجنتين.
* ترجمة عن الإسبانية: خالد الريسوني
16/05/2015
21/12/2014
صور نادرة للثائر جيفارا بعد اعدامه عُثر عليها لدى مُبشر (محدث 9صور)
تمثل هذه الصور آخر لحظات حياة هذا الثوري الأرجنتيني قبل إعدامه بالرصاص ب"لا هيغويرا" في غابة "فالي غراندي" ببوليفيا، في 9 أكتوبر(تشرين الأول) من عام 1967.
وتظهر الصور كيفية أسر تشي جيفارا، واستلقائه على الأرض، وعيناه شبه المغلقتان ووجهه المورم والأرض الملطخة بدمه بعد إعدامه. كما تنهي الصور كل الإشاعات حول مقتل تشي جيفارا أثناء معارك طاحنة مع الجيش البوليفي.
09/10/2014
24/12/2012
23/06/2012
22/06/2012
جـيفارا : إن من يقول أن نجم الثورة قد أفل، فإما أن يكون خائناً أو متسلطاً أو جباناً
((( أقوال لاتُنسى )))
"إن من يقول أن نجم الثورة قد أفل، فإما أن يكون خائناً أو متسلطاً أو جباناً....فالثورة ماضية كالبرق، قوية كالفولاذ، متأججة كاللهب، عميقة كحبنا الوحشي للوطن....ولكن شجرة الحرية لا تروى إلا بالدماء .. وما قدمناه لم يكن سوى بذرة تلك الشجرة".
إرنســـتو تشي جـيفارا
Ernesto Che Guevara
03/03/2012
تركيا: نظام الأسد يرتكب جرائم حرب
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- أدانت تركيا بشدة، يوم السبت، ما وصفته بالفظاعة التي يرتكبها نظام الرئيس السوري بشار الأسد ضد نشطاء المعارضة التي تطالب بإسقاط حكمه منذ نحو عام.
ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو قوله إن "على المجتمع الدولي أن يقول للنظام السوري أن الفظاعة هذه لا يمكن أن تستمر."
وقال أوغلو يوم السبت إن حملة الرئيس السوري ضد معارضيه تحمل سمات جرائم حرب، مضيفا أن النظام السوري "يرتكب جريمة ضد الإنسانية كل يوم."
وأضاف أوغلو خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الايطالي جوليو تيرتسي في إسطنبول، أن على تلك الفظائع أن تتوقف.. وأن الحكومة السورية يجب أن هذه الرسالة القوية يمكن إيصالها عبر أساليب مختلفة."
وأشار الوزير التركي إلى أن بلاده تجري استعدادات لتنظيم اللقاء الثاني لمجموعة "أصدقاء سوريا" خلال شهر مارس/آذار الجاري.
وتستضيف أنقرة قيادات الجيش السوري الحر الذي تكون من ضباط وجنود منشقين عن الجيش النظامي، كما تستضيف عددا من نشطاء المعارضة، وتنسق مع الغرب لإيجاد مخرج للأزمة السورية.
17/02/2012
16/11/2011
نزلت وقلت أنا مش راجع
نزلت وقلت أنا مش راجع
وكتبت بدمى فى كل شارع
سمعنا اللي مكنش سامع
واتكسّرت كل الموانع
سلاحنا كان أحلامنا
وبكرة واضح قدامنا
من زمان بنستنى
بندور مش لاقيين مكاننا
فى كل شارع فى بلادى
صوت الحريه بينادى
فى كل شارع فى بلادى
صوت الحريه بينادى
رفعنا راسنا فى السما
والجوع مبقاش بيهمنا
أهم حاجة حقنا
ونكتب تاريخنا بدمنا
لو كنت واحد مننا
بلاش ترغى وتقول لنا
نمشى ونسيب حلمنا
وبطل تقول كلمة أنا
فى كل شارع فى بلادى
صوت الحريه بينادى
فى كل شارع فى بلادى
صوت الحريه بينادى
مطلوب زعيم : بالاختصاااااار مطلوب دكر
مطلوب زعيم
مطلوب زعيم
لشعب طول عمره عظيم
لشعب كان فاعل زمان
لكنه هان
حتى انه ثار
بإيدين كبار وإيدين صغار
مفعول به بيقسموا ويفرقوا
و يقطعوا فى عين اللي جابوا
واللى جابوا ابوه
علشان يموت او ينتهى
مطلوب زعيم
لشعب حكامه خانوه
وتوهوه وغيبوه واللي انتبه منه
وفاق غموله عينه كمموه
وسلموه فى المعتقل
لكلاب جعانه يقطعوه
لكنه رغم القهر قام زئر وزام
وفى اسبوعين زلزل حصون الجلادين
هد النظام فوق راس جميع المفسدين
مطلوب زعيم
يحمى الحدود
يعدل ما بين الناس تمام زى الفاروق
ويكون حنين على الفقير
وع اللي فاسد يفترى
يهدم على دماغه الشقوق
ويعقله فى المشنقه
او يرفعوا على راس خذوق
مطلوب زعيم
ميقولش على الخواف حكيم
ويكون كمان سمعه سليم
يسمع لنبضة قلبنا
ويكون مكانه فى وسطنا
ما يعيشى ابدا فى القصور
والبعض منا للأسف ساكنين قبور
يشرب و ياكل اكلنا
و يعيش كواحد مننا
يسمعلنا ويشور وياخد راينا
وقت الخطر نتلم حواليه كلنا
ونضحى وياه بعمرنا
مطلوب زعيم
ع المسؤليه يكون امين
ويكون جرئ ويكون شجاع
مش امعه وحته بتاع
يعرف يقول للظلم لأ
ويموت ولا يفرق فى حق
مطلوب زعيم
نقدر نحاسبه بالقانون
اونعزله لو للامانه يوم يخون
لا يشترط للشكل ايه
لا يشترط للسن ايه
لا يشترط للمله ايه
شرطه الوحيد يكون بشر
بالاختصاااااار مطلوب دكر
12/11/2011
سفير الأسد يوجه ألفاظًا نابية ضد العربي
وخلال المؤتمر الصحفي عقب ختام الاجتماع، رفض حمد الرد على تجاوزات السفير السوري، ضده وضد الأمين العام للجامعة.
جاءت إساءات السفير السوري عقب صدور قرار خاص بتعليق عضوية سوريا، اعتبره يوسف بأنه "خيانة وتمهيد للتدخل الأجنبي في بلاده".
وقال بن جاسم، ردا علي سؤال بهذا المعني خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد ظهر اليوم بمقر الجامعة بالقاهرة "تربيت بطريقة لا تسمح لي بمجاراة مندوب سوريا بهذا الأسلوب"، وأكد أن سوريا دولة "عزيزة" لأنها من المؤسسين لجامعة الدول العربية وقال: "نحن ليس لنا مصلحة ولا للمجلس ولا لأي دولة عربية في تنفيذ أي مخططات ضد سوريا ولسنا مندوبين أو نتحرك لمصلحة أي جهة أجنبية".
وتابع بن جاسم، مؤكدا على ضرورة التصرف بحكمة في مثل هذه الظروف من أجل التواصل إلى حل يحفظ سوريا وشعبها وليس التصرف بعصبية وتشنج، بحسب قوله، في مثل هذا الوضع الحساس البالغ التعقيد.
ونفي الدكتور نبيل العربي، الأمين العام للجامعة العربية، وجود أي طلب للتدخل الأجنبي في سوريا وقال: إن كل ما ادعاه المندوب السوري في هذا الصدد لا أساس له من الصحة، مشيرا إلى إعطاء سوريا أربعة شهور كمهلة وأن الجامعة تحركت خلال هذه الفترة لكن، النظام السوري لم يتوقف عن العنف والقتل.
وقال العربي: إنه إذا إلتزمت سوريا بهذه القرارات والوقف الفوري للممارستها، فسوف يعيد المجلس النظر في قراراته.
07/11/2011
الرفيقان جيفارا وكاسترو... أسقطا الظلم والاستبداد
في تاريخ كل أمة رجال عظماء قادوا النضال والكفاح في سبيل تحرير أوطانهم والوصول بها إلى بر الأمان... واستطاعوا بما لديهم من قدرات خاصة وموهبة في القيادة وشجاعة وإقدام أن يحققوا أهداف وطموحات شعوبهم، وأيضا نجوم ومشاهير قدموا الكثير وحفروا أسماءهم في ذاكرة الناس وصفحات التاريخ كل في مجاله، فنالوا كل تكريم واحترام وحفظهم التاريخ في ذاكرته.
وفي حياة كل عظيم «رجل ثان» كان معه يشد من أذره ويسانده ويدعمه ويقف بجواره في أصعب المواقف وأحرج اللحظات وكان له بمثابة الذراع اليمنى... ومن هؤلاء من اكتفى بهذا الدور وارتضى أن يظل دائما في الظل وربما ينساه التاريخ، ومنهم من أراد أن يحقق ذاته هو الآخر وأن يقفز إلى مكانة الرجل الأول ووصل بعضهم بالفعل إلى هذه المكانة، ولكنهم احتفظوا بولائهم واحترامهم لزعمائهم، وساروا على دربهم وأكملوا مسيرتهم... ومنهم من ضعف إيمانه وانساق وراء شيطانه وانقلب على زعيمه فقتله أو عزله واحتل مكانه ليحقق ذاته أو عن اقتناع منه بأنه هو السبب في كل ما تحقق من إنجازات، ومن ثم يرى نفسه الأحق باحتلال الصدارة.
«الراي» في سلسلة حلقات «الرجل الثاني في حياة العظماء والمشاهير... رجل ثان» تلقي الضوء على حياة هؤلاء الرجال وكيف كانوا سببا في ما وصل إليه بعض العظماء من مجد وشهرة بفضل مساندتهم المخلصة لهم. وكيف تحول بعضهم إلى عظماء هم أيضا وصنعوا لأنفسهم تاريخا لا يقل عن تاريخ العظماء الذين اتبعوهم في بداية حياتهم .
كما ترصد في دقة تفاصيل العلاقة التي تجمع بين الاثنين من البداية وحتى النهاية، وتستعرض مسيرة الرجل الثاني منذ ولادته، وكيف تعرف على الرجل الأول أو زعيمه، والاسباب التي دفعته للانضمام إليه ومرافقته كفاحه الطويل ، وبعض المواقف التي برز دوره فيها بوضوح.
وخلال «15» حلقة نتناول عددا من الشخصيات المؤثرة في التاريخ سواء في أوطانهم أو على المستوى العالمي... منهم الساسة والقادة العسكريون ورجال الفكر والأدب.
كذلك تعرض الحلقات لبعض قصص النجاح في الوسط الفني التي كان الرجل الثاني فيها سببا مباشرا في سطوع نجم الفنان وبلوغه قمة المجد والشهرة.
رغم أن عمره كان قصيرا، فإنه حقق شهرة عالمية غير مسبوقة ولايزال حتى الآن رمزا من رموز النضال في العالم أجمع... عرف عنه الإخلاص والتفاني من أجل نصرة رفاقه، فكان خير داعم ومساند للعديد من الثورات... إنه «تشي جيفارا» الذي لعب الدور الأبرز في مساندة ومؤازرة رفيقه الثائر الكوبي «فيدل كاسترو»... وظل خلفه إلى أن انتصرا معا على الظلم والطغيان، وعندما وصل الأخير إلى الحكم لم يتركه رفيقه جيفارا، بل ظل بجواره أيضا يضع معه خطط النهوض بالبلاد ويروج لأفكار الثورة في العالم، وهو ما نجح فيه بفضل «الكاريزما» المميزة له، وبذلك كان «تشي» بمثابة الرجل الثاني في حياة ونضال الزعيم الكوبي كاسترو، وإليه يرجع الفضل في نجاح ثورته.
النشأة
ولد أرنستو جيفارا دي لا سيرا في الأرجنتين في 14 مايو من العام 1928 - وبحسب موقع ويكيبيديا الإلكتروني - كان والده مهندسا معماريا، أما أمه فكانت بريطانية الأصل وتدعى «سيرينا لاسيليا دي»، وعندما بلغ الثانية من عمره أصيبت رئتاه بالربو، وكانت والدته في حرصها على حياته، تلف جسده بالقطن خوفا من الشمس والرطوبة والهواء، وكانت تسهر معه الليالي، فتعلق الصغير بها في شدة، وعندما اعتقلت الشرطة الأرجنتينية والدته وهو في الرابعة عشرة من عمره، كانت صدمة قاسية أن يرى أمه التي أمضت السنوات وهي تلازمه لحظة بلحظة خوفا على صحته، وتسهر الليالي قربه سجينة القضبان وتعذب على أيدي بعض القساة من دون أن يستطيع أن يفعل شيئا، ومن هنا أدرك معنى الظلم وشعر كم هو قاس أن يكون مظلوما.
ومن هنا بدأت الميول الثورية تتفتح لدى الفتى. وبعد إطلاق الأم استكملت تعليم ابنها الأساسي في المنزل، فعلمته الفرنسية إلى جانب الإسبانية، وحرص على القراءة منذ الصغر مستغلا مكتبة والده الضخمة، وأجمعت آراء من اقتربوا منه على أنه كان يحمل داخله تناقضا عجيبا بين الجرأة والخجل، وكان دافئ الصوت، كما كان جذابا وفوضوي المظهر في الوقت ذاته.
اضطرت العائلة إلى ترك العاصمة الأرجنتينية والانتقال إلى مكان أكثر جفافا؛ لأجل صحة الفتي العليل، وفي أثناء ذلك كان اللقاء الأول بين أرنستو والفقر المدقع والوضع الاجتماعي المتدني في أميركا اللاتينية.
في مارس 1947 عادت الأسرة إلى العاصمة ليلتحق الفتى بكلية الطب، وعند نهاية المرحلة الأولى لدراسته حين كان في الحادية والعشرين من عمره، قام بجولة طويلة استمرت نحو «8» أشهر على الدراجة البخارية نحو شمال القارة مع صديقه «البيرتو جرنادو»، وكان خط الرحلة من أميركا اللاتينية إلى بلدان عدة منها: بوليفيا، وبيرو، والإكوادور، وبنما، وكوستاريكا، وجواتيمالا، وعايش معاناة الفلاحين والطبقة الكادحة من العمال، وفهم طبيعة الاستغلال الذي يعانون منه، بعدها أدرك أن مهنته الحقيقية ليست الطب... ويعود جيفارا إلى المنزل، ويقول لوالده إنه لن يمارس الطب، ولن يفتح عيادة، ولن يستقبل الزبائن، ولن يتزوج ويستقر في بيت هادئ، ولن ينجب الأطفال، بل سيرحل... ونام أرنستو تلك الليلة وفي الصباح غادر المنزل.
لقاء كاسترو
سافر جيفارا في العام 1953 إلى كولومبيا ليتعرف على الثورة التي كانت مشتعلة فيها، ثم هاجر إلى المكسيك التي كانت ملجأ للثوار من أميركا اللاتينية، وفي العام 1955 قابل «هيلدا» المناضلة اليسارية من «بيرو» في منفاها في جواتيمالا، فتزوجها وأنجب منها طفلته الأولى، هي التي اعتنت به وقدّمته لـ «نيكو لوبيزا» أحد ملازمي الثائر الكوبي «فيديل كاسترو»، وسمع منه عن أهداف الثورة الكوبية والنضال الذي يقوده كاسترو من أجل الحصول على الحقوق المسلوبة وتوفير الحياة الكريمة للشعب... أعجب جيفارا بهذا التفكير الذي تطابق إلى حد بعيد مع تفكيره، واشتاق للقاء كاسترو وهو ما حدث بالفعل في العام 1955، وكان لقاء مميزا واستمر لأكثر من «8» ساعات كاملة، تعرف كل منهما على تفكير الآخر الثوري وشرح كاسترو لجيفارا الأسباب التي دفعته للقيام بعدة ثورات ضد النظام الحاكم في بلاده، موضحا أنه حضر إلى المكسيك كي يعد رجاله للعمل الحاسم.
نجاح الثورة
كان كاسترو وجيفارا من بين الناجين من المعركة، وعندما اقتربا من الفلاحين الفقراء بدأ كل منهما يبث أفكاره فيهم ويبصرهم بحقوقهم ومدى الظلم الواقع عليهم، وفي هذه الفترة برز دور جيفارا الداعم والمساند لرفيقه كاسترو، فلم يتركه يوما ولم يتخل عنه أبدا... واستطاع الاثنان إقناع الفلاحين بمبادئ وأهداف ثورتهم، وكانت كلمات جيفارا قوية شديدة التأثير في نفوس الكثيرين، وكانت تضرب على حماسهم وشعورهم بالظلم الكبير الذي يتعرضون له، ويذكر له كلمة « الثورة حمراء كالجمر، قوية كالسنديان، عميقة كحبنا الوحشي للوطن»، فانضم إليهما المئات وتم تدريبهم على استخدام السلاح، وبدأت الثورة تحقق النصر تلو الآخر إلى أن دخل جيفارا العاصمة هافانا في اليوم لأول من العام 1959، قبل أن يدخلها كاسترو، وهرب باتيستا ونجحت الثورة الكوبية، وفي حفل شعبي ضخم تم تنصيب فيدل كاسترو رئيسا للبلا، وبالطبع لم ينس رفيقه ومؤيده الأول والرجل الثاني في حياته ونضاله تشي جيفارا، فكرمه أفضل تكريم ومنحه الجنسية الكوبية وأعطاه رتبة «ميجور»، ثم عينه سفيرا متجولا وممثلا شخصيا لكاسترو بهدف الترويج للثورة الكوبية وجذب التأييد العالمي لها، وفي هذه الفترة زار العديد من البلدان غير المنحازة والتقى قيادتها مثل عبدالناصر في مصر، ونهرو في الهند، وتيتو في يوغوسلافيا، وسوكارنو في إندونيسيا، كما زار إيطاليا، واليابان، وباكستان وغيرها، ثم عين جيفارا رئيسا للمعهد الوطني للأبحاث الزراعية ثم وزيرا للصناعة ورئيسا للمصرف المركزي العام 1961، وعقد هو وكاسترو تحالفا مع الاتحاد السوفيتي. ومن خلال مناصبه تلك قام الـ «تشي» بالتصدي بكل قوة لتدخلات أميركا؛ فقرر تأميم جميع مصالح الدولة بالاتفاق مع كاسترو ما أغضب الولايات المتحدة فشددت الحصار المفروض على كوبا، وهو ما جعلها تتجه تدريجيا نحو الاتحاد السوفيتي وقتها.
وذهب «تشي» لأفريقيا مساندا للثورات التحررية، قائدا لـ 125 كوبيا، ولكن فشلت التجربة الأفريقية لأسباب عديدة، منها عدم تعاون رؤوس الثورة الأفارقة، واختلاف المناخ واللغة، وانتهى الأمر بالـ «تشي» في أحد المستشفيات في براغ للنقاهة، وزاره كاسترو بنفسه ليرجوه العودة. وبعد إقامة قصيرة في كوبا اتجه جيفارا إلى بوليفيا التي وجد فيها نقطة انطلاق لحرب ثورية مناهضة للتوسع الأميركي.
نهاية بطل
وصل جيفارا إلى بوليفيا ونجح في البداية نجاحا رائعا بطرق مشابهة لما اتبعه في كوبا، ومعه ثلة من رفاق كفاحه القدماء، ولكن أميركا تعلمت الدرس هذه المرة، فأرسلت المستشارين العسكريين ودعمت ودربت الجيش التابع للرئيس العميل بارينتوس، وذلك عن طريق فريق الـ «سي آي إيه» المعروف بالجرين بيريز، وأصبحت المسألة مسألة وقت لا أكثر للتخلص من هذه الشوكة في خاصرتهم.
وفي يوم 8 أكتوبر 1967 وفي أحد وديان بوليفيا الضيقة، هاجمت قوات الجيش البوليفي المكونة من 1500 فرد مجموعة جيفارا المكونة من 16 فرداً، وقد ظل جيفارا ورفاقه يقاتلون 6 ساعات كاملة وهو شيء نادر الحدوث في حرب العصابات في منطقة صخرية وعرة تجعل حتى الاتصال بينهم شبه مستحيل وقد استمر «تشي» في القتال حتى بعد موت جميع أفراد المجموعة رغم إصابته بجروح في ساقه إلى أن دُمّرت بندقيته «م-2» وضاع مخزن مسدسه، وهو ما يفسر وقوعه في الأسر حيا، نُقل «تشي» إلى قرية «لاهيجيرا»، وبقي حيا لمدة 24 ساعة، ورفض أن يتبادل كلمة واحدة مع من أسروه، وفي مدرسة القرية نفذ ضابط الصف «ماريو تيران» تعليمات ضابطيه: «ميجيل أيوروا» و«أندريس سيلنيش» بإطلاق النار على «تشي».
دخل ماريو عليه مترددا فقال له «تشي»: «أطلق النار، لا تخف؛ إنك ببساطة ستقتل مجرد رجل»، لكنه تراجع، ثم عاد مرة أخرى بعد أن كرر الضابطان الأوامر له فأخذ يطلق الرصاص من أعلى إلى أسفل تحت الخصر، حيث كانت الأوامر واضحة بعدم توجيه النيران إلى القلب أو الرأس حتى تطول فترة احتضاره، إلى أن قام رقيب ثمل بإطلاق رصاصه من مسدسه في الجانب الأيسر فأنهى حياته.
وقد رفضت السلطات البوليفية تسليم جثته لأخيه أو حتى تعريف أحد بمكانه أو بمقبرته حتى لا تكون مزاراً للثوار من جميع أنحاء العالم.
ثم اندلعت أزمة بعد عملية اغتياله وسميت بأزمة «كلمات جيفارا» أي مذكراته. وقد تم نشر هذه المذكرات بعد اغتياله بـ 5 أعوام وصار جيفارا رمزا من رموز الثوار على الظلم.
فيديل كاسترو يتحدث عن أزمة الصواريخ النوويّة (3)
ترجمة: زاهر بولس
*أثناء ذلك، اعتقد، أن الطائرات الأمريكية كانت تحلّق في أجواء كوبا؟
- اجل. استمرّوا بإرسال طائرات بيون من طراز U-2. وبدأوا بتنفيذ طلعات جويّة استكشافيّة على ارتفاع منخفض. ونحن من جهتنا قررنا إطلاق النار على هذه الطائرات. التحليق المنخفض يمكّن هجوماً مفاجئاً. طرحنا الموضوع أمام القادة السوفييت الذين تواجدوا هنا. قلنا لهم انه يجب عدم السماح بالتحليق المنخفض، وأبلغناهم عن نيّتنا في إطلاق النار. وفعلاً، باشرنا بإطلاق النار مستخدمين صواريخاً مضادة للطائرات. عندها، في السابع والعشرين من أكتوبر، قامت بطّاريّة صواريخ سوفييتيّة مضادة للطائرات من طراز سام بإسقاط طائرة أمريكية من طراز بيون U-2 في مقاطعة اوريينتا. حينها كانت اللحظة الأشد توتّراً. طيّار أل u-2 ، الضابط الأمريكي رودولف أندرسون، قتل. في كل لحظة كان من الممكن أن تتحوّل حادثة أخرى إلى حرب. واسمح لي أن أقول لك أن الناس هنا كانوا هادئون.
*هل كان هنالك لحظات اعتقدت فيها أن الحرب واقعة لا محالة؟
- انظر، كانت تلك لحظات توتر شديد. ظننا أن المواجهة واقعة لا محالة، وكنّا مصرّين على تحمّل مسؤوليّة المخاطرة . ولم نكن على استعداد للتنازل. كان لدينا الحق الكامل في الدفاع عن سيادتنا.
*لكن السوفييت تنازلوا.
- في تلك اللحظة، اللحظة الأشد توترًا، أرسل السوفييت اقتراحاً إلى الولايات المتحدة. دون استشارتنا، اقترحوا سحب الصواريخ في مقابل سحب صواريخ جوبيتر الأمريكية من تركيّا. وافق كينيدي على الاقتراح التوافقي في الثامن والعشرين من تشرين الأول، وعندها سحب السوفييت صواريخ أل أس- أس 4 من كوبا. لم ننظر بعين الرضا إلى هذا القرار، استأنا منه كثيراً.
*أكان لديك انطباع أن القرار اتخذ بالالتفاف عليكم؟
- علمنا باقتراح السوفييت من خلال وسائل الإعلام. لم يبحثوا معنا هذه القضيّة. لم نعترض على الحل، لان الأمر الأهم من الناحية التاريخيّة هو منع مواجهة نوويّة، لكن كان على السوفييت استشارتنا. الحديث هنا يدور عن مبدأ. كان عليهم أن يقولوا للأمريكان: "علينا التباحث مع الكوبيين". لربما، لو أننا شاركنا في المباحثات، لكنا حسّنّا من صيغة الاتفاق. لما ظلّت القاعدة البحريّة، غوانتانمو، بأيديهم، ولما استمرّت طلعاتهم الجويّة التجسّسيّة على ارتفاعات عالية. كل هذا أثار شديد استياءنا. احتججنا. فحتّى بعد الاتفاق استمرّينا بقصف الطائرات الأمريكية التي حلّقت على علو منخفض لحين اضطرارهم إيقاف الطلعات. تراجعت علاقتنا بالاتحاد السوفييتي وتأثّرت على مدى سنوات.
*في أيلول 1991 أدار الرئيس الروسي بوريس يلتسين مباحثاتاً مع الولايات المتحدة، وأخرجت موسكو على إثرها ما تبقّى من القوّات السوفييتيّة من كوبا. هل تشاوروا معكم حول قرارهم؟
- ما الداعي! إنهم لا يتشاورون أبدًا.
*أريد توضيحًا حول هذا الأمر، حين اخرجوا في العام 1991 ما سمّي "وحدة إرشاد جيش المشاة المهيّأة" من كوبا...
- لقد تفاوضوا مع الولايات المتحدة دون استشارتنا. تفاوضوا على كل شيء دون استشارتنا. واتفقوا على سحب الوحدة بجبن وغلاظة انتهازيّة. وفي كل الأحوال لم تكن لهذه الوحدة أية أهمية عسكريّة. فعلى الرغم من أن أفراد الجيش الروسي مدرّبون جدًا من الناحية التقنيّة، ويتحلّون بالشجاعة كما اثبتوا ذلك في الحرب العالميّة الثانية، فقد عانت هذه الوحدة من حالة الإحباط ولا تمتلك القدرة على خوض معركة حتى لمدّة ساعتين.
*أفي هذه الحالة أيضا كان من الممكن إخراج الولايات المتحدة من قاعدة غوانتانمو في مقابل إخراج الوحدة السوفييتيّة؟
- حسنًا، إن هذا الأمر كان ممكنًا فقط في أزمة أكتوبر. كان من الممكن نيل ذلك بسهولة بقليل من هدوء الأعصاب، لان العالم لم يكن مهيّأً لخوض حرب عالميّة. وكان بالإمكان نيل مطالب أخرى، فمن بين ما طلبناه إلغاء الحصار البحري ووقف الهجمات الإرهابية وإعادة قاعدة غوانتانمو. كان بالإمكان الحصول على كل ذلك بسهولة، فأنا على يقين أن أحدا لن يشارك في حرب عالميّة من اجل حصار بحري أو هجمات قرصنيّة أو من اجل السيطرة بشكل غير قانوني على قاعدة عسكريّة بعكس إرادة شعبنا.
من المهم التشديد على انّه لم يكن أي شيء غير قانوني في الاتفاقيّة التي عقدناها مع السوفييت والتي استناداً إليها تم نصب الصواريخ في كوبا. فالولايات المتحدة نصبت صواريخ جوبيتر في تركيّا وايطاليا ولم يتدخل احد في ذلك. لم تكن الأزمة في الحيّز القانوني، وإنما في أداء خروتشوف بإدارة الأزمة. حين بدأ بالمحادثات حول الموضوع، أنكر أن السلاح استراتيجيّاً وتورّط في الكذب. في المعركة السياسيّة لا تستطيع أن تسمح لنفسك بالتخلي عن الأخلاقيات، وهذا ما اضعف خروتشوف. أعيد واكرر أن خطوتنا كانت قانونيّة حتى أقصى حد، وشرعيّة وذات مصداقيّة، لكن الذي أعطى كينيدي مظلّة أخلاقية كذب السوفييت وتناقض المعلومات التي استغلّها. فقد كان بيد كينيدي الإثبات المؤكّد، والتي حصل عليها الأمريكان من الجو، من خلال الصور التي التقطتها طائرات U-2. وقد حصلوا على هذه المعلومات بسبب غباء السوفييت على المستوى العسكري. فحين تنصب صواريخاً فانك لا تستطيع أن تسمح بطلعات جوّيّة فوق أراضيك. الولايات المتّحدة لا تسمح بطلعات جوّيّة فوق أراضيها لدولة عظمى معادية، وفي المقابل سمح السوفييت بذلك. ولا شك انّه كان هنالك الكثير من الأخطاء السياسيّة والعسكريّة. على أي حال، لم نصادق في أكتوبر 1962 على إخراج الصواريخ السوفييتيّة، ولكننا لم نتّخذ أي خطوة لمنع ذلك. ففي نهاية المطاف، فيما لو فعلنا ذلك، كنا سنشعل حرباً ضد دولتين عظميين، وهذا يفوق قدراتنا.
*من المؤكّد أن هذا فوق طاقة الاحتمال!
- كان لدينا نحو ثلاثمائة ألف مسلّح. فيما لو قرّرنا الرفض، لما حرّك السوفييت صاروخًا واحدًا. لكن عملا من هذا القبيل هو الجنون بعينه، ويفتقد للمنطق السليم. وبعد انقضاء سنوات، تحديدًا في أكتوبر 2001، بلّغ الروس عن قرارهم بإغلاق مركز الأبحاث الالكترونيّة، وحتى بما يتعلّق في هذا الشأن انفردوا بالقرار وحدهم.
*رغم أزمة أكتوبر لا تزال لديك نظرة ايجابيّة لكينيدي.
- في هذه الأزمة وسّع كينيدي صلاحياته واظهر قوّة إرادة. لو أننا اشتركنا في المباحثات، لقمنا بذلك بشكل بنيوي. فلو سنحت هذه الإمكانية لربما منعنا الكثير من المشاكل التي واجهتها دولنا لاحقاً. أما بالنسبة لكينيدي، فحين آتي لأحكم سياساته، علي أن اخذ بالحسبان الفترة التي عايشناها، ومناهج التفكير التي سادت حينها، والتشويش المتوقّع من دولة ثوريّة راديكاليّة تقطن على بعد 145 كيلومتراً عن الولايات- المتّحدة. فما بالك حين تكون الثورة بقرار مستقل منا، فنحن لم نأخذ من السوفييت في أيام النضال ولا حتّى قرش واحد، ولا حتّى بندقيّة واحدة، فحتّى العام 1959 لم أكن قد تعرّفت على أي سوفييتي.
*يبدو أن أخاك راؤول قد تعرّف على بعض السوفييت.
- راؤول عرف واحدًا، عرف نيقولاي ليونوف. كان حينئذ سوفييتيًّا صغيرًا وقد شارك الاثنان في مؤتمر للشبيبة الشيوعيّة في فيينّا عام 1951. كنت قلت لك أن راؤول انضم لصفوف الشبيبة الشيوعيّة، وكان ذلك بدون أدنى شك يعتبر انجازًا بالنسبة للسوفييت. ولكن هذا أقصى ما كان. فالاشتراكيّة لم تصلنا بالاستنساخ ولا بالإخصاب الصناعي. لقد تطوّرت لدينا في مسار آخر، ويجب اخذ هذا في الاعتبار عند المقارنة ما بين كوبا وبين مسارات أو تجارب بناء الاشتراكيّة في دول أوروبا الشرقيّة، والتي تحاول اليوم بناء نظام رأسماليّ. فإلى جانب التطوّرات التاريخيّة، والى جانب المسار العام الموضوعي، توجد عوامل ذاتيّة تؤثّر على الأحداث بشكل قويّ. في واقع كوبا، لا يوجد أدنى شك أن تضافر العوامل الذاتيّة مع العوامل الموضوعيّة سرّع من مسار الثورة.
كل هذا أدّى إلى المواجهة مع الولايات المتّحدة والى أزمة الصواريخ في العام 1962. ولكن كما ذكرت لك، أبدى كينيدي توجّهًا ايجابيًّا. هو لم يشأ تعقيد الأمور، فقد أمر بوقف الطلعات الجوّيّة المنخفضة وأمر كذلك بوقف حملة مانغوستا. قرارات كينيدي هذه أثارت حفيظة أعداء الثورة الكوبيّة، فهو لم يصدر أوامر للأسطول الأمريكي للتدخل المباشر في خليج الخنازير دعمًا للمرتزقة، ولم يمتطِ أزمة أكتوبر كذريعة لاجتياح كوبا كما أشار عليه العديد من الجنرالات وكثرٌ من أعدائنا. وربما كانوا هم ذاتهم من يقف وراء اغتياله، لكني لا أملك إثبات ذلك.
*حين اغتالوا كينيدي، في 22 تشرين الثاني 1963، اتّهموا لي هارفي اوسوالد بقتله وادّعوا انه من المتحمّسين لكوبا. أتعتقد أنهم أرادوا توريط كوبا بهذا الادّعاء؟
- جيّد انه لم تعط تأشيرة دخول لزيارة كوبا لهذا النموذج. كان بمستطاعهم استغلال ذلك لاتهام كوبا. وفي الواقع، حين بوشر بالتحقيق أعطينا كل ما كان بحوزتنا من معلومات حول القضيّة.
*ما هو تقييمك بالنسبة للصيغة الرسميّة لاغتيال كينيدي؟
- هنالك أمر غريب. من خبرتي التي اكتسبتها في التصويب الدقيق للهدف، لا يمكن استيعاب كيف يتم إطلاق الرصاص سريعًا وبدقّة من بندقيّة ذات منظار تلسكوبي. عندما تطلق النار مستعينًا بمنظار تلسكوبي، يختفي الهدف بفعل الإطلاق. أنت تصوّب على هدف على بعد خمسمائة أو ستمائة متر، ومع الحركة بسبب الإطلاق يختفي الهدف عن العين وتصبح مجبرًا على البحث عن الهدف من جديد. وبعد إطلاق النار عليك شحن الذخيرة من جديد، وبعدها عليك البحث مرّة ثانية عن الهدف ومن ثم إطلاق النار. البحث عن هدف متحرّك بوساطة منظار تلسكوبي أمر صعب جداً، وفوق هذا إطلاق ثلاث رصاصات بدقّة خلال بضع ثوان، أمر يصعب استيعابه.
*أتعتقد بوجود أكثر من مطلق رصاص؟
- لا استطيع أن أفسر لذاتي كيف يمكن لشخص واحد أن يطلق كل هذه الرصاصات. ما استطيع أن أقوله يستند فقط إلى تجربتي باستعمال سلاح ذي منظار تلسكوبي، واستنادًا إلى تجربتي لا استطيع إلا أن أقول أن الرواية الرسميّة حول الاغتيال، ببساطة، غير ممكنة.
*أنت لا تصدّق الصيغة الرسميّة؟
- حقًا. أنا لا اصدّق بالمرّة الصيغة الرسميّة حول كيفيّة إطلاق اوسوالد النار على كينيدي. ولكنّي لا امتلك الإثباتات، وليس بإمكاني إلا التخمين.
كاسترو: نريد لأبنائنا، من أعماق قلوبنا، أن يكونوا مثل تشي جيفارا *
في أحد أيام تشرين أول من عام 1967، ألقي بجثة مشوهة في قبر جماعي،وتمنى القتلة ألا يأتي أحد لإعادة الاعتبار للقبر المجهول.اعتقدوا أنهم بتحطيم الرجل سيحطمون أسطورته، ولكنهم كانوا على خطأ. عام 1968، غضب شبان العالم وخرجوا إلى الشوارع معلنين انهم يستطيعون إنهاء الحروب وتغيير ملامح العالم. وقد تحول هذا الرجل الثائر بعد موته إلى شهيد لقضاياهم. أصبح يمثل أحلام ورغبات الملايين ممن يحملون صوره.
في الأول من كانون الثاني من العام 1959 انتصرت ثورة فيديل كاسترو في كوبا. انتشر الآلاف في شوارع هافانا لاستقبال أبطال الاشتراكية، الذين أطاحوا بالنظام العسكري الفاسد الذي تدعمه أمريكا.
تمكن كاسترو من صنع المستحيل، وذلك بمعونة ساعده الأيمن تشي جيفارا. فنشأت بينهما روح الأخوة التي تعمدت بالنار. تمكنت ثورة كاسترو من تحقيق النصر بالاعتماد على تكتيك حرب العصابات.
أثبت جيفارا بين الثوار في الجبال الكوبية، براعته القتالية و كفاءته القيادية في مواجهة الخطر باستعداد ألهم الجنود من حوله. أدرك كاسترو قدرة تشي على القتال، فكانت هذه الكفاءة مفتاح تحقيق النصر عام 1959.
حقق فيديل كاسترو حلمه عند انتصار الثورة. أما حلم جيفارا، فكان ما يزال في بدايته بعد.
تخطت أحلام هذا الشاب الأرجنتيني الثائر حدود جزيرة كوبا، فقد كان يحلم ببناء جنة اشتراكية عالمية، انطلاقا من أمريكا اللاتينية. أراد رفع علم المساواة في العالم أجمع.
عندما كان يدرس الطب جال في أرجاء القارة، وتأثر جدا بما رآه من فقر منتشر بين سكانها.
كان يحلم بتحرير جميع هؤلاء الناس، وبعد ثلاثة أسابيع من انتصار فيديل، أعلن أنه يريد مغادرة كوبا، لنشر الثورة في العالم. تعامل كاسترو مع مشاريعه باحترام، ولكنه وجد أولوياته في حماية الثورة وتنميتها على أرض الوطن.
اعتمد الاقتصاد الكوبي الذي ورثه فيديل على تصدير السكر، وتحديدا إلى أمريكا. أراد كاسترو إنهاء هذه التبعية، وإعادة بناء كوبا كدولة إنسانية متقدمة.
وجد جيفارا نفسه فجأة وزيرا للاقتصاد. فاتبع سياسة غير رسمية في عمله، يمكن اختصارها بالطريقة البسيطة التي وقع فيها العملة الكوبية الجديدة. تشي. بساطته وتواضعه ووسامته، جعلت منه وزيرا غير اعتيادي للاقتصاد.
أثناء محاولات واشنطن اغتيال كاسترو بالسيجار المسمّم، كان السوفييت يعززون تحالفهم مع كوبا، لتنشأ علاقة أسهم تشي بتطويرها، على اعتبار أن الاتحاد السوفييتي يحمل النماذج الفكرية والاقتصادية التي يسعى لتطبيقها في كوبا.
رغم أن جيفارا المحارب والقائد والزعيم، لم يكن اقتصاديا، إلا أن مساعيه زرعت روح العمل الجماعي التي ما زالت سائدة حتى اليوم، وما زال الاقتصاد الك وبي يواجه العوائق الصعاب ا لناجمة عن نحو خمسين عاما الحصار الأمريك ي المجحف ضد كوبا.
كانت ملامح جيفارا الهادئة تتناقض مع كيانه الداخلي الثائر، فقد عرفت عنه المثابرة في العمل ولكن عفته الشخصية جعلته يصلح لممارسة العمل الاقتصادي بنقاء ونظافة كفه التي قلما تتوفر اليوم في وزراء الغرب وأتباعه.
في الثامن والعشرين من تشرين أول من عام 1962، حبس العالم أنفاسه أثناء خوض كندي في لعبة الروليت الروسية. حين علم بأن خروتشوف قد وضع صواريخ نووية على أرض كوبا، أصدر تهديدا نهائي بإعلان حرب نووية إن لم يتم انتزاع تلك الصواريخ. بعد الاتفاق مع واشنطن نزع خروتشوف الصواريخ وأعادها إلى روسيا دون التشاور مع كوبا.
غضب جيفارا لما اعتبره استخفافا من قبل خروتشوف لتخطيه سيادة كوبا وزعامتها. كما أغضب ذلك فيديل كاسترو أيضا، ولكنه نجح كسياسي في ضبط مشاعر الغضب لديه وتسخيرها لتعزيز التحالف مع السوفييت لما فيه مصلحة كوبا ومستقبل الثورة فيها.
بقي جيفارا على عهده في مقارعة الأمريكيين ومساعيهم التوسعية في أرجاء العالم مسلطا الأضواء على جميع تحركاتهم المشبوهة في أرجاء العالم، وفي بداية ستينيات القرن الماضي ألقى في أحد المحافل الدولية خطابا حذر فيه واشنطن من مغبة الاستمرار في محاولات الهيمنة الجارية في افريقيا فقال:
"والآن تسعى القوات الأمريكية إلى التدخل في الكونغو، ولماذا؟ للتورط في فييتنام أخرى، وكي تتعرض لهزيمة أخرى دون شك، مهما مر على ذلك من وقت، ولكن هزيمتهم حتمية".
رغم إدراك كاسترو بأهمية التركيز على تعزيز إنجازات الثورة وضمان التقدم والتنمية في كوبا إلا أنه لم يتردد في احترام قرار جيفارا في تقديم الدعم للحركات الثوري ة المناهضة لأمريكا في العالم.
سعى جيفارا لإقامة مجموعات حرب عصابات في الكونغو، مع أن فكرته لم تلق صدى واسعا لدى بعض القادة، أصر جيفارا على موقفه، وتموه بملابس رجل أعمال ثري، لينطلق في رحلة طويلة سافر فيها من بلد إلى آخر ليواجه المصاعب تلو الأخرى. ولكنه لم يتمكن من الوصول إلى الكونغو التي سعى إليها، فبقيت الثورة هناك حلما يراود أفكاره.
بعد أشهر من حروبه المتعاقبة، نشرت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية شائعات تدعي فيها اختفاء إرنستو تشي جيفارا في ظروف غامضة ومقتله على يد زميله في النضال القائد الكوبي فيديل كاسترو ما اضطر الزعيم الكوبي للكشف عن الغموض الذي اكتنف اختفائه من الجزيرة للشعب الكوبي فأدلى بخطابه الشهير الذي جاء فيه ما يلي:
"لدي هنا رسالة، كتبت بخط اليد، من الرفيق، إرنستو جيفارا يقول فيها: أشعر أني أتممت ما لدي من واجبات تربطني بالثورة الكوبية على أرضها، لهذا أستودعك، وأستودع الرفاق، وأستودع شعبك، الذي أصبح شعبي. أتقدم رسميا باستقالتي من قيادة الحزب، ومن منصبي كوزير، وأتنازل عن رتبة القائد، وعن جنسيتي الكوبية، لم يعد يربطني شيء قانوني بكوبا".
أكدت هذه الرسالة إصراره على عدم العودة إلى كوبا بصفة رسمية، بل كثائر يبحث عن ملاذ آمن بين الحين والآخر. ثم أوقف مساعيه الثورية في الكونغو وأخذ الثائر الذي فيه يبحث عن قضية عالمية أخرى.
علق الآمال على قدرته في مساعدة الفلاحين في حروبهم الثورية من أجل المساواة، فصار حينها يبحث بشغف عن مكان يتابع منه مواجهة التوسع الأمريكي. تحولت أمريكا اللاتينية إلى هدف رئيسي لما فيها من فقر ومعاناة وشروط تضمن الظروف اللازمة لاستمرار الثورة، اختار جيفارا البلد الأكثر تعرضا للهجمة الأمريكية في القارة، بوليفيا، فدعم كاسترو قراره بكل احترام.
وافق فيديل كاسترو على مساعي جيفارا، فقدم له الدعم اللازم، وساعده في تقديم كل ما يلزم لمتابعة مسيرته الثورية على طريقته. فانتحل جيفارا هوية رجل أعمال من الأوروغواي وتوجه إلى بوليفيا التي وجد فيها نقطة انطلاق لحرب ثورية مناهضة للتوسع الأمريكي تسهم بنشر الاشتراكية في العالم أجمع.
ولكن المصاعب أخذت تتوالى على مشروعه الهائل، كانت الحياة صعبة، وفيها بعض الأمل، وكأن الفلاحين ترددوا في السعي لتغيير الحالة السائدة. عندما وصل جيفارا إلى هناك مع رجاله يبحثون عن مجندين، لم يجدوا إلا قلة وقفت معهم نتيجة الحملات الدموية التي أعلنتها الحكومة المؤيدة للولايات المتحدة هناك، والتي أدرك الفلاحون وسكان البلاد الأصليين أنها لن توفر أحدا في دمويتها المعهودة.
كما أسهمت الدسائس الأمريكية في خلق نزاعات في أوساط اليساريين أنفسهم كثيرا ما تحدث عنها زعيم الحزب الشيوعي البوليفي ماريو مونهي في عدة مناسبات محذرا جيفارا من حالة الجزر الثورية والانقسامات التي تعانيها البلاد في تلك الفترة.
منذ بداية عام 1967، وجد جيفارا نفسه مع مقاتليه العشرين، وحيدا يواجه وحدات الجيش المدججة بالسلاح بقيادة السي أي إيه في براري بوليفيا الاستوائية. أراد جيفارا أن يمضي بعض الوقت في حشد القوى والعمل على تجنيد الفلاحين والهنود من حوله، ولكنه أجبر على خوض المعارك مبكرا.
اشتبك المقاتلون مع وحدة من الجيش البوليفي بقيادة وتوجيه السي أي إيه فقتلوا سبعة جنود وأسروا عشرين آخرين. توقعت السي أي إيه وجود أعداد كبيرة من قوات حرب العصابات، فحركت قوات الجيش نحوها حتى اكتشفت موقع المعسكر، وصادروا وثائق تثبت هوية المقاتلين، تشمل صورا شخصية خلفتها إحدى المقاتلات الثائرات وراءها.
اشتدت المطاردة لتجبر جيفارا ورفاقه على اتباع استراتيجية الكر والفرار سعيا للنجاة واستنزاف وحدات المطاردة المعادية.
ألقي القبض على اثنين من مراسلي الثوار، فاعترفوا تحت قسوة التعذيب أن جيفارا هو قائد الثوار. فبدأت حينها مطاردة لشخص واحد. بقيت السي أي على رأس جهود الجيش البوليفي طوال الحملة، فنتشر آلاف الجنود لتمشيط المناطق الوعرة بحثا عن أربعين رجلا ضعيفا وجائعا.
قسّم جيفارا قواته لتسريع تقدمها، ثم أمضوا بعد ذلك أربعة أشهر متفرقين عن بعضهم في الأدغال. إلى جانب ظروف الضعف والعزلة هذه، تعرض جيفارا إلى أزمات ربو حادة، ما شكل عاملاً أسهم في تسهيل مهمة البحث عنه ومطاردته.
ركب المقاتلون شاحنة ودخلوا إلى بلدة ساماباتا حيث استولوا على مركز الشرطة ودخلوا أمام الأعين المندهشة لشراء دواء من الصيدلية. وربما كانوا يجهلون بأن الطريق العام كوتشامبامبا- سانتاكروس كان وما يزال شريانا حيويا في البلد. فهو يربط شرق البلاد بغربها، أي أنهم عندما استولوا على ساماباتا لبضع ساعات كادوا يشلون حركة البلد بكاملها.
وبعد مطاردات عنيفة مع وحدات الجيش البوليفي بقيادة السي أي إيه قتلت تانيا ومقاتلي الفرقة الثانية الذين كانوا معها في مجزرة وقعت على ضفة أحد الأنهر، فبقي مع جيفارا عشرون رجلا. دفعه الجوع والعزلة إلى البحث عن ملاذ آمن لهم في إحدى الوديان السحيقة.
علمت السي أي إيه عبر وسائلها التكنولوجية المتطورة بوجود جيفارا في تلك المنطقة فأرسلت الضابط الشاب في الجيش البوليفي الملازم غاري برادو، لينشر رجاله على السفوح المطلة، ومحاصرة المقاتلين هناك.
أوشكت المعركة الحاسمة على الوقوع هناك، ولكن جيفارا أصيب مرتين، كما أصيب سلاحه وتعطل في يده. تسلق الجبال سعيا لاختراق الحصار، ليجد نفسه وجها لوجه أمام كمين للجيش الذي تمكن من إغلاق الحصار، والقبض عليه حيا ولكنه مرهق ومريض ومجرد من السلاح.
ما أدهش السكان هو أنه رغم كل هذه الظروف الصعبة التي كان فيها تم اقتياده إلى بلدة لا هيغويرا، موثوق اليدين والقدمين، ليسجن في مدرسة تحت حراسة الجنود وإشراف السي أي إيه مباشرة هناك.
ويقول الجنرال برادو الذي ألقى القبض عن تلك الواقعة في إحدى المقابلات ما يلي: "عندما رآني متوترا لأن هذه كانت أول عملية قتالية أقوم بها، حاولت التأكد من كل شيء، فوضعت الحراسات الأمنية حول السجناء للتأكد من عدم حصول شيء. فقال: لا تقلق أيها الملازم، هذه هي النهاية، انتهى الأمر".
لم يعترف أي ضابط بتلقي أوامر الإعدام. ومع ذلك تؤكد وثائق السي أي إيه المفرج عنها أن الأوامر صدرت عنها مباشرة وقد أمر بتنفيذها عملاؤها المشاركون في العملية فدخل أحدهم إلى الغرفة، وصوب السلاح وأطلق النار على أسير أعزل مريض ومرهق. اغتيل تشي جيفارا وهو في التاسعة والثلاثين.
نقلت الجثة المضرجة بالدماء في طائرة هليكوبتر عبر الجبال إلى بلدة فالي غراندي الجرداء بعد أن قطعت يداه انتقاما وأرسلت إلى كوبا.
مع انتشار نبأ موته، انتشرت حشود السكان الأصليين والفلاحين على الطرقات تودعه. هنا أدرك القتلة فداحة خطأهم، حين قرروا أن قتله يستحق الإعلان على الملأ. فعرضوه في غرفة غسيل تابعة لإحدى المستشفيات المحلية.
قاموا بغسله وتنظيفه كي لا يشك أحدا في هويته. لقد قتلوا جيفارا الإنسان، ولكن تفاهتهم وحماقتهم أدت إلى ولادة جيفارا الشهيد، الذي هو أقوى من الموت والعذاب، فقد قالت سوزان أوسينغا إحدى ممرضات المستشفى الذي أودع فيه بعد اغتياله عن مشاهدتها في تلك المناسبة ما يلي: كانت ملامحه شبيهة جدا بملامح السيد المسيح، لهذا ما زال الكثير من الفلاحين والهنود في بوليفيا يقيمون القداس حتى اليوم على روح جيفارا قائلين أنه يحقق المعجزات.
لو لم يقتلوه، لو لم يغسلوه، لو لم يعرضوا جثته على الملأ بعد فشله في صنع الثورة، لما ولد مسيح الوادي الذي يعرف بفالي غراندي. والذي يتحدث عنه فيديل كاسترو اليوم فيقول: "إذا أردنا أن نعرف كيف نريد أن يكون أبناؤنا، يجب أن نقول من أعماق قلوبنا كثوار، أننا نريدهم أن يكونوا مثل جيفارا".
فى الثانى عشر من كانون الاول عام 1964 كتبت صحيفة نيويورك تايمز: "وقف امس الرجل ذو اللحية، والزى العسكرى الزيتوني، خارج قاعة الجمعية العمومية للامم المتحدة، واخرج من جيبه مطواة قطع بها الجزء المشتعل من سيجار "الهافانا" الذى كان دخنه حتى نصفه. وبعدما وضع نصف السيجار الذى لم يدخنه فى جيبه، دخل الى قاعة الجمعية العمومية ليلقى خطابا "ملتهبًا" ضد الاستعمار والامبريالية. ذلك الرجل هو تشى جيفارا. انه الثورى الكامل الذى يندر ان يكون له مثيل...
وربما كانت صورة جيفارا.. بخصلات شعره الطويل، ولحيته غير المشذبة والعيون الكبيرة الحزينة- واحدة من اعظم الصور الصحافية فى التاريخ، والاكثر استغلالاً تجاريًا بالطبع. وبهذه الالفة الغريبة بين جيفارا ووسائل الاعلام (فى حياته ومماته)، فإنه يصبح من الصعب جدًا نزع الهالة الاسطورية عن شخص، اصبح من العلامات البارزة فى النصف الثانى من القرن العشرين بعد الانتصار المذهل للثورة فى كوبا، وتحوّل بسرعة الى رمز لقوى الثورة فى كل العالم؛ من افريقيا الى آسيا الى أمريكا اللاتينية.. وحتى بين الشباب الاوربى ايضا.
يمثل جيفارا- والى حد ما كاسترو- حالة التمرد الفردي القصوى بين قوى الثورة في العالم، بابتعادها عن الاحزاب والحركات المنظمة او المؤطرة. كما يمثلان حالة الصراع ضد كل ما هو "يانكي"، وضد دور الولايات المتحدة فى امريكا اللاتينية خصوصًا. ولهذين السببين تحديدًا فان ساحة جيفارا ورفاقه- هي جميع دول امريكا اللاتينية التي يهيمن عليها اليانكى تمامًا، كما تغيب عنها الاحزاب والحركات الثورية المنظمة.
وبهذا المعيار فان جيفارا مناضل قومي بمعنى الكلمة. وقبل انتصار الثورة فى كوبا، لم يعرف عنه الاهتمام بالدور الامبريالي للولايات المتحدة خارج امريكا اللاتينية مثلاً، مثلما لم يعرف عنه بناء أي علاقات مع قوى التحرر والثورة فى العالم. وفي الحقيقة ان الرجلين- جيفارا وكاسترو- يحملان قدرا كبيرا من الطاقة والاندفاع الثورى وكذلك العناد والصبر وغيرها من الخصال الفردية، التى تجعلهما يكرسان نفسيهما لمشروع تحرير أية دولة في امريكا اللاتينية- كوبا، غواتيمالا، بوليفيا، الارجنتين- من الدكتاتورية والتبعية؛ اذ ليس هناك أي فارق جوهري- فى نظرهما- بين هذه الدول التي تجمعها اللغة الاسبانية والعقيدة الكاثوليكية والتهجين الجنسي والحضاري الواسع والعميق بين البيض والسود والاقوام الاصيلة، والذي يتجلى فى كل المظاهر الفنية والثقافية وحتى الدينية.
ان الانتصار فى كوبا على باتيستا وزمرته باسلوب حرب العصابات والكفاح المسلح يفتح عيون العالم بأجمعه على الثوار الجدد. ويظل مغزى هذا الانتصار رمزيا اكثر منه عمليًا، لكن الخطوة اللاحقة بانضمام كاسترو وجيفارا الى الحزب الشيوعي الكوبي، ربما لا تقل خطورة عن الانتصار على باتيستا نفسه. وفى الحقيقة لا ندرى ماذا كان الرجلان- ورفاقهما بالطبع- ينويان بعد استلام السلطة، وخصوصا أنهما بدون قاعدة اجتماعية او فكرية عريضة. هل يؤججان الاحتراب السياسى فى كوبا لغرض إحكام قبضة السلطة الثورية الجديدة، ثم يعملان على اكمال مهمتهما فى محاربة الولايات المتحدة؟.. وفي الحقيقة ان تحولهما الى شيوعيين قد دفعهما تمامًا فى تيار الحرب الباردة المشتد اوارها فى بداية الستينيات. وهكذا تحولت كوبا الى حليف استراتيجى للاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي، الذى وجد له قاعدة متقدمة على ابواب الولايات المتحدة نفسها. ويجب ان ينظر الى الدور الشخصى لجيفارا- بالذات- فى اقناع القيادة السوفييتية بنشر الصواريخ والاسلحة الذرية فى هذا المكان الحساس بالذات. اذ يحمل العداء الذى يكنه جيفارا للولايات المتحدة- ولفكرة اليانكي- طابعا شخصيا، تاريخيا، وجوديا يقترب من العدمية احيانا. وربما كان نشر هذه الاسلحة هو الذى كلف خروتشوف منصبه، وليس انفتاحه على الغرب او دعوته للتعايش السلمي. وهذا يتجلى فى الموقف اللاحق للاحزاب والحركات الشيوعية الرسمية فى اعتبار جيفارا- وليس كاسترو- خارجًا عن الطريقة والتيار العام. ونستطيع ان نشبّه الحالة، بمؤمن خارج عن جماعته الدينية- فى ممارساته وافكاره- لكن خصاله ومآثره تدفع الجميع فى النهاية الى تطويبه كقديس وشهيد.
واذ يقنع كاسترو بقيادة كوبا وبناء الاشتراكية فى هذا المكان من العالم، فان شخصية جيفارا لا تحتمل المناصب والمهام الرسمية، او المسؤوليات الروتينية. انه يبدو لاهثًا للقضاء على الامبريالية فى كل مكان، بعد ان اكتشف تعاطف الشعوب معه، من العرب الى الاسيويين الى الافارقة. فيقوم بزيارة الدول ويلتقى بالشخصيات السياسية والثورية- خارج امريكا اللاتينية- لتعبئة جبهة مضادة للولايات المتحدة مستغلا هالته الثورية المستقلة تماما عن أية سلطة او اتجاه سياسي محدد، عدا العداء للامبريالية. وتحركات وشعارات جيفارا هى التى علمتنا العداء للامبريالية حتى وان لم نكن نفهم معناها الحقيقي، فقد اصبحت الامبريالية هى المظلة الكبرى التى تجمع اعداء الشعوب وحركاتها التحررية فى العالم. واذ تفشل الحركة المسلحة فى الكونغو، واذ يكتشف صعوبة النضال المسلح فى اوساط مختلفة ثقافيا وقوميا، يعود جيفارا الى ساحته الاثيرة فى امريكا اللاتينية، الى بوليفيا، ليقود حرب عصابات لا تغفل عنها الاوليغارشيا المحلية والمخابرات المركزية الامريكية. ويقتل جيفارا فى 9 تشرين الأول عام 1967.
عبر منظمة تضامن شعوب افريقيا واسيا وامريكا اللاتينية يقول: "لا يهمنى متى واين سأموت، لكن يهمنى ان يبقى الثوار منتصبين، يملأون الارض ضجيجًا، كى لا ينام العالم بكل ثقله فوق اجساد البائسين والفقراء والمظلومين".
وسيظل صدى هذه الكلمات يتردد، ويلهم المئات فى مكان وزمان، ما دام الظلم والعنف يسود هذا العالم.
بقلم: الحزب الشيوعي السوري
أرنستو تشي جيفارا.......وكاسترو
في المكسيك انضم جيفارا للثائر كاسترو وتمكنا عبر الثورة الكوبية الشهيرة التي أخذت طابع حرب العصابات من إسقاط نظام حكم باتيستا 1959 وكان تابعا لأمريكا ومدعوما بالسلاح منها، حيث تولى جيفارا في الحكومة الشيوعية بكوبا منصب رئيس المصرف الوطني وبعدها وزير الصناعة.
ولكنه فضل بعدها ترك المناصب التي رآها منافية لفكره الثوري وانضم مجددا لحركات مقاومة أمريكا داخل أفريقيا وأمريكا اللاتينية عبر صفوف الفلاحين والعمال وقضى نحبه في بوليفيا بعدما قبض عليه أثناء إحدى المعارك مع الجيش الحكومي.
ومن كلماته الشهيرة عن الحرية والإنسان:
- الطريق مظلم وحالك فإن لم نحترق أنت وأنا فمن سينير الطريق
- لا يهمني متى أو أين أموت.لكن همي الوحيد أن لا ينام البرجوازيون بكل ثقلهم فوق أجساد أطفال الفقراء والمعذبين، وأن لا يغفو العالم بكل ثقله على جماجم البائسين والكادحين.
- أنا لا اوافق على ما تقول، ولكني سأقف حتى الموت مدافعا عن حقك في أن تقول ما تريد .
- يقولون لي أذا رأيت عبدا نائما فلا توقظه لئلا يحلم بالحريه وأقول لهم، إذا رأيت عبدا نائما أيقظه وحدثه عن الحرية.
- لابد أحيانا من لزوم الصمت ليسمعنا الآخرين، الصمت فن عظيم من فنون الكلام .
- كنت أتصور أن الحزن يمكن أن يكون صديقا لكنني لم أكن اتصور أن الحزن يمكن أن يكون وطنا نسكنه ونتكلم لغته ونحمل جنسيته.
- إنني أحس على وجهي بألم كل صفعة توجه إلى كل مظلوم في هذه الدنيا فأينما وجد الظلم فذاك هو وطني.
- علمني وطني بأن دماء الشهداء هي التي ترسم حدود الوطن
- لكل الناس وطن يعيشون فيه إلا نحن فلنا وطن يعيش فينا.
- أنا شاهد المذبحة وشهيد الخريطة انا وليد الكلمات البسيطة
- من شدة حبي سأموت، إن يوما سأموت لا حزنا أو حسرة لكن من شدة حبي !! من شدة حبي لك يا وطني المحتل.
- قد يكون من السهل نقل الإنسان من وطنه ولكن من الصعب نقل وطنه منه.
- مثل الذي باع بلاده وخان وطنه مثل الذي يسرق من بيت أبيه ليطعم اللصوص فلا أبوه يسامحه ولا اللص يكافئه.
- عزيزتي تمسكي بخيط العنكبوت ولا تستسلمي (من رسالة إلى زوجته إلييدا) .
- إن من يعتقد أن نجم الثورة قد أفل فإما أن يكون خائنا أو متساقطا أو جبانا, فالثورة قوية كالفولاذ, حمراء كالجمر, باقية كالسنديان عميقة كحبنا الوحشي للوطن .
- كل قطرة دم تسكب في أي بلد غير بلد المرء سوف تراكم خبرة لأولئك الذين نجوا, ليضاف فيما بعد إلى نضاله في بلده هو نفسه, وكل شعب يتحرر هو مرحلة جديدة في عمليه واحدة هي عملية اسقاط الامبريالية.
- أنا لست محررا, المحررين لا وجود لهم, فالشعوب وحدها هي من تحرر نفسها .
- لا أعرف حدوداَ فالعالم بأسره وطني .
- الإصلاح الزراعي هو حجر الزاوية في أية ثورة،.فليست هناك حكومة يمكن أن تصف نفسها بأنها حكومة ثورية ، اذا لم تنفذ برنامجا جذريا للاصلاح الزراعي .
- إننا نبني الاشتراكية على أرضنا ونضع حبة الرمل الضغيرة هذه في خدمة أمل الانسانية الاكبر : الغاء استغلال الانسان للانسان ، هذا الانسان الذي يشكل الاستعمار العدو له .
- إنَّ آلاف الأطفال الفقراء في كوبا، يمنعون أولادي من أن يلعبوا بالدمى كأطفال الأغنياء.
- كلّ الناس تعمل وتكدّ وتنشط لتتجاوز نفسها، لكنّ الهدف الوحيد هو الربح. وأنا ضدّ الربح، ومع الإنسان. ماذا يفيد المجتمع، أي مجتمع، إذا ربح الأموال وخسر الإنسان؟
- التاعسون هم مصدر القوة في العالم.
- إنّ الثورة تتجمّد، والثوار ينتابهم الصقيع حين يجلسون على الكراسي ويبدأون بناء ما ناضلت من أجله الثورة
- هذا هو التناقض المأساوي في الثورة: أن تناضل وتكافح وتحارب من أجل هدف معيّن، وحين تبلغه، وتحقّقه، تتوقّف الثورة وتتجمّد في القوالب. وأنا لا أستطيع أن أعيش ودماء الثورة مجمّدة داخلي.
-إنّني أؤمن بأنَّ النضال المسلّح هو الطريق الوحيد أمام الشعوب الساعية إلى التحرّر. ويعتبرني الكثيرون مغامراً ، وفعلا أنا مغامر لكن من طراز مختلف عن الساعين وراء نزوات فردية عابرة.
- حياة الإنسان الفرد أعظم من كل ممتلكات أغنى أغنياء الأرض... الإحساس بالفخر لأنك خدمت جارك أكثر أهمية بكثير من مكافأة طيبة على العمل ذاته. والشيء الملموس أكثر والشيء الأبقى من كل الذهب الذي قد يجمعه الفرد هو امتنان الناس له.
- يجب البدء في محو كل مفاهيمنا القديمة. يجب ألا نذهب للناس ونقول لهم، ها نحن قد جئنا. لنتفضل عليكم بوجودنا معكم، لنعلمكم علومنا، لنظهر لكم أخطاءكم، وحاجتكم للثقافة، وجهلكم بالأشياء الأولية، يجب أن نذهب بدلا من ذلك بعقل فضولي وروح متواضعة لننهل من هذا المعين العظيم للحكمة الذي هو الشعب.
- نحن في حاجة غالبا لتغيير مفاهيمنا، وليس فقط المفاهيم العامة، الاجتماعية أو الفلسفية، ولكن في بعض الأحيان الطبية أيضا، سوف نرى أن الأمراض لا تحتاج دائما إلي طرق تدخل علاجية كالتي تستخدم في مستشفيات المدن الكبيرة. سوف نرى أن الطبيب يجب عليه، على سبيل المثال، أن يكون أيضا فلاح ويزرع أطعمة جديدة ويحصدها، لرغبته في استهلاك أطعمة جديدة، وتنويع الهيكل الغذائي الذي هو محدود جدا، وفقير جدا.
- إذا ما خططنا لإعادة توزيع ثروة هؤلاء الذين لديهم الكثير جدا لنعطي هؤلاء الذين لا يمتلكون شيئا؛ لو نوينا أن يصبح العمل مبدعا يوميا، مصدرا ديناميكيا لكل أسباب سعادتنا، فمن ثم نحن لدينا أهداف نسعى نحوها.
- ما يؤلم الإنسان هو أن يموت على يد من يقاتل من أجلهم.
- لن يكون لدينا ما نحيا من أجله .. إن لم نكن على استعداد أن نموت من أجله.